Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
حينما يطل الإنسان بنظره على وادي الصمت (المقابر)، يرى عن كثب وادياً يضم أجساد الفقراء والأغنياء، الصغار والكبار، جنباً إلى جنب، يراهم قد باتوا في سبات عميق وصمت رهيب، قد سلبت عنهم قُدَراتهم وأموالهم، وما سخروه من الخدم، فلم يأخذوا معهم إلاّ الكفن؛ وهذه النظرة تدهش الإنسان وتدفعه إلى التفكير في مستقبله ومصيره، وربّما يحدّث نفسه بأنّ ما يراه، هو عاقبة هذه الحياة.
هنا يكمن الأثر التربوي لزيارة القبور على الإطلاق، ولدينا روايات تؤكد أهمية زيارة قبور الابوين أو احد المؤمنين الصالحين، ممن له مكانة عند الله تعالى، فما بالنا اذا كانت القبور تعود لأولاد الأئمة أو أحفادهم ممن استشهدوا في سبيل الله تعالى!
من أهم وأبرز الآثار المادية والمعنوية لزيارة قبور أولياء الله الصالحين؛ الشفاعة عند الله - سبحانه- في قضاء الحوائج الدنيوية المتعددة والكثيرة، وايضاً الحوائج المعنوية، مثل غفران الذنوب والتوبة النصوح، فيرجو الزائر من الله، بحق هذا المسجَّى، أن تقضى حوائجه، وهذا ما تميز به شيعة أهل البيت، عليهم السلام، وهذا ما سار عليه المسلمون منذ عهد الإسلام الاول.
جاء ذلك في الكثير من الروايات التي بينت أهمية الزيارة، منها ما روي أن النبي، صلى الله عليه وآله، لما رجع من غزوة بني لحيان، زار قبر أمه، آمنة بنت وهب، فتوضأ ثم بكى، وبكى الناس لبكائه، ثم صلى ركعتين، ثم أصلح قبرها بعد ذلك، وليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها النبي قبر أمه؛ فقد زاره بعد رجوعه من عمرة الحديبية، وبعد فتح مكة، وبعد غزوة تبوك، وبعد حجة الوداع؛ وإنما تدل هذه الروايات على مشروعية الزيارة، والتوسّل بالمسجّى في القبر، والصلاة والبكاء عنده، وقراءة القرآن، والدعاء والسلام على الميت وغير ذلك، فإن الموتى يعلمون بمن يزورهم ويفرحون بذلك، ونحن نتأسى برسول الله، صلى الله عليه وآله، بما جاء به من السنّة السمحاء، وجاءت روايات كثيرة عن طريق أئمة أهل البيت، عليهم السلام، في فضل زيارة القبور وتعميرها، فقد روي عن أمير المؤمنين، عليه السلام، أنه قال: «زوروا موتاكم، فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدُكم حاجتَه عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعو لهما»(1).
ولو بحثنا في فطرة الإنسان، وطابقناه مع ما جاء به الإسلام الحنيف، للاحظنا أن الزيارة تمثل حاجة نفسية في كل انسان، لذا فهي مشروعة للأحياء ابتداءً، وقد ورد عنهم، صلى الله عليهم أجمعين: «مَن زار أخاه في جنب الله، فهو زَورُه، وحق على الله أن يكرم زوره»، ويتأكد الأمر لو كان صاحب القبر من الصالحين والشهداء في سبيل الله، كونهم من الأحياء عند ربهم يرزقون، يسمعون الكلام ويردون الجواب، ولكن هناك شيئاً اسمه «التقرُّب» بهم إلى الله -عز وجل- وقد جعل الله تعالى طريق الزيارة وصلة بين الأحياء والأموات لكي لا يُقطع حبل المودة بينهم، وهي علاقة روحانية بين المؤتلفات من النفوس في عالم الذر، كما قال المعصومون، عليهم السلام: «خلق الله الأرواح جنوداً مجندة ما تعارف ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
هنالك من يشكك في وجود بعض المزارات، بدعوى أنها «وهمية»، ولا وجود لشخص مسجّى مطلقاً، أو هنالك من يقول بحصول تغيير في اسم المسجّى، من اسم رجل الى اسم امرأة، بداعي التورية، فهل تصحّ أحكام كهذه على مراقد أبناء أهل البيت، عليهم السلام، وفي هذا الوقت بالذات؟
يعتقد البعض بأن هناك «ظاهرة» انتشار المزارات المنسوبة الى الصالحين، وأن بعضها وهمية، من صنع ذوي النفوس المريضة، ومن لا ورع لهم ولا دين، بدافع الكسب المادي، واستغلال الناس في حاجاتهم المستعصية، ويبدو أن هذه الإشكالية لا تختص بالعراق، وإنما ابتلي بها الشيعة في بلاد اخرى.
من المعلوم أن الهدف يحدد الوسيلة لا أن يبررها، لذا فان الهدف الأساسي في الحياة هو رضا الله - تعالى- فلابد من وجود بوصلة من القرآن الكريم نتخذها معياراً نحدد من خلالها سلامة الوسيلة التي توصلنا إلى رضا الله -تعالى- ومنها؛ زيارة المراقد المشرفة، علماً؛ نحن بصدد الحديث عن المزارات التي توجه اليها سهام الاتهام بأنها وهمية، وأمر كهذا هو في غاية الحساسية والخطورة، ويستدعي التعامل الحذر والدقيق، حتى نحفظ حرمة الدين والقيم ومنزلة الشخصيات العظيمة، وايضاً نحترم مشاعر شريحة واسعة من المجتمع.
الخطورة في طرح أمور كهذه تكمن أن هذا التشكيك يعطي الذريعة لأعداء أهل البيت بالتدخل بهذا الأمر بشكل هجومي وعدواني، وما يؤكد ذلك، واقع المواجهة المحتدمة على اكثر من ميدان بيننا وبين قوى التكفير والارهاب في داخل العراق وخارجه، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فان الخوض في موضوع كهذا ينطوي على استخفاف بمشاعر الناس وعقائدهم وشعائرهم الدينية، وبالذات في وقتنا هذا، حيث يسود الظلم في كل مكان، بحيث بات الدعاء والتوجه الى الله - تعالى- وأوليائه، هو المنفذ الوحيد للناس ليتنفسوا الكرامة والعدل فتوجهوا إلى الله تعالى، في بيوت {أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه}، وهي المقامات والمزارات للتوسل بهم لقضاء حوائجهم للدنيا والآخرة، وحسب «هذا البعض»، فان هذه الاجواء تشكل ذريعة يتخذها أصحاب المصالح الخاصة للتلاعب بمشاعر الفقراء والمحتاجين من الناس، ومن ثم يعطي الطرف المقابل الذريعة لاختراق الصف الشيعي والتشكيك بمراقده.
وللرد على هذا الإشكال نقول:
هناك وسائل وطرق أو أعمال أو أقوال، من المحتمل أن تكون مقدمتها حسنة لكنها تؤدي إلى شيء محرم لا يحمد عقباه، ومن ثم تكون المقدمة «مقدمة حرام»، من باب منع ما يجوز لكي لا يحصل ما لا يجوز، ومن ثم غلق الأبواب على من يتخذ ذلك ذريعة للخوض في الحرام ونشر المفاسد، فالشَّارع حينما ينهى عن شيء ينهى عن كُلّ ما يوصل إليه من متعلقات، وقد ذكر سماحة السيد السيستاني - دام ظله - عن تساؤل فيما هو المناط من حرمة الاختلاط، ومنه يعلم أنه مع خلو بعض الصور منه يكون غير محرم فقال: «المناط في حرمة الاختلاط، هو أن يكون موجباً لترتب المفسدة والانجرار الى الحرام، على تقدير عدم اشتماله على محرم».
وبعبارة أخرى: إن الاختلاط يكون محرماً إذا اشتمل على الحرام كالنظرة الشهوية، كونه يكون كذريعة لأصحاب المفاسد والخوض في الحرام، فضلا عن الملامسة والمصافحة.
وأيضا يكون محرما إذا ترتب عليه الحرام مثل المواعدة، والانزلاق المستقبلي، وإن كان في نفس وقت الاختلاط لا يشتمل على الحرام.
وهناك من الضوابط أيضا ما قال به علماؤنا الأجلاء: «كما يحرم على البالغين رجالاً أو نساءً، من الآباء، أو المسؤولين في المهرجان، تحقيق وتفعيل رقص الفتيات غير البالغات، وهنَّ في مثل سن التمييز كسن السادسة، وإن لم يبلغن سن التكليف، فإن رقص الفتاة المميزة أمام الرجال، أو مع الرجال، بأي نوع من الرقص مبغوض شرعاً، ويعطي الذريعة لمن لا يتورع الخوض بهكذا أمور فيحرم تحقيقه على من بيده القرار فيه»، خوفا من أن يتطور إلى ما لا يجوز، وهذه النقطة من أهم النقاط التي أوردها العلماء، لأنها لفتت النظر إلى أن الشرع قد أعطى الطفل المميز أحكاما لها خصوصيتها، بوصفه يعيش مرحلة بين مرحلتين -إن صح التعبير- فكونه غير مكلف؛ لا يعني جواز التعامل معه بدون أي ضوابط شرعية والسماح له بفعل كل شيء، بحجة أنه لم يبلغ سن التكليف، ومن ذلك حرمة تمكين الفتاة المميزة من الرقص أمام