A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الحوزة العلمية وتنمية القادة والكفاءات

الحوزة العلمية وتنمية القادة والكفاءات
كتبه: الشيخ ماجد الطرفي
حرر في: 2017/01/03
القراءات: 1586

جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد، عليه السلام: «وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيماً لهم في ما آتاك من العلم، وفتح لك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقاً على الله عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلّك».(1)

العلم موهبة وعطية من الله تبارك وتعالى، كما هي بقية النعم الإلهية للإنسان، وهذا العلم الذي يكتسبه الانسان، هو امتداد للعلم الإلهي، كما أنه ليس مفصولاً عن العطاء الإلهي، من أجل ذلك جاء نصّ حديث الإمام السجاد، عليه السلام، في مفهوم أخذ هذا العلم وإعطائه؛ والذي تشير اليه الاحاديث الشريفة بأن «زكاة العلم نشره»، كما في رواية لأمير المؤمنين، عليه السلام: «وما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعلّموا»(2)، فالتعليم فريضة لا يصح البخل به واحتكاره.

وذكر، عليه السلام مفهوماً آخر يكمن في الرفق والصبر بمن نعلّمه، في مقابل عدم الخرق، وتجنب الضجر والاحتداد في التعامل، وعدم الإحسان في ممارسة التعليم، الذي لا يجدي نفعاً في تنمية قدرات الطلبة على استيعاب المادة العلمية بالشكل الذي يفترض أن يكون، ولاسيما أن آلية العمل التبليغية التي اتبعها رسول الله، صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار، عليهم السلام، في إيصال العطاء الإلهي، تمثل الاطار الثقافي لعمل حوزاتنا في بث المعرفة ونشر العلم.

 

 خطوات نحو البناء

هذا العطاء الإلهي يدعونا للتأمل في أولئك الذين يريدون أن يجلسوا مجلس رسول الله، صلى الله عليه وآله، ويكونوا خلفاء ويتحملوا مسؤولية هذا العلم الإلهي ونشره، إذ يجب على علماء الدين أن لا يكونوا كسائر الناس العاديين، فهم يمثلون قدوة المجتمع، وعليهم أن يقودوا الناس إلى رضوان الله تعالى، لان عالم الدين يمثل حلقة الوصل بين الإنسان وربه، أي بمثابة الشفيع للإنسان.

والسؤال هنا؛ كيف يتم ذلك؟

شهدت الحوزة العلمية تخرج الافذاذ والعباقرة من العلماء الأعلام، الذين تحولوا الى قادة، وأسدوا خدمات جليّة للأمة في جوانب شتّى، وهذا لم يتحقق بالسهولة، ولمجرد التمنّي، إنما بعدة خطوات أهمها:

الخطوة الأولى: تتعلق بعالم الدين نفسه، وقبل أن تطأ قدمه أرض الحوزة العلمية، عليه أن يضع نصب عينيه تزكية النفس، حتى يكون قائداً حقيقياً على خطى الرسول الأكرم وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما، وعليه أن لا يفكر في اكتساب الشهرة أو المال أو لمماراة الآخرين، أو توظيف العلم لاكتساب القدرة على الجدال.

الخطوة الثانية: تتعلق بالحوزة العلمية نفسها؛ حيث إن عليها تحديد شروط معينة لقبول طالب العلم يلتزم بها، ويكون خلالها على المحك لإثبات مدى قابليته على الاستمرار، وتحمل الضغوطات والمصاعب في طريق طلب العلم، وهو الطريق الذي شقه أول مرة، رسول الله، صلى الله عليه وآله، لأصحابه، وتبعه في المسيرة، الأئمة المعصومون، عليهم السلام.

الخطوة الثالثة: وتعني بالاستقلالية في كل شيء عن الدولة والسلطات الحاكمة في مختلف الظروف؛ فالحوزة العلمية مؤسسة دينية قائمة بذاتها، من دون الاعتماد على مؤسسات الدولة، أو أي جهة أخرى، وهذا يصدق على الجانب السياسي في اتخاذ القرارات والأحكام التي تراها مناسبة، أو الجانب الاقتصادي في توفير المورد المالي لتغطية نفقات الحوزة العلمية، وهي تعد - في أي مكان - بمنزلة الجامعة المتكاملة بالمعنى الدارج اليوم، حيث الكليّات وكياناتها الخاصة، والمرافق الخدمية، وفي مقدمتها؛ سكن الطلاب وغير ذلك.

طوال مسيرة الحوزة العلمية، لاسيما في الفترة التي شهدت تطورات ملحوظة في هيكليتها وكيانها خلال القرن الماضي، فإنها لم تمد يدها الى الحكام، مهما كانوا لتغطية تلك التكاليف، إنما كانت تصرّ على مورد الحقوق الشرعية التي ترد الى مراجع الدين من عامة الناس.

هذه الاستقلالية تحديداً أكسبت الحوزة العلمية منعة سياسية وعزّة اجتماعية وفخراً حضارياً كبيراً، لأن المال، يمثل نقطة ضعف خطيرة دائماً، فمن يبدي حاجته الى المال، يوقع نفسه في شراك التبعية للسلطة أو الحاكم أو لجهة ما، لذا نرى علماءنا السابقين حافظوا على هذه الاستقلالية تحديداً، ولم يتزعزعوا رغم الضغوطات والظروف المريرة التي عاشوها، فقد واجهوا الفقر المدقع وحتى الجوع والتقشف والابتعاد عن كل وسائل الراحة والرفاهية، من أجل أن لا يصافحوا الحاكم ويبتسموا له أمام عدسات الكاميرات من اجل الحصول على قطعة الارض للحوزة العلمية او السيارات والأثاث وسائر الإمكانات الأخرى. فكان عنوان مراجعنا الكبار كما قال أمير المؤمنين، عليه السلام: «الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك»(3).

الخطوة الرابعة: المزيد من الاقتراب الى فئات المجتمع وتفهّم همومهم وطموحاتهم، علماً أن الحوزة العلمية لم تبتعد في يوم من الأيام عن مجتمعها، ولم تتخل عن مواقفها وتحديها في اختيار القادة الحقيقيين، فهي بطبيعتها معطاءة بالرغم من محاولات التهميش التي عانته منذ العصور، وهم في ذلك الوارثون لأهل البيت، عليهم السلام، في العطاء للأمة وتربية القادة الذين تخرجوا من مدرستهم، عليهم السلام، أمثال ميثم التمار وكميل بن زياد وغيرهما من الذين صنعهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار، عليهم السلام، ومشى على ذلك علماؤنا الأفاضل، وجعلوها ضمن أولويات أعمالهم في تربية القادة الذين وضعوا مصلحة الدين والأمة نصب أعينهم، وحافظوا على خاصية الحوزة العلمية كي ترقى وترتفع ويعلو شأنها وتنعم الأمة بتوجيهاتها الصائبة ورعايتها الرشيدة.

 

 الشمولية العلمية

مما يعزز دور الحوزة العلمية في تنشئة العالم المقتدر علمياً، قدرتها على استيعاب جميع أنواع العلوم الطبيعية والإنسانية، وهذا ما شهدته الحركة العلمية في حوزاتنا الشريفة طيلة العقود الماضية، التي بمرور الزمن شهدت تطوراً ملحوظاً إلى يومنا هذا، لأن علماء الإسلام قد غطوا جميع جوانب المناهج بأبعادها الكاملة، كون أن الزخم العلمي الذي ضخه الإسلام كان قوياً؛ إذ كان فقهاؤنا في الحوزات العلمية يصنعون المعاجز في معالجتهم لأدق المسائل العلمية والفلسفية والفقهية والتشريعية وغيرها، لذا بات من الضروري الاهتمام بتنظيم الحوزات العلمية وتطويرها إلى جامعات وكليات ومعاهد، لكي تتواكب مع العصر وتطوراته، لما تتركه من تأثير كبير في الحياة، وهو ما ينعكس ايجاباً على تفاعل الناس مع الحوزات وتفاعل مختلف شؤون حياتهم، ومن ثمّ تمكينها من التصدّي لقيادة الأمة في الحاضر والمستقبل.

وبالقدر الذي تتميز الحوزة الدينية بالأصالة في جميع العلوم لتخصصها في ذلك، فإنها تقف بقوة أمام التأثر بالتيارات الفكرية الخارجية، بل وتتصدى لمواجهتها بقوة وحزم على يد رجالها العلماء الافذاذ الذين بدأت الحوزة تتوسع وتنمو وتسمو بجهودهم الجبارة في ساحة الحركة العلمية، حتى توسعت هذه المظاهر التعليمية وأسست الحوزات والمدارس والجامعات والمعاهد الإسلامية المختلفة، وبنيت بشكلها النظامي لتقوم بأداء دورها في تدريس الفقه وأصول الفقه والحديث والرجال واللغة والأدب والتاريخ والتفسير وعلم الكلام وغيره.

والفضل في سيادة هذه المؤسسة على جميع العلوم الدينية والطبيعية، يعود الى جامعة الإمامين الصادقين، عليهما السلام، والى علوم أهل البيت، عليهم السلام، يوم كان المسلمون في كل مكان بالعالم يرفلون بحياة آمنة من كل الأمراض والأوبئة والفقر، وكانت الحوزات تخرج علماء فطاحل في شتى العلوم، حتى العلوم العسكرية منها، والذي كان على أثره تطور المجتمعات الإسلامية آنذاك، في حين كانت الشعوب الاخرى في العالم غارقة في ظلام الجهل.

بهذا الإطار التعليمي الديني، لقيت هذه المؤسسة عزتها واستقلالها المتمثل بالاستغناء عن الغير، والمستمدة من خصال الأنبياء، وهي عدم حاجتهم للآخر، بعكس صفة الطمع والاستئثار، لذا كان يُترسخ فيهم مفهوم القناعة، تطبيقاً للحديث الشريف: «القناعة كنز لا يفنى»، خلاف ما كان يفعله وعاظ السلاطين في كل زمان ومكان، والاستغناء سبب في تمكن رجال دين الشيعة من الوقوف بشموخ طوال التاريخ بوجه السلاطين وقول كلمة الحق، «كلمة حق أمام حاكم جائر»، ولاسيما الذي نراه لدى علمائنا الأفاضل، وعلى مدى التاريخ؛ من أن تقول كلمتها المؤثرة والحازمة التي تحل الكثير من الفتن أو المعضلات التي تصيب المجتمع الإسلامي بشكل عام، من أمثال ثورة العشرين التي قام بها العلماء و فتوى التمباك وغيرهما مما ذكره التاريخ. وأخيراً فتوى الجهاد الكفائي التي عطلة مخططات الاستعمار، وأدارت الأمور لصالح المجتمع المسلم.

 

 السبيل إلى تنمية الكفاءات

إن الإخلاص الحقيقي للمؤمن والداعية إلى الله يظهر عندما يكون في المجتمع وسط ضغوطات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثبات على الإيمان، من خلال الدخول في جميع مجالات الحياة بين الناس، مع الحفاظ على الحدود التي لا تتعارض مع الشارع المقدس، علماً أن الإخلاص في هذه الظروف الصعبة يجلي أمام المؤمن الحقيقي الرؤيا، ويخرجه من سجن الغفلة، ويصبح عبداً منيباً، يرى تجليات ربه واضحة.

من أجل المساهمة في رعاية وبناء القيم الاسلامية الأصلية وتقديم صورة صالحة تعبر عن روح الإسلام الحقيقية، ومواجهة الأفكار المنحرفة والمتطرفة بكل أشكالها من اجل النهوض بواقع المسلمين، وخصوصاً الشريحة الشبابية منهم، وذلك من خلال:

1- الاهتمام بطلبة العلم الذين هم عماد الدين ومنارة الإسلام.

2- العمل على البناء الروحي والعلمي ليحملوا الرسالة الربانية وليخلقوا جيلاً صالحاً واعياً وفاضلاً وذلك من خلال نشر الوعي الفكري والمعارف الإسلامية، من خلال دخولهم بين المجتمع بشكل عام.

3- أما من الجانب الحوزوي، من الممكن تبادل البحوث العلمية والتواصل مع المؤسسات والمراكز العلمية.

4- تقديم رؤية إسلامية أصيلة للقضايا التي تخص المجتمع الإسلامي وتمكين الطالب من التعامل معها برؤى خالية من شوائب الفكر التي نشأت في العصر الحديث بسبب التهم الباطلة لضرب المنهج الإسلامي الصحيح في الحياة المدنية.

5- ضرورة إقامة المشاريع التي من شأنها دعم الحوزة العلمية، وإصدار الدراسات والبحوث التي تؤهل الطالب ثقافياً وعلمياً، 5- تنمية الجانب الروحي من خلال البرامج الثقافية والتربوية.

6- إصدار نشرة (ثقافية اجتماعية فكرية) تهتم بنشر فكر أهل البيت، عليهم السلام، والعقيدة السمحاء لمواجهة الفكر المنحرف عن النهج القويم.

7- يكلف الطالب ببحوث علمية، ويتم طباعتها في نهاية كل عام دراسي حسب ضوابط اللجنة العلمية.

8- يجب الرعاية والاهتمام بالطلبة مادياً ومعنوياً لقيامهم بواجباتهم الرسالية.

9- تشجيع المواهب الفكرية والكفاءات بين الطلبة والأساتذة.

10- أهمية مشاركة المدرسة بكافة النشاطات العلمية والثقافية في الميادين الداخلية والخارجية.

11- ضرورة التعاون بين المؤسسات والمدارس فيما بينهم، إن كانت محلية أم دولية، مع الاهتمام بالكفاءات العلمية.

12- تقديم البحوث والدراسات الفقهية والأصولية والفلسفية المتميزة لتسهم في تطوير العلوم المعرفية، لتجعل حوزاتنا العلمية كمراكز عالمية.

13- إعداد كوادر ذات كفاءة علمية قادرة على سد الفراغات في المدارس والمؤسسات.

------------

 (1)- الشيخ الصدوق/ كتاب الأمالي/ ص453

(2)- كتاب خصائص الأئمة/ص125

(3)- مستدرك الوسائل/ ج17/ ص316.


ارسل لصديق