A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - بين نظام الحكم الاسلامي والدولة المدنية

بين نظام الحكم الاسلامي والدولة المدنية
كتبه: الشيخ فارس الجبوري
حرر في: 2015/11/19
القراءات: 1766

بدأ الامام الحسين، عليه السلام، ثورته العظيمة ضد الطغيان والاستبداد والانحراف، الذي أصاب أمة جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، معلناً هدف ثورته، ألا وهو؛ طلب الاصلاح في أمة جده، رسول الله، صلى الله عليه وآله، عبر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأي معروف يتحقق، وأي منكر يُنهى عنه بدون إقامة حكم الله في ارضه!

واليوم يُحيي مئات الملايين من البشر حول العالم، ذكرى ثورته الخالدة، ويتمنون لو كانوا معه آنذاك لنصرته، لكنهم تنقصهم -البعض - المعرفة، بأن نصرته اليوم، إنما تتحقق بإقامة حكم الله في ارضه، وتحكيم الشريعة التي ثار الامام الحسين، عليه السلام، من اجلها. ونرى اليوم ان إقامة حكم كهذا يُعارض من هنا وهناك، وتتصاعد الحملات الاعلامية ضده، والدعوة بالمقابل لإقامة ما يسمى بالدولة المدنية، وناسبين الخراب والمشاكل الراهنة الى هذا الحكم الإلهي (الدولة الاسلامية)، كما لو أن نظام الحكم الحالي في العراق اسلامي وليس مدنياً!!

 

 مفهوم الدولة المدنية

هناك تصنيفات عديدة للدول وفق محاور مختلفة، ولا وجود لمصطلح الدولة المدنية (Civil State)، ضمن هذه التصنيفات، وإنما هو مصطلح عربي زاد انتشاره أثناء ما يسمى بالربيع العربي وبعده. ويستخدم مصطلح الدولة المدنية- ضمنياً- في المعاجم الغربية في مصطلحين وهما: الدكتاتورية المدنية، مقابل الدكتاتورية العسكرية، و الدولة المالية المدنية، مقابل الدولة المالية العسكرية، لذا ليس له تحديد واضح المعالم، كما لم يرد في المصطلحات السياسية، ويمكن تقصّي ماذا أراد به البعض من معنى في كلماتهم ومقالاتهم، ولعل اهمها:

1- ما يقابل الدولة العسكرية، أي التي يحكمها المدنيون وليس العسكر.

2- ما يساوي العلمانية، وجاء استخدامه، للتخفيف من حدة رفض مصطلح العلمانية، و تمهيداً لتمريره، وهي تساوي العلمانية في مواقفها من الدين وكل متبنياتها، ولا تفرق عنها إلا في هذا المصطلح الملفق للتخفيف ليكون مقبولاً لا أكثر. وهو ما يقصده العلمانيون جميعاً، عند استخدامهم المصطلح وكل من يرفض أو ينتقد الدولة الدينية.

3- ما يقابل الدولة الدينية، والدولة العسكرية معاً، بما مضمونه إن الدولة المدنية تعني إنها لا سلطة للجيش ولا للدين.

4- وهناك من طرح مصطلح الدولة المدنية في مقابل الدولة العلمانية.

وهذه أشهر المعاني المستخدمة.

وهكذا؛ فهو مصطلح له معانٍ متناقضة غير معترف بأفضلية أحدها أو أغلبية استخدامه، وهو وسيلة للخداع الفكري السياسي، ولا يرتقي الى كونه مصطلحاً، لذا لا يتم تداوله ضمن الأوساط الأكاديمية. بل إنه مصطلح عربي محلي غير معترف به اكاديمياً، وله معاني عديدة متناقضة لا وجود له في المعاجم الغربية ولا في الفلسفة السياسية الغربية، حتى إن البعض عندما يترجمه للإنكليزية يستخدم الترجمة الصوتية له من العربية أي «Madania» لعدم وجود مصطلح مقابل. بدأ الجدل به مصرياً - سياسياً- إبان حكم الإخوان ومازال، وبدأ استخدام المصطلح في العراق بكثرة إبان التظاهرات الأخيرة، مجاراة لما حدث في مصر دون وعي في الغالب بمعانيه، او تعمداً من قبل البعض للتمويه على المطالب العلمانية (المعنى الثاني)، وظناً من قبل البعض أنها تعني الدولة الديمقراطية أو دولة الحريات أو الدولة الحديثة.

 

 أصل نشوء فكرة الدولة المدنية

إن النظرة المادية للدولة في المدنية الحديثة الغربية، إنما نشأت نتيجة رفض أوروبا لسيطرة الكنيسة اللاهوتية واستبدادها، وتحكيم أهوائها وشهواتها البعيدة عن قيم الدين والعلم في القرون الوسطى في أوروبا. والتي يصفها الأوربيون أنفسهم بأنها كانت قرون تخلف و انحطاط، فقد كانت الكنيسة تحتكر الفكر وتكفّر من يُخالفها الرأي والعقيدة، وفرضت سيطرتها وأبويتها بضرائب عالية، وطقوس عدة وبدع خارج الديانة المسيحية، وصكوك غفران و تزييف للدين، كما هو حال المتطرفين الإسلاميين اليوم.

فكان لابد من إزالة سلطان الكنيسة، وعزله داخل جدرانها، وإطلاق العنان للعلم والعلماء المتطلعين إلى التقدم والرقي. ومن هنا جاء الرفض لفكرة الدولة الدينية (الكنيسية) والتي هي في حقيقتها دولة اللادين، بل دولة الدكتاتورية والاستبداد والتخلف والجهل. علماً أن المسيحية لم تحتو على تشريعات في مجال إدارة الدولة، كما هو الحال في الدين الاسلامي، فمن المعلوم أن الإسلام؛ دين ودولة، ولا يعرف العداء للعلم والعلماء، بل قاد الإسلام، يوم كان سائداً في الأرض، البشرية إلى تقدم كبير في شتى فروع العلم، فلا يخلو فرع من فروع العلم من واحد من أفذاذ العلماء المسلمين، وقت كانت أوروبا في سبات عميق في ظل نصرانية محرّفة.

 

 تشويه مفهوم الدولة الدينية

في الوقت الذي زيّن فيه العلمانيون، مصطلح الدولة العلمانية، فانهم حاولوا تشويه مفهوم الدولة الدينية، او ربما لم يفهموه على الاقل، حيث إن اصطلاح الدولة الدينية عند أغلب المعاصرين، هو اصطلاح غربي مأخوذ عن الاصطلاح الفرنسي المشهور «الدولة الثيوقراطية». والترجمة المعتبرة لهذا الاصطلاح هي «الدولة التي ينسب مصدر السلطة فيها إلى الله» بمعنى أن يدّعي حاكم، أنه هو الله...! كما كان في مصر القديمة، وفى اليابان حتى أواسط هذا القرن.

وفى مثل هذه الدولة، لا يسأل الحاكم عمّا يفعل، لأن إرادته وحكمه إنما هو تعبير عن إرادة الله وحكمه. وواضح هنا أنه لا علاقة لهذه الدولة بالدين الصحيح المنزّل لهداية الناس، وإنما ترتبط هذه النظرية بالمعتقدات الفاسدة والوثنيات القديمة، حتى ولو كان رجال الدين المسيحي قد أقروها في العصور الوسطى.

 

 اسباب العودة الى الدولة المدنية

ما هي الاسباب التي تدعو البعض الى المطالبة بالدولة المدنية - العلمانية، والابتعاد عن حكم الله؟

لعل من اهم الاسباب؛ قصور الفهم عن حقيقة الحكم الاسلامي أولا، والانبهار غير المنطقي بمظاهر الحضارة الغربية ثانياً، والغزو الفكري الغربي الموجّه، الذي سيطر على عقول كثير من رجال الفكر والثقافة في بلاد المسلمين ثالثاً، والصراعات الاجتماعية والفكرية التي نشأت في اجواء الحرية التي تحققت في بعض البلدان لأهداف سياسية، خاصة بعد دخول الاحزاب الاسلامية معترك السياسة، رابعاً، وكان لموجة التكفير والارهاب لمدعي الاسلام، دورها في تشجيع هذه الاطروحة خامساً، وفشل بعض ممن يحسبون على الاسلام في ادارة امور بلادهم، ثم غياب حقيقة، ان نظام الحكم الذي يدعو اليه  دعاة الدولة المدنية في العراق هو نفسه النظام القائم حالياً، وليس نظام الحكم الاسلامي الذي اراده الله، ولم يعلموا انه، حتى هؤلاء المفسدين، لو كانوا في نظام حكم اسلامي لما استطاعوا الى الافساد سبيلا. و أخيرا؛ فإن في تطبيق حكم الله في الارض، منعاً لكل انواع الفساد والاستغلال والرذيلة والانحلال الاخلاقي، وهذا ما لا يرتضيه الكثيرون من الحكام والمحكومين على حد سواء.

 

 الاسلام منهج الحياة

إن الإسلام ليس أمراً اعتقادياً وحسب، إنما دين شامل، تناولت تعاليمه جميع أمور الدنيا التي نعيشها. فهو دين و دولة، أخلاق وقوة، سياسة وحكم، ومادة وثروة. كما أنه دعوة وجهاد وهو الدين الصحيح، لأنه آخر الديانات الصحيحة وأكثرها استحقاقا وأيضا غير محرف كمثل بعض الديانات الأخرى التي حرفها الناس وغير مستحدثة من قبل البشر كبعض الديانات. لذا فهو يتناول نظاماً فيه قواعد وشروط تنظم حياة الناس بأفضل الطرق. هادفاً إقامة العدل، وصيانة الحريات، ورعاية المبادئ وحقوق الإنسان، فالدولة الإسلامية، دولة مبادئ، فهي تقوم عليها و ترعاها، وتسعى لتقريرها بالدعوة والجهاد، ورعاية حقوق الإنسان، ويحرص على صيانة كرامة الانسان، بغض النظر عن الانتماء الديني أو القومي، ويتوجه نحو تأمين أساسيات المعاش والتكافل الاجتماعي، ويشجع على الفضيلة ويضيّق على الرذيلة، ويرفض الإكراه في مسائل الدين. فهو ضمان سعادة الانسان في الدارين؛ ولذا يجب إتباع نظامه الذي وضعه الله - تعالى- فأمور الدنيا التي شرعها ووضعها ونظمها، هي جزء من هذا النظام، ومن اجل تطبيقه، كان ضرورياً وجود الحكومة الإسلامية.

 

 مميزات نظام الحكم الاسلامي

إن النظام الإسلامي في الحكم، يتميز بكل المقاييس عن سائر الأنظمة الأخرى لوجود خصائص مميزة، منها:

1- الحاكمية لله تعالى: وتعني أن تكون شريعة الله هي المنفذة في كل شؤون الحياة وليس أي شريعة أخرى، وتلك الشريعة تحكم الناس وتنظم حياتهم. قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. (سورة يوسف، الآية: 40).

2 - التميز في مصدر السيادة. إن الحاكم الحقيقي في النظام السياسي الإسلامي هو الله - تعالى- والسلطة الحقيقية والتشريع كلها مختصة بذاته، وعليه فليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب نصيب من السيادة أو التشريع. ومن هنا يبدو التمايز الواضح بين النظرية السياسية الوضعية القائمة على الافتراض بأن السلطة والتشريع يناطان بالأمة، وبين النظرية السياسية الإسلامية التي تقوم على أسس شرعية ومنطقية، فتحصر حق السيادة والتشريع بالله - تعالى- لأنه الخالق والمُنعم، والعارف بما يصلح الإنسان ويحقق سعادته.

3 - التميز في شكل الحكم. يقسم علماء السياسة الحكومات من حيث خضوعها للقانون وعدمه إلى حكومة استبدادية وحكومة قانونية ويصنفونها على أساس تركز السلطة أو توزيعها إلى حكومة مطلقة وحكومة مقيدة، كما تقسم الحكومات من زاوية كيفية، تولي رئاسة الدولة إلى حكومة ملكية وحكومة جمهورية، وأخيراً تقسم الحكومات من حيث مصدر السلطة إلى حكومة الفرد وحكومة الأقلية، وحكومة الشعب.

إن الحكومة الإسلامية لا تشبه النماذج المعروفة؛ فليست هي حكومة مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ورقابهم؛ فحكومة الإسلام ليست مطلقة وإنما هي دستورية، بمعنى أن القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة من الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنة. ويكمن الفرق بين الحكومة الإسلامية والحكومة الدستورية الملكية منها والجمهورية، في أن ممثلي الشعب أو ممثلي الملك هم الذين يقننون ويشرعون، في حين تنحصر سلطة التشريع بالله عز وجل.

وفي ضوء ما تقدم، يمكننا القول إن الحكومة الإسلامية فريدة من نوعها، متميزة عن غيرها؛ فهي قانونية لكونها تخضع للقانون الإلهي الذي رسم لها قواعد ورسم لها حدود السلوك السياسي السوي، أما من حيث مفهوم السلطة، فليست هي حكومة مطلقة منفلتة عن عقال المسؤولية، بل هي مقيدة بموازين الشرع وقواعد العقل والمنطق. وأخيراً؛ ليست هي بحكومة فردية، فالفرد ـ غالباً ـ ما يجنح نحو الاستئثار بالسلطة ويمارس الدكتاتورية، ولا هي حكومة الأقلية التي قد تركز النفوذ والثروة بين يديها وتحرم البقية الباقية منها.

وصفوة القول؛ يمكن وصفها بأنها حكومة إلهية، قد يتسلم زمام السلطة فيها فرد معين، وهذا لا يعني أنها غدت فردية لأن الحاكم الإسلامي يجب أن يتحلّى بصفات مثالية في القول والفعل والتقرير كما ترى مدرسة أهل البيت، عليهم السلام،. ويأتي في مقدمتها العلم والعدالة والتقوى إضافة إلى الكفاءة. ومن المعلوم أن النظم الوضعية لا تشترط اتصاف حكامها بالعدالة والتقوى.

5ـ التمايز في وظائف الحكومة: إذا كانت وظائف الحكومة الوضعية تقتصرـ حصراً ـ على الاهتمام بالأمور الدنيوية البحتة، كحفظ الأمن والدفاع عن الدولة أرضاً وشعباً وما شابه ذلك، فان وظائف الحكومة الإسلامية هي أوسع وأشمل، وتدور على محورين: «حراسة الدين، وسياسة الدنيا»، مثل هذه الرؤية تتوضح خطوطها في أن الحكومة الإسلامية تنظر إلى الإنسان نظرة أرحب وأعمق، فلا تقتصر وظائفها على تنظيم حياته الدنيوية فقط، بل تأخذ بنظر الاعتبار حياته الأخروية، فتعمل على إعلاء الدين ورعاية طقوسه وشعائره والدفاع عنه، وترسيخ مبادئه في نفوس الأفراد وغير ذلك، وهي أمور لا تهم الحكومات الوضعية ـ خاصة العلمانية منها ـ من قريب ولا من بعيد.

وهكذا فان ما يريده الانسان من شكل نظام الحكم، هو ذلك الشكل الذي يحقق مصالحه، ويضمن سعادته، ونحن المسلمين نؤمن بان سعادة الانسان، لا تكون في الدنيا فحسب، وإنما اساس السعادة انما هو في عالم الآخرة. فلو افترضنا - جزافاً- ان العلمانية تحقق سعادة الانسان الدنيوية فقط،- وهو افتراض غير واقعي- فهل يعقل ان نفضله على نظام لا يضمن لنا سعادتنا الأخروية، فقط، سعادتنا الدنيوية و بأعلى النسب؟!


ارسل لصديق