A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - ما هي مسؤوليتنا في مدرسة شهيد الكرامة؟

ما هي مسؤوليتنا في مدرسة شهيد الكرامة؟
كتبه: بشير عباس
حرر في: 2016/02/03
القراءات: 1506

قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله:"أفضل الجهاد كلمة حق بين يدي سلطان جائر". وروي عنه،  صلى الله عليه وآله: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه.... فقتله». لماذا هذا الإنسان يصبح سيد الشهداء، فللشهداء فضل عند الله عظيم، بأنّهم لا يموتون، نعم كل نفس ذائقة الموت، فإنّه يقتل وينتقل من حياة لأخرى، ويبقى في حياة دائمة إلى أنْ يبعث الله الناس جميعاً ليوم الجمع المشهود. لكن بين الشهداء أيضاً تفاضل، العالِم الشهيد يختلف عن الشهيد غير العالم، لأنّ النبي، صلى الله عليه وآله، يقول: «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء»، فلو كان كذلك فما بالك ندم العالِم الشهيد، فحتما أن له منزلة خاصة عند الله تعالى، فهو شهيد في سبيل الله، بل يجمع خصلتين، قلمه وعلمه يدافع عن الدين والحقوق والعدل، وبدمه يرقى إلى أعلى عليين في سبيل الله أيضاً في الدفاع عن الدين. ولكن الشهيد عادة إنّما يستشهد بعدما يتحدى ويواجه الأعداء في ساحة النزال  فيحمل السلاح ويحارب فيُقتل، بينما عالم يقوم بوجه حاكم جائر، يأمره وينهاه، فيقتله ذلك الظالم، من دون أنْ يحمل هذا العالم السلاح أو يدعو إلى حمل السلاح، فهذا أشد ظلامه من ذلك الشهيد بالرغم من أنّهما كلاهما عند الله مستبشران فرحان ولكنّ أحدهما أفضل من الآخر، ولذلك يقول نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، إنّ سيد الشهداء عمه، الذي استشهد في أُحُد، ورجل قام إلى حاكم جائر بيده السلطة، فأمره بالمعروف و نهاه عن المنكر، فقتله ذلك الحاكم الجائر، فإنّ هذا المقتول يصبح أيضاً سيد الشهداء،  ولذا فإنّ  شيخنا وفقيدنا الفقيه العالم والمجاهد العامل آية الله النمر هو بإذن الله من سادة شهداء وطنه، لأنّه دفع دمه ثمناً لكلمته الصادقة بوجه السلطان الجائر، فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر ولم تأخذه في الله لومه لائم، وقد كان يقول وبكل وضوح  رؤية: «أنا الشهيد التالي»، وإنّهم  حينما طلبوا منه أنْ يقول أو يعلن ويبدي  ويكتب كلمة اعتذار أو طلب لعفو واسترحام من السلطة الجائرة  قال لهم: «ذاك السيف وهذه رقبتي»، هذه خصلة تعلمها من أبي الفضل العباس، سلام الله عليه، حينما رفض أمان الشمر له، فكانت له فرصة للنجاة بحياته لكنه كأخيه السبط الشهيد لم يؤثِر الحياة الذليلة على الموت بكرامة.                

حتى استشهد في سبيل الله فأعطاه الله تلك المنزلة المعروفة التي تعرفونها، وأنا شخصياً أقول بالنسبة إلى الشهيد الشيخ النمر رضوان الله عليه  الذي أعرفه معرفة مباشرة منذ  أكثر من 35 سنة، هذا القائد والرمز والإنسان الرسالي، لم  يفكر يوماً ما أنْ يعيش من أجل الدنيا، كان زاهداً عابداً تقياً ورعاً لا تأخذه في الله لومه لائم، ولذلك حينما استشهد هز نبأ جريمة قتله الأحرار والمنصفين في جميع أنحاء العالم، ولأنّه «ما كان لله ينمو»، فإنّ مواقفه وكلماته الصادعة بالحق في وجه الظلم والباطل شاعت وانتشرت وسمع بها كل العالم، ومثلما نجده في بلادنا من عظيم توجه الناس إليه بكل الوسائل والطرق  إعلامياً وشعبياً وسياسياً، وكذلك في العالم الإسلامي الواسع وفي العالم الغربي. كل العالم بأجمعه يشير إليه بأنّه ظُلِم، وأنّه شهيد الكرامة والكلمة الصادقة وأنه كان شجاعاً أبياً. إنّ أية الله الشهيد النمر رضوان الله عليه قد أدى رسالته ومسؤوليته ونال في سبيل ذلك وسام الشهادة، وذهب الى ربه راضياً مرضياً.

دعونا نتدبر في كتاب الله المجيد ونستنطق بعض آياته الكريمة في سورة آل عمران حيث يقول ربنا تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، سورة آل عمران: 168، ترى هل أنّ  الذين تشبثوا بالحياة عاشوا طويلاً؟ أم هل بقوا خالدين؟ ألم يدركهم الموت ولو كانوا في بروج مشيدة؟ أنت تفر من الموت وهو معك كظلك لا تعلم في أي لحظة وأي مكان وأي عمر يأخذك. أما هذا الذي اختار الشهادة والموت بعز وكرامة فإنّ الله ربنا تعالى يقول عنه: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، سورة آل عمران: 169، نحن نرى الشهيد والميت حالة جسدية مادية واحدة في الظاهر، وكلاهما في القبر، ولكن الشهداء «أحياء»، وما معنى ذلك؟ هل هذه الحياة فقط أنْ اسمهم وذكرهم حي، فالله تعالى يقول: ﴿عند ربهم يرزقون،معنى هذا أنّها  حياة حقيقة، ولو كشف لنا  الغطاء ورأينا الحياة الأخرى لما تمنى أحد من العالم إلاّ أنّ يستشهد، فيعيش مرافقاً مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

وعاش ومضى الشهيد النمر على خط هذه المدرسة  ونحن نفتخر به،  وقد قلنا من قبل للطغاة الذين حكموا بقتل شهيدنا الكبير ونفذوا جريمتهم النكراء، لم ولن تخيفونا بالموت وبسيفكم سيف الجاهلية، فالقتل لنا عاده وكرامتنا من الله الشهادة، لا نخشاها بل نستعد لها و نفرح بها لأنّنا نؤمن بها وبوعد الله للشهداء، {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}، سورة آل عمران: 171-170، نحن ديننا ومذهبنا وتاريخنا مليء بالدماء الزكية، هكذا قال أمير المؤمنين، عليه السلام، بكلمته الخالدة حين وقع شهيداً في محراب الكوفة: «فزت ورب الكعبة». هذه كلمتنا، هذا تأريخنا، نحن منذ الطفولة المبكرة نقول يا حسين يا شهيد، كلمة الشهادة هذه قرعت أسماعنا ودخلت شغاف قلوبنا منذ اليوم الأول وبقينا ونبقى على هذا الحال، هناك من كبار السن من قد تجاوزوا الثمانين ونالوا مرتبة الشهداء كعفيف الأسدي وحبيب بن مظاهر، وسلُيمان بن صُرد الخزاعي، وعمار بن ياسر، فهم منذ سن مبكرة  كانوا يفكرون بالشهادة وظلت أمنيتهم التي يطلبونها حتى بلغ بهم العمر مبلغاَ، ومثل شيبتنا وصغارنا وشبابنا أيضاَ، بلغوا مرتبة الشهادة وتسابقوا إليها وتاريخنا حافل بالأمثلة والقدوات، ونحن من هذه المدرسة وهذا الخط فبأي موت تخوفونا أيها الطغاة الظلمة؟! أنتم الجبناء الذين تموتون كالبعران وتعتقدون أنّ الآخرين مثلكم؟! كلا،  نحن نموت شجعاناً، واقفين كالجبال.

ثم يقول ربنا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، أصابهم القرح، أصابتهم أزمة أو مشكلة أو هزيمة ونكسة خطيرة، كالذي نحن فيه من اعتداءات، لكن هناك أبطالاً أصابهم القرح، فاستمعوا إلى نداء المرجعية، وقالوا نحن مستعدون لتحرير مدننا من الدواعش وغيرهم من الأوغاد. هذه هي الروح العظيمة من بعد ما أصابهم القرح، وعن هؤلاء يقول ربنا {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، سورة آل عمران: 172 والعظيم هنا لا يمكن أنْ تقدره وتتصوره بمقاييس الدنيا، بل هو على قدر وعظمة وهيمنة الذي وعد به وهو العلي العظيم سبحانه، ولا يمكن لنا أنْ نفهم وندرك ذلك الأجر العظيم ونحن في الدنيا وبمقاييسها، فقط، أولئك الشهداء عند ربهم  أدركوا تلك العظمة، كما هو شهيدنا أية الله الشيخ النمر، مع الصديقين والصالحين والأبرار والعلماء الربانيين من الشهداء ممن سبقوه، ممن ساروا وانتهجوا هذا الخط الرسالي لأهل البيت، عليهم السلام،  فرحين بما أتاهم الله من فضله .

لذى نستلهم من ذلك تساؤلات، ماذا حمَّلنا كل أولئك الشهداء؟! ولاسيما الشهيد النمر من بعده؟! وما هي مسؤوليتنا نحن؟!، المسؤولية أولاً: علينا أنْ نبين فضائلهم ومناقبهم لأنّ العدو يحاول أنْ يلصق بهم كل التهم الباطلة. كما أتهموا وسبّوا أمير المؤمنين، عليه السلام، وذهب عملهم هباءً منثوراً، فكل شهيد منا يرتقي إلى عليين، فعلينا أنْ نبين فضائله وأخلاقه وأهدافه ورسالته وقضيته، ننشر كتبه وكلماته ورسائله  وخطبه ومواقفه، ندافع عنه لأنّه إنّما سقط شهيداً في سبيل الله وقيم الحق والعدل ورفض الظلم، من أجل حريتنا وحقوقنا وكرامتنا.  المسؤولية الثانية: أنْ نربي أجيالنا على أفكاره، وكلماته ونذكرها ونبينها وننشرها بكل الطرق الممكنة، لذى فإنّ العالم أجمع استمعوا إلى خطب وكلمات ومواقف شهيد الكرامة رضوان الله تعالى عليه، وتفاعلوا معها وحملوها ونشروها لأنّهم يعلمون أنّ هذا الرجل عندما تكلم قرن الفعل بالقول، قدم نفسه شهيداً في سبيل الله، ما كان كلامه فارغاً، بل جدياً ،ولذلك أعطى دمه، ولذلك استمع الناس إلى خطبه وتفاعلوا معه، و نحن الآن نرى شبابنا اليوم يتهافتون على الجبهات، وتروهم اليوم توجهوا إلى الدين أكثر من إي يوم مضى، فإنّما ببركة دماء الشهداء، هذه الدماء وخطبهم. المسؤولية الثالثة: علينا أنْ نبحث عن مدرسة هذا الشهيد ومن أي خط، وكيف تربى وما هي الأفكار التي حملها حتى أصبح هكذا رمزاً كبيراً وشهيداً عظيماً، لنؤيد ذلك الخط الرسالي الذي تخرج منه هذا الشهيد البطل، وهذه مسؤوليتنا نحن، مسؤولية الناس، والمدرسة التي تخرج مثل الشهيد الشيخ النمر جدير بنا أنْ نؤيدها ونبين دورها ونكثر من أمثالها حتى يتخرج مثله في بلادنا، رابعاً: صحيح أنّ الشهداء أحياء عند ربهم، ولكن علينا  أنْ لا ندع ذكرهم يموت أو ينزوي ويطوى في المجتمع، و أنْ نحيي ذكرهم بكل الطرق والوسائل الممكنة.

فالشهيد أيها الأخوة والأخوات ما دام حياً فهو ينتمي إلى مدرسةٍ وخطٍ ما، وإلى أسرةٍ ما، وإلى تجمعٍ ما،  لكنه إذا ارتفع شهيداً صار ملك الجميع  وليس شهيد هذا الخط والتجمع  أو ذاك، لأنّه ارتفع عن مستوى الحزبيات والفئويات الضيقة وعلى الجميع أنْ يحيوا و يخلدوا ذكره. فدماء شهدائنا الكرام، وكل الشهداء في هذا الخط، هي من تنبت منها وتنمو شجرة الكرامة والحرية في بلادنا، وهنا علينا أنْ نعرف جيداً أنّ بلدنا العراق محور، ولا أظن أنّ هناك دولة في المنطقة بأهمية العراق بسبب تاريخه وعمقه الحضاري و كأرض ومنطلق للأنبياء والرسالات عبر التأريخ،  ولوجود  مراقد الأئمة الأطهار فيه،  سلام الله عليهم، فإنّ هذا البلد بحول الله وقوته سيكون عاصمة الإمام الحجة المهدي، عجل الله فرجه، ومن جديد تنطلق منه إلى العالم .

و هكذا فإنّ الشهيد آية الله الشيخ النمر، كما سائر الشهداء، حي، ولذلك لا يفكرن الأعداء أنّه بشهادته سيتغير الوضع أو أنّهم انتصروا عليه وطمسوا قضيته وأهدافه، بل  بالعكس تماماً، إنّهم يحفرون قبورهم بأيديهم، وكما يقول رب العزة: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، سورة الحشر: 2، فدماء هذا الشهيد البطل ترسم خارطة طريق للتحرك والنصر، وهكذا دماء سائر شهدائنا في الأمة، في العراق وفي الحجاز واليمن والبحرين وسوريا ولبنان وغيرها.


ارسل لصديق