Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
حتى اندلاع الثورة الصناعية العالمية كان الاعتقاد السائد في الوسط القانوني لعقد البيع هو ان (العقد شريعة المتعاقدين)، دون فتح اي مجال لتحميل أحد أطرافه بالتزامات قانونية، ما لم تذكر ببنود وشروط العقد. فكانت بنود وشروط الضمان المدرجة في العقود تكفي لتأمين حماية طرفي العقد، حيث تكون الخسائر الاحتمالية جزئية -عادة- نظراً لبساطة السلع، وسهولة طريقة اكتشاف عيوبها، ومعرفة كيفية استخدامها، فلم يكن هنالك حاجة الى تدخل المشرّع في وضع ضوابط لحماية المستهلك، حيث البساطة في السلع التي كانت تتداول بين البائعين والمشترين، وكذلك تقارب المعرفة الفنية والتكنولوجية بين الطرفين.
إلا ان اليوم وفي ظل الاحتياج المتزايد للسلع الاستهلاكية المتنوعة، والطفرة التكنولوجية والمعرفية التي انحصرت لدى المنتجين دون المستهلكين، لم يعد من السهل على المستهلك معرفة خبايا و اشكالات السلع، فعلى سبيل المثال؛ في صناعة السيارات، وما يرافقها من تفاصيل تقنية واحتمالات وجود الخلل أثناء التصنيع، من الصعب اكتشافه، كما حصل- مثلاً- في السيارات اليابانية الصنع من شركة «تويوتا- لكزس» والتي اضطرت الى سحب ما يقارب المليون ونصف سيارة من سياراتها، من السوق بسبب إمكان وجود تسرّب لسائل الفرامل، حيث لم يكن بالإمكان اكتشاف الخلل إلا من قبل الشركة المصنّعة نفسها، بعد وقوع العديد من الحوادث التي أودت بحياة أناس عدة، وكذلك الحال في السلع الإلكترونية، والمنتوجات ذات التركيبات الكيماوية، كالمنظفات وما شابه ذلك، التي تباع في الأسواق، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، فاذا ما نظرنا الى تهافت الشركات المنتجة على جذب المشترين، حيث باتت تلك الشركات تستهدف المستهلك البسيط، وتدفعه الى اقتناء منتوجاتها بشتى الطرق، مثل الاعلانات التلفزيونية، والبوسترات وغيرها من الطرق الملتوية، لكسب رضا المستهلك في إبرام عقود شراء سلعها. نتيجة لهذا التنافس المحموم بين تلك الشركات، كان لابد من تدخل المشرّع لحماية المستهلك الفاقد للاختصاص في أمور هو بعيد عنها، وفي ظل الأنظمة التي تتبنى نظام اقتصاد السوق، الذي يفتح المجال واسعاً لحرية المنافسة الاقتصادية بين الشركات المنتجة، كما هو الحال في معظم البلدان العربية والعراق على وجه الخصوص، ما بعد عام 2003، مما أدى الى صدور قوانين حماية المستهلك في معظم تلك البلدان.
مما تقدم، يتضح أن الضمان الذي يقع على عاتق المنتج تجاه المستهلك، هو نوعان من الضمان:
الضمان الناتج عن اتفاق طرفي العقد، وما يدرجانه من بنود وشروط لرفع مستوى الضمان او تقليصه، وهذه الشروط أما ان تكون صريحة ويجب النصّ عليها في العقد صراحة، كالخدمات التي يقدمها البائع والمنتج ما بعد عقد البيع للمستهلك، كورش الصيانة والتصليح، او تبديل السلعة المعطلة خلال فترة زمنية محددة، او ان تكون ضمنية، كما هو الحال في ضمان مطابقة المُباع، فبموجب نص المادة 1993 من قانون الاستهلاك الفرنسي؛ «يلتزم البائع بأن يسلم شيئاً مطابقاً للعقد ويضمن عيوب المطابقة الموجودة عند التسليم». وكذلك المادة 1641 من القانون المدني الفرنسي، والتي توضح بأن (العيب يكون ضاراً، اذا تعلق باستعمال الشيء مما يجعله غير صالح للاستعمال، الذي خصص من أجله، او ان يقلل من انتفاعه بحيث ما كان المشتري يتعاقد عليه او يدفع ثمناً أقل لو انه علم بهذا العيب)، فيما نصّت الفقرة الثانية المادة 558 من القانون المدني العراقي على ضمان العيب بالقول: (العيب هو ما ينقص ثمن المُباع عند التجار و أرباب الخبرة او ما يفوت به غرض صحيح، اذا كان الغالب في أمثال المباع عدمه، ويكون قديماً، اذا كان موجوداً في المباع وقت العقد، او حدث بعده وهو في يد البائع قبل التسليم).
ومن هذه النصوص وما شابهها من التشريعات الأخرى، يتضح ان هنالك ضمانات عقدية يلتزم بها البائع بالدرجة الأولى، سواء نصّ عليها العقد صراحة او ضمناً، والحكمة في هذا الالتزام، تمكين المشتري من الانتفاع بالمباع بالشكل الأفضل، ومن أجل ذلك يكون البائع ملزماً بتسليم مباع يتفق مع بنود العقد الصريحة والضمنية، وفقا لمعيار موضوعي يتعلق بطبيعة المباع ذاته، وعلى المشتري ان لا يتأمل أكثر من الاستعمال المألوف للمباع بيد ومعيارٍ شخصي، حين يقصد المستهلك استعمالاً خاصاً يرجى تحققه في المباع، ويكون دافعاً لإشباع حاجاته حين يكون ذلك الغرض واضحاً للبائع، كما لو أن صاحب حقل دواجن اشترى بيضاً، فيكون واضحاً بأن هذا البيض يعتمد للتفقيس، وليس للمائدة، فيكون البائع ملزماً بتحقيق ذلك بالاعتماد على خبرته، وعند الاختلاف يخضع الموضوع للسلطة التقديرية للقاضي.
وعلى الرغم من ان الملتزم الرئيس بهذا الضمان هو البائع، سواءً كان هو المنتج او غيره، إلا انه يمكن أيضاً الرجوع الى المنتج بحسب القانون الفرنسي الذي جعل مسؤولية المنتج والبائع تجاه المستهلك مسؤولية تضامنية، وهذا ما أشارت إليه المادة 211 الفقرة 14، من القانون المدني الفرنسي، حيث وسع من تطبيق الضمان ليعد كل من البائع والبائع التالي، وكذلك المنتج مسؤولين مسؤولية تضامنية، وهذا ما أيده المشرع المصري كذلك، ومع ان المشرع العراقي لم ينصّ على تضامن المسؤولية بين المنتج والبائع بشكل صريح، إلا ان المنتج لا يمكنه التنصل عن مسؤولية الضمان، بمجرد بيع السلعة الى البائع (الموزع)، وإنما تبقى مسؤوليته قائمة بموجب نص المادة 553 من القانون المدني، والتي تنصّ على: (اذا استحق المباع في يد المشتري وحكم به للمستحق كان هذا حكماً على جميع الباعة ولكل، ان يرجع على بائعه بالضمان، لكن لا يرجع قبل أن يرجع عليه المشتري منه)، وهذا النص جاء لتعميم المسؤولية في الضمان في البيوع المتعاقبة، من مشتري الى آخر، في حال رجوع المشتري الأخير على بائعه، بإمكان البائع ان يرجع على بائعه كذلك وصولاً الى المنتج، اذا ما روعيت الفترات القانونية المحددة في القانون للرجوع وبحسب أنواع الضمان.
أما النوع الثاني من الضمانات التي يلتزم بها المنتج، فهو ضمان السلامة، حيث يلتزم كل مُنتج بضمان سلامة منتوجاته من العيب، وما يرافق استخدام هذه السلعة من مخاطر، فكما تقدم في مثال صناعة السيارات، او الأدوية او المنظفات الكيماوية التي تستخدم في المنازل، على ان تراعى طريقة الاستخدام المحددة من قبل المنتج.
وعليه يلتزم المنتج وكذلك البائع (الموزع) بتقديم المعلومات اللازمة لطريقة استخدام المنتج، والآثار الجانبية بشكل واضح وجلي للمستهلك، إضافة الى تعهده بسلامة السلعة واستخدامها، والإخلال بهذه الالتزامات، سواء بتقديم المعلومات اللازمة لطريقة الاستخدام وسلامة السلعة، فإن ذلك يؤدي الى مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تلحق بالمستهلك، وهذا واضح لا حاجة لعناء شرحه، ولكن ما يمكن ان يثار في هذا الخصوص؛ من المستفيد من هذا الضمان؟ ومدى حدود هذا الضمان من حيث الأشخاص المستفيدين؟
لاشك - كما تقدم- أن المستهلك هو المستفيد من هذا الضمان، نظراً للرابطة العقدية كما تقدم في الفقرة السابقة من هذا الضمان، ولكن اقتصار الضمان على المشتري (المستهلك)، ومن يقوم مقامه، او من يرتبط بالعقد بشكل او بآخر، لم يعد كافياً لحماية المجتمع، حيث ان هنالك اشخاصاً آخرين من الأغيار عن تلك الرابطة (العقد)، مما قد يتأثرون بهذه السلعة، وهم الأحق بالحماية القانونية والاستفادة من الضمان، كما لو تم دعس شخص بسيارة «اللكزس» بسبب العيب التصنيعي في الفرامل لهذه السيارة، فإن من الظلم ان يتم تعويض وضمان حقوق صاحب السيارة، كونه يرتبط برابطة عقدية مع المنتج، فيما يتم تجاهل المتضرر الرئيس جراء العيب الموجود في السيارة، وهو «الغير» بالنسبة للعقد، متمثلاً بالشخص الذي تعرض لحادث سير جراء عيب في فرامل السيارة. لذا فإن الفقه القانوني الحديث يرى ضرورة امتداد الضمان ليشمل غير المتضرر جراء السلع المعيوبة، ولكن ما هو الأساس القانوني الذي بني عليه هذا الضمان؟
ان البحث في الاساس القانوني لمسؤولية المنتج، لا زالت تمثل محور دراسات الباحثين وهي تتأرجح بين فكرتين اساسيتين؛ وهما: فكرة خطأ المنتج، وفكرة المخاطر او تحمل التبعة.
فإثارة مسؤولية المنتج على اساس فكرة الخطأ، تتوقف على اثبات المتضرر من هذا الخطأ، ونسبته للمنتج.
أي انحرافه في سلوكه وعدم توخيه اليقظة والحرص والتبصر الموازي لمثله من المهنيين في مواجهة المدين الذي يفتقد بالضرورة للدراية الكافية.
فالضابط الذي يتعين على المنتج عدم الانحراف عنه، هو العناية التي تقتضيها اصول المهنة، والتي جرى القضاء الفرنسي على تقديرها بالسلوك المألوف من أواسط المنتجين علماً و دراية و يقظة، وبالتالي فان السلوك المتبصّر المتطلب في المنتج، يمثل التزاماً قانونياً، يقع على عاتقه بعدم الاخلال به او الخروج عن دائرته.
فالمفروض بالمهني او المنتج، انه شخص مختصّ، له معلومات كافية عن العمل، ويحوز وسائل تقنية لا يمتلكها الافراد العاديون.
لكن مسألة اثبات الخطأ، ونسبته للمنتج في اطار هذه النظرية، أضحت مسألة مستعصية بالنظر للتطور الصناعي والتكنولوجي الذي عرفته البشرية، والذي انعكس بالتالي على المنتوجات والخدمات.
أما فكرة المخاطر، او تحمل التبعة، والتي ظهرت نتيجة قصور فكرة الخطأ فمؤداها، ان كل نشاط يمكن ان ينتج ضرراً، يكون صاحبه مسؤولاً عنه، اذا تسبب هذا النشاط في ايقاع ضرر بالغير، ولو كان سلوكه غير مشوب بأي خطأ، بحيث لا تشترط ان يكون الضرر ناشئاً عن انحراف في سلوك المنتج، حتى يُلزم بالتعويض، وانما يكفي ان يكون الضرر قد وقع نتيجة نشاطه. وبالتالي فأساس هذه النظرية، هو الضرر، ولا تقيم أي وزن للخطأ. فالعبرة بالضرر الذي لحق بالضحية، والذي يجب جبره، ما لم يرجع ذلك لخطأ المضرور نفسه، وتكون المسؤولية في ظل هذه النظرية مسؤولية موضوعية تتجاهل تماما سلوك الشخص الذي يتحمل تعويض الضرر الذي لحق الضحية.
-------------------