A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الحج؛ برنامج متكامل للعودة الى الأصالة الإنسانية

الحج؛ برنامج متكامل للعودة الى الأصالة الإنسانية
كتبه: مرتضى محمد
حرر في: 2015/09/30
القراءات: 1695

قال الله العظيم في محكم كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}،(سورة المائدة، الآية:90)

 

في زمن القهر..

في زمن، تحاول قوى الضلال أن تحرفنا عن واقعنا، وعن ثقافتنا، وتدفعنا إلى ثقافة غريبة تختلف تماماً عن معتقداتنا وتاريخنا. في زمن بات الإنسان يخاف الضلال حتى في مخدعه!

في زمن، يُحارب الإسلام بالإسلام الملبوس «لبس الفرو مقلوباً»، كما جاء التعبير الرائع على لسان أمير المؤمنين، عليه السلام، حتى بات الناس يُقتلون صبراً مختلف الاشكال؛ ذبحاً، وحرقاً، وغرقاً بالماء، و..! كل ذلك، تحت راية «لا اله إلا الله، محمد رسول الله»! والهدف المرسوم، هو ضرب الإسلام الحقيقي الذي بعثه الله خلاصاً للأمم من براثن الشرك والشك والانحراف.

فلا ريب من أن سلاح المواجهة لكل ذلك لا يكون إلا بالعودة إلى الأصالة؛ متمثلة بالعودة الى القرآن الكريم والسنة الشريفة، والعودة الى الإسلام الحقيقي الذي جاء به رسول الرحمة، صلى الله عليه وآله.

تُرى، كيف يمكن تحقيق ذلك؟ ومن أي مدرسة نتعلم دروس الأصالة والعودة الى الجذور؟

إن الحج، الذي يعد من فروع الدين، وأحد ابرز الاعمال التعبدية، جعلها الله - تعالى- في الوقت نفسه، منبعاً من منابع الأصالة للامة، لما تضم من كيان منيف وبيت معمور، رفع قواعده، أبو التوحيد وخليل الرحمن، النبي ابراهيم، عليه السلام، لذا كانت الكعبة المشرفة، مدرسة العودة إلى الذات، فقد {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.(سورة المائدة، الآية:97)

يصف لنا أمير المؤمنين، عليه السلام، الحج في نهجه فيقول:

«أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صلوات الله عليه إِلَى الْآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وَأَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ وَقُرًى مُنْقَطِعَةٍ لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَلَا ظِلْفٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليه السلام وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وَامْتِحَاناً شَدِيداً وَاخْتِبَاراً مُبِيناً وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَرِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ وَلَوْ كَانَ الْإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَالْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَنُورٍ وَضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ».

 

في الحج تُعرف الذات

قد يتساءل المرء كيف يكون الحج عودة إلى الأصالة؟

والجواب على ذلك:

أولاً: بما في الحج من أعمال وما في الحج من أذكار. أنت في الحج، تعود إلى الطبيعة. أنت في الحج، تتخلص من كل شوائب وكل زيادات.

ثانياً: في الحج، عودة إلى الحقائق الأولية. أن يعود المليك فرداً عادياً في المجتمع، كما هو في الحقيقة. «الملِك» قد يتظاهر بقدراته وامكاناته من أبراج شاهقة وقوى أمنية، وسلطان وصولجان، لكنه في الحقيقة لا يعدو كونه عبداً ليس إلا!

وهذا لن يتحقق، ولن يتجسّد بالشكل الملموس، إلا في مراسيم الحج، حيث عودة الناس إلى حقيقة أنهم سواسية، عند الله، لا فضل لأحد على آخر، إلا بالتقوى. فإذن؛ في الحج معرفة الذات. وفي الحج معرفة الله. وفي الحج معرفة القوة الحقيقية التي تحكم الكون، ومن ثم معرفة زيف القوى التي تدعي السلطة من دون الله، عز وجل.

أنت في عرفات، وفي مزدلفة، وفي مِنى، وفي حالة الطواف، لا تجد حاكماً ولا محكوماً، فالله هو الحاكم والناس كلهم محكومون، لا يُسمح لغني أن يفرض نفسه على الآخرين، لذا عليه أن يكون حاسر الرأس وأن يهرول بين الناس.

ثالثاً: في الحج عودة المؤمن إلى المؤمن وعودة الفرد إلى المجموع، فيلبس ما يلبس الناس. خيمته كخيامهم، يطوف حيث يطوفون، ويسعى حيث يسعون، ويفيض من حيث أفاض الناس.

رابعاً: في الحج تخلّص من كل عوامل الإنشداد الى الأرض. فهنالك تذهب لوحدك إلى ربك، فتنقطع عن العائلة، فلا تطلب شيئاً لشهوتك، ولا حتى رغبة نفسية في تعديل هندامك أمام المرآة، وتلك هي الأصالة.

إن الأصالة أن تعود إلى ذاتك، وان تستخرج الكنوز من أعماقك، لا أن تبني حجراً على حجر، بل تبني أحجار شخصيتك لكي تعرج إلى الرب في عبادتك.

خامساً: الحج تجلّ للالتزام بمكارم الأخلاق، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ...}،(سورة البقرة، الآية:196) وكل آداب الحج هي مقدمات للوصول الى ذلك، فلا حج من دون الالتزام بذلك.

ألا ترى أن أولياء الله - سبحانه- كانوا يخشون الوقوف في هذا الموقف، حتى أن الامام الصادق، عليه السلام، كان كلما همّ أن يلبّي للحج في الميقات، انقطع الصوت من حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته! وحين سأله الراوي قائلاً:

يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! وَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ...

فَقَالَ عليه السلام: «كَيْفَ أَجْسُرُ أَنْ أَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَ أَخْشَى أَنْ يَقُولَ عَزَّ وَ جَلَّ لِي لَا لَبَّيْكَ وَ لَا سَعْدَيْكَ»!

 

الحج وحقوق الناس

نعم؛ إن من الحجيج من يُقال له ذلك. ففي الحديث، أن من اكتسب مالاً من غير حلّه ثم حجّ، فلبّى، نودي من العرش: لا لبيك ولا سعديك!

وفي الحديث الشريف عن الإمام الرضا، عليه السلام: «إنّما أُمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه، ولئلّا يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمور الدنيا وزينتها ولذّاتها، ويكونوا جادّين فيما هم فيه قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكليتهم، مع ما فيه من التعظيم لله عزّوجلّ لبيته، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله عزّ وجلّ، ووفادتهم إليه راجين ثوابه، راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين إليه بالذلّ والإستكانة والخضوع».

فالحج حجان: «حج لله وحج للناس، فمن حج لله كان ثوابه على الله الجنة، ومن حج للناس كان ثوابه على الناس يوم القيامة».

و بذلك ورد حديث الإمام الصادق، عليه السلام، بأن يحج المؤمن، لا كما يحج الناس، فأول ما يفعله أن يجرد قلبه لله من كل شاغل واجب.

فالحج ليس بديلاً عن العودة إلى الأصالة والعمل بطاعة الله أبداً، فالحج الذي لا يطهر الإنسان ولا يعيده إلى أصالته ليس بحج، ولذلك قال الامام الصادق، عليه السلام: «ما أقل الحجيج واكثر الضجيج».

وجاء في حديث آخر: ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، وأشبع جوعهم، وأكسو عورتهم، وأكف وجوههم عن الناس، أحب إليّ من أن أحج حجّة، وحجّة، وحجّة، حتى انتهى لعشرة، ومثلها ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين.


ارسل لصديق