A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - خطوات في الطريق إلى كربلاء

خطوات في الطريق إلى كربلاء
كتبه: نزار حيدر
حرر في: 2012/12/22
القراءات: 2712

يتمنى المرء، عادة، ان يمنح فرصة ليوظفها في تحقيق انجاز ما، كأن يزيد في علمه او يحسن من ادائه او يعيد النظر في حياته، او حتى يتفكر في عاداته وسلوكياته وعلاقاته الاجتماعية وغير ذلك، خاصة في هذا الزمن الذي اشغلت الحياة الدنيا، الانسان بدرجة مذهلة، فلم يعد يمتلك الوقت اللازم للتفكير والتفكّر، خاصة في بلداننا الاسلامية، والذي انشغل بها المواطن بهموم وشجون الحياة اليومية، جراء الازمات الخانقة التي تسببها عادةً الانظمة الظالمة والمستبدة.

والعاقل هو الذي يستغل الفرصة كلما سنحت له، واذا كان بامكانه ان يصنعها لنفسه بيده فذلك افضل واحسن، ولقد حدثنا القرآن الكريم عن كيفية اغتنام فرص الخير من اجل تحقيق انجاز يخدم البشرية في اكثر من سورة وآية منها قوله تعالى يحدثنا عن نبي الله يوسف عليه السلام وكيف انه استغل فرصة ثقة عزيز مصر به، ليتبوأ موقع المسؤولية الذي غيّر من خلال الخدمة فيه وجه مصر، وعلى مختلف الاصعدة، "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ" (سورة يوسف /54-57).

أما رسول الله صلى الله عليه وآله و أئمة اهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام فقد حثوا كثيرا على اغتنام فرص الخير، بل انهم حذروا من ضياع الفرصة اذا لم يبادر المرء الى اغتنامها في عمل الخير.

   ففي الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله: "من فتح له باب من الخير فلينتهزه فانه لا يدري متى يغلق عنه"، وعن امير المؤمنين عليه السلام: "الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير".

تأسيساً على هذه المقدمة، فان مناسبة أربعين سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام، والتي تتميز بشعيرة سير المحبين الى كربلاء المقدسة لزيارة مرقده الشريف، تُعد، - برأيي- واحدة من اعظم الفرص الذهبية التي ينبغي لمحبي الحسين عليه السلام، توظيفها من اجل الاصلاح والتغيير وتحسين الاداء واعادة بناء وصياغة الشخصية، فنحن نعرف بان السير الى كربلاء على الاقدام يتطلب قضاء ايام وليالي طويلة قد تصل احيانا الى اكثر من اسبوعين، اذا كانت المسافة المقطوعة بعيدة، وبما ان من يسير الى الحسين عليه السلام لا ينشغل عادة بشيء سوى السير وقطع المسافة الى كربلاء المقدسة، ولذلك فان من غير المنطقي ابداً ان تمر مثل هذه الايام كفرصة على المرء من دون ان يستغلها من اجل تحقيق شئ ما.

ومن اجل توظيف هذه الفرصة بشكل سليم، ومن اجل ان لا تمر علينا بلا فائدة، أرى لكل زائر مؤمن، أن يرسم له "خارطة طريق"، وهو يسير على قدميه الى كربلاء المقدسة، بالاضافة الى الزائرين ركباناً لاسباب مختلفة.

وقبل ان ادرج المقترحات، أود ان انبه هنا الى نقطة في غاية الاهمية لتكتمل الصورة في الاذهان، وهي:

ان مجرد السير مشياً على الاقدام لزيارة الحسين السبط عليه السلام في كربلاء المقدسة بنية القربة الى الله تعالى، يعد عملا مثاباً عليه، حتى اذا قطع المسافة صامتاً، مثلا، فقد عُدت من علامات المؤمن في الحديث الوارد عن أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السَّلام حيث قال: "عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ احَدىَ والْخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". إلا ان المنفعة العبادية ستزداد وتتضاعف اكثر فاكثر، اذا ما وظفها الانسان بشكل أفضل، ولذلك فان المقترحات التالية انما هدفها مضاعفة المنفعة الدنيوية والاخرية المرجوة من هذه الشعيرة الدينية والحسينية.

 

أما المقترحات فهي كالتالي:

أولا: الاجتهاد لقطع الطريق بواحدة من أعظم العبادات التي يحبها الله تعالى لعباده المؤمنين، الا وهي التفكير والتفكّر، سواء التفكّر بالله تعالى وخلقه، وبالموت والحياة، او التفكّر بنهضة سيد الشهداء الحسين عليه السلام، ليكون المرء عارفاً بحق الامام وعارفا بفلسفة هذه الشعيرة، وبما أراده أئمة اهل البيت عليهم السلام عندما ركزوا على زيارة سيد الشهداء تحديدا، فاعطوا لها كل هذه الاهمية.

لقد حثنا الله تعالى في كتابه الكريم على التفكّر في آيات عديدة منها قوله عز وجل: "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"، فبالتفكّر يزداد المرء علماً وبصيرة ومعرفة، ولذلك قال الامام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام: "أوصيكم بتقوى الله وادامة التفكّر، فان التفكّر أبو كل خير وأمه".. واخيراً وليس آخراً، قول الامام الصادق عليه السلام: "ليست العبادة كثرة الصلاة والصوم، انما العبادة التفكّر في امر الله".

ولعل من اهم ما يلزم التفكّر به ونحن نسير الى الحسين سيد الشهداء عليه السلام، هو قول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بشأن زيارة الحسين عليه السلام: "من زار الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كتب الله له ثواب الف حجة مقبولة، والف عمرة مقبولة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، فان ذلك سيفتح آفاقاً عظيمة وواسعة امام زائري سيد الشهداء ليتدبروا في معاني ثورته واهداف تضحياته الجسام، كما ان التفكّر بقول المعصوم سيدفع بالمرء الى ان يتفكر بمعاني الزيارات التي يقرأها عشاق الامام الشهيد في المناسبات وفي ليالي الجمع بشكل عام، ما يثير عند الانسان فضول السعي لتغيير الذات لتتطابق واهداف الحسين الشهيد عليه السلام.

ثانياً: السعي لاصطحاب كتاب نافع لقراءته في الطريق، ويستحسن ان يكون هذا الكتاب عن الحسين السبط عليه السلام وثورته واهدافه وخطبه وسيرته الربانية العطرة واخلاقياته ومناقبياته الرسالية.

ثالثاً: السعي لحفظ ما لا يقل عن خطبة واحدة من خطب الحسين السبط عليه السلام، او أية خطبة من خطب الاصحاب في ليلة ويوم عاشوراء، او أية خطبة لاهل البيت عليهم السلام في الكوفة او في الشام.

ولا تنس المرأة المؤمنة الزائرة، هنا ان تحفظ على الاقل خطبة واحدة من خطب السيدة زينب عليها السلام، او خطبة لواحدة من نساء العقيدة اللاتي سرن مع الحسين عليه السلام الى كربلاء، ومع العقيلة زينب الى الكوفة ومن ثم الى الشام، فيما يستحسن ان يحفظ الاشبال بعضا من خطب شباب كربلاء كعلي الاكبر والقاسم وغيرهما.

رابعاً: السعي لتعلم على الاقل خصلة واحدة من خصال سيد الشهداء عليه السلام، سواء كانت من خصاله الاخلاقية او الاجتماعية او سيرته مع الآخرين او ما الى ذلك. وليتعلم شبابنا خصلة من الخصال الحميدة التي تميز بها القاسم بن الحسن عليه السلام او علي الاكبر ابن الحسين عليه السلام، كقوة الشخصية والتميز ببعد النظر والبطولة والشجاعة بعقل ومنطق.

ولتتعلم المرأة المؤمنة على الاقل، خصلة واحدة من خصال عقيلة الهاشميين زينب الكبرى بنت علي عليهم السلام، كالالتزام بالحجاب في أحلك الظروف واصعب المواقف.

ولا ينسَ كهولنا ان يتعلموا من الاصحاب خصالهم الرسالية العظيمة التي تمثلوا بها في كربلاء في يوم عاشوراء، كالوقار والثبات عند الشدائد والوفاء بالوعود والعهود والرجولة والشهامة.

ان من المخجل امام الحسين الشهيد عليه السلام ان يقضي محبوه الليالي والايام سيرا على الاقدام للوصول الى مرقده الشريف، ثم يعودون الى بيوتهم من دون ان يتعلموا خصلة من خصاله الحميدة، وهو الذي نعده قدوتنا واسوتنا في الحياة، وهو الذي ننتظر ان يتشفع لنا مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله عند الله تعالى يوم القيامة.

خامساً: من لا يرغب في القراءة، فان عليه ان يستمع على الاقل الى محاضرة مسجلة في اليوم الواحد الذي يقضيه في الطريق، وبحمد الله تعالى فان التكنولوجيا وأدواتها قد اتاحت لنا مثل هذه الفرصة لنستمع الى المحاضرات ونحن نسير على اقدامنا نقطع المسافات الطويلة لزيارة مرقد السبط الشهيد في كربلاء المقدسة.

سادساً: السعي لاصطحاب المسائل الاسلامية للمرجع الذي أقلده من اجل ان اتعلم ولو بعض المسائل الشرعية المبتلى بها، فليس من المعقول ان لا يكون محب الحسين عليه السلام عارفاً بأبسط أمور دينه، او يجهل ابسط المسائل الاسلامية التي يُبتلى بها دائما.

ان التفقه بالدين ومعرفة مسائل الحلال والحرام، هي من المسائل المهمة التي يجب ان ينشغل بها المؤمن ومحب الحسين السبط عليه السلام، ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: "اذا اراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين والهمه رشده"، ولذلك حثّ أئمة اهل البيت عليهم السلام على التفقه، كما في قول الامام موسى ابن جعفر عليهما السلام: "تفقهوا في دين الله فان الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا".ان اغلب مشاكلنا الاجتماعية منشؤها الجهل بالموقف الشرعي، لاننا وبصراحة لا نفقه في امور دنيانا كثيرا، صحيح اننا متدينون، إلا اننا نفتقد للعمق، لذلك ترانا نرتكب الخطأ تلو الآخر، سواء بحق انفسنا او بحق الآخرين.

سابعاً: السعي بجد لايجاد تكتلات من مستويات ثقافية وعلمية متنوعة، فهنالك الكبير والصغير، وغير المتعلم مع العالم والمثقف، لتتم بذلك عملية تبادل العلم والمعرفة ونشر الثقافة الصحيحة بين أوساط المجتمع المؤمن.

ان اختيار (صاحب الطريق) الى كربلاء المقدسة أمر مهم جدا، يجب ان لا نغفل عنه او نستهين به، لان "اكثر الصواب والصلاح في صحبة اولي النهى والالباب"، يقول أمير المؤمنين عليه السلام، ولذلك قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: "اصحب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك"، او قول الامام الحسن المجتبى عليه السلام، يعظ فيه جنادة في مرضه الذي توفي فيه: "اصحب من اذا صحبته زانك واذا خدمته صانك، واذا اردت منه معونة اعانك، واذا قلت صدق قولك، وان صلت شد صولتك، وان مددت يدك بفضل مدها، وان بدت عنك ثلمة سدها، وان رأى منك حسنة عدها، وان سألته اعطاك، وان سكت عنه ابتداك، وان نزلت احدى الملمات به ساءك".

ثامناً: اشغل نفسك بأي شيء مفيد ونافع، ولا تقض الوقت بالعبث بجهاز الهاتف، او تبادل الاحاديث غير المفيدة، والمزاح الثقيل.

بدلاً عن ذلك اشغل نفسك بالتفكير بكل ما يخصّ شخصيتك، علاقاتك، متبنياتك، افكارك، ثقافتك، علمك، لتشخّص، وانت تمشي الى الحسين عليه السلام، نواقصك وعيوبك وما يحتاج منك للاصلاح والتغيير، لتقرر، عندما تعود، وبكل حزم وجزم واصرار، ان تغير وتبدل وتحسن وتطور، فتغير خصلة سيئة وتكتسب خصلة حميدة، ولتبدّل علاقة سيئة مع صديق مثلا او مع افراد العائلة، لا سيما الوالدين، نحو الاحسن والافضل. يجب ان تترك شعيرة الزيارة، أعظم الاثر في شخصية الزائرين، ليعودوا الى مدنهم ومنازلهم شخصيات اخرى متغيرة نحو الافضل ومنقلبة على كل ما هو سلبي فيما مضى من الايام، فاذا تغير الفرد تغير المجتمع.

ثم يجب ان نتذكر طوال الطريق، الى اين نحن سائرون؟ ومن هو الذي نقصده بهذه الشعيرة؟ لنتأدب بآداب الطريق والزيارة، فنستشعر وكأننا في حضرة الامام، يعاتبنا اذا اخطأنا، ويغضب اذا اسأنا ويعاتبنا اذا سهونا.

تاسعاً: السعي لابراز الوجه الحضاري لهذه الشعيرة العظيمة، من خلال اشاعة النظافة في كل خطوة يقطعها الزائر للحسين عليه السلام، فليس من المعقول ان نترك طريق الحسين السبط عليه السلام غير نظيف، ولاي سبب كان.

كذلك، فان السعي لغرس نخلة مثلاً او شجرة او أية نبتة اخرى تزيد من تألق الطريق واخضرار الطبيعة، هو الآخر سيبرز الوجه الحضاري لهذه الشعيرة.

عاشراً: توظيف الفرصة لبناء علاقات اجتماعية جديدة، عائلية او فردية، لا فرق، قائمة على اسس الحب والتعاون والاحترام المتبادل وتبادل المنفعة والخبرات. ففي الطريق الى كربلاء يصادف المرء الكثير من الناس ومن مختلف المدن والمحافظات واحيانا من الدول الاخرى غير العراق، ما يعني انه امام فرصة ثمينة لتحديث علاقاته وصداقاته.

حادي عشر: واخيراً، فان المشي الى الحسين السبط عليه السلام في هذا اليوم، انما هو عمل مستحب، مهما عظم استحبابه، فلنحذر ان يتقاطع مع الواجبات، الشخصية منها والاجتماعية، كالصلاة في اوقاتها، وعدم التغيّب عن الدوام الرسمي اذا كان ذلك يضرّ بالمواطن، ولذلك، حاول ان لا تتعارض الشعيرة مع حقوق المواطنين باي شكل من الاشكال، ولنتذكر بان الحسين السبط عليه السلام لا يرضى أبداً بان تكون شعائره سبباً للتجاوز على حقوق الانسان، أياً كان، فالحسين عليه السلام ضحّى من اجل ان يصون هذه الحقوق لا ان يتجاوز عليها والعياذ بالله.


ارسل لصديق