Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
من المعلوم سقوط الجهاد «الابتدائي» عن طوائف؛ ومنهم النساء، ولم يحصل أن اشتركت المرأة في معركة او غزوة في عهد النبي أو بعده، وجاء عن أمير المؤمنين، عليه السلام، في حديثه له مع أصبغ بن نباتة: «كتب الله الجهاد على الرجال والنساء؛ فجهاد الرجل أن يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته».
وهذا السقوط إنما هو جواز لا عزيمة، لأن الرفع امتنان، والمنّة ترفع الوجوب لا الجواز، وكل من سقط عنه الجهاد كالمرأة والطفل، إذا لم يترتب على جهادهم محذور، جاز لهم المشاركة.
وقد يجب على النساء إذا كان الجهاد دفاعياً وكان متوقفاً على النساء، يقول صاحب «موسوعة فقه الامام الصادق، عليه السلام»: يجب على النساء تعلم مداواة الجرحى، بل تعلم سائر الأمور الفنية الكهربائية والمخابرية وغيرها، بل تعلم فنون الحرب والقتال، فيما اذا احتجن إلى الدفاع عن حريمهن وحريم المؤمنين في الأقسام من الجهاد الواجب عليهن على نحو ما يجب على الرجال.
والسؤال؛ هل الدفاع كان واجباً على نسوة الإمام الحسين، عليه السلام، فإن كان واجباً فلماذا قال الإمام، عليه السلام، لأم وهب لما خرجت إلى المعركة: إن الجهاد مرفوع عن النساء؟ وكيف اشتهر بين الفقهاء أن الدفاع واجب على الكل حتى النساء؟ والجواب: إن النسوة دافعن عن الإمام الحسين، عليه السلام، والدفاع له أقسام، وقد قمن بالدفاع الأكثر فائدة، وأما نهي الإمام لتلك المرأة - فإن صح السند - فلعله كان لمصلحة أهم، كعدم شماتة العدو.
وقد ضربت النسوة في كربلاء أروع الأمثال في التضحية والجهاد فمن جهة كان لهن دور التشجيع والدفع للرجال والفتيان للقتال، وقد بلغ ببعضهن الحماس للاندفاع نحو المعركة.
برز الفتى النبيل؛ عمرو بن جنادة الأنصاري، ويبلغ من العمر إحدى عشرة سنة، قد استشهد أبوه في المعركة، فطلب الإذن من الإمام، عليه السلام، فلم يسمح له وقال: هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعل أمه تكره ذلك، فاندفع الفتى قائلاً: إن أمي هي التي أمرتني! فأذن له الإمام الحسين، فمضى متحمساً للحرب حتى استشهد، واحتزوا رأسه الشريف، ورموا به صوب المخيم، فخرجت أمه وأخذت رأس ابنها وجعلت توسعه تقبيلاً ثم مسحت عنه الدم، ورمت به رجلاً من الاعداء كان قريباً منها فصرعته.
ومثالٌ آخر؛ «أم وهب» زوجة عبد الله بن عمير الكلبي الذي خرج لاثنين من الاعداء هما: يسار مولى زياد، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، وبعد مشادّة كلامية بينهما، حيث طلب الاثنان أن يخرج لهما من يعرفاه مثل حبيب او برير، فغضب هذا الصحابي البطل وحمل عليهما كالأسد الغضبان، وكان معروفاً بالشجاعة، حتى قال في حقه الامام الحسين: «أحسبه للأقران قتّالاً»، فحمل عليهما وقتلهما؛ الواحد بعد الآخر.
وعندما شاهدت الزوجة الوفية هذا المشهد البطولي لم تتمالك نفسها أن أخذت بيدها عموداً وهي تشجعه على الحرب قائلة له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد، صلى الله عليه وآله.
ولما رأى الكلبي زوجته، أمرها بالرجوع إلى مخيم النساء، فأبت عليه، فقال الإمام، عليه السلام، لها: جُزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله، فليس الجهاد على النساء، وقاتل الكلبي حتى قتل تسعة عشر فارساً، واثني عشر راجلاً، حتى استشهد، وانطلقت زوجته تبحث عنه بين جثث القتلى، فلما عثرت عليه جلست إلى جانبه، وهي تبارك له شهادته قائلة: هنيئاً لك الجنة، اسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك.
ولما بصر بها الخبيث؛ شمر، أوعز إلى غلامه رستم بقتلها فغافلها العبد، وهشم رأسها بعمود فماتت شهيدة، ويقول المؤرخون؛ كالطبري، أنها أول من استشهد من نساء أصحاب الإمام الحسين، عليه السلام، في واقعة الطف.