Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
من أهم ركائز العقيدة الاسلامية بما نفخر به أشد الفخر أمام سائر العقائد الأخرى في العالم، سمة الإنسانية في الرسول الأكرم والأئمة المعصومين، وأنهم كانوا يجمعون المثالية العليا في شخصياتهم، مع المثالية العلياً ايضاً في أخلاقهم وتعاملهم مع أفراد المجتمع، بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم، وسواءً المحب منهم والمبغض، او الصديق منهم والعدو.
هذه الحقيقة من شأنها صياغة الثقافة السليمة التي أرادها لها المعصومون، عليهم السلام، بعيداً عن الغلو الذي واجهوه في حياتهم من بعض الناس بدافع الحب والولاء الى حد الانحراف العقائدي وإخراجهم من الكينونة الإنسانية، ووضعهم بما لم يضعوا هم انفسهم فيه، ومنها؛ الألوهية والربوبية، ليكرروا نفس الخطأ الذي وقع فيه المسيحيون.
وفي كتابه القيّم؛ الامام الصادق، من المهد الى اللحد، يعزو مؤلفه؛ سماحة آية الله السيد كاظم القزويني - طاب ثراه - أسباب هذه الظاهرة في القرنين الاول والثاني الهجري، «الى ثلاث جذور:
الاول: فلسفة الحلول التي انتقلت من العهد الجاهلي ومن فلاسفة اليونان، وانتشرت في الجزيرة العربية وغيرها، وبناءً على تلك الفلسفة كان المشركون يعبدون الأصنام معتقدين أن الله - تعالى عن ذلك علوّاً كبيرا - قد حلّ في تلك الأصنام، ثم تطورت الفكرة بعد الإسلام، وذهب البعض ليعتقد بالحلول في بعض الاشخاص.
الثاني: الدسائس التي قام بها بعض الفاسدين والمفسدين لإلقاء الشبهات في المجتمعات الاسلامية بدافع التفرقة، وهدم الكيان العقائدي والتلاعب بالمقدسات.
الثالث: الفضائل التي اجتمعت في أئمة أهل البيت، عليهم السلام، من معاجز وكرامات، والتخلّق بأعلى درجات الأخلاق، فامتازوا عن سواهم بمزايا لا يلحقهم فيها لاحق، ولا يسبقهم سابق، ولا يفوقهم فائق».
وينوّه سماحة السيد القزويني في تسليطه الضوء على هذه القضية الهامة، الى أن «ضعف العقيدة»، أحد الأسباب الرئيسية في استفحال هذه الظاهرة التي نراها حتى اليوم بصور و أشكال جديدة، مؤكداً أن المشكلة ليست في الإمام المعصوم، او الأولياء الصالحين، اذا كانوا في تلك المنزلة الرفيعة، إنما هي في مستوى إدراك واستيعاب البعض من افراد المجتمع.
وإن قلنا بحسن نوايا الكثير من الشيعة والموالين لأهل البيت، عليهم السلام، في وضع هالات من القدسية والتعظيم للأولياء الصالحين على سبيل التقرّب اليهم بغية حل معضلات ومشاكل مستعصية في حياتهم، فان المعصومين، جميعهم، عليهم السلام، ومنهم؛ الامام الصادق، عليه السلام، بينوا لأبناء جيلهم وللأجيال اللاحقة قاعدة فكرية ثابتة على اساسها تكون العلاقة ما بينهم وبين افراد الامة على مر الزمان.
هذه القاعدة يبينها الامام الصادق، عليه السلام، في جملة من الروايات التي يدحض فيها فكرة التأليه التي راودت العديد من المقربين آنذاك، وفي كتاب السيد القزويني - طاب ثراه- العديد من الروايات التي يظهر فيها الامام الصادق، وهو يقطع طريق التفكير لدى البعض باتجاه التأليه له، عليه السلام، ومنها:
عن المفضل بن عمرو قال: كنت أنا وخالد الجوّاز، ونجم الحطيم، وسليمان بن خالد على باب الصادق، عليه السلام، فتكلمنا فيما يتكلم به أهل الغلو، فخرج علينا، عليه السلام، بلا حذاء، ولا رداء، وهو ينتفض(يرتجف) ويقول: ياخالد! يامفضل! ياسليمان! ويا نجم! لا؛ { بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، (سورة الأنبياء: 26-27)(1). وفي رواية أخرى ذات دلالة، عن فضيل عن يسار، قال: قال الامام الصادق، عليه السلام: «احذروا على شبابكم - الغلاة، لا يفسدوهم، فان الغلاة شرُّ خلق الله، يُصغرون عظمة الله، ويدّعون الربوبية لعباد الله.
والله! إن الغلاة أشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا.
ثم قال عليه السلام: الينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصّر فنقبله، فقيل له: كيف ذلك يا بن رسول الله؟
قال: لأن المغالي، قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج فلا يقدر على ترك عادته والرجوع الى طاعة الله - تعالى - ابداً، وإن المقصر اذا عرف عمل وأطاع»(2).
-------------