Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
ما يزال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يبذل مساعيه للخروج من عنق الزجاجة التي حشر نفسه فيها، باصطدامه برغبات شريحة من المجتمع التركي، باتخاذ قرار متعجل بتدمير حديقة قديمة وسط مدينة اسطنبول، وفي «ميدان تقسيم»، أقدم ساحة في المدينة، وتحويل الأرض الى مجمع تجاري ضخم. وبما أن «حديقة غازي» تُعد ملتقى للشباب في المدينة، فان القرار جاء متقاطعاً مع رغباتهم. فكانت التظاهرات الصاخبة والاحتجاجات خلال شهر آيار الماضي. والتي تخللتها احداث عنف سقط على اثرها ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى.
يرى المراقبون أن قرار اردوغان بتدمير الحديقة، كان يخفي ورائه اهداف سياسية، اكثر مما أعلنه من الحرص على القيم الدينية التي يحاول التيار العلماني دفع الشباب للإساءة اليه، فقد يرى رئيس الوزراء التركي الطامح الى فرض شخصيته (العثمانية) ليس فقط في الداخل، إنما في الخارج ايضاً، انه مهدد من التيار العلماني، والذي ربما يكون له أيادي غربية واوربية تحديداً، ومحاولة التقليل من تدخلاته المتزايدة في الشؤون العراقية والسورية. وإشغاله بالملف الداخلي.
لذا نجد أنه في خطاباته يشير الى وجود «حسّاد لتركيا المتطورة والمتقدمة»، وأن هنالك أطراف لا تريد لهذا البلد ان يواصل مشوار التطور والتقدم من خلال دفع بعض الشباب الطائش في اسطنبول لممارسة بعض الاعمال المنافية للأخلاق العامة. وهو قطعاً ما يثير حفيظة أردوغان الذي يرفع شعارات دينية، وتظهر زوجته المحجبة دائماً الى جانبه أمام الأضواء.. لكن هنالك سؤال آخر امام المراقبين: لماذا بادر إذن؛ بالتحرش بمحال بيع الخمور في تركيا، وهي قائمة منذ عقود من الزمن..؟
هناك إجابة تقول: أن هذا المنحى اتخذه اردوغان لتعزيز موقعه الاقليمي، بعد يأسه الشديد من الاتحاد الاوربي والانضام الى المنظومة الاقتصادية الاوربية، لذا فهو يجيّر المفاهيم الدينية، ففي مهرجان خطابي حاشد، وأمام حوالي 15ألف شخص، في مدينة «سامسون» التركية، معقل حزب العدالة والتنمية الحاكم، صاح اردوغان: «دعوهم يدخلون إلى المساجد بأحذيتهم ويتناولون المشروبات الكحولية في المساجد ويرفعون أياديهم على بناتنا المحجبات.. دعاء واحد من شعبنا كفيل بإحباط خططهم..»!
وبالرغم من انسحابه من قراره والانصياع لقرار المحكمة بتجميد قضية «حديقة غازي»، إلا ان المراقبين والمتابعين يرون في لهجة اردوغان الدينية، فشلاً وإفلاساً في السياسة والادارة في مجتمع منفتح لا يجهله هو ولا حزبه، ومعروف أن الاحزاب السياسية التي تتشكل حديثاً، عليها أداء القسم أمام قبر «أتاتورك» بالولاء للعلمانية والوفاء لها، وهو ما فعله حزب العدالة والتنمية، وايضاً، قبله حزب الرفاه المنحلّ في تسعينات القرن الماضي.
وفي خطوة مماثلة لمزيد من تعبئة «الشارع المتدين» في تركيا، ربط نائب لرئيس الوزراء التركي بين «اليهود في الشتات» والاضطرابات الأخيرة المناوئة للحكومة التي شهدتها البلاد، وكان اردوغان قد أطلق تصريحاً مشابهاً أوائل العام الجاري، وصف فيه «الصهيونية» بانها جريمة ضد الانسانية.
وهو في ذلك يسعى جاهداً لايجاد علاقة بين الاحتجاجات الجارية على قرار تجريف حديقة قديمة، وبين التحديات التي يقول ان تركيا تواجهها من قبل «أعداء تركيا»، و»الحاسدين»، أما الصهيونية، فانه يذكر الشعب التركي بالنشطاء التسعة الذين قتلوا على يد الكوماندوز الاسرائيلي عام 2011 ، عندما كانوا على متن الباخرة «مرمرة» المتوجهة لاغاثة فلسطينيي غزة.