A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - أم البنين الزوجة المؤمنة والأم المضحية

أم البنين الزوجة المؤمنة والأم المضحية
كتبه: مرتضى العطار
حرر في: 2017/03/29
القراءات: 1860

التاريخ الإسلامي يذكر أدوارا للمرأة تكاد تضاهي دور الرجل من حيث الأهمية التي كانت تناط بها، ولاسيما دورها الرئيسي في الأسرة، فقد حفظ لنا شيئاً عن حياة واحدة من كبريات النساء اللاتي بلغن من المكانة والسمو في العبادة والزهد والأخلاق، فهي مع حداثة سنّها، نالت بفضل جِدّها واجتهادها وذكائها، مكانة لائقة في المجتمع، كما حظيت بمكانة مرموقة لدى أهل البيت، عليهم السلام، ومنذ وفاتها، عليها السلام، تحتفظ بجاه عظيم عند الله - تعالى- وبات اسمها مقترناً بالحسين، عليه السلام، في استجابة الدعاء عند التوسل بها الى الله - تعالى- لشفاء المرضى وتحقيق الأماني، وغير ذلك.

 

 من هي أم البنين؟

غلبت الكُنية على الاسم، لأمرين:

الأوّل: لأنّها كُنّيت بـ «أمّ البنين» تشبّهاً وتيمّناً بجدّتها ليلى بنت عمرو بن عامر ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث كان لها خمسة أبناء، أكبرهم أبو براء مُلاعب الأسنّة.

الثاني: فهو التماسها أن يقتصر أميرُ المؤمنين، عليه السّلام، في ندائِه عليها، بـ (أمّ البنين)، لئلاّ يتذكّر الحسنانِ، عليهما السّلام، أمَّهما فاطمة، صلوات الله عليها، يوم كان يناديها في الدار.

إذْ إنّ اسم أمّ البنين هو (فاطمة بنت حزام الكلابية)، أهلُها من سادات العرب وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين، وأبوها أبو المحلّ، واسمُه حزام بن خَالد ابن ربيعة؛ فهي تنحدر من آباء وأخوال عرفهم التاريخ بأنّهم فرسان العرب في الجاهليّة، تركوا الناس يتحدثون عن بسالتهم وسؤددهم، حتّى أذعن لهم الملوك، وهمُ الذين عناهم عقيلُ بن أبي طالب بقوله لأخيه أمير المؤمنين، عليه السلام: «ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس».

ونشأت أم البنين في حضانة والدين عطوفين هما؛ حزام بن خالد بن ربيعة، وثمامة بنت سهيل بن عامر، وكانت ثمامة أديبة وعاقلة، فأدبت ابنتها بآداب العرب وعلمتها بما ينبغي أن تعلمها من آداب المنزل وتأدية الحقوق الزوجية.

من علامات تنسيبها لأمير المؤمنين كزوجة، يروى أن فاطمة قالت لأمها: «رأيت في منامي كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية وكانت السماء صاحية والقمر مشرقاً والنجوم ساطعة وأنا أفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة، فبينما أنا كذلك وإذا أرى كأن القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زاهرة قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت؛ وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول:

بشـراك فاطــمة بـــالسادة الغــرر

ثـــلاثـــة أنجــــم والـزاهـــر القمـــر

أبـــوهم سـيد فـــي الخلـق قــاطبة

بعد الرسول كــذا قـد جاء في الخبـر

فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة فقالت: هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها..»، فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية قد صدقت رؤياك فقالت له أمها وكيف علمت ذلك قال: هذا عقيل بن أبي طالب، جاء يخطب ابنتك قالت لمن قال: لفلّال الكتائب، ومظهر العجائب، وسهم الله الصائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، عندها ذهب حزام إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل ما وراءك؟! قال كل الخير، إن شاء الله، قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين، عليه السلام.

 

 قدسية أم البنين

ما سر المكانة التي حظيت بها أم البنين بحيث أصبحت زوجاً لأمير المؤمنين، عليه السلام؛ فمن هي أم البنين؟ ومن أين جاءت بهذه القدسية؟

لا شك أن الإيمان درجات، نيل أعلى الدرجات يحتاج إلى مقدمات؛ منها طهارة المولد، وحسن السريرة، وما إلى ذلك من حسن الخلق، وصفاء النية، والتوجه إلى الله تعالى، والتولي لأهل البيت، عليهم السلام، إضافة إلى النجاح في الابتلاءات الإلهية التي من شأنها حمل صاحبها إلى مراتب إيمانية رفيعة؛ هكذا هي أم البنين، وأكثر من ذلك؛ ورد في الحديث الشريف، إشارات وتنبيهات على انها، عليها السلام، كانت ممن كملت محاسنها وترقت فضائلها لتصبح أهلاً لان تكون باباً للحوائج عند الله - تعالى- يتوجه إليها كل محتاج ومكروب، ولم يكن هذا إلا بسعي شخصي وكدح نحو الكمال والرقيّ في سلم ودرجات الإيمان.

هذه المنزلة الايمانية تجلّت بأعظم صورها في موقفها الشجاع والاستثنائي مع نهضة الإمام الحسين، عليه السلام، فقد ساهمت، سلام الله عليها، من خلال أبنائها الاربعة الذين سطروا الأمثلة للتاريخ والأجيال في الشجاعة والوفاء والإيمان العميق في يوم عاشوراء.

تلك المواقف البطولية كانت نتاج منهج تربوي سامٍ منها لهؤلاء الصبية الكرام، ففي بيت أمير المؤمنين، لم تكن زوجة مثل أية امرأة أخرى، ولم يكن أبناؤها أخوة لأبناء زوجها كما هو المعروف، بأن يكونوا أخوة غير أشقاء، فالحالة تختلف تماماً عند هذه السيدة العظيمة، فهي وطّنت نفسها منذ البداية على أنها «خادمة» في بيت الامام علي، عليه السلام، وكذلك أبناءها، وكانت توصيهم بأن ينادوا الحسن والحسين، عليهما السلام، بكلمة: «سيدي» وليس «أخي».

قال الشيخ المامقاني في كتابه (تنقيح المقال):

«ويستفاد من قوة إيمانها إن بِشراً - الشاعر بشر بن حذلم - كلما نعى إليها احد أولادها الأربعة قالت ما معناه: اخبرني عن الحسين، أهو حيّ أم لا؟! فاخذ ينعى لها أولادها واحدا واحدا، حتى نعى إليها العباس، عليه السلام قالت: يا هذا قطعت نياط قلبي! أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين، عليه السلام، فها هي كما ترى قد هان عليها قتل بنيها الأربعة إن سلم الحسين، عليه السلام، ويكشف هذا عن أن لها مرتبة في الديانة رفيعة»، بمعنى أن تعلّقها بالإمام الحسين، عليه السّلام، دليل ولائها وإخلاصها لإمامها، عليه السلام، وتهوينها نفسها وموت أولادها إنْ سلم الامام الحسين، عليه السلام.

إن العزّة والكرامة لا تُنال إلا بتحمّل المصائب وركوب المخاطر والتضحية في سبيل الله ونصرة القيم والمبادئ، وهذا ما تميّزت به هذه المرأة الطاهرة، فمِن صفاتها؛ الوفاء، فقد عاشت مع أمير المؤمنين، عليه السلام، في صفاءٍ وإخلاص، وكانت من النساءِ الفاضلاتِ، العارفات بحقّ أهل البيت، عليهم السلام، ممحضةً في مودّتهم، وكانتْ فصيحة، بليغةً، ورعة، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة.

 

 مواقفها المشرفة

كان لأم البنين - سلام الله عليها - مواقف مشرفة بعد استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام، إضافة إلى ما هان عليها خبر مقتل أولادها قبل مقتل الحسين ابن فاطمة وهذا الموقف السامي الذي يكشف عن عمق ولائها ومودتها لآل الرسول ومدى الوفاء للزهراء البتول.

وامتدادا لهذا الموقف نصبت مأتم عزاء على الحسين وآله، وجعلت هذا العزاء والمأتم صرخة هزت من خلاله عرش يزيد، حتى وصلت القضية إلى أن كان والي المدينة آنذاك (عمر بن سعيد) يكتب للطاغية ما سببته أم البنين له ولحكومته من إزعاج، وذكر المؤرخون ان أم البنين بعد الفاجعة بفقدان الحسين، عليه السلام وأولادها الأربعة، كانت تخرج وتخطّ خمسة قبور - من باب الرمز - في مقبرة البقيع، وتبكي عليهم واستمرت لوعتها وأحزانها حتى وفاتها.

أم البنين لها كرامات، فلو زارها إنسان وصلّى عند قبرها ركعات قربة إلى الله سبحانه وأهدى ثوابها لها تلبى حوائجه بإذن الله تعالى، فهنيئاً لها ولكلّ مَنْ اقتدت بها مِن المؤمنات الصالحات أن يتخذنها أسوة وقدوة في كل ما قدمته من تضحيات في سبيل الله - تعالى- وما قدمته لزوجها أمير المؤمنين، عليه السلام، ولأهل البيت، وتحديداً لسيد الشهداء، عليه السلام، فيجب أن تُتَخَذ كمثل أعلى لكل النساء، في التعامل مع الزوج وتربية الأبناء والإسهام في إنشاء جيل واعٍ ومعطاء.


ارسل لصديق