A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله – تجسيد الكمال البشري

الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله – تجسيد الكمال البشري
كتبه: الشيخ إدريس العكراوي
حرر في: 2013/05/09
القراءات: 3090

لقد ثبت أنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق مخلوقاً قطّ أكمل وأفضل من الرسول الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله لا في الحاضر، ولا في ما مضى من الزمان، ولا في ما يستقبل منه، وهذه حقيقة يسلّم بها كلّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتنوعّ لغاتهم، بل ويسلّم بها جميع المنصفين في العالم، وإن كانوا غير مسلمين، ويمكن بيان ذلك بمقاربتين: نبيّن في الأولى أكمليّة الرسول صلى الله عليه وآله وأفضليته على جميع بني البشر، ونبيّن في الثانية أفضليّة بني البشر على بقيّة المخلوقات، وعليه: إذا ثبت أنّ الرسول صلى الله عليه وآله، هو أكمل وأفضل من كلّ مَن سواه من بني البشر، وأنّ بني البشر هم أفضل من بقيّة المخلوقات، يثبت أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، هو أكمل وأفضل من كلّ المخلوقات..

 

* المقاربة الأولى: الأفضلية على كل من سواه

نعتمد في هذه المقاربة على قول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»؛ باعتبار أنّها تبيّن الغاية التي من أجلها خُلِق الإنسان، والغاية هي العبوديّة بأن يكون الإنسان عبداً لله تعالى؛ لأنّ العبوديّة لله تعالى هي الطريق الوحيدة التي توصل الإنسان إلى الكمال الحقيقي، فكمال الإنسان الحقيقي يكمن في كون الإنسان أقرب ما يمكن أن يكون من الله تعالى؛ باعتبار أنّ الله تعالى هو عين الكمال، ولا يقترب منه إلاّ مَن زادت كمالاته وقلّت نواقصه، ومن هنا تجد المولى سبحانه وتعالى يأمر الإنسان بالجدّ والاجتهاد في العبادة، ويقول له: «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»، و واحدة من معاني هذه الآية هي: اعبد ربّك حتى تتكامل إلى أسمى درجة من العلم واليقين ألا وهي درجة (حقّ اليقين) بالله تعالى، بمعنى اعبد الله حتى تستشعر وجوده وقدرته في كلّ شيء كما قال عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه» ؛ لأنّه وصل إلى الغاية، و إلى اليقين التامّ، قال عليه السلام: «لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً» ، والمعنى أنّه لا يوجد بينه وبين الله تعالى حاجز أو غطاء؛ لأنّ الغطاء يحجب ولو مقداراً بسيطاً من الرؤية.

ولمّا سأل (ذعلبُ اليماني)، في مجلس أراد به الإيقاع بأمير المؤمنين عليه السلام، وقال له: هل رأيتَ ربّك حين عبدته؟ قال: «لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره!»، فلمّا قال له: فكيف رأيته؟ قال عليه السلام: «ويلك، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» .

إذن؛ بلوغ اليقين التامّ (حقّ اليقين) هو أسمى غاية وأرقى هدف لخلقة الإنسان فمن خلاله يكون الإنسان قريباً من الله تعالى، ولذلك نجد في القرآن الكريم أنّ إبراهيم الخليل عليه السلام كان يتطلّع إلى هذه الغاية السامية، يقول تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»، أي ليصل قلبي إلى درجة الاطمئنان الكامل الذي لا يشوبه شيء لا في كبيرة ولا في صغيرة، «قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا»، لماذا يأخذ أربعة من الطير ويقطّعها ثمّ يفرّقها على الجبال ثمّ يدعوها لتأتي إليه؟ يجيب السيّد الطباطبائي - رحمه الله- على هذا السؤال بقوله: «إنّ قوّة الوهم في إدراكاتها الجزئيّة وأحكامها لمّا كانت معتكفة على باب الحسّ وكان جلّ أحكامها وتصديقاتها في المدركات التي تتلقّاها من طريق الحواس، فهي تنقبض عن مطاوعة ما صدّقه العقل، وإن كانت النفس مؤمنة موقنة به، كما في الأحكام الكليّة العقلية الحقّة من الأمور الخارجة عن المادة الغائبة عن الحسّ، فإنّها تستنكف عن قبولها، وإن سلمت مقدّماتها المنتجة لها، فتخطر بالبال أحكاماً مناقضة لها، ثمّ تثير الأحوال النفسانيّة المناسبة لاستنكافها فتقوى وتتأيّد بذلك في تأثيرها المخالف، وإن كانت النفس من جهة عقلها موقنة بالحكم مؤمنة بالأمر فلا تضرّها إلاّ أذى، كما أنّ مَن بات في دار مظلمة فيها جسد ميّت فإنّه يعلم أنّ الميّت جماد من غير شعور وإرادة فلا يضرّ شيئاً، لكنّ الوهم تستنكف عن هذه النتيجة وتستدعي من المتخيّلة أن تصوّر للنفس صوراً هائلة موحشة من أمر الميّت ثمّ تهيج صفة الخوف فتتسلّط على النفس، وربما بلغ إلى حيث يزول العقل أو تفارق النفس» .

من هنا؛ فان الخليل عليه السلام، إنّما طلب من المولى سبحانه أن يرى بعينه كيف يُحيي الله الموتى ليصل إلى درجة الاطمئنان الكامل بحيث لا تؤثّر قوّتا الوهم والمتخيّلة على هذا الاطمئنان، ولذلك يقول تعالى في ذيل الآية: «وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، واعلم؛ أي كُن على يقين تامّ بهذه الحقيقة، وهذا معنى قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»، أي من أجل أن يكون من الموقنين الذين وصلوا إلى قمّة اليقين بالله تعالى.

إذن.. الإنسان يتكامل من خلال العبادة، فكلّما زادت عبادته كلّما زاد كمالاً، عبادة فتقوى فيقين بالله تعالى، وكلّما زاد الإنسان كمالاً كلّما قلّ نقصه، وكلّما زاد الإنسان كمالاً وقلّ نقصه كلّما كان أقرب إلى الله تعالى؛ باعتبار أنّ الله تعالى هو مصدر كلّ كمال، فإذا زادت كمالات الإنسان وقلّت نواقصه كان قريباً من الله تعالى، وهكذا كلّما زادت كمالات الإنسان وقلّت نواقصه كلّما كان أقرب إلى الله تعالى، ومن هنا يمكن أن نعرف أكمل وأفضل إنسان، فالأكمل والأفضل هو الأقرب إلى الله تعالى.

وإذا اتّضحت هذه الحقيقة نأتي ونسأل القرآن الكريم ونقول: مَن هو أقرب إنسان إلى الله تعالى؟ ويجيبنا القرآن على الفور: بأنّ أقرب إنسان إلى الله تعالى هو عبده ورسوله وحبيبه محمّد بن عبدالله صلى الله عليه وآله الذي حاز الكمالات كلّها وتجنّب المساوئ كلّها، ودنا من العليّ القدير، «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى».

وبهذا يتبيّن لنا أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هو أكمل وأفضل إنسان، وهذه حقيقة أكّدها القرآن الكريم، وأكّدتها السنّة المطهّرة، وعليها إجماع المسلمين وغيرهم، فالدكتور مايكل هارت مثلاً، لم يكن مسلماً ولكنّه حين تجرّد من التعصّب لنبيّه عيسى بن مريم عليه السلام، ونظر إلى النبي محمّد صلى الله عليه وآله، نظرة إنصاف – ولو بقدر – لم يملك إلاّ أن يجعل اسم النبي محمّد صلى الله عليه وآله على رأس قائمة المائة الأوائل في نظره، في حين أعطى للمســيح عـــــــــليه الســـلام المرتبة الثالثة في القائمة.

 

* المقاربة الثانية: أفضليّة الإنسان على بقيّة المخلوقات

نعتمد فيها على قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ»، باعتبار أنّ المولى سبحانه يصرّح في هذه الآية بأنّه قد كرّم بني آدم على باقي المخلوقات، وذلك بأن جعله محوراً لجميعها، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»، فالسماء وما فيها والأرض وما عليها كلّ ذلك إنّما خُلِق من أجل الإنسان، والإنسان هو سيّده، وأعظم من ذلك فالإنسان هو الذي يعطي هذه المخلوقات قيمة، وهو الذي يسلب القيمة عنها، وقيمتها إنّما تكون بمقدار ما تخدمه، فإن تشرّفت بخدمته نالت قيمة بمقدار خدمتها، وإن لم تتشرّف بخدمته لم تكن لها أيّ قيمة، خذ على ذلك مثلاً، هذه المنازل التي نعيش فيها، هي في الحقيقة والواقع لا قيمة لها إلاّ بمقدار ما تخدمنا، بأن توفّر لنا الأمن من السباع ومن الحرّ والبرد والعدو وما أشبه ذلك، وبمقدار ما تبهجنا وترفّه عنّا وتحمينا تكون قيمتها، وكلّما كانت خدمتها لنا أكبر كلّما كانت قيمتها أكثر، أمّا لو كانت هذه المنازل كعدمها بحيث لا تقينا من حرّ ولا برد، ولا تقينا من سباع، ولا ترفّه عنّا وغير ذلك، فلا قيمة لها، وهكذا كلّ شيء في الوجود إنّما تكون قيمته بمقدار ما يخدمنا نحن بني الإنسان.

 وبهذا يتّضح أنّ الأفلاك بما فيها من مخلوقات إنّما خُلقت من أجل الإنسان، ولو لم يكن الإنسان موجوداً لما كان لهذه الأفلاك أيّ قيمة تذكر، ومن هنا تجد القرآن الكريم يقول: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، ويقول في قوله تعالى: «وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً»، وجاء ايضاً: «يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»

وعليه.. فإذا ثبت أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، هو أكمل وأفضل إنسان، وأنّ الإنسان هو أفضل من كلّ المخلوقات، ثبت أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، هو أكمل وأفضل المخلوقات جميعاً.

---------------

1- مسند الإمام علي عليه السلام، ج1 – ص 150.

2- كشف الغمّة، ج1 – ص170.

3- أمالي الصدوق، ج1 – ص 281.

4- الميزان في تفسير القرآن


ارسل لصديق