A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - سبل قرآنية بين الانسان وربه

سبل قرآنية بين الانسان وربه
كتبه: زكي الناصر
حرر في: 2016/08/10
القراءات: 1540

أقرب الوسائل لمعرفة ان الوجود مخلوق، انما هو التصرف فيه، وإعطاؤه مرة لشيء ثم سحبه منه، فهو اذاً حقيقة يديرها مالكها الله القدير، والموجودات ليست بإله هي الاخرى، بل النجم والشجر يسجدان لله، والشمس والقمر يجريان بتدبير الله والارض خاشعة بأمره، وأبسط الادلة الى ذلك أن معالم الضعف بارزة في الاشياء، ولا ولن تكون هي الله، القدير - سبحانه -.

ان المبدأ الفلسفي الذي يقسم الوجود الى ممكن وواجب، ويتصور أن القسم الاول هو الخليقة، والقسم الثاني هو الخالق، مرفوض في القرآن، إذ ان الله ليس بوجود ولا الخليقة بوجود، انما الوجود نور مملوك لله وموهوب للخليقة، فكيف يمكن ان يشترك الخلق مع الله في قائمة واحدة نسميها الوجود.

بينما هـــــــــي ثلاث قوائم: الله، الوجـــود، الخلـــق؟!

إن الحد الفاصل بين الله وبين الخلق، التباين المطلق بينهما؛ فكلما يجوز في الخلق يستحيل في الخالق وهكذا العكس.

وبهذا التباين نكشف أننا لا نقدر على تحديد الله ولا على اكتشاف صفاته، لأننا نعيش في مناخ المخلوقين ولا نعهد صفة الا بقدر ما هي ظاهرة في مخلوق ما، فصفة القدرة مثلاً نعرفها في الإنسان وفي التيار وفي العاصفة والكهرباء والذرة، صحيح أنها صفة قدرة إلا إنها مثبتة حسب معرفتنا في المخلوق، فلا يمكننا بطبيعة التباين بين الخلق والخالق قياسها على الله، وهكذا صفة العلم والملك وغيرهما.

ولكننا مع ذلك نستطيع أن نعرف ثبوت ما هو أسمى من صفات القدرة والعلم والملك المتوافرة في المخلوقات بثبوت ماهو أسمى منها وأكبر في الخالق الذي غرز في خلقه هذه الصفات المثلى وقد نسمي ذلك الامر الاسمى والأكبر من صفات المخلوقين، بـ «القدرة اللامحدودة» و «العلم التام» و»الملك الدائم»، إلا أنها لا تعني بهذه التسمية ايجاد علاقة بين قدرة الخلق وقدرة الخالق حتى تكونا سواء أو بين علم الخلق وعلم الخالق أو مشيئة الخلق ومشيئة الخالق وما أشبه، إذا لا علاقة بينهما إلا علاقة المقابلة الشديدة الانعكاس، بل انما نريد بهذه التسمية ايجاد علاقة بين لفظ ولفظ، حتى نعرف اشارة ما الى ذلك الأمر الأسمى الثابت للخالق.

من هنا كان اثبات أية صفة لله لا يعدو أن يكون اشارة - في أطار الفهم الذي نملكه - الى صفاته وأسمائه دون أن يكون تحديداً لله أو جعله في اطار المخلوقين وسحب صفاتهم عليه سبحانه.

 

 التسبيح يجعلنا أمام الله!

وأفضل صفة نطلقها على الله؛ هي صفة محورية تدور بين النفي والاثبات؛ النفي لقطع أية صلة تشابه بينه وبين خلقه، والإثبات للايمان بأنه أسمى من خلقه وأكبر؛ فهو القادر غير مقدور، والمالك غير مملوك، والعليم ولا معلوم!، ولترسيخ هاتين الحقيقتين؛ حقيقة ثبوت الله وصفاته المثلى من جهة، ونفي الصفات المعروفة في المخلوقين عنه، كان لابد من التقديس والتسبيح والتنزيه بكلمة «سبحان الله»، التي كثرت في القرآن وأضحت ركيزة الاذكار في الصلاة.

إن التسبيح يجعلنا فجأة أمام الله، فهو ينفي عن أذهاننا المخلوقين فيظهر الخالق، ولأنه من جهة ثانية يحل عقدة مستعصية من نفس البشر، وهي العادة على تحديد الاشياء، فاذا تقف أمام الله وتعجز عن التحديد، تتورط في الشبهات العقيمة بمحاولة مطابقة الله لمقاييس الخلق، فتضل ضلالاً بعيداً، وهنا تأتي كلمة (سبحان الله) لتنقذ البشر مرة واحدة من ورطته الكبيرة، وتقول له: «إنك أمام خالق المخلوقات حيث تعجز الالفاظ وتنهار الحدود وتنحسر المعارف البشرية الساذجة».

من هنا؛ لا نجد صفة عجز او ذل او صغار في المخلوق الا وتهدينا الفطرة الى تعالي الله عنها علوا كبيراً، ولا نرى فعلاً محدوداً منظماً بتدبير حكيم الا ونهتدي به الى الله، وكلما وجدنا الفعل من الدقة والحكمة والفائدة اهتدينا الى نوع من صفات الله وأسمائه الحسنى، فلو وجدنا مثلا وردة بديعة المنظر زاكية العرف، قلنا: سبحان الله اللطيف، أو ليس يتصف باللطف ودقة الصنع، اما لو لاحظنا الاهداف العديدة التي صنعت من اجلها الوردة من تنظيف الجو وإشاعة العبق لاهتدينا الى حكمة بارئها، اما إذا تصورنا الفوائد الصحية التي تصيب الانسان من الوردة عرفنا ان خالقها رحيم بعباده.

إن آيات القرآن تذكرنا مرة بعد اخرى بنوع الافعال التي تشهد على صفات الله تعالى، وقد تسبق التذكرة بالفعل، التذكرة بالصفة التي نهتدي بسببها اليها، وها نحن نستمع الى القرآن يذكرنا بصفات الله في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، (سورة الحج: 61)، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، (سورة لقمان: 30)، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، (سورة الحج: 61).

فالمنهج القرآني يكرس بيانه لمعرفة المخلوق والنظر اليه وملاحظة جوانب الحاجة فيه، على أن ذلك معبر الى الله تعالى، وهذا هو الطابع الذي يميز الحضارة القرآنية عن جاهليات الفلسفة الاغريقية التي تعمقت في ذات الله بعيدا عن النظر الى آياته فضلّت ضلالاً بعيداً. ويقول تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، (سورة الأنعام: 103)، هنا ينبغي ان نعرف ان النظر في الحياة يهدينا الى ان كل شيء مقدر تقديرا مناسبا ليحقق هدفا معلوما، مما يدل على ان المجموع ايضاً خلق لهدف معين، وهذا لايهدينا فقط الى حكمة الله البالغة، بل وايضا الى عقلانية الحياة، فليس اللانظام يشغل ولا مساحة بوصة واحدة من هذا الكون الفسيح، ولا نظام الا لحكمة معينة.

 

 الحياة فرص للفلاح والنجاح

ومن حكمة الله التامة تنبثق نظرة القرآن الى هدفية حياة الانسان، فليست الحياة عبثاً ولهواً اراد بها الله سبحانه اللعب او اراد بها تنكيلاً، انما خلق الانسان وقدره، وبين له السبل ويسرها لكي يخضع للتقدير فيفلح، اما اذا اختار العكس فانه سيهوي الى مكان سحيق، ففي الدنيا سيشتري ضنكاً في العيش وقارعة وراء قارعة، اما في الآخرة فسيجزي الله الذين آمنوا جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً. ان هدفية الحياة تهدينا الى ضرورة الحساب، فإذ لانجد في الدنيا حسابا دقيقاً وحاسما للانسان نتطلع الى الآخرة التي سيحاسب فيها الكافر حسابا عسيراً، ويلقى جزاءه موفوراً، فمعرفة اليوم الآخر نابعة من معرفة الله وبالذات من معرفة صفتي الحكمة والقدرة فيه، اذ الحكمة هي التي تهدينا الى ضرورة الآخرة والقدرة الى امكانها.

ومعالجة القرآن للقيامة آتية من هاتين الزاويتين؛ وكلما كملت فيه معرفة صفتي الحكمة والقدرة كلما زادت معرفته بالساعة ودقة حسابها.

ويمكن ان نجد تجسيداً لهذه الفكرة في الآيات المباركات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، (سورة الذاريات: 56)، وقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}، (سورة المؤمنون: 115).

فهناك غاية من الخلق هي العبادة والتسليم لسنن الكون وشرائع الحياة التي جعلها الله سبحانه، وليست الغاية اللعب الذي يختلف جذرياً عما نلاحظه في الكون من آثار الحكمة وآيات الهدف، ان مسيرة الحياة تدل على انها الحق، وان الباطل لا حول له فيه، فليس هناك ما يدعو الى تصور ان اللعب هو غاية الحق، لأن اللعب هو غاية الحياة، إذ اللعب نوع من الباطل الذي يدمغه الله ويدعه زاهقاً.

وذوو العقول يعرفون آيات الحياة وما بها من لطف التدبير وعمق التقدير في ليلها ونهارها، ذلك لانهم يعبرون من آيات الكون نحو تذكرالله، فلا قيام ولاقعود الا وفيه نوع جديد من الاثارة نحو الله سبحانه، فهم يتفكرون فيما وراء خلق السماوات والارض من غايات حكيمة، ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلاً فكل شيء جعلته فيه حق، ويهدف شيئاً مقدراً. ومن صفتي الحكمة والقدرة في الله سبحانه، نعرف ضرورة وامكانية الرسالة السماوية ايضاً، فلأن الله حكيم لايخلق الناس ليعذبوا، ولا يعذبهم حتى يبين لهم ما يتقون، ولانه سبحانه قادر على ان يبعث اليهم رسلاً من انفسهم يهدونهم الى رضوان ربهم، نعرف انه بعث فعلاً انبياءه الذين ختموا بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن؛ بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبقى الناس محتاجين الى هداة ميامين هم الأئمة الطاهرون عليهم السلام.


ارسل لصديق