Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
حاجة الناس في تبادل سلعهم والحصول على سلع جديدة تلبية لاحتياجاتهم المتجددة، دفعتهم الى التعاملات المالية المختلفة منذ القدم، وقد تطورت هذه المعاملات كعقود المعاوضة، والبيع، بمرور الزمن، حتى باتت على ما هو متعارف عليه، فعقد البيع هو من أقدم وأكثر العقود الشائعة في الحياة العملية، ونظرا لانتشاره وشيوعه فقد سارعت الى تنظيمه الشريعة الاسلامية، حيث نظمت الاحكام الشرعية للمعاملات وأهمها البيع، كما حصل الشيء نفسه لدى التشريعات الوضعية الحديثة التي أحاطت عقد البيع بعديد من النصوص القانونية، حمايةً للمالك بمنع الأغيار من الاعتداء على ملكه.
وقد حظي «عقد البيع» بكتابات وبحوث متكاملة اوضحت معظم تفاصيل هذا العقد الشائع، إلا اننا في هذا المقال المقتضب، نودّ الخوض في نوع خاص من عقود البيع الذي منحه المشرع العراقي والتشريعات الأخرى عناية خاصة، فأضافوا إليه شروطاً أخرى غير تلك التي متعارف عليها، وهو «عقد بيع العقار»، سنتطرق من خلاله الى احكام بيع العقار خارج إطار التسجيل العقاري (الطابو)، أي انتقال العقار المُباع من شخص الى آخر بالبيع على التعاقب، كأن يبيع المالك الأصلي العقار الى مشترٍ اول، ثم يبيع المشتري الأول العقار الى مشترٍ ثانٍ قبل ان يتم تسجيله في الطابو، فهل تعد هذه العقود في نظر القوانين عقود بيع عقار حقيقة، أم ان التشريعات الوضعية وعلى الخصوص القانون العراقي، لا يعدها كذلك؟ وما هي الضمانات بالنسبة للمشتري الأول والثاني في عقود كهذه؟ هذا ما نحاول ان نبينه ان شاء الله من خلال هذا المقال وفق المفردتين التاليتين:
أولاً: الطبيعة القانونية لعقد بيع العقار
ثانياً: قيمة عقد بيع العقار الخارجي في القانون العراقي
بينت المادة (73) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 مفهوم العقد بشكله العام، وهو ما يشمل معظم التعاملات المالية على أنه «ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه»؛ وهذا ما وافقته معظم التشريعات المدنية العربية، ويستخلص منها ثلاثة أركان رئيسية لانعقاد أي عقد، وهي؛ التراضي والمحل والسبب، ويقال عنها بالعقود الرضائية.
إلا ان مسألة العقار وما تتطلبه التصرفات العقارية من حماية قانونية وتثبيت الحقوق الناشئة عنها، فكان لابد ان تنظم بموجب أسس متينة تؤمن لها الاستقرار والطمأنينة والحفاظ عليها، ولما كانت العقارات من الاشياء الثابتة المستقرة الصالحة للاستغلال.
لذا فانها تكون جزءاً مهماً من الثروة، وهي ذات اهمية كبيرة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للافراد، وبما ان هذه الثروة قد تدعو الى الاستغلال وبيع العقار الى اكثر من مشترٍ ما دام لم يكن هنالك قيود، فنجد ان التشريعات الحديثة وضعت الضوابط لحماية تلك الحقوق من جهة، وحماية المجتمع من استغلال تلك الحقوق من جهة اخرى. ونظراً لأهمية حق الملكية العقارية والحقوق الاخرى المتفرعة عنه، وضرورة حمايتها.
فان التشريعات المختلفة انقسمت بشأن حمايتها الى قسمين:
فمنها من ذهب الى رفع ضرورة التسجيل، حيث جعلها بمثابة ركن من أركان العقد يضاف الى الاركان الثلاثة ليكون العقد من العقود الشكلية، كالقانون العراقي، حيث أوجب تسجيلها في دوائر خاصة، بحيث لا ينعقد العقد إلا باتباع تلك الشكلية، فيما حافظ الاتجاه الآخر والذي اتبعته الكثير من البلدان العربية، وكذلك فرنسا على رضائية عقد بيع العقار إلا أنها اشترطت ضرورة التسجيل في الدوائر المختصة لشهر التصرفات العقارية كالبيع والرهن وغيرهما من التصرفات الأخرى.
يذهب هذا الاتجاه والذي يمثله القانون العراقي، الى ان عقد بيع العقار من العقود الشكلية، ولا يمكن ان تنعقد عقود كهذه إلا باتخاذ الشكل اللازم الذي يحدده القانون، وقد عدّ القانون العراقي الشكلية لهذا العقد، بان يتم تسجيله في دائرة التسجيل العقاري (الطابو)، أما المكاتبات والاتفاقات المتعارف عليها والتي تسبق ذلك، لا تمثل عقداً لبيع العقار في نظر القانون، وعليه يمكن القول ان عقود بيع العقار المبرمة خارج هذه الدائرة عقود باطلة لا يمكن اعتبارهما «عقد بيع عقار»، وذلك لتخلف الشكلية فيه، حيث يمكن ان نستشعر ذلك بوضوح من خلال نص المادة (508) من القانون المدني العراقي سابق الذكر، والتي تنصّ على ان «بيع العقار لا ينعقد إلا اذا سجل في الدائرة المختصة واستوفى الشكل الذي نص عليه القانون»، وكذلك المادة (1126 ف2) من القانون ذاته بقولها: «والعقد الناقل لملكية العقار لا ينعقد إلا اذا روعيت فيه الطريقة المقررة قانوناً».
وقد عزز القضاء العراقي في العديد من قراراته موقف القانون من جعل بيع العقار عقداً شكلياً لا ينعقد إلا بالتسجيل في دائرة التسجيل العقاري، حيث قضت محكمة تمييز العراق بأنّ «بيع العقار خارج دائرة التسجيل العقاري باطل بحكم المادة (508) من القانون المدني.
واذا بطل العقد يعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد ويتوجب إعادة المبلغ الذي دفعه المشتري للبائع».
أما الاتجاه الثاني والقاضي برضائية عقود بيع العقار وهو ما يتفق مع الشريعة الاسلامية حيث يؤكد الفقهاء على تحرير العقود من الشكليات استناداً الى قوله تعالى في الآية الأولى من سورة المائدة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وكذلك (الآية: 91) من «سورة النحل» والتي تنصّ على {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}، فقد تبنته الكثير من تشريعات البلدان العربية، وفي مقدمتهم التشريع المصري، حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال نصّ المادة (934) من القانون المدني المصري التي تؤكد على ما يلي:
1- فى المواد العقارية لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان فى حق الغير، إلا إذا روعيت الأحكام المبينة فى قانون تنظيم «الشهر العقاري»*.
2- ويبين «قانون الشهر» المتقدم الذكر التصرفات والأحكام والسندات التى يجب شهرها سواء أكانت ناقلة للملكية أو غير ناقلة، ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر.
وبالرجوع الى «قانون الشهر العقاري» المصري رقم (114) لسنة 1946 نجد ان المادة التاسعة منه تنص على أنّ «جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية، او نقله او تغييره او زواله وكذلك الاحكام النهائية المثبتة بشيء من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل ويدخل في هذه التصرفات، الوقف والوصية ويترتب على عدم التسجيل ان الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول؛ لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة الى غيرهم، ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن».
ويتضح الفرق من خلال التمعّن في هذا النص عن القانون العراقي، حيث لم ينص القانون المصري على بطلان التصرف، وإنما تراخي انتقال الملكية الى ما بعد التسجيل، أما الآثار المتبقية من العقد فتكون سارية، وعليه يمكن ان يجبر المشتري- البائعَ، على الذهاب الى دائرة الشهر العقاري وتسجيل عقد البيع، او أخذ حكم قضائي بذلك، دون الحاجة الى حضور البائع، فغاية التسجيل لحماية الغير وليس العقد ذاته، وكذلك الحال في التشريع الفرنسي المؤيد للتشريع المصري، أما في القانون العراقي وكما سنبين في النقاط التالية، فيقضي ببطلان التصرف، وعليه لا أثر للعقد الخارجي اذا لم يسجل في دائرة التسجيل العقاري.
نظرا لكثرة الاتفاقات الحاصلة في بيع العقار تكون بموجب عقد خارجي بين البائع والمشتري، يثبت فيه حقوق والتزامات كل منهما قبل ذهابهما الى دائرة التسجيل العقاري لتسجيل هذا البيع، وقد جرى التعامل ان يضع المتعاقدان في العقود الخارجية شرطاً جزائياً، يقضي بدفع مبلغ معين اذا لم يقم أحد الطرفين بتنفيذ التزامه، إلا ان نصوص القانون والقاضية بإعادة الحال الى ما كان عليه، دفع بالعديد من المتعاقدين الى النكول عن تنفيذ التزاماتهم ما دامت لا تشكل عائقاً قانونياً وهذا ما أدى الى الاجحاف بالطرف الآخر، فكان لزاماً على القانون ان يضع حلاً لهذه الحالة، حماية لجميع الأطراف، فجاء قرار «مجلس قيادة الثورة» المنحل (1197) سنة 1977 والمعدل بموجب قرار رقم (1426) لسنة 1983 لينص على «أولا ـ أ ـ يقتصر التعهد بنقل ملكية عقار او حق التصرف فيه على الالتزام بالتعويض اذا اخلّ احد الطرفين بتعهده، سواء اشترط التعويض في التعهد ام لم يشترط فيه، على ان لا يقل مقداره عن الفرق بين قيمة العقار المعينة بالتعهد، وقيمته عند النكول، دون اخلال بالتعويض عن أي ضرر آخر. ب: اذا كان المتعهد له قد سكن العقار محل التعهد او احدث فيه ابنية او منشآت اخرى او مغروسات بدون معارضة تحريرية من المتعهد، فان ذلك يعتبر سبباً صحيحاً يبيح للمتعهد له تملك العقار او حق التصرف فيه بقيمته المعينة في التعهد او المطالبة بالتعويض على الوجه المذكور في الفقرة (أ) من هذا البند، مضافاً اليه قيمة المحدثات والمغروسات قائمة وقت النكول...».
لينصّ على ضرورة ان يعوض الناكل عن تسجيل عقد بيع العقار دون ان يجبر البائع على تسجيل العقد ونقل الملكية، وهذا الاستثناء جاء خلافاً لنصوص مواد القانون المدني العراقي سابق الذكر، ولكن كيف علل القانونيون هذا الخلاف وكيف صار الحكم بالتعويض على عقد باطل بموجب القانون؟
لقد قيلت في تعليل هذا التعويض، العديد من الآراء، إلا انه نظراً لاختصار الموضوع نكتفي ببيان ما ذهب إليه غالبية شراح القانون، حيث قالوا بأن عقد بيع العقار قبل التسجيل هو عقد صحيح غير مسمّى، فإن تراضي الطرفين بموجب عقد بيع العقار الخارجي لا يمكن انكاره، فالتراضي المذكور عقد، ولكنه ليس بعقد بيع عقار،.
لأن انعقاد عقد بيع العقار يحتاج الى التسجيل، فهو اذن عقد غير مسمّى، ومن ثم اذا أخلّ المدين به التزم بالتعويض، وهذا التعويض ينشأ عن مسؤولية عقدية وهذا ما أخذ به القضاء العراقي كذلك.
الا ان هذا التعويض جاء استثناء ولا يمكن التوسع فيه، فلا يمكن تطبيق نص القرار (1197) إلا اذا كان العقد الخارجي المبرم بين المالك والمشتري.
فلا يمكن التوسع في هذا القرار وتطبيقه على عقد قد يبرم بين المشتري الأول الذي لم يسجل عقده، ويبيع العقار الى المشتري الثاني لأنه يكون قد باع عقاراً لا يملكه وغير مسجل باسمه.
لأن من شروط صحة التعهد لنقل ملكية العقار ان يكون المتعهد مالكاً للعقار الذي تعهد بنقل ملكيته، والمتأمل لموقف المشرع، يجده يضفي جانباً من الشرعية للعقد المبرم خارج دائرة التسجيل العقاري وتكييفه على انه تعهد بنقل ملكية عقار، وهي بذلك لا تلغي جانب الرضائية للعقد المبرم خارج دائرة التسجيل العقاري، وعليه يمكن ان ينتج هذا العقد حقوقاً والتزامات شخصية بين أطرافه فقط قبل التسجيل، ولا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الغير، ولا يمكن القول ان عقد بيع العقار خارج دائرة التسجيل العقاري عقد باطل وهو والعدم سواء، بل يمكن ان ينتج هذا العقد الباطل بعض الآثار والحقوق الشخصية بين أطرافه فقط، وعليه يمكن القول بأن بيع العقار على التعاقب دون تسجيل ذلك في دائرة التسجيل العقاري (الطابو) يؤدي الى ضياع حقوق المشتريين التاليين اذا ما حصل نكول من البائعين.
--------------