Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
قال الإمام الحسين عليه السلام: «إن المؤمن اتخذ الله عصمته وقوله ومرآته».
ليست التقوى كلمة وعظ وإرشاد، وليس المتقون عازفين عن الحياة بل هم النمط الرفيع من بني البشر ممن يخوضون اللجج الغامرة في اعماق الحياة. فالمتقون هم النمرقة الوسطى في البشر، لأنهم يتوخون في كل شيء سبل السلامة ومعالم الصحة ومناهج النجاح.
• فالمتقون..
هم الوحيدون الذين لا يعملون عملاً، ولا ينطقون كلاماً، ولا يفتون في حكم، ولا يحكمون في أمر، خلاف أمر الله ورسوله وخليفته الإمام، وكان هذا المنهج صريحا في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ * إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيم] (سورة الحجرات: ١)
بمعنى، أن من يحكم بخلاف حكم الله ورسوله، أو يقول أمراً يخالف قول الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله، ويقدم حكمه وفتواه وقوله على حكم الله ورسوله وقوله، فانما يخرج من دائرة المؤمنين بالله الحذرين من الخروج على منهاج الصحة والسلامة.
لأن المتقي هو المؤمن الذي اتخذ الله عصمته في كل شيء، وقوله مرآته، فهو يعلم أن الله يعنيه بهذا الخطاب فيلتزم بعدم تقديم حكمه وقوله ورأيه على ما لله ولرسوله وللامام من بعده من حكم وقول ورأي. سواء كان في قضية فردية أو اجتماعية، سياسية أو اقتصادية، فكرية أو عقائدية، لأن الله يسمع القول ويعلم النوايا فضلا عن الافعال.
• والمتقون...
هم على المنهاج الصحيح قولاً وفكراً وعلماً وعملاً، لانهم يحذرون التباعد عن الله الذي اتخذوه منعة لهم وحصنا، وبذلك فربهم تعالى يسددهم، ويجعل لهم فرقانا يفرقون به بين الصحيح والخطأ، ويميزون به بين الصالح والطالح، ولا يخلطون بين النافع والضار، فيكونون مهتدين في كل خطوة يخطونها، متجهين بالاتجاه الصحيح إذ قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّـهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْوَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ](سورة الأنفال: ٢٩).
إذن؛ فالذي لا يحذر الله تعالى ولا يتقي الخروج على الحق، لا يسدده ربه بفرقان فتختلط عليه الأمور فيتخبّط ويتصرف بشكل عشوائي، فيفسد ولا يصلح ويسيء، ولا يحسن.
• والمتقون..
لانهم يحذرون الخروج على سبيل الاستقامة ويتوخون النجاح والصدق في حياتهم، تراهم يتعلمون الصدق من الصادقين فيتولونهم، وهم رسول الله وأهل بيته الصادقون صلوات الله عليهم، إذ ان كلمة الصادقين (المُعرّفة بالألف واللام) تعني الصادقين الذين يعنيهم الله تعالى، والمعروفين عند الخلق بالصدق، ومن أصدق من الصادق الأمين وخلفائه المعصومين الميامين؟ فالمتقون مع أهل البيت دوماً وأبدا لصريح قوله سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] (سورة التوبة: ١١٩).
إذن؛ المؤمنون الذين يتقون الله في الخروج عن سبيل الحياة الصادق، هم الذين يكونون مع رسول الصدق واهل بيته صلوات الله عليهم.
• والمتقون...
على المنهاج الصحيح، لإتقائهم الله في الخروج عن سبيل الاستقامة، فهُم في ظل عناية ربهم مغمورون. ولذلك فحينما يتعاملون اجتماعيا يكونون دوما من المصلحين، و يرون أبناء جنسهم أخوة لهم، إما في الخلقة وإما في الدين لقول ربهم: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] (سورة الحجرات: ١٠).
• والمتقون....
في علاقاتهم الاجتماعية مستقيمون لانهم يحذرون الزيغان عن السبيل الصحيح، فتراهم ينظرون إلى الآخرين بعين السلامة لا البغض، وعين التسامح لا الحقد، وعين التصديق لا التكذيب القائم على الشك والظن، وإن قابلهم الآخرون بالضد.
إذ أن المهم عندهم أن يبقى معدن المؤمن المتقي سليما صافيا رائقا. وقد قال عزّوجلّ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ](سورة الحجرات: ١٢).
إذن؛ المؤمن القائم على القاعدة الصحيحة، لا يعمل بالظنّ والشك، ولا الريبة والتجسس، بل ينظر بعين ملؤها رضىً وصفاء، وعلى الله باقي الحساب فهو يتوب ويعفو إذا ما تاب المرء على أخيه وعفا.
• والمتقون...
هم الذين يسعون أن لا يصدر منهم أذى لأحد ولو على سبيل الاشارة، فإذا تناجوا لا يتناجون بما يؤذي ويوقع في قلوب الآخرين الريب، ذلك أنهم على المنهاج الصحيح في الحياة، فلا يحومون حول الشبهات، ولا يدورون حول الذات، وقد خاطبهم ربهم بقوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (سورة المجادلة: ٩).
وعلى هذا فمن يتناجى بما لا يراعي غيره فليس على المنهاج الصحيح في الحياة وليس من المتقين.
• والمتقون...
هم الذين لا ينظرون إلى الأمور إلاّ بعين قبول الله وعدم قبوله، ففي مجال الاجتماع متسامحون متباذلون، يتفانى بعضهم في سبيل تقديم الخدمة للآخرين لمعرفتهم انها خدمة لأنفسهم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. وتلك هي درجات ينالها المتقون وقد قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] (سورة المجادلة: ١١).
ولأن الأناني غير متقٍ، وعلى المنهاج الخاطئ، فهو ينظر الى ذاته ويهتم بما يدور حولها، وكل شيء غير هذه الدائرة ساقط من ميزانه لجهله منطق الحق وميزان الحياة.
وفي ذلك خسران الدرجات الرفيعة يوم يرفع الله بعض الناس على بعض، بما نجحوا في استثمار الحياة الدنيا لصناعة الأخرى.
• والمتقون...
على صعيد المجتمع تراهم يسعون جاهدين إلى رفع مستوى مجتمعهم نحو العُلا والتقدم، فلا يصغّر بعضهم بعضاً، ولا يسقط بعضهم بعضاً، لعلمهم أن في ظلم الآخرين، ظلماً لانفسهم، لانهم من المجتمع وفي المجتمع، فإذا ارتفع، ارتفعوا، وإذا سقط، سقطوا، لذا فهم يعملون في بعض المجتمع نحو التسامي والارتقاء وقد قال لهم تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (سورة الحجرات: ١١).
ومن هنا فإن كل من يسخر من غيره ويظلم الآخرين، فهو على السبيل المعوجة، لا على المنهاج الصحيح لأنه لم يكن من المتقين.
• والمتقون...
تجدهم على الصعيد الاجتماعي يترسمون أحكام الله وبياناته لهم في كل صغيرة وكبيرة، لما في بياناته من خير لهم وتوجيه لمسارهم وتصحيح لطريقتهم في الحياة.
ففي تنظيم علاقاتهم في داخل بيوتهم أولوية لحفظ الحشمة فيما بينهم أولاً، وثانياً؛ لحماية أفراد الأسرة من سهام ابليس التي تريد تلويث شخصية الفرد بمواقف أو مناظر أو مشاهد أو كلمات يسمعها في الصغر.
ولذلك؛ فالمتقون ولأنهم على الطريق الصحيح، يضعون كل شيء بميزان ما بيّنه الله تعالى لهم، فيربون الأبناء ومن كان في حوزتهم من صغار أو كبار على أن يرسموا لهم حدودا داخل المنزل، يحترمون بها أوقات الخلوة و الجلوة، فلا يسرحون ويمرحون بدون حد أو سد. فالمتقي هو الذي يحترم حدود ما انزل الله من أحكام لتنظيم تلك العلاقة، وقد قال سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] (سورة النور: ٥٨).
• والمتقون....
هم الذين يحفظون ما حدده الله لهم فيما ينظم لهم علاقاتهم الاجتماعية، فلا يدخل بعضهم على بيوت بعض إلاّ بنظام، وإلا فمن خالف فقد خرج عن المنحى الصحيح في الحياة، ومن كان كذلك فيتورط في أزمات اجتماعية ومداخلات عائلية وعقد نفسية وغيرها ولذلك فقد ذكّرهم الله حتى لايخسروا فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (سورة النور: ٢٧).
• والمتقون...
هم الذين ينظرون إلى الدنيا وما يصنعون فيها بعين الآخرة، حيث الدنيا عندهم صغيرة وحقيرة ولا تمثل لهم إلاّ ساعة من نهار، ولذلك فهم يستثمرونها بما يصنع لهم مجداً في الآخرة.
ولأنهم متقون، فهُم على الطريق الصحيح في الحياة فيما يفعلون ويقولون وما يصنعون ويُحدثون وقد قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] (سورة الحشر: ١٨).
• والمتقون...
ولأنهم على بصيرة من أمرهم، وعلى السبيل الواضح المرسوم لهم، فهُم يعملون بما أمرهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فلا يخرجون عنه مقدار أنملة وإن راقت لهم الدنيا وأظهرت لهم مفاتنها من مال وخيل وسلطة ورجال، المهم عندهم الالتزام بما أمر الرسول والابتعاد عما نهى عنه، لأن الحساب عسير والعمر قصير والله شديد العقاب وقد حذرهم ربهم بقوله تعالى: [مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰوَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُوَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] (سورة الحشر: ٧).
إذن، فمن كان على المنهاج الصحيح لا يقلّد في عقيدته ودينه، إلا الذين أمر الله ورسوله بهم، وهم محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم، وحسب دون غيرهم، وأولئك هم المتقون.
-----------------
* عالم دين مقيم في كندا