A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - في ذكرى خديجة بنت خويلد «الطاهرة»

في ذكرى خديجة بنت خويلد «الطاهرة»
المرأة التي بحثت عن الكمال لا الجمال
كتبه: مرتضى الموسوي
حرر في: 2016/07/04
القراءات: 1710

جُبل بني البشر منذ أن وجد على هذه الأرض على البحث عن الكمال، فالإنسان يسعى للكمال في مجالات الحياة.

فما نراه اليوم من تطور في المجالات العلمية المختلفة ليس إلا تجسيداً لهذه الرغبة الكامنة في داخله، ولو رضي الإنسان بما لديه لكان يعيش اليوم كما عاش في القرون الاولى، إلا أنه يبني اليوم ناطحات السحاب ويصنع الطائرات العملاقة ويتنافس على التطور في شتى الميادين.

الى جانب الباحثين عن الكمال المادي، هنالك نماذج من البشر يبحثون عن الكمال المعنوي دون المادي، وهم قلّة، فالكمال المادي يبحث عنه كل إنسان؛ فكل واحد منا يريد أن يكثر ماله وولده وما يملك في هذه الحياة، أما الكمال المعنوي فلا يبحث عنه كل أحد، لأن البحث عنه يحتاج الى اقتحام العقبة -كما يسميها القرآن الكريم- يقول تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}، (سورة التين: 4-5)، ولكي يعود الإنسان الى ذلك الأحسن يجب عليه أن يقتحم العقبة {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}، (سورة البلد: 11-12).

ومع صعوبة هذا الأمر، إلا أن لله تبارك وتعالى عباداً في هذه الحياة اقتحموا هذه العقبة ليصلوا الى أعلى عليين ويكونوا قدوة لكل من أراد أن يسلك هذا الطريق ويهتدي بهداهم.

 

 بحثتْ عن الكمال فوجدتْ النبي محمداً، صلى الله عليه وآله

ومن أبرز تلك القدوات؛ أم المؤمنين، خديجة بنت خويلد، سلام الله عليها. هذه المرأة التي بلغت ـبحسب مقاييسنا الماديةـ ذروة الكمال في الجانب المادي، فكانت من أثرى الأثرياء في مكة المكرمة قبل الرسالة، فقد أحسنت التصرف في إرث أبيها خويلد الذي توفي في وقت مبكر من حياتها، إما قتلاً في بعض الحروب التي ترتبط بحلف الفضول أو موتاً طبيعياً، وأصبحت بذلك يُشار اليها بالبنان في جانب الثراء.

وحلف الفضول كان تحالفاً بين بعض القبائل العربية، منها بنو هاشم، لحماية الضعفاء ورد الظلم عن المظلومين الذين يأتون الى مكة، والنبي، صلى الله عليه وآله، ذكر حلف الفضول وقال: «ذلك حلف لو دُعيت اليه لأجبت»، فكان هذا الحلف عشيرة من لا عشيرة له، وربما كما في بعض التواريخ قتل والد خديجة في احدى حروبهم في الدفاع عن المظلومين.

وبالرغم من ان بعض المؤرخين يبالغون في ثراء خديجة، حيث كتبوا انها كانت تملك 30 الف بعير على مستوى الجزيرة العربية، لكن ذلك مُبالغٌ فيه، إلا أن الذي لا شك فيه هو أنها كانت من أثرى أثرياء الجزيرة العربية، حيث قالوا أنها ملكت القنطار(1).

لكن خديجة لم تكن تبحث عن هذا الثراء، وعن هذا الكمال، فهي كانت تبحث عن الثراء الحقيقي فبالرغم من كونها في مجتمع موغل بالفساد، إلا أنها كانت قد عُرفت بالسيرة الحسنة والعفاف والتزام الفضيلة، حتى سُميت في الجاهلية «بالطاهرة»، وأن تكون إمراة في مجتمع موغل في الفساد، بهذا المستوى من الطهر والفضيلة لأمر استثنائي.

فثروة خديجة الحقيقية كان في كمال عقلها، ومن ذلك أنها كانت تبحث عن الكمال الأسمى والذي تمثل بقرارها التزويج من النبي محمد، صلى الله عليه وآله، لتكون أم ذريته ويكون بقاء نسله، صلى الله عليه وآله، منها، سلام الله عليها.

إنها بحثت عن الكمال فوجدته في رسول الله صلى الله عليه وآله، فكما كتب في التواريخ أن خديجة كانت مع جملة من نساء قريش في فناء بيت الله الحرام، فمرّ بهن كاهن فقال لهن: إنه يوشك أن يبعث نبي في هذه الأرض فمن استطاعت أن تكون منه زوجة فلتفعل.

فأخذ هذا الأمر منها مأخذاً و بقيت تفكر في هذا الذي سيبعث فإذا كان من يبعث في مكة، فلا ريب أنه يكون أفضل من في تلك الأرض وهو المعروف بحسن السيرة وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله.

تلك الفترة صادفت إرادة النبي، صلى الله عليه وآله، العمل في التجارة لمساعدة عمه أبي طالب سلام الله عليه، وسمع النبي أن خديجة تستأجر من يريد العمل للتجارة فطلب منها العمل معها مضاربة، فكانت خديجة تنتظر مثل هذه الفرصة للإقتراب من النبي، صلى الله عليه وآله، للتعرف عليه أكثر، فقبلت على الفور، وكلفت غلامها «ميسرة» أن يكون مع النبي خادماً ليلاحظه عن قرب.

ذهبت القافلة بقيادة النبي، صلى الله عليه وآله، ومعه المال وعدد من خدم خديجة، وقصة هذه الرحلة معروفة، وكيف أن الحوادث العجيبة استوقفت ميسرة، فهو رأى كيف أن السحابة تظلل للنبي، وتنتقل معه، وكيف أن الشجرة الجرداء اخضرت لغسول النبي، وكيف أنه أصاب من الربح أضعاف ما يصيب غيره، مع أنه لم يغش ولم يكذب على أحد قط.

 فذُهل ميسرة من البركات التي حلّت عليهم بهذا الرجل، ولم يكن همّ ميسرة إلا أن يصل الى خديجة لكي يخبرها بتفاصيل تلك الرحلة التي زادت خديجة رغبة برسول الله، صلى الله عليه وآله.

ولكن؛ كيف تتقدم خديجة، والعرف أن الرجل هو الذي يطلب المرأة، فهي بين أن تلتزم بهذا العرف، وبين أن تقتحم هذا الأمر وتتجاوز العرف لتصل الكمال الذي تبحث عنه، فأرسلت إحدى صاحباتها، وهي نفيسة الى النبي، صلى الله عليه وآله، تسأله عن رأيه في الزواج، وتخبره برغبة خديجة في ذلك.

فجاءت الى النبي وسألته فقال لها: إنه ليس عندي مال، والنساء ينتظرن المال والمهر، فقالت: إن خديجة هي من تعطي المال! وهي التي ارسلتني.

فأخبر النبي عمه ابا طالب برغبته الزواج منها، فذهب شيخ الموحدين مع حمزة والعباس وجمع من بني هاشم الى بيت خديجة، فخطبها قائلاً: «الحمد لله الذي جعلنا من زرع ابراهيم وأنزلنا حرماً آمنا وجعلنا حكاماً على الناس، ثم إن إبن أخي هذا، محمداً، ممن لا يوازن به رجل إلا رجح عنه، ولا يقاس عليه أحد إلا فضل عليه، وله في رغبة في خديجة ومهره عاجله وآجله عليّ وفي مالي، وهو إن كان مقلاً في المال إلا أن المال غلٌ زائل».

فأراد أحد أعمام خديجة أن يخطب فأخذه البهر(2)، فلم يستطع الحديث ولم يبلغ حاجته فقامت خديجة وردت على الكلام بنفسها، وقبلت خطبة النبي وقالت: المهر في مالي!

انظروا الى إيمان أبي طالب بالنبي، وهو الذي كان قد تكفله لمعرفته بمكانته.

قام أحد الحاضرين وقال: يا عجباً الرجال يعطون النساء المهر وهنا رأينا المرأة تعطي الرجل المهر؟

فرد عليه ابو طالب قائلاً: اذا كان مثل ابن اخي محمد اعطته النساء المهر واذا كان مثلك لم يجب وإن أعطى المهر!

 

 حب للزوج وإيمان بالرسالة

ولم يكن همّ خديجة، إلا الوصول الى الكمال باقترانها برسول الله، صلى الله عليه وآله، ولذلك وكما تقول الرواية قالت له يا محمد: «البيت بيتك وانا جاريتك»، وهذا كلام صدر من هذه المرأة قبل 15 عام من البعثة ولم يكن هذا إلا من كمال عقل هذه المراة.

عاشت خديجة مع النبي صلى الله عليه وآله، 25 عاماً في افضل ما يمكن أن تعيش امرأة مع زوجها.

أما في الجاهلية، فكانت إن افتقدت النبي بحثت عنه في مكة فإن وجدته وإلا ذهبت اليه لتبحث عنه في غار حراء لتطمئن عليه، فاذا عرفت أين يكون استقرت وعادت، ولمن ذهب اليوم إلى غار حراء يعرف كم هي المسافة بين مكة وبين هذا المكان الوعر، فهي لم ترسل غلمانها، بل كانت تذهب بنفسها لتطمئن على رسول الله.

اما بعد الرسالة، فقد تحدث النبي، صلى الله عليه وآله، عنها في اكثر من مورد، ويكفيها فخراً أن النبي، ظلّ يحفظ ذكرها في كل المواقف، حتى أنه، صلى الله عليه وآله، كان إذا أهدي اليه شيء أهداه إلى بعض صديقات خديجة ممن كن قد حفظن عهدهن مع خديجة، وكان فعل النبي حفظاً لعهد خديجة وإبقاء لذكرها، حتى ابغض ذلك بعض نسائه فقالت له: كم تذكرها...! والله قد ابدلك خيراً منها، ولكن النبي نهرها بقوله: «لقد آمنت بي حين كفر بين الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله الولد(3) منها وحرمت من غيرها».

وقد جعلت مالها في خدمة النبي ورسالته، ولذلك حين سأل الرجل أمير المؤمنين عن عتق رسول الله، صلى الله عليه وآله، و»لا عتق إلا في ملك» فمن أين لرسول الله ذلك؟ قال الامام عليه السلام: «ويلك واين ذهب مال خديجة».

فكانت مصداقا لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، (سورة البقرة: 3)، فقد آمنت بالنبي ورسالته قبل غيرها، ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاة حيث أقامت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} فأنفقت كل ما رزقها الله تعالى لخدمة رسالة النبي صلى الله عليه وآله.

 

 حين الوفاة

عاشت مع رسول الله في كل الظروف حتى حضرتها الوفاة ولم تكن تملك شيئا.

وكما يذكر التاريخ لنا أنها التفتت إلى إبنتها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وكانت بعدُ صغيرة السن، وقالت: بنية إذهبي الى أبيك وأخبريه أن امي لما بها، واسأليه أن يعطيني رداءه لكي أجعله كفناً لي.

لعلها كانت المرة الاولى التي تطلب فيها خديجة سلام الله عليها شيئاً لنفسها من رسول الله، فكانت دائما صاحبة يد العطاء ولذلك استحت أن تطلب ذلك من النبي مباشرة. ذهبت فاطمة وهي دامعة واخبرت اباها بذلك، فجاء النبي، صلى الله عليه وآله، وقد دمعت عيناه، فرآها في حال الاحتضار، فقال لها: «يا خديجة بالكره منّي ما ارى منك وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا».

فالزوج يجب ان يرفّه على زوجته ويريحها، وهو النبي الذي قال: «انا خيركم لأهلي» وإذا به يرى زوجته على هذه الحالة، وهي لا تملك شيئا وهي على فراش الموت وعمرها 65 سنة تقريباً.

فقضت نحبها راضية مرضية مشيعة بسلام الله تعالى. فكفنت برداء النبي، صلى الله عليه وآله، وفي بعض الروايات بكفن جاء به جبرائيل، سلام الله عليه، من الله، فسلام عليها يوم ولدت ويومت ماتت ويوم تبعث الى ربها.

------------

* (1) القنطار: هو ملء جلد ثور من الذهب

* (2) البهر: حالة من ضيق النفس لا يستطيع ان يتحدث من تأخذه الحالة، أو ان المراد منه هو الإنبهار

* (3) المعروف أن النبي رزق من مارية الولد أيضا لكن المراد هو استمرار النسل والذرية الذي لم يكن إلا من خلالها، عليها السلام.


ارسل لصديق