Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
حينما تكون في حرم الحسين، عليه السلام، وبين يديه، لا شك ولا ريب ندرك بأن الحسين، عليه السلام، من آياته الكبرى، التي أخبر عنها رسول الله، صلى الله عليه وآله، في كلام الله المكتوب على ساق العرش «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»، فهل عرفناه حق معرفته؟
تبقى حاجتنا الى معرفة سيد الشهداء ما دمنا نواجه نفاقاً أموياً، ودجلاً شريحياً، وخيانتاً كالتي كانت عند أهل الكوفة في ذلك الوقت، ما دامت الدنيا باقية فإن فن الشيطان ووساوسه قائمة، كما هو حال وعاظ السلاطين وغيرهم، والبعض من الذين يدعون معرفة الحسين، عليه السلام، ويتظاهرون بالتدين، والدجالين الذين يتحدثون باسمه، عليه السلام، والجبان الذي ينطوي تحت لوائه، وهناك من ينطوي مع زمرة من قال: «ما لنا والدخول بين السلاطين»، وهناك من يتخذ منبر الحسين، عليه السلام، للوصول إلى مآربه الشخصية، وهناك من يتخذ نصرة الحسين كسلم ليصعد به على أكتاف البسطاء من الناس، وهناك من اتخذ المنبر كوسيلة لمعاشه؛ والذي لم يقم إلا على دماء سيد الشهداء؛ إذ إن هؤلاء لو كانوا يعرفون الحسين ونهجه المبارك لما كان هذا وضعهم.
لذا على الذين يريدون أن يعوا فكر الحسين، عليه السلام، ويدعوا لنهضته المباركة، فعليهم أن يعرفوه حق معرفته؛ كما في رواية وردت عن معرفة من ندعو إليه، في قوم قالوا للإمام الصادق، عليه السلام: «ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال، عليه السلام: «لأنّكم تدعون من لا تعرفونه».
فمن أجل ذلك يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله، عن إحدى حقوق معرفة الحسين، عليه السلام: «من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، إشارة إلى الحسين، عليه السلام».
لا شك ولا ريب أن أهل السماء منزهون ومطهرون من كل دنس، فلا يصدر منهم إلا ما هو مرضي لله عز وجل، وقد عرفوا الحسين، عليه السلام، حق معرفته، وعرفوا قدره، وشأنه، ومكانته، لذلك أحبوه؛ فهل عرفنا نحن قدره ومكانته؟
وجاء في كتابه الكريم: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، (سورة يس: 30)، يؤسفنا بأن هذا هو حال البعض، حيث يكفرون بالنعم التي أنعم الله بها عليهم، وأهديت لهم، لمثل هذه الشخصية المقدسة التي رسمت بجهادها ودمها الزكي الطاهر خط الرسالة التي تحدت الطغاة والمستكبرين في الأرض، والمتسلطين على الناس زوراً وعدواناً، والمترفين المستغلين لجهود المستضعفين.
فليكن في الحسبان بأن هناك من نصر دين الحق وثبت قواعده من جديد بتضحياته التي أعطى فيها لله كل شيء فأعطاه الله - تعالى- كل شيء؛ فهل من المعروف والعقل والإنصاف أن لا نسأل عنه؟! أوَ لا نعرفه؟! أوَ لا نشكره على ما هيأه لنا؟!
علماً أن غاندي استطاع ان يحرر الهند من الاستعمار من خلال معرفته للحسين، عليه السلام، في قوله: «أنا هندوسي الولادة، وقد صادفت بحياتي بعض الشيعة وتناقشت معهم، واكتشفت بعض عظمة الحسين مما سمعته منهم، فقرأت عنه، فرأيت أن على الهند إذا أرادت النصر على العدو أن تقتدي بالحسين».
فحري بنا نحن المسلمين بمعرفة الحسين، عليه السلام، وتعريف شخصيته ونهجه المقدس لأنفسنا أولاً، ثم للعالم ثانيا، ولإيصال صوته وفكره وكلماته، حينئذ؛ لرأينا كيف سيدخل أهل العالم في دين الله أفواجا! علماً أن الملايين من البشر، ومنذ استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، دخلوا الإسلام واهتدوا الى نهج أهل البيت، عليهم السلام، من خلال معرفتهم حقيقة الامام، وما ينطوي عليه من قيم ومبادئ إنسانية وأخلاقية.
قال الامام الصادق، عليه السلام: «من أتى الحسين عارفا بحقه كتبه الله في اعلى عليين»، وعن زرارة قال: قلت لابي جعفر، عليه السلام: أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟
قال، عليه السلام: «إن الله عزوجل بعث محمدا، صلى الله عليه وآله، إلى الناس أجمعين، رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فإن معرفة الامام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ولم يعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما؟!
قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله، هل يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال، عليه السلام: نعم أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا، قلت: بلى، قال، عليه السلام: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلا الله عزوجل».
فإن الذي يجب أن يدور في أذهاننا:
الأوّل: المقارنة بين الحسين، عليه السلام، والجنّة بما فيها، إنّ معنى ذلك ان كلّ رائحة طيبة في الجنّة ليست إلا نفحة من نفحات الحسين، عليه السلام.
الثاني: إن الحسين، عليه السلام، غاية في الخلق لأنّ الجنّة يدخلها العابد لله والعبادة غرض الخلق، فلولا الحسين، عليه السلام، لم تكن جنّة ولولا الجنة لم تكن عبادة ولولا العبادة لم يُخلق العالَم.
الثالث: انّ الحسين، عليه السلام، أشرف واعظم من الجنّة لأنّها خلقت من نوره فهي فرعه المنبثق منه.
فلكي تكون معرفتنا حق معرفته، عليه السلام، يجب ان تتوفر شروط أساسية، من الممكن ان نستفيدها من خلال الكثير من النصوص المباركة، بأن للحسين، عليه السلام، حقين على الناس كافة:
الأول (الحق العام): بوصفه إماماً معصوماً ومن خلفاء الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، ومن أولي الأمر الإلهي، فله عليهم حق الطاعة والإتباع والوفاء بعهد زيارته، وغير ذلك من الحقوق المذكورة في الكتب العقائدية، للإمام وولي الأمر المعصوم على الأمة. هذا هو الحق العام لسيد الشهداء، عليه السلام، على الأمة.
أما الحق الثاني، فهو (الحق الخاص): المنبثق من خصوصية ما قام به، عليه السلام، من أجل الأمة في واقعة عاشوراء الملحمية، والذي خصه الله - تعالى- في أن الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته وغير ذلك.
وهذا يعني أن للحسين، عليه السلام، حق الحياة المعنوية على الناس الى يوم القيامة؛ لأن الحياة المعنوية الكريمة إنما تتحقق في ظل معرفة الدين الحق والعمل به والذي يتجلى في شخصه المبارك، وهذا ما حفظه لنا سيد الشهداء بملحمته التضحوية الخالدة.
إذن فمن عرف الحسين، عليه السلام، وأقرّ بحقه، بكلا قسميه العام والخاص حصل على الأثر الذي ذكره الإمام الرضا، عليه السلام، له وهو أن يكون من محدثي الله عزوجل فوق عرشه.
فإذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني المنهج، عارفاً به، عليه السلام، حق معرفة، وماضياً على مسيرته، ليتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، متحدياً كل المؤامرات والدسائس الإستعمارية، فليس لدينا سبيل إلى ذلك غير أن ننشئ جيلاً حسينياً واعياً عارفاً بحق الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام، متسلحاً بالثقافة الحسينية، مستلهماً منها العبر، كونها ثقافة نابعة من ثقافة القرآن الكريم، ومستوحاة من سيرة جده وأبيه، صلوات الله عليهم أجمعين، والتي هي تجسيد حي في تضمنها لنهج، الجهاد، والرسالة، والحياة.
بعد هذا كله، لنعود إلى المربع الأول وننطلق منه ثانيةً، ونعيد حساباتنا من جديد، لكي نستطيع أن نربي أجيالاً وأطفالً على الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، عليهم السلام، وما رسموه لنا من خطوط عريضة لحل جميع المشكلات العالقة.
فلابد لنا أن ننهض نهضة قرآنية حسينية حقيقية، ترتقي إلى واقع الحياة المعيشية، فعندما نخطو كل خطوة في الحياة يجب أن نضع أمامنا نهج الحسين، عليه السلام، والذي يجب أن نتخذه محورا لحركتنا جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم، كوننا كمسلمين أولاً، وكمؤمنين رساليين ثانياً، لنتخذ الحسين، عليه السلام، أسوة وقدوة، بذلك نستطيع ان نبني مجتمعاً محمدي الوجود حسيني البقاء.
وخلاصة ذلك، على المؤمن ان لا يقتنع بما حصل عليه من معلومات في معرفة الإمام الحسين، عليه السلام، بل لابد من طلب المزيد في معرفته، لان معرفته، عليه السلام، مقدمة لمعرفة الله ورسوله؛ كما روى الشيخ الطوسي في كتاب مصباح المتهجد دعاء في غيبة القائم من آل محمد، صلى الله عليهم أجمعين: «اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني».