Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
تتكامل المكارم مع بعضها البعض مبلورة شخصية الانسان، فالصادق، ذاته الامين، والجواد ذاته الغيور، وهكذا.
الى أن تحل جميعها عند صفوة من البشر ليكونوا أئمة للناس يهدون للحق بأمر الله، فيخلدهم الزمان لجميل صنعهم وزكاة سيرتهم.
والايام التي تذكّر بهؤلاء العظام، ليست كغيرها من الايام، ولا ساعاتها كغيرها من الساعات، لأنها ممزوجة بالتضحية والعطاء، وها نحن نعيشها في ذكرى أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، و اصحابه و أهل بيته الحافلة بالإيثار والعطاء.
وما جموع المؤمنين، التي تخلد ذكراه بمختلف الشعائر الحسينية، إلا شاهدٌ على ان الامام الحسين، عليه السلام، لا يزال ضمير هذه الامة، ومصباح هداها وسفينة نجاتها.
فمناقب سيرته و نهضته المباركة في العاشر من المحرم، عام 61هـ، مازالت مدرسة للرسالة الإلهية بما فيها من عناوين الحياة، و شعائر أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، ترتبط بمناقبه الكريمة، فعندما نحيي شعائر الحسين، فإننا نحيي في أنفسنا القيم، ونستنهض المبادئ التي قتل من أجلها سيد الشهداء.
ومن مدرسة الشعائر الحسينية، تتركز في عمق الانسان مكارم الاخلاق، التي تروي ظمأ الروح، وحاجة الضمير، فكل شعيرة من شعائر الحسين تمثل سجية أخلاقية متكاملة للناس بمختلف فئاتهم، فيمكننا جميعاً الاستفادة من هذه المدرسة، وذلك بالتتلمذ على يد روادها الاحرار من يوم استشهاد الامام الحسين وحتى يومنا هذا.
فشخصية الامام الحسين تتجلى فيها جميع المكارم، لأنه وريث الانبياء، عليهم السلام، وجسده محبوه، جملة من المكارم عند إحياء ذكراه وصارت رسائل وفناراً للقيم السامية، ومن أهم ما جسده المؤمنون؛ هو التأسي ببذل الحسين وسخائه، وكيف كان منفقاً في سبيل الله -عز وجل- حتى قدّم الغالي والنفيس في سبيل الله.
واذا أراد الواحد منا أن يبصر «فنون الإنفاق» وتنمية «روح العطاء»، فما عليه إلا أن يكون ضيفاً على الحسين في كربلاء.
فشعائر الامام الحسين، عليه السلام، وما تضمنته من «رسالة في الانفاق» الحسيني، خير شاهد على ما نذهب اليه، حيث يتسابق المؤمنون في خدمة ضيوف السبط الشهيد، بين من جند نفسه لنقل الزائرين بما لديه من امكانات مادية ووسائل نقل، وبين من شرع أبواب بيته خدمة للزائرين، وبين من أعدّ طعاماً على مسان الطريق، بمائدة يجتمع عليها الآلاف من الزائرين يومياً، ففي مدرسة الانفاق الحسيني التي تبدأ من شهر محرم الحرام الى نهاية شهر صفر، تروي لنا كربلاء رسالة العطاء.
ومن هنا نقدم دعوى لمن يخشى الانفاق ويعيش كابوس البخل الذي منه هرب، الى زيارة الحسين في كربلاء والإنتهال من مدرسة الانفاق الحسيني.
ان المنفقين غالباً لديهم المال الوفير الذي يستطيعون عبره الانفاق، لكن الشعائر الحسينية تعطي نوادر في المنفقين، لأن الانفاق ليس بالضرورة ان يكون في حجمه وكمّه، إنما بالكيف ايضاً، وبجوانبه المعنوية التي تتشكل خلال إحياء النهضة الحسينية.
فطفل صغير، يمتلك حصّالة صغيرة، يجمع فيها الاموال من مناسبة لأخرى، وربما ألح على أبويه كثيرا في فنون الاكتساب، بغية أن تمتلئ حصالته الصغيرة، فيسرع الى اقرانه في الزقاق، لكي يحققوا حلمهم الذي راقبوه هلالاً يهلّ في كل عام مرة واحدة، ورب سائل يسأل؛ بماذا يحلم اطفال لم يبلغوا الحلم بعد؟
حلمهم بعيد عن ما نتصور من احلام الصغار، وقد تحقق و ابصر النور، انه بناء موكب لسيد الشهداء، يواسون فيه عبد الله الرضيع، مرحبين بالزائرين، بصوت ملؤه البراءة والعطاء:
«اشرب جاي ابو علي...»، «اشرب ماء يا زاير».
الى ان تشملهم بركة الانفاق فيكونوا في هيئة تحمل اسم «أشبال الحسين»، فتمتزج فيهم أخلاقيات العطاء والتضحية، وهكذا تكون حياتهم في بركة وسعة في الحال من الرزق الحلال، الى أن يتقدموا في أعمارهم ويشبّوا على الخدمة الحسينية ومن ثم يعدون الاجيال فالأجيال على هذه الشعائر الإلهية.
فمحروم من لم يسجل اسمه في هذه الشعيرة العظيمة (شعيرة الانفاق) بعد أن من الله عليه بمقومات الانفاق.
شعيرة الانفاق الحسيني تحمل في طياتها ما يلي:
أولاً: تربية الأجيال على قيمة الانفاق:
فالمجتمع الذي يتفانى أبناؤه في الانفاق، مجتمع متماسك وقريب من بعضه البعض، ويشعر بما يقاسيه من آلام وضائقات مالية مشتركة.
ثانياً: تحمل الشباب مسؤولية العمل والانتاج:
فالشاب الذي ينفق في خدمة الزائرين، يسعى لأن يستمر في هذا العطاء من خلال مواصلته للعمل والانتاج لكي تتسنى له خدمة الزائرين وتحقيق شعيرة الانفاق، ومن ثم تمتاز حياة المنفقين بالبركة والنماء، لأن مثل المال، كمثل البئر، الذي يزداد عذوبة كلما أخذت منه، والشباب جزءٌ مهمٌ من حركة النهضة الحسينية، وغالباً ما يريد المتربصون ان يفصلوا هذا الجزء عن هذه النهضة المباركة.
ثالثاً: تمهد لقيام مؤسسات تعنى بالتكافل الاجتماعي:
فعند ما يتقاطر المؤمنون من شتى بقاع العالم أحياء لذكرى أبي عبدالله الحسين، عليه السلام، متبادلين العطاء والخدمة الحسينية، تتسامى لديهم روح التعاون والتكافل الاجتماعي فيما بينهم، فبفعل الانسجام الحاصل في الخدمة الحسينية، سواء في المواكب، او الهيئات، يتعرف الموسرون منهم على الفقراء والمحتاجين، بحيث أفرزت هذه التجمعات الايمانية، مشاريع خيرية لتزويج الشباب، او مؤسسات للقرض الحسن، و لرعاية الايتام، او لبناء المساجد والحسينيات وهكذا، فيكون العطاء دائماً.
فما علينا إلا أن ننصهر في بوتقة المنفقين، ونمارس فضيلة وشعيرة الانفاق، التي بلا أدنى ريب سنلتمس ثمارها عاجلاً، بسلامة الحال والذرية الصالحة، التي تحمل ذات القيمة السامية في الانفاق، من ثم نخرج من زنزانة الافق الضيق الى حيث العطاء الحسيني الرحيب، حيث يعد الانفاق مفهوماً انسانياً ودينياً لا يختلف فيه اثنان، وشكلاً مهماً من أشكال المشاركة في احياء النهضة الحسينية.
ولنتخذ معا قراراً بإحياء هذه الفضيلة، فكلٌ يعطي رسالة في الانفاق على سعته ومكنته، فالكم ليس هو المعيار دائماً، بل النية الصادقة مع الجود بالقليل، كفيلة بان تحقق فضيلة الانفاق، وبهذا تنمو فينا فضيلة الانفاق شيئا فشيئا، ونلاحظ أن الكثير منا يشكون سرعة نفاد ما يحصل عندهم من المال، وهم لا يسرفون في الإنفاق، وهذا ناتج من سوء التدبير، ولزوم التضييع وضعف النظر، فينبغي أن تتسابق دراهمنا إذا اجتمعت في مظان المعروف، وتتلاحق في مصارف الإحسان المألوف، فذلك سبب في سرعة نمائها، وعجلة نفعها، متأسين بمدرسة الانفاق ومدرسة العطاء الذي لا ينضب، مدرسة سيد الشهداء، التي قدم فيها كل ما يملك في سبيل المعروف والاصلاح، فقــدم الاهل والعيال والاموال والنفس، قربة الى الله، فكان حقاً على الله - تعالى- أن ينصره ويعلي ذكره في العالمين، وما أن يهل محرم الحرام حتى ترى راية الشعائر الحسينية خفاقة في سماء العطاء.
نعم ... فإنها كربلاء.