A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - في ظل التحديات الفكرية والسياسية

في ظل التحديات الفكرية والسياسية
هل يرتقي إعلامنا إلى إنتاج الوعي؟
كتبه: الشيخ فارس الجبوري
حرر في: 2016/05/02
القراءات: 1435

لوسائل الاعلام اليوم قدرة فائقة على احتواء افراد المجتمع، بمختلف ثقافاتهم و أعراقهم، ومستويات تعليمهم؛ فهي تلعب دوراً مؤثراً وخطيراً في تكوين توجهات الشعوب والامم، وتحديد اسلوب نظرتهم الى الحقائق والقيم، وكيفية ادراكهم للعالم المحيط بهم، حتى اصبحت جزءاً من الممارسات الحياتية الضرورية للمجتمع اليوم. وكانت نتيجة الطفرة التقنية الكبيرة في وسائل الاعلام، في قبال ضعف البنى الاجتماعية، وركاكة الوسائل التثقيفية في مجتمعاتنا؛ تسنم الاعلام مهمة الريادة والقيادة في تكوين وتشكيل الوعي، وغرس الثقافة، وتحديد مسار سلوك الافراد وبالتالي المجتماعات؛ حتى ان الدراسات تشير الى ان تأثير الاعلام اصبح يفوق في بلادنا تأثير المدرسة والمؤسسات الرسمية بل وحتى الاسرة.

وليســـت المشكلة في إمكانية هذه الوســــائل على التغــــــــــيير، وتكـــــــــوين التوجهات، إنما الخطورة تكمن في الهدف من انشائها، او نوع التوجهات التي تهدف الى تكوينها، ونوع الوعي الذي تريد تشكيله. فقد تكون هذه التوجهات انحلالية! او قد يكون الهدف من انشائها غير سليم، كالقنوات التجارية التي تستهدف الربح المادي، عندئذ لن يكون مهماً لديها النتائج الهدامة في نفوس المتلقين من افراد المجتمع، بما يعني أن لها اضراراً ومخاطر جمّة يجب الالتفات اليها.

هذه القدرة المؤثرة من جانب، و إدمان الجمهور على وسائل الاعلام من جانب آخر؛ يؤدي الى التأثر بما تتضمنه المواد الاعلامية، من قيم وسلوكيات وافكار وثقافات، فاذا ما استخدمت بشكل جيد فانه ولاشك سيكون لها تأثيرها الفاعل في تشكيل سلوك النشء بالاتجاه السليم؛ وإلا فإنها سوف تتحول الى معول يهدم كل قيمة وكل نبت صالح.

 

 إعلامنا بين التأثير وعدمه

لا يخفى على احد مدى الفارق الواسع بين المؤسسات الاعلامية المنتشرة حول العالم، فتراها تتدرج بين الهواية والاحتراف.

 وبسبب هذه الفوارق الواسعة فان مدى تأثيرها وفاعليتها هو الآخر اتسم بفارق كبير. وعموما يمكننا القول وبشكل عام ان وسائل الاعلام تُقسم من حيث التأثير وعدمه الى: مؤثرة إيجابا، وأخرى مؤثرة سلبا، وثالثة غير مؤثرة.

ان الاعلام الايجابي هو ذلك الاعلام الذي يغرس ثقافة النهوض ويحقق اهدافها ويبعث القيم ويعالج مظاهر الفشل والتخلف الذي تعيشه الامم، أي انه يشكل الوعي النهضوي في المجتمعات، وفي بلادنا الاسلامية، فان الاعلام الايجابي هو من يحمل رسالة السماء اطارا ومضموناً في آن واحد، فضابطه الانسجام مع متطلبات الهوية الإسلامية في ما يُقدَّم إعلامياً عبر وسائل الاعلام المختلفة، من حيث طبيعة المادة المقدمة، وما ترسخه من قيم فكرية وثقافية واجتماعية.

وتختلف وسائل الإعلام المؤثرة عن غير المؤثرة سلباً، في الجوهر الأساسي للموضوع، وهو حقيقة الدور الذي يؤديه كل منهما في تشكيل المجتمع وبنائه؛ فوسائل الإعلام غير المؤثرة، لا تؤدي أي دور في المجتمع، وبالتالي لا تقوده إلى أي اتجاه. وهي غير معنية بما تقدمه للمجتمع وأفراده، ولا تقوم بأكثر من التوصيل، لكن دون أسس واضحة، ودون معرفة حقيقية بما يجب أن يُقدم، وما يجب أن تكون له الأولوية من بين ما يُقدم، والقائمون على مثل هذا النوع من وسائل الإعلام هم الذين دخلوا السلك الإعلامي إما مصادفة، أو دون رغبة أصيلة في الممارسة الإعلامية، أو دون هدف أو وعي حقيقي بالدور الذي تتحمل المؤسسة الإعلامية عبئه، لتكون ذات فائدة ونفع للمجتمع. أما الاتجاه السلبي من القسم ذي التأثير في المجتمع فيختلف من حيث وجود الهدف، ووضوح الرؤية والوسيلة أو الأداة التي تساعد على تحقيق الهدف، والقائمون عليه لا يتحركون خبط عشواء، وإنما وفق خطط ومنهجيات مدروسة بعناية، وهم يملكون تصوراً واضحاً لما يريدون الوصول إليه، ويسعون جاهدين إلى تحقيقه - هكذا يبدو- وكأنهم يريدون أن ينشروا ثقافة أو فكراً أو نمطاً حياتياً وسلوكياً بين أفراد المجتمع. ويبدو ان الغالبية العظمى من اعلام المسلمين اليوم هو اما اعلام غير مؤثر او مؤثر ولكن بالاتجاه السلبي ولا نجد من وسائل الاعلام المؤثرة ايجابيا الا العدد القليل.

 

 الاعلام الاسلامي.. الواقع والطموح:

حينـــــما اقول الاعــــلام الاسلامي فلا اقصد به الاعلام الديني، وإنما الاعلام الذي ويؤسس في بلاد المسلمين من المسلمين وغيرهم وكذلك الاعلام الذي يُؤسسه المسلمين في اي بقعة من الارض. والمفروض ان يكون الاعلام الاسلامي اليوم قبلة لأصحاب الفكر الهادف، الواعي بما يحدق بالامة الإسلامية من مخاطر، وما تعانيه من ضغوطات على جميع المستويات، وما تمرّ به الشعوب الاسلامية من حروب ومآس وحصار واحتلال. لقد كان من الأولى أن يُستغَل الإعلام لتوعية الأجيال الشابة بقضايا أمتها وبواقعها المعاصر، لتنشأ نشأة مختلفة عما نراه اليوم بين شبابنا، الذين يتعرضون لتسطيح إعلامي يأخذهم نحو الانشغال بالأمور التافهة والشكلية، ويلهيهم عن القضايا المهمة والمصيرية، فنتج لدينا جيل جميل الشكل لكنه مجوّف. ومفرّغ من الداخل، يتداعى مع أول هبة ريح، ولا تجدي محاولاتنا بعد ذلك في جبر الكسور الكثيرة المترتبة على سقوطه السهل، لأنه هش وأضعف من أن يخضع لأي عملية إصلاح. إن حالة الخواء الثقافي والفكري التي نلاحظها في كثير من شبابنا هذه الأيام لم تأتِ من فراغ، ولكنها نتيجة ما يتعرض له هؤلاء الشباب من قِبَل وسائل إعلام، إما لا تعرف حقيقة دورها وأثرها في المجتمع، أو انها تعرف ذلك وتدركه جيدًا وتوظف تلك المعرفة وذلك الإدراك لإنشاء جيل من الشباب الأجوف، اللاهي بملذات الحياة وشكلياتها. وكأن الدنيا أصبحت محصورة فيها، فأصبحنا نكرسها ونرسخ الاهتمام بها عبر وسائل إعلامنا الموقرة في كل لحظة، وبكل وسيلة، لا نوفر جهدًا ولا وقتًا، مغفلين القضايا الحقيقية والأمور المصيرية التي يجب أن نوجه إليها شبابنا كي يكونوا عدّة لنا في المستقبل وسط عالم يمور بالمتغيرات.

 

 اعلامنا..مشاكل وصعوبات:

يواجه اعلام البلاد الاسلامية اليوم تحديات حقيقية منها:

1- فقدان البوصلة:

ففي الوقت الذي يتوجب على المسلمين ان يستبسلوا في الدفاع، والحفاظ على هويتهم، وموروثهم الاجتماعي كبقية شعوب الارض، ترى ان اغلبهم اصبحوا معاول هدم لتلك الهوية وذلك التراث، وخاصة في الجوانب الاعلامية فترى مئات وسائل الاعلام التي اسسها المسلمون انما تبث ثقافة الانحلال والميوعة على مدار الساعة، غير مكترثة لمستقبل الاجيال، ومستقبل القيم السماوية التي جاءت بها الرسالات السماوية وخاتمتها الرسالة الاسلامية.

ان الاعلاميين المسلمين اليوم بامس الحاجة الى مراجعة هذا النهج الخاطئ، كما يتوجب على المؤسسات المعنية بالثقافة الصحيحة، محاولة التواصل مع هؤلاء ونصحهم اولاً، ومن ثم محاولة ايقافهم ثانياً، فلا يعقل ان نترك هذه المعاول تهدم كل ماهو قيم ونبيل، وتبني على ركامه كل ماهو سيئ ومقيت؛ ولعل في احكام العقل والتشريعات ما يساعد على ذلك، عبر تشريع قوانين تأخذ مصلحة الامة بنظر الاعتبار.

2- طبيعة الانسان:

ان المشاكل التي يعانيها الاعلام في بلادنا اليوم هي مشكلة مركبة من عدة اسباب تداخلت مع بعضها البعض فأفرزت حالة من ضعف التأثير في المجتمع ولعل احد هذه الاسباب؛ طبيعة الانسان الميالة للهو والشهوات والالتصاق ببهارج الدنيا ومفاتنها اذ يقول تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين}، (سورة الجمعة: 11).

 وهذا يصب في مصلحة الاعلام السلبي الفاعل الذي يهدف اللهو والميوعة والضلال والربح على حساب القيم، مما يجعل الاعلام الهادف امام تحد كبير ألا وهو كيفية التغلب على هذه الطبيعة، واستمالة الناس وتحويلهم من اعلام اللهو والميوعة، الى اتجاه الاعلام الديني. وهذا يتطلب تطوير الجوانب المهنية للاعلام.

3- غياب المهنية الاعلامية

 تخلفت أمتنا في معظم جوانب حياتها، وخاصة في جانب الاعلام. ان الاعلام العالمي قد تطور اليوم تطورا كبيرا وتوسع الى حد بعيد، الى الدرجة التي اصبح صناعة متقدمة جدا ، وتفرعت عليها عدة فروع حتى اننا قلما نرى اسلوباً للحياة ان لم يكن له فرع يختص بالاعلام، بل وحتى العلوم الاخرى تفرعت عليها فروعا للاعلام، فمثلاً؛ في علم النفس تأسس علم النفس الاعلامي، ومن علم الاجرام تأسس علم الاعلام الاجرامي او القضائي، ومن علم الاجتماع تأسس علم الاجتماع الاعلامي وهكذا.

في حين اننا ما زلنا نؤسس وسائل الاعلام بعيدة عن المهنية، ودون ادنى استيعاب لكوامن القوة والضعف فيها، وكل مايهمنا ان تتولى الصور، وان يجر الحديث الحديث، وان تتوالى صدور المطبوعات بدون مراعاة لمدى تأثيرها في الناس، او مدى تحقيقها لاهدافها.

وهنا لابد من تطور كليات الاعلام في بلادنا الى الدرجة التي تساوي بل تفوق تطور الغرب والشرق؛ لتحافظ على هوية الامة الاسلامية من الضياع. فاين اعلامنا من علم النفس والاجتماع، ومتى تنهض كلياتنا بمناهجها، ومتى تحول النظرية الى تطبيق                                                      ،واين مراكز دراساتنا الاعلامية والاجتماعية والنفسية، واين المسؤولون عن توفير واستنباط المعلومة الثقافية الاعلامية التي تسهل مهمة الاعلام في التأثير بالمتلقي؟!

4- تخلف الجهات المعنية بنشر الثقافة عن مسؤوليتها تأسيس وسائل الاعلام فالمعلوم ان جميع وسائل الاعلام انما تؤسسها جهات او افراد؛ لتحقيق اهداف ما، وفي مقدمتها الجهات التي تبتغي تشكيل الوعي، وغرس الثقافة.

ولا شك في أن الغرس الثقافي، وتوطيد القيم، وتصحيح سلوك الافراد والمجتمع انما هو مسؤولية جهات متعددة في بلاد المسلمين، تقع على رأسها المؤسسة الدينية، والمؤسسة السياسية والمتمثلة بوزارة الثقافة والاعلام، وكذا ديوان الوقف، ووزارة التربية والتعليم ،بل وحتى التعليم العالي والبحث العلمي وغيرها، اضافة الى مؤسسات المجتمع المدني.

والملاحظ ان هذه الجهات انما أهملت التفكير في الاستفادة من الاعلام ووسائله وبكل انواعه، فلم تهتم بتأسيس المؤسسات الاعلامية، وما تأسس منها قليل جدا، وهذا القليل يعاني من عدم الفاعلية والتأثير، وغياب المهنية.

5- عدم توفر المادة الاعلامية

 ان العقبة ليست في الابعاد المهنية للاعلام فحسب؛فالاعلام هو في حقيقته عبارة عن واسطة لنقل الافكار الى الناس باساليب ووسائل تحددها الجوانب المهنية للاعلام، ويبقى السؤال اذا كان الاعلام هو واسطة فمن المسؤول عن المادة الثقافية والفكرية التي يوصلها الى الجمهور؟! قد يكون الجواب:ان المؤسسات المعنية بغرس الثقافة ،وتكوين وتشكيل الوعي لم تخفق في تاسيس العدد المطلوب من وسائل الاعلام، او عدم وصول المؤسس منها الى مستوى الفاعلية والتأثير فحسب، وانما اخفقت في الاهتمام في توفير المادة التي يصوغها الاعلام ويعرضها؛ لتحقيق هدف الغرس الثقافي. اننا اليوم بحاجة الى توفير مادة لغرس الانماط السلوكية الثقافية وتشكيل الوعي، عبر القواعد السليمة المستفاد سواء من العقل، وهذه مهمة جميع المؤسسات، حكومية وغيرها، ومن قبلها؛ وباعتبارنا مسلمين؛ ولان الاسلام فلسفة متكاملة تشمل جميع نواحي الحياة، فكرا وتطبيقا، ممارسة وسلوكا، دنيا وآخرة؛ و باعتبار أن مصدرنا الاساسي بالاضافة الى العقل، هو القرآن والسنة؛ وباعتبار المؤسسة الدينية هي الجهة الوحيدة المعنية بالاستنباط من هذين المصدرين؛ لذا اصبحت هي المسؤول الاول عن توفير هذه المادة للاعلام.وربما يتم ذلك من خلال فتح فرع خاص في الدراسات الدينية في الحوزات وكليات العلوم الاسلامية، بمجال الاعلام والتبليغ الديني والدعوة.

وهكذا؛ فإن الإعلام أمانة ومسؤولية، والمؤسسة الإعلامية كالمؤسسة التربوية من حيث أثرها في تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، وقد يتفوق أثر المؤسسة الإعلامية على التربوية نتيجة عوامل مختلفة، منها طبيعة المادة التي تقدمها كل منهما ومدى مناسبتها لأهواء المتلقين.وتنوع أشكال المؤسسات الإعلامية، ومرافقتها لأفراد المجتمع في مختلف الأوقات والأماكن بعكس المؤسسة التربوية، وغير ذلك من عوامل، مما يستوجب استثمار الإعلام في توجيه شبابنا نحو ما يعود بالخير والنفع على مجتمعنا على الأمد البعيد؛ فالأجيال التي تنشأ على متابعة سباقات الأغاني، وتوزيع التحيات الصباحية شرقًا وغربًا.وإرسال إهداءات الأغاني صباحاً ومساء، لن تستطيع أن تقدم شيئاً مفيداً لمجتمعها ولوطنها، ولن تستطيع أن تنقل معرفة حقيقية للأجيال اللاحقة، وقد تكون حلقة في سلسلة لا يستطيع أحد أن يتوقع طولها.

وحينما يكون إعلامنا في الإتجاه الصحيح، عندئذ نتمكن من إقناع الطرف الآخر، لذلك يقول أحد كبار العلماء الأمريكان وقد هداه الله إلى الإسلام: أنا لا أصدق أن العالم الإسلامي يستطيع اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام بشرط أن يحسنوا فهم دينهم، وأن يحسنوا عرضه، وأن يحسنوا تطبيقه. والفهم مسؤولية المؤسسة الدينية عبر فرعها المقترح الاعلام الديني واما حسن العرض فلا يتحقق الا بالاعلام المهني.


ارسل لصديق