A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - وبعث الله ملكاً

وبعث الله ملكاً
كتبه: السيد سجاد المدرسي
حرر في: 2016/05/03
القراءات: 1346

تحتل مسألة القيادة، محل الصدارة في ما يرتبط بشؤون المجتمعات، فمحلها محل القطب من الرحى، إن صلحت صلحت الأمة، وان فسدت القيادة فسدت..

فليس الحديث عن القيادة ووظائفها وشروطها وصفات القائد ومن له صلاحية تعيين القائد، ووظيفة الأمة باتجاه القائد و..، أقول: ليس الحديث عن كل ذلك ضرباً من التخمة الثقافية بل الحديث عنها حديثٌ عن ضروريات الحياة السليمة والسعيدة.

ولما كانت القيـــادة ضرورة اجــــتماعية، تـــرسم الأهــــــداف والايدولوجيات الســـامية وتوجـــه طاقات المجتمع نحو تحقيقها وتسد مكامن الخلل فيه، وتحل ما يبدر من خلافات بين أبنائه فقد أولت البشرية - ومنذ القدم - مسألة القيادة اهتماماً بالغاً، فكانت تلتف حول رجلٍ منها لتجعله قائداً لها تستمع لتعاليمه وتوجيهاته فيما يرتبط بمختلف شؤونهم الحياتية، وخصوصاً إذا ما تعرضت الأمة لأزمات داخلية، كالمرض او خارجية كالحروب.

بنو إسرائيل وبعد رحيل كليم الله ونبيه العظيم، موسى عليه السلام، أحسوا بهذه الحاجة لمّا تعرضوا لأزمات مختلفة، نتيجة ابتعادهم عن خط الرسالة الالهية واتباعهم لأهوائهم وشهواتهم.

ولحكمة إلهية، لم يجمع الله سبحانه النبوة والملك في شخصٍ واحد، بل كانت النبوة في شخص والحكم والملك في شخصٍ آخر، ومن هنا توجه بنو إسرائيل - وعلى رأسهم الأعيان - الى نبيهم طالبين منه أن يسأل الله، سبحانه، في أن يبعث لهم ملكاً يخلصهم مما هم فيه ويتبعوا تعاليمه ويسيروا بسيرته، قال الله سبحانه عن ذلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَني‏ إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ في‏ سَبيلِ اللَّه‏}، وحيث لم تكن دعوتهم خالصة، لما كانت التجارب تدل على عدم ثبات بني اسرائيل في القتال، قال لهم نبيهم: {قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا}، ولكنهم أصَرّوا على موقفهم ومؤكدين على صدقهم معللين ذلك بما يتعرض له ابناؤهم: {قالُوا وَ ما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَليلاً مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالظَّالِمين‏}، (سورة البقرة : 246)، فكان الأمر كما قال النبي لهم في عدم قتالهم.

ونستفيد من الآية بصيرة هامة: أن المجتمع الظالم، المبتعد عن تعاليم الرسالة الالهية، لا ينتفع بالشعارات الإيمانية ما لم يصحح ما فسد من أمره، فبنو إسرائيل وبالرغم من المعاناة التي أجبرتهم على طلب ما طلبوه من نبيهم، إلا أنهم تخاذلوا لفساد نفوسهم وانحراف مسيرتهم، لنقرأ الحديث التالي الذي يكشف لنا جوانب هامة من قصة بني إسرائيل في تلك المرحلة :

عن الامام أبي جعفر الباقر، عليه السلام: «أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى عليه السلام عَمِلُوا الْمَعَاصِيَ- وَ غَيَّرُوا دِينَ اللَّهِ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَأْمُرُهُمْ وَ يَنْهَاهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وَ رُوِيَ أَنَّهُ أَرْمِيَا النَّبِيُّ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَالُوتَ، وَ هُوَ مِنَ الْقِبْطِ فَأَذَلَّهُمْ وَ قَتَلَ رِجَالَهُمْ- وَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ اسْتَعْبَدَ نِسَاءَهُمْ، فَفَزِعُوا إِلَى نَبِيِّهِمْ وَ قَالُوا- سَلِ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ‏ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ‏ فِي‏ سَبِيلِ‏ اللَّهِ‏، وَ كَانَتِ النُّبُوَّةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتٍ وَ الْمُلْكُ وَ السُّلْطَانُ فِي بَيْتٍ آخَرَ- لَمْ يَجْمَعِ اللَّهُ لَهُمُ الْمُلْكَ وَ النُّبُوَّةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ذَلِكَ قَالُوا «ابْعَثْ‏ لَنا مَلِكاً... إلخ»(1).

 

 استجاب الله لهم

بالرغم من علم الله سبحانه بالظالمين، وبما يدور في خلجاتهم، إلا انه، سبحانه، استجاب لهم في ما أرادوه، إتماما للحجة عليهم، و بذلك بعث إليهم ملكاً وحاكماً، لا كما تشتهيه انفسهم، ولا كما تصوروا في أن يكون الملك في أغنيائهم، فبعث إليهم شاباً اسمه (طالوت)، قال تعالى: {وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً} وحيث لم يجعل الله الملك في احدهم ولم يكن طالوت يحمل الصفات التي رسموها في أذهانهم اعترضوا قائلين: {قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ}، ولكن امر الله سبحانه لا يسير كما تشتهيه النفوس، واصطفاء الله للافراد لا يتبع المعايير البشرية، ومن هنا أجابهم النبي: {قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتي‏ مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليم‏} (سورة البقرة : 247).

وفي الآية بصائر:

- الملأ (وهم الاعيان) لم يسألوا الله بأن يبعث لهم ملكاً الا ليكون احدهم هو المبعوث، ولكن الله سبحانه بعث شخصاً آخر اتماماً للحجة.

- الملك، بحاجة الى صفتي العلم - لحاجة الحكم الى التدبير والتخطيط وغيرها - والبسطة في الجسم - خصوصاً اذا كان هو نفسه القائد العسكري.

- اصطفاء الله لعباده لا يخضع للمعايير المادية البشرية، بل لمعايير الهية، ومن هنا اختار الله طالوت ملكاً رغم فقره، وفي الحديث عن الامام الباقر، عليه السلام: «وَ كَانَ أَعْظَمَهُمْ جِسْماً وَ كَانَ شُجَاعاً قَوِيّاً- وَ كَانَ أَعْلَمَهُم‏»(2).

 

 معجزة المَلِك

يبدو أن بني إسرائيل لم يقنعوا بكلام نبيهم - كما هي عادة الظالمين - فطالبوا بآية (معجزة)، فقال لهم نبيهم: {وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فيهِ سَكينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى‏ وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ}، (سورة البقرة : 248).

 

 أي تابوت ؟

انه تابوت النبي موسى، وكان مقدساّ عند بني إسرائيل، قال الإمام الباقر، عليه السلام: «وَ كَانَ التَّابُوتُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى فَوَضَعَتْهُ فِيهِ أُمُّهُ وَ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، فَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُعَظَّماً يَتَبَرَّكُونَ، بِهِ - فَلَمَّا حَضَرَ مُوسَى الْوَفَاةُ وَضَعَ فِيهِ الْأَلْوَاحَ وَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ وَ أَوْدَعَهُ يُوشَعَ وَصِيَّهُ، فَلَمْ يَزَلِ التَّابُوتُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اسْتَخَفُّوا بِهِ - وَ كَانَ الصِّبْيَانُ يَلْعَبُونَ بِهِ فِي الطُّرُقَاتِ - فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي عِزٍّ وَ شَرَفٍ مَا دَامَ التَّابُوتُ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَ اسْتَخَفُّوا بِالتَّابُوتِ رَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ- فَلَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ بَعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ عَلَيْهِمْ يُقَاتِلُ مَعَهُمْ- رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ-»(3).

 

 طالوت وجنده

خضع القوم لحكم الله وملكهم المبعوث من قبله على مضض، فساروا خلفه في معركته ضد جالوت، ولكنها الحرب التي لا تعرف الهزل، ولا يثبت فيها الا المؤمن بقضيته.

ومن هنا، أراد طالوت - وبأمرٍ من الله - أن يختبر جنده ليميز الخبيث من الطيب، ويترك الخبيث - وإن كثر- لكيلا يؤثر سلباً على مجريات المعركة، قال الله سبحانه: {فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَليكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَليلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالَ الَّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرين‏}، (سورة البقرة: 249).

ورد في الأثر: «قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏ إِنَ‏ اللَّهَ‏ مُبْتَلِيكُمْ‏ بِنَهَرٍ، فِي هَذِهِ الْمَفَازَةِ فَمَنْ‏ شَرِبَ‏ مِنْهُ‏ فَلَيْسَ‏ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ، وَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ‏ إِلَّا مَنِ‏ اغْتَرَفَ‏ غُرْفَةً بِيَدِهِ‏، فَلَمَّا وَرَدُوا النَّهَرَ- أَطْلَقَ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَغْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرْفَةً بِيَدِهِ‏ فَشَرِبُوا مِنْهُ‏ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ‏ فَالَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ كَانُوا سِتِّينَ أَلْفاً- وَ هَذَا امْتِحَانٌ امْتُحِنُوا بِهِ كَمَا قَالَ اللَّه‏»(4).

فترك طالوت الاكثرية الساحقة من جنده، ولم يبق معه الا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وكان هؤلاء بدورهم على قسمين، منهم من اغترف غرفة - وكانت مسموحة - ومنهم من لم يغترف، فعن أبي جعفر، عليه السلام، في قول الله: {إِنَ‏ اللَّهَ‏ مُبْتَلِيكُمْ‏ بِنَهَرٍ- فَمَنْ‏ شَرِبَ‏ مِنْهُ‏ فَلَيْسَ‏ مِنِّي‏} فشربوا منه إلا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، منهم من اغترف و منهم من لم يشرب، فلما برزوا قال الذين اغترفوا ﴿لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ‏ بِجالُوتَ‏ وَ جُنُودِهِ‏ و قال الذين لم يغترفوا {كَمْ‏ مِنْ‏ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ‏ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏- وَ اللَّهُ‏ مَعَ‏ الصَّابِرِينَ‏}(5).

 

 ونستفيد من الآية بصائر عدة اهمها:

- على الحاكم ان لا يغتر بكثرة من حوله من الاتباع والأنصار في الرخاء، بل عليه ان يبحث عن المخلصين من ابناء الامة ليكونوا اداة انتصاره في ساعات العسرة والحرج.

- الشعارات و الكلمات الرنانة لا تظهر حقيقة الشخص، بل مواقفه في سوح الجهاد هي التي تظهر جوهره.

 

 الصبر والدعاء سبيل الانتصار

المؤمن، يقوم بما عليه من مسؤوليات في المعركة ضد الباطل، فيجاهد صابراً وبثبات، ولكنه يعلم بأن النصر من عند الله سبحانه وتعالى، ومن هنا يقوم بالتضرع الى الله سبحانه بأن يقوي ضعفه ويجبر عجزه من جهة، وبأن ينصر جبهة الإيمان من جهة أخرى، وبذلك ينصر الله سبحانه عباده، كما حصل لطالوت وجنوده المخلصين، لنستمع الى ما جرى على الثلاثمائة وثلاثة عشر مؤمناً من اصحاب طالوت : {وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمينَ}، (سورة البقرة : 250-251)

----------

(1) تفسير القمي : ج1 ، ص 81

(2) نفس المصدر

(3) نفس المصدر

(4) تفسير القمي: ج1، ص83

(5) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 134.


ارسل لصديق