A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - التجارب التاريخية والسنن الالهية .. رؤية لما وراء المكاسب السياسية

التجارب التاريخية والسنن الالهية .. رؤية لما وراء المكاسب السياسية
كتبه: بشير عباس
حرر في: 2012/10/25
القراءات: 1726

لماذا كلما تقدمنا في حل مشاكلنا السياسية خطوة، تأخرنا خطوتين...؟! ماهو السر في ذلك؟ أوليس في القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، و روايات اهل البيت، حلولاً مناسبة لمثل هذه الحالات؟ ثم ما هي جذور المشكلة؟ هل هي فينا كأفراد؟ أم في بلادنا و محيطنا؟ أم في القوة المؤثرة فينا؟

القرآن  الكريم يحدثنا في سورة النمل عن أربع نماذج من الدول والحضارات قامت ثم أبيدت، والعبرة بالعوامل والاسباب:

النموذج الأول: يتمثل في النبي سليمان عليه السلام، الذي جمع بين النبوة وبين العلم وبين الملك، فقد كان عادلاً ويحكم دولةً قويةً منبسطة على رقعة واسعة من الارض.

النموذج الثاني: مملكة «بلقيس»، التي كانت قائمة على اساس الشورى، وانتهى بها المطاف الى الايمان والتسليم الى الحق.

النموذج الثالث: قصة «ثمود»، وهم قوم صالح عليه السلام، الذين كانت حضارتهم سليمة، وكانوا مستبصرين ولكنهم انحرفوا انحرافا سياسياً فدمروا شر تدمير.

النموذج الرابع: قصة قوم لوط عليه السلام، حيث هم الآخرين كانت لهم حضارة ممتدة وقوية، ولكنها انحرفت انحرافا اخلاقياً فابيدت ايضاً.

ونحن نقف أمام هذه النماذج والقصص القرآنية الحقّة، فأيُّ نموذج نراه صالحاً للاستفادة منه لحل مشاكل بلادنا؟ علماً ان السياسة ذات تأثير بالغ على مسار الامم، وقد قيل في الحِكم: «اذا فسد السلطان فسد الزمان»، و"الناس على دين ملوكهم"، وفي احاديث شريفة: ان الله تعالى يرحم اهل قرية بصلاح امامهم، ويعذب اهل قرية اخرى بفساد امامهم، والآية القرآنية تؤكد هذه الحقيقة: «يوم يُدعى كل أناس بإمامهم»، وهم الساسة والقادة واصحاب الحل والعقد، فهل نتوسل بنموذج النبي سليمان عليه السلام، كونه نموذجاً للحكم الالهي السليم والعادل والمقسط وفي نفس الوقت القوي المقتدر؟ أم نريد نموذجاً من نوع اخر ؟

 

التخلّص من النظرة الضيّقة

اذا فكرنا وتأملنا بعمق في امور حياتنا وحاولنا الخروج من دوامة الاحداث السياسية المتقلبة والمتواصلة، وأخذنا بنظر الاعتبار البعد الحضاري والقيمي في مشكلة عدم الاستقرار السياسي، نجد أننا أمام دروس وعبر كثيرة من التاريخ، وحينئذ تظهر امامنا عدة حقائق:

الأولى: إن الوحدة تعبير عن التحول في الامة، فأيّ أمة لن تتوحد إلا اذا ارتقت الى مستوى معين مــــــــن النضــــــج وتوفرت لديــــــها عوامل عديدة ومهمة ومؤثرة، واذا وصــــــلت مستوى الوحدة فانــــــها تســــــتطيع ان تحقق اهدافها، ومن جمــــــلة تلكم العــــــوامل، الاقرار بالحياة المشــــــتركة، وأنها خير لهم من حياتهم الخاصة والمنفردة، حيث يكون تفكير الانسان، بانه لو عاش مع الاخرين ويتعايش معهم في أجواء ودّية وسلمية سيحظى بوضع افضل.

الثانية: يجب ان تحكم الناس قوانين مدونة في دستور، من شأنها ان توصل بعضهم ببعض، وتكون قائمة على أسس ومناهج واضحة وليس على اساس الهوى أو على اساس القرارات المرتجلة القائمة على المصالح الآنية.

الثالثة: وهو الاهم فيما يتعلق باوضاعنا الجارية في العراق، فهو وجود الاهداف المشتركة الكفيلة بتوحيد مواقفنا وصفوفنا.

 

البحث عن جذور المشكلة

نحن في العراق أمامنا السؤال الملحّ؛ ما هو السبيل للخروج من الازمات السياسية القائمة؟

هناك حقائق وأمور واضحة لا يجهلها أحد، وهي أننا نشعر بوجود مصالح مشتركة لهذا الشعب و البلد في وضع غير طبيعي.. وقد دخل العراق فيما مضى  في ثلاثة حروب مدمرة، ثم انه ابتلي بسلطان جائر و دكتاتور أفسد البلاد والعباد، كما ان الفجوات الموجودة في هذا البلد غائرة وعميقة جدا، مع كل هذه الحقائق، ألا يكون العراق اليوم بحاجة الى وحدة الشعب والتفكير الجدّي في المواجهة؟ ألا يجب ان تكون لهذا الشعب الارادة، وعند الساسة الاستراتيجية الواضحة؟ وإلاّ فان ابتهاجنا بان بلدنا سيكون البلد الثالث او حتى الاول في حجم احتياطي البترول، لن يكون ذو معنى، فوجود هذا الاحتياطي لا يعني تحقيق الرفاهية، وتطور الخدمات والسيولة النقدية، فكم من بلد في العالم ينام أهله طاوون على الجوع، وهم يعيشون فوق بحيرات من البترول او على معادن ثمينة هائلة؟

العراقيين ما زالوا يفتخرون – ومن حقهم ذلك- بأن أول دستور في تاريخ البشرية، كتب في بلدهم  قبل حوالي عشرة آلاف سنة، وما تزال آثار هذا الدستور منقوشة على صخرة أثرية، ولكن السؤال: بعد كل تلك الفترة الطويلة والعهود المتمادية، ماذا اصبح مصير العراق صاحب هذا الدستور – المسلّة-؟ وهل تقدمنا الى الامام، أم تراجعنا الى الخلف؟ أليس من المفروض ان نجتمع ونفكر على مستوى سياسيين، و علماء، و حتى الناس العاديين، لتكريس روح العمل المشترك ثم مواجهة التحديات، وبالنتيجة تحقيق الهدف المشترك، فاذا تبلور لدى الشعب العراقي هذا الوعي، عرف حينئذ انه امام تحديات كبيرة، ولاننا امام هذه التحديات، فلابد ان نقتحم الحدود الوهمية التي امامنا ونحل معضلة و أزمة الحكومة والبرلمان ومجمل الازمة السياسية.

 

سليمان .. والدرس

لأصحاب المناصب

إن سليمان النبي عليه السلام، وهو ذلك الرجل الايماني والرباني، وهو ربيب الوحي، واجه في حياته اتهاماً من قبل حشرة صغيرة هي «النملة»، فيما هو في عزّ قدرته وهيمنته، والقرآن الكريم يوضح لنا الحكاية: «حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» (سورة النمل /18)، هنا اتهمت هذه النملة الصغيرة هذا النبي العظيم بانه هو و جنوده، (لا يشعرون)! وهذا الاتهام جاء من شعورها بالمسؤولية، لكن من جهة ثانية كان هذا الاتهام سبباً لأن ينتبه النبي سليمان الى حقيقة هامة، وبعد أن سمع مقالة النملة عبر القدرة التي وهبها إياه الله تعالى، «فتبسم ضاحكاً من قولها»، والتبسّم دلالة على التعجب من هذا الكلام ومن هذه الحشرة الصغيرة، لكن هذا التعجب تحول عند سليمان الى درس، وطالما يعطينا الله تعالى الدروس في كتابه المجيد من خلال النملة أو الذباب أو البعوضة أو الفيل.

للاسف الشديد أن هنالك البعض من الناس بمجرد أن يرى (الكرسي) يفقد كل شيء...! يفقد توازنه ورشده ، يفقد انسانيته وصِلاته بالاخرين و بالرحم، وارتباطه بالتاريخ والقيم وبكل شيء، فهل يمكن أن يوجد انسان في العالم تصل هيمنته ونفوذه وقدرته كالتي كانت لنبي الله سليمان؟ فقد سخّر له الله تعالى الانس والجنّ، وعلّمه منطق الطير ومنطق النملة وغير ذلك، مع ذلك يقول هذا الانسان العظيم: «ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي»، أي انني عاجز عن الشكر لهذه النعم العظيمة التي اسبغتها عليّ الا بتوفيقك، بمعنى ان النعمة فاضت على قدرة سليمان في الشكر. طبعاً الشكر هنا لا يعني شكر الانسان النعمة قلبا ولسانا فقط، بل الشكر العملي، وهو أن يؤدي الانسان واجبه ومسؤوليته في المنصب الذي هو فيه.

ونبي الله سليمان لا يطلب من الله تعالى التوفيق لشكر نعمائه، إنما يطلب التوفيق أيضاً للعمل الصالح، «اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا»، بمعنى إن سليمان يخشى ضغوط السياسة والسلطة وأن تأخذه الأنفة والعظمة، لان اغراء النعم قد يكون أشد على قلب الانسان المؤمن من أقسى الطغاة، والدليل إن كثيراً من الناس في أيام القمع والديكتاتورية كانوا صامدين كالجبل، لكن حينما جاءت أيام الرخاء والاغراءات و.... فقد توازنه! وفي التاريخ شواهد كثيرة ولا اريد ان اضرب الامثال، والتاريخ امامنا، لنا أن نقرأه، وكيف ان شخصاً أمضى ثلاثين أو اربعين سنة في النضال وعاش الظروف الصعبة، لكن بسنتين ضيّع كل السنين الماضية لمجرد انه أغري بمنصب معين او حصل على صفة معينة.

 


ارسل لصديق