A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الحرية دعامة التغيير

الحرية دعامة التغيير
كتبه: العلامة الشيخ محمد علي المحفوظ
حرر في: 2016/07/03
القراءات: 1480

قد لا تكون النزعة إلى الحرية الموجودة عند كل إنسان كافية لبقائه حراً، إذ إن عليه أن يعمل جاهداً لكي يحافظ على هذه الحرية أمام التحديات والمصاعب اليومية على كل صعيد، وفي حديث للإمام علي، عليه السلام، يقول: «أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار»، وهي بلا شك تأكيد كبير على أن الحرية، حالة إنسانية أصيلة؛ ولكن المشكلة أن هذه الحالة تواجه تهديدات دائمة حيث إن الضغوطات أو المغريات وضعف الإرادة تشكل خطراً على حرية الإنسان، وربما يفقد البعض حريته من دون أن يشعر حتى بذلك.

ولا شك أن الحرية تمثل محوراً مهماً في تكوين شخصية البشر، وتؤثر على نمط تفكيره وحياته وصيانة كرامته الإنسانية، وليس من المبالغة في شيء إذا قلنا أن للحرية تأثيراً كبيراً على إبداع الإنسان وعطائه، وقدرته على التعبير عن نفسه بصورة حقيقية؛ ولذلك فإن الإسلام كدين، اعتبر أن حرية الإنسان عطاء إلهي لا ينبغي التنازل عنه بأي حال من الأحوال، بل وحتى فيما يرتبط بالعقيدة والدين، فإن الإسلام جعل الأمر باختيار الإنسان في قبوله من دون أي ضغط أو إكراه؛ فقال ربنا -عز وجل- في القران الكريم: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، (البقرة 256)، وحتى بالنسبة إلى الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، فإن مهمته الأساسية هي استثارة العقول والتذكير؛ فيقول ربنا -عزّ وجل-: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}. (الغاشية 21، 22)

ومع أن الإسلام بطبيعة الحال رشد هذه الحرية فلم يجعلها مجرد استباحة بمعنى أن يقوم الإنسان بالاستجابة لكل رغبة من دون الإحساس بالمسؤولية، لأنه أراد أن يجعل الإنسان متميزاً عن بقية المخلوقات، حيث كرمه ربنا ورفعه درجة عالية من خلال قوله -عزّ وجل -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، (الإسراء: 70)، وقد أمر الإسلام بالمحافظة على هذه الحرية واحترمها أيّ احترام، وفي هذا الشأن يقول الإمام علي، عليه السلام: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».

ولكي يحافظ الإنسان على حريته؛ عليه أن يتحرر من كل خوف أو رهبة أو طمع فهذه العوامل قد تقيد الإنسان فتجعله مكبلاً من الداخل، وما لم يكن الإنسان حراً في داخله فلن يعرف طعم الحرية، وفي هذا الشأن يشير الإمام علي، عليه السلام، إلى حقيقة هامة حيث يقول: «لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حراً» ، كما انه ما لم يكن الإنسان عزيزاً في داخله فلن يكون حراً، وهذا يقودنا إلى كيفية البناء الاجتماعي الذي ينبغي أن نتبناه في رؤيتنا ونظرتنا للواقع السياسي، حيث أن النظام السياسي الذي يفكر في بناء وطن عزيز، قادر محصن تجاه الأخطار والتحديات، فإن عليه أن يبني إنساناً حراً كريماً مستقلاً من خلال تلبية حاجاته ومتطلباته وتحقيق طموحاته ضمن دائرة القانون والمؤسسات التي ينبغي أن تقوم على النزاهة والعدالة وتكافؤ الفرص في نظرتها لكل الناس، حتى لا يتصارع الناس على المكاسب والمصالح الشخصية ولا يتحركون ضمن دائرة الذات والأنا فيعيشون في حالات من النزاع والتقاتل بدلاً من أن يعيشوا في دائرة التكامل والإيثار والتقاسم.

ولا شك أن النظام السياسي يتحمل مسئولية الارتقاء بأبناء مجتمعه إلى مصاف المجتمعات المتقدمة أو إبقاؤهم ضمن دائرة الجمود والتخلف، وذلك من خلال تعزيز الثقة بأنفسهم وعدم سلب حرياتهم أو التجاوز عليهم سواء من خلال الترهيب أو التخويف أو من خلال الترغيب والإغراءات التي قد تسلبهم حرياتهم، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وهو ما يؤدي إلى الخمول والانكفاء عندنا بينما يعيش الآخرون في الأنظمة المتقدمة الإبداع والعطاء.

ومعلوم أن الثقة والانطلاق في رحاب آفاق العلم والمعرفة والعمل والتنمية بحاجة إلى أرضية متينة تنطلق عليها وتستند إليها وهذه الأرضية هي الحرية التي متى ما سلبت فإنك تحكم على الإنسان بالتعطيل والتقييد والتكبيل.

 إن الشعور بالثقة يتعزز عند الناس من خلال تأمين حقوقهم الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة من دون منّة أو ضغط، ومن شعور بالغبن أو إحساس بالنقص، لأن في هذه الحالة يتكون النتيجة الى أحد أمرين: إما وجود أناس متذمرين وساخطين، وربما ناقمين، أو وجود أناس متزلفين ومتملقين، وفي كلا الحالتين، فإن هذا الأمر لا ينتج مجتمعاً سوياً وقادراً على التنمية والتقدم، ولذلك فإن ما نراه اليوم من أزمات تعبر عن نفسها بشكل سيئ، من وقوف الناس على طوابير على الدوائر الحكومية لقضاء معاملاتهم الادارية، او للحصول على بعض الحقوق مثل رواتب التقاعد وغيرها او قروض الاسكان او الحصول على فرص عمل وغيرها.

هذا المآل يجعل الناس دون رؤية واضحة و فرصة في الشراكة السياسية التي توفر لهم إمكانية تحصيل الحقوق والنهوض ببلادهم، ومن الطبيعي ان عدم تحقق كل هذه المطالب يساهم بشكل أو بآخر في الاستنقاص من حريتهم.

--------------

*أمين عام جمعية العمل الاسلامي في البحرين.


ارسل لصديق