A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - القدوة الناجحة ودورها في سعادة الأسرة

القدوة الناجحة ودورها في سعادة الأسرة
كتبه: الشيخ ماجد الطرفي
حرر في: 2017/02/12
القراءات: 1762

القدوة هي التأثر بشخصية معينة ومتابعتها وتقليدها والتأسي بها، ولاسيما القدوة الحسنة التي هي العنصر المهم في المجتمع، والإنسان بأمس الحاجة لرؤية القدوات مهما كان أفراده صالحين كما قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: «جالسوا من تذكّركم بالله رؤيتُهم»، كيف لا وقد أمر اللهُ نبيَه ، صلى الله عليه وآله، بالاقتداء فقال: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ، (سورة الأنعام: 90).

إذ إن القُدوة والقِدوة هي الأُسْوة، كما يقال: فلان قدوة يقتدى به، والأُسْوَةُ والإسْوَةُ هي القُدْوة، كما يقال: والقوم أُسْوةٌ في هذا الأَمر أَي حالُهم فيه واحدة؛ أي: الحال التي يكونُ الإنسانُ عليها في اتِّباع غَيْرِه إنْ حَسَناً وإن قَبيحاً وإن سارّاً أَو ضارّاً، مِثْل القُدْوَة في كوْنِها مَصْدراً بمعْنَى الإِئتِسَاء، واسْماً بمعْنَى ما يُؤْتَسَى به، وكَذلِكَ القُدْوَة؛ يقالُ لي في فلانٍ أُسْوةٌ أَي قُدْوَةٌ؛ ويقال ائتَسِ به أي اقتدَ به وكُنْ مثله، وفلان يَأْتَسِي بفلان أَي يرضى لنفسه ما رضيه ويَقْتَدِي به وكان في مثل حاله؛ وإنما هناك فارق بسيط من جهة المصاديق من كون أن القدوة هي الاقتداء بصفات الآخرين من حيث القوة والشجاعة والكرم وغير ذلك، أما الأسوة هي التأسي بشخصية الإنسان نفسه كما هو التأسي برسول الله، صلى الله عليه وآله.

 

التمييز بين القدوة الحسنة والقدوة السيئة

ميل الإنسان بفطرته إلى الاقتداء والتأسي يدفعه لأن يتخذ له أسوة يقتدي بها، فإن لم تكن حسنة فسيئة، وإن لم تكن صالحة ففاسدة، هذا هو من البديهيات، ولكن المهم كيف تختار هذه القدوة الحسنة وتميزها عن القدوة السيئة؛ والكارثة تكمن في الاختلاط بينهما {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}، (سورة الكهف: 104).

لكل إنسان توجهات مختلفة في تحديد مسار حياته، وهذا بدوره مقرون بما يحب وما يكره، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}، (سورة البقرة: 165)، لذلك نلاحظ بعض الناس توجهاتهم إلحادية، يتخذون لينين مثلاً قدوة لهم، والبعض الآخر توجههم علماني وهكذا.

 أكثر الفئات التي تحتاج إلى معرفة طريقة اختيار القدوة الحسنة هم الأطفال، فعندما يقوم المربون بتعليمهم طريقة اختيار القدوة الحسنة منذ الصغر، إذ كثيراً ما نلاحظ أن الإنسان يكتسب خبراته ومهاراته بالتقليد والمحاكاة، كالطفل يحاكي أباه ويتقمص شخصيته، كون أن التعلم بالرؤية والمشاهدة أسهل وأيسر وأسرع، لأنه من طبيعة الإنسان يحب الحصول على الشيء بأسهل الطرق وأسرعها وإن كان محرماً، ولكن جاء الشارع المقدس لينظمها.

هنا تكمن خطورة الموضوع؛ كون أن القدوة الحسنة لها بريقها ولمعانها الذاتي فتنجذب إليها النفوس وتتأثر بها إجابياًّ، والكلام فيما لو كانت سيئة؛ لاحظ أنها تزخرفت وتزينت بالأصباغ والألوان اللامعة الخداعة، فهناك من يقع في حبالها وشراكها، فتكون الطامة الكبرى.

 

حاجة المرأة إلى القدوة الصالحة

لأجل ذلك اشتدت الحاجة إلى القدوة، بسبب ابتعاد الناس عن الإلتزام بقيم السماء وأحكامه، والابتعاد عن التطلعات الثقافية الأخرى لتفتح ذهنه كي يحمي نفسه من خطر القدوة السيئة، وخصوصاً من جانب المرأة بوصفها نصف المجتمع، وكونها الأم المربية والمعلمة في المدرسة والأخت والزوجة وغير ذلك من المكانة التي تحتلها في المجتمع؛ لذا يجب العناية بها منذ صغرها لكي تكون القدوة المثالية التي يقتدى بها، كما يقول الشاعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق

فمن الضروري أن نسلط الضوء على المرأة، كونها محل تأمل ونظر لمكانتها السامية التي رسمها لها الشارع المقدس، وإنها أساس الأسرة؛ أصبحت خطورة هذه القضية اليوم أكثر من أي وقت مضى، خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار العولمة وأدواتها التي ظهرت في الأزمنة الأخيرة والثقافات الغربية المزيفة.

فعلى المرأة المسلمة ان تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذات معنويا وأخلاقياً، وان تكون في الطليعة في ميدان الجهاد والكفاح، وأن لا تهتم بزخارف الدنيا وزبرجها، وأن تكون في البيت سكينة للزوج والأولاد، والأم المثالية لمجتمع ناجح، والأفضل لها ان تتأسى وتقتدي بالسيدة الزهراء، عليها السلام، والتي تتمثل بها في جميع شؤون الحياة من إرشادها للمسلمين وتوعيتهم ورعايتها للحجاب ومدافعتها عن الدين، وهذا ليس بالأمر العادي فهي الأم التي ربت رجالا للشهادة دفاعاً عن الدين والوطن.

 

الزهراء عليها السلام النموذج الصالح والقدوة الحسنة

وكل ما تفعله النساء في زماننا يبقى قليلا أمام القدوة وتجلي العظمة الالهية التي أعدها رسول الله، صلى الله عليه وآله، وإشرافه على توجيهها وفقاً لما تفتضيه إرادة الله - تعالى -، فأصبحت في مبادئها وأخلاقها كما لو كانت رسالة الله تمشي على الأرض، فهي تجسيد حي وعملي لكلّ ما يريده الله - تعالى -؛ لذا احتلّت أرفع موقع في دنيا النساء إلى قيام الساعة، فهي بمكانتها المرموقة أخذت مكانتها الطبيعية كقدوة وأسوة للأمة المسلمة بكلّ أجيالها.

فعلى من يريد أن يسلك طريق الهداية والاستقامة والفضل في الدنيا والسعادة الآخرة فإن الزهراء، عليها السلام، أعظم قدوة لكل الأجيال، وبمقدور كلّ امرأة أو رجل أن يتعلّموا منها، عليها السلام، دروساً في مكارم الأخلاق والفضيلة.

من الممكن لكل امرأة أن تطلع على سيرتها المباركة والاقتداء بما قدمته للدين والإنسانية في صورة جميلة، ليتسنى لها أن ترسم لنفسها أجمل الصورة الحقيقية للسيدة العظيمة، لتكون هي القدوة لنساء العالم أجمع، ليتعرفنَ على هذه الشخصية الإلهية العظيمة التي رسمت صورة المرأة المسلمة الحقيقية.

وهناك نماذج عالمية من النساء اللاتي تأثرنَ بالزهراء، عليها السلام، كما في سيدة يابانية - في قضية طريفة لا مجال لتفاصيلها الآن -، اطلعت على حياة فاطمة الزهراء، عليها السلام، فتأثرت بها وقالت: «هذا هو النموذج الذي کنت أبحث عنه»، ثم أعلنت إسلامها، وما خفيَ من أشباه هذه القصص كان أعظم.

 

الوصول إلى القدوة الحسنة

ينبغي على المسلمُ أن يكون هو القدوة عن الإسلام؛ لعله يكون سببًا في هداية الكثير من الناس الى الهدى ودين الحق كما حصل على يد الكثير من المؤمنين والمؤمنات من أهل الطاعة؛ من أجل ذلك ينبغي على الناس أن يكونوا قدوة لأهل المعاصي ليكونوا سبب لهدايتهم؛ من خلال ظهور أثر الطاعة وثمارها كالأمن النفسي وإثبات قوة الإرادة. كالمدرس قدوة لطلابه، والأب لأبنائه، والحاكم لشعبه، والرئيس لمرؤوسيه، والداعية لمن يدعونه وغير ذلك، كما في قول رسول الله، صلى الله عليه وآله: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»

فكل هؤلاء الأصناف وغيرهم، لا خيار لهم إلا أن يكونوا قدوات صالحة؛ لأنهم تحت المجهر والمراقبة شاءوا أم أبَوا، فهل يكونون أهلاً للتحدي؟! وهل يستشعرون مسؤولياتهم؟! وهل يحسبون خطواتهم؟!

فلأجل الوصول إلى القدوة الحسنة نقول:

1- الاستقامةُ على المنهج الإلهي؛ من أجل سلامة المعتقد، والتوصل إلى ما يرضي الله تعالى، وأداء الفرائض والتخلق بأخلاق الإسلام واجتناب الكبائر.

2- موافقةُ الأفعالِ للأقوال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}، (سورة الصف: 2، 3).

3- الابتعاد عن مواطنِ الشبهات؛ من خلال التمسك بمنهج أهل البيت، عليهم السلام.

4- الاطلاع على جميع الأفكار والثقافات الاسلامية وغيرها، لمعرفة الخطأ من الصواب.

5- مطالعة التاريخ وسيرة المعصومين، عليهم السلام، وفي مقدمتها الصديقة الزهراء، عليها السلام، لمعرفة سيرتهم والاقتداء بها.

6- الصبر على المصائب والتوجه بها إلى الله تعالى:

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ}، (سورة الأحقاف: 35).

يجب أن تعلم أنك مهما حرصت على أن تصل إلى حد الكمال في الاقتداء والتأسي، فأنت بشر تصيب وتخطيء وعملُك ليس حجة على الإسلام، بل الحجة قال الله تعالى وقال رسوله، صلى الله عليه وآله، وقال الأئمة الأطهار، عليهم السلام، فالتمس منهم لأخيك العذر عند التقصير، وإذا أبيتَ إلا اللوم فلُم نفسك أولاً، فقد قال الله تعالى: {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}، (سورة القيامة: 14، 15).


ارسل لصديق