عندما تكون الهمّة عالية، والطموح سامياً، لابد ان يتعب الجسد لتحقيق الطموح والهدف، فالجسد لا يلبث ان يستجيب لطموح النفس عندما تكون النيّة قوية، والعزيمة راسخة ، كما يشير الامام الصادق عليه السلام في حديث له: «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة». وكلما كان الطموح والهدف كبيراً وشاملاً، كانت الحاجة الى الهمّة الأعلى والجهد المضاعف.
والانسان المؤمن الذي يرغب في التأثير على الآخرين لما فيه خيرهم وصلاحهم، لابد أن يطرح على نفسه عدة تساؤلات أساسية في حياته، لأن هنالك الكثير من الناس – للأسف- يعيشون أعماراً طويلة، دون أن يعرفوا لماذا عاشوا، ولأي سبب سيموتون، في حين يجب على الانسان المؤمن والواعي وصاحب المسؤولية، أن يعرف طريقه من الخطوة الاولى، قبل ان يخوض غمار الحياة المتغيرة والمتبدلة.
وهذا ينطبق على طالب العلوم الدينية الذي ينبغي عليه أن يحدد مساره في مسيرته التعليمية، فربما تكون الدراسة عند طالب غاية وهدف، بينما تكون عند طالب آخر وسيلة للتبليغ ونشر علوم أهل البيت عليهم، وثقافتهم وسيرتهم، وهذا بمعنى أننا يجب ان نبحث عن العلم النافع الذي تتوفر فيه المواصفات التالية:
1- ان يكون مقروناً بالعمل، فالبعض يبحث عن العلم، إرضاءً للفضول والاستطلاع ثم التباهي والتفاخر امام الاخرين.
2- ان يكون اختيار موضوع حسب الظروف الموضوعية التي يعيشها المجتمع، بمعنى ان يلبي حاجة المجتمع الذي يعيش فيه.
3- ان يكون مقدار العلم الذي يتلقاه، بما يفي حاجة الناس اليه.
واذا ما وصل طالب العلم الى مرحلة التبليغ ونشر العلوم والثقافة الدينية، لابد من ان الاستقامة على الدرب الذي بدأه في الحوزة العلمية، وهو الخلوص لله تعالى، والجدّ والمثابرة والتضحية. لا أن يحوّل التبليغ الى عملية روتينية، او لرفع التكليف، لأن مثل العمل، من شأنه ان يُشعر الناس بالاهانة والاستخفاف. لذا نجد الخطيب الناجح هو ذلك الذي يختار الموضوعات الحيوية التي تجسّر العلاقة بينه وبين المستمعين، فتجعلهم لا يملّون الجلوس والاستماع، وإن طال بهم المقام.
إن المنبر الحسيني الناجح، هو الذي يخرّج الثوار والمثقفين، ويربي الطبقة الواعية في المجتمع، ولذا كان المنبر مسؤولية كبيرة وخطيرة، ينبغي على طالب الحوزة العلمية تفهمها ثم تحملها بكل وعي وثقة. وهذا بحد ذاته يجعل الدراسة في الحوزة العلمية ذات هدف وغاية سامية ونبيلة.
وفي هذا الطريق ايضاً، فان الخطابة، كونها وسيلة تبليغية، تشجع على مراجعة النفس او إجراء موعظة ذاتية، قبل القاء المواعظ على الناس من فوق المنبر، فكم من الخطباء، من لا يحظون بالتأثير الجماهيري، لأن الناس يرونهم في وادي، وهم في وادٍ آخر..؟ وبات من المعروف لدى الناس المقولة المأثورة: «الكلام الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب، والكلام الذي يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان». بينما هنالك العديد من الخطباء الذين يتحرّجون من التطرق الى مسائل يشكّون في صحتها، فهم يتحدثون بما هم متأكدون منه ومقتنعون به، وبذلك يقنعون الآخرين. لذا نرى الناس لا ينظرون الى كلام الخطيب وحسب، انما ينظرون الى سلوكه ومواقفه.
واعتقد ان هذا المسلك والمنهج، يبدأ منذ الايام الاولى من الدراسة في الحوزة العلمية، فهناك من طلبة العلوم الدينية من يتقن فنّ الاستماع والاستيعاب والفهم السريع، وهذا ما يجعله يكتسب العلوم الدينية بوتيرة متسارعة، لأن يحضر الدرس ليس فقط بجسمه، انما بروحه ومشاعره وعقله، فكما تعلّم حسن الاستماع، ونجح في استيعاب المواد الدراسية في الحوزة العلمية، فانه سيعلّم الناس كيف ينجحون تحت منبره، عندما يقوم بتبليغ الاحكام الدينية والثقافة الاسلامية من على المنبر، او ربما بوسائل أخرى، مثل الندوات والحوارات وجلسات النقاش، فيكون في كل الاحوال مبلغاً ناجحاً ومثالاً لعالم الدين الذي ينشر الحياة والفضيلة والتقدم للناس.