Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
نادراً ما يمر يوم من الأيام دون ان تسمع صوت انفجار سيارة مفخخة، او عبوة ناسفة في قضاء المسيب، مستهدفة تجمعاً لأسواقٍ شعبية، أو تجمعاً للعمال، أو تلاميذ مدرسة، الى جانب رجال الأمن والشرطة.
ومـــــا يمــــــــــيّز المسيب عـــــــــــــــن باقـــــي أقضية ومــــــــــدن العــــــــــراق، المعـــــــــــــــرضة ايضاً للاعتداءات الارهابية، هو أنها تقـــــع بين فـــــكّي كـــــماشة الارهاب، حيث تقع عـــــلى مقـــــربة مما كـــــان يسمى بـ «مثلث الموت» شمال محـــــافظة بابل، علاوةً على ذلك، افتقارها للإجراءات الأمنية الناجحة التي تضرب على يـــــد الارهابيين وتحد من اعتداءاتهم.
هـــــذا الأمـــــر ليس وليد اللحــــــــــظة او صدفة عابرة؛ فالمسيب تعـــــرضت لاعتداءات إرهابية متكررة عقـــــب ســـــقوط النظام المقبـــــور عام 2003 والتي أدت الى استشهاد المئات مـــــن أبنائها، كـــــما تعرضت، ســـــابقاً، الى الإرهاب البعثي خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والتي قطفت زهرة شباب العشرات من الشباب على يد المقبور حسين كامل، - سيئ - الصيت. بعد هذه المقدمة حريّ بنا ان نقدم صورة حقيقية عن واقع هذه المدينة في الوقت الحاضر دون نسيان ماضيها المشرّف، حتى نتمكن من وضع صورة مستقبلية لكل من يريد ان يعرف أخبار المسيب .
* أصل التسمية والدور التاريخي
تعددت آراء المؤرخين في اصل تسمية المسيّب.. فقد قال بعضهم انه نسبة الى «سعيد بن المسيب»، وقال آخرون انه نسبة الى نهر «السيب»، ثم جرى عليها التصحيح والتبديل كما حدث ذلك لمدن كثيرة في عصرنا هذا، حتى استقرت تسمية المدينة «المسيب».
تأسست مدينة المسيّب - حسب ما يذكره الشيخ المرحوم «علي القسام» في كتابه: «السفر المطيب في تاريخ مدينة المسيب» - على شكل قرية صغيرة على ضفاف نهر الفرات حوالي (1205هـ - 1791 م)، لا بصفتها قرية مدنية، بل قرية زراعية فيها بعض الدور المبنية من الطين والمسيجة بسعف النخيل، وكانت منزلاً للقوافل، ومحطة استراحة للمسافرين والزائرين المتجهين صوب العتبات المقدسة في كل من كربلاء المقدسة، والنجف الأشرف والكاظمية المقدسة. اكتسبت المسيب دورها التاريخي والحضاري، لتوسطها بين بغداد ومدينة كربلاء المقدسة، فبغداد العاصمة السياسية للعراق، والتي تشرفت باحتضان ضريحي الامامين الجوادين، عليهما السلام. أما كربلاء المقدسة فهي العاصمة الثورية والفكرية للعراق والعالم الاسلامي، كونها مثوى أبي الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين، عليه السلام. واخيه ابي الفضل العباس، عليه السلام. ومن هذه المدرسة، اكتسبت المسيب روح التحدي والإباء والعطاء، علماً أنها تضم في رقعتها الجغرافية أضرحة مقدسة لأهل البيت عليهم السلام منهم:
1- مرقد محمد وإبراهيم؛ ولدي مسلم بن عقيل، عليهم السلام .
2- مرقد القاسم ابن الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام .
3- مرقد أبي القاسم السيد أحمد بن السيد ابراهيم المجاب، عليه السلام.
4- مرقد "الهاشميات العلويات"، الذي يضم مرقد بنتي الحسن المثنى عليهم السلام.
كانت مدينة المسيب تتبع لواء كربلاء إدارياً منذ القرن التاسع عشر، ثم اصبحت ناحية في عهد الاحتلال الانكليزي للعراق عام 1922، ثم قضاءً ادارياً عام 1926، و ألحقت بلواء الحلة في ذلك العام، و ألحقت بها ثلاث نواحي وهي: سدة الهندية، وجرف الصخر، والاسكندرية.
وما تزال المسيب تُعد محطةً مهمة لاستراحة الزائرين المتوجهين الى كربلاء المقدسة، خاصة في زيارة أربعينية الامام الحسين، عليه السلام، في العشرين من صفر، حيث يقوم ابناء المسيب بفتح الجوامع والحسينيات ودور المواطنين لاستضافة الزائرين القادمين مشياً على الاقدام من بغداد والمحافظات الشمالية وحتى من خارج العراق .
وعلى الرغم من قيام صدام المقبور بمنع الزيارة الاربعينية خلال حقبة حكمه المشؤوم، إلا ان اهالي المسيب المؤمنين كانوا يقومون باستدلال الزائرين المشاة على طرق (نيسمية)، عبر البساتين والحقول، بعيداً عن أعين أزلام النظام، وتفادياً من مطاردة عناصر «الأمن» وحزب البعث المنحل آنذاك، والذي كان كل همّهم كسب رضا السلطة، والحصول على المكافأة من قياداتهم الحزبية.
ومثل سائر المدن الثائرة على نظام صدام خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991، لاقت المسيب أشكالاً مروعة من المآسي والقتل لأبنائها الثائرين، وتدميراً وحرقاً لأسواقها ومنازل المدنيين ودوائر الدولة حيث تم تجميع الرجال من عمر 15 سنة فما فوق في تقاطع المسيب- كربلاء المقدسة بتاريخ 7/3/1991، وقامت سيارات الحرس الجمهوري وسيارات مدنية أخرى بنقل أبناء المسيب إلى العاصمة بغداد وأماكن مجهولة. أما الذين لم تستوعب السيارات لنقلهم، فقد تعرضوا إلى وابل من الرصاص وتمت هذه الجريمة تحت إشراف المجرم حسين كامل - سيء الصيت. وقد اكتشفت في المسيب، عقب سقوط النظام مقبرة جماعية ضمت رفات رجال ونساء وأطفال أعدمهم النظام، إبان الانتفاضة.
* الموقع الجغرافي
تقع المسيّب بين العاصمة بغداد شمالاً ومدينة كربلاء المقدسة الى الجنوب الغربي، وتقع مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، في جهتها الجنوبية، وتقع ناحية الاسكندرية في شمالها، وناحية جرف الصخر ومحافظة الانبار من الغرب، أما ناحية «سدّة الهندية» فتقع في الجنوب. وتحدّها من الشرق، نواحي وقرى قضاء المحاويل التابع لمحافظة بابل. شطر نهرُ الفرات المسيبَ الى قسمين: القسم الكبير مما يلي بغداد، والقسم الصغير مما يلي كربلاء المقدسة، يحيط بها نهر الفرات من جهتها الشمالية والغربية، مشكلةً نصف دائرة.
في المسيب جسران: الأول؛ جسر المسيب الشهير والمعروف باسم «الجسر القديم» والذي أنشئ عام 1937، والذي يتوسط المدينة. أما الجسر الثاني فهو الجسر الجديد والذي يربط الطريق الرئيس بين كربلاء المقدسة و بغداد، ويسمى بـ (الجسر الشمالي).
* المسيب بعد عام 2003
حالها حال سائر المدن في العراق التي استبشرت خيراً بسقوط الطاغية الصنم، وتنفّست الصعداء، ثم تحمّلت فاتورة عالية من التضحيات والدماء على يد أيتام صدام والمتحالفين معهم من التكفيريين، كانت المسيب، -وما تزال- في طليعة المدن التي دفعت ثمناً باهظاً للتغيير الكبير الذي أنعمَ الله به العراق؛ فبدلاً من أن يتطور الحال في المسيّب، وتتحول الى نقطة مركز جذب اقتصادي وسياحي، لما تحظى به من موقع جغرافي وطبيعة خلابة، باتت تسهر- في معظم لياليها- على أصوات انفجار القذائف التي تنهال عليها من معاقل الارهابيين ليلاً، وتهتز على وقع انفجار العبوات الناسفة والسيارات المفخخة. وكان الثمن بالارواح الطاهرة، يدفعها أطفال صغار ونساء وعمّال ومواطنون مدنيون. وقد أكدت شواهد ودلائل أن معظم هذه الحمم تنطلق من ناحية «جرف الصخر» غرب القضاء. ثم بدأ مسلسل الاغتيالات المنظمة لشخصيات دينية وعشائرية ونقابية و لمنتسبي الأجهزة الامنية، الهدف منها إشعال النار في الخلافات الطائفية، وخلق ما يشبه «الحرب الطائفية»، كما حصل الشيء نفسه في مناطق اخرى من البلاد.
وهنا حريّ بنا أن نشير الى الحادث المريع الذي وقع في وسط المسيّب بتاريخ 17/7/2005 عندما تسلل أحد الارهابيين الجبناء الى داخل المدينة بشاحنة صهريج مشحونة بمادة «زيت الغاز»، و عند الساعة الثامنة مساءً أضرم النار لتحدث لهيباً واسعاً وكبيراً أودى بحياة اكثر من (300) انسان بريء .. وهذه بالحقيقة تُعد كارثة أمنية وانسانية بكل المقاييس، فقد التهمت ألسنة اللهب، المارة ومحلات المواطنين القريبة من الصهريج، وحسينية أهالي المسيب، وسط ذهول المشاهد وتحجّر الدموع في أعين الكثيرين؛ فما حدث يفوق حتى القدرة على استدرار الدمع لإطفاء سعير الألم لما شاهدته من أجساد تحترق وتذوب وسط سعير النار.
وتبقى جريمة "صهريج المسيب"، شاهداً حيّاً على جريمة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها المسيب على يد تنظيم القاعدة، لا لذنب اقترفه أهلها سوى انهم استبشروا بسقوط طاغية جثم على صدورهم اكثر من (30) سنة، وذاقوا طعم الحرية، ثم إن «القاعدة» لما استهدفتهم، كانت تعلم أن المسيب وأهلها لهم شرف ضيافة زائري أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وإنها الممر الآمن لطريق كربلاء المقدسة. فقد ذكر المجرم المقبور ابو مصعب الزرقاوي، في احدى تصريحاته على موقع الانترنت أن سقوط المسيب في يد القاعدة، يعني سقوط باقي مناطق الفرات الاوسط وجنوب بغداد.. وكان هذا التنظيم الارهابي قد وجد في المناطق القريبة مرتعاً ومنطلقاً لعملياته الارهابية في وسط وجنوب العراق، في الاعوام من 2005 – 2007، فيما عرف بـ"مثلث الموت".
وفي العودة الى حادث (صهريج المسيب)، فان أهالي المدينة وذوي الضحايا يستذكرون في كل عام، أبناءهم ورجالهم، حيث يوقدون الشموع في مكان الانفجار وسط دموع الأمهات الثكالى والاطفال اليتامى. يقول خالد ريس الفيحان، مسؤول لجنة التعويضات في ديوان محافظة بابل، أن اللجنة روجت اكثر من (1500) معاملة تعويض من ضحايا انفجار الصهريج والعمليات الارهابية الاخرى، مضيفاً ان التعويض لا يتناسب وحجم المعاناة التي تعيشها العوائل التي فقدت المعيل والأم، والأخ، وطالب الفيحان مجلس النواب والحكومة بزيادة مبالغ التعويضات لضحايا الإرهاب وشمولهم بامتيازات مؤسسة الشهداء من حيث الامتيازات والتعيينات .
* الواقع والطموح
عندما تتجول في أنحاء مدينة المسيب فانك ترى في بعض المناطق مشاريع إعمار محدودة، وفي مناطق أخرى تلاحظ الخراب وتراكم النفايات والتجاوز على الارصفة، هي السمة البارزة للمدينة. أما الأحياء السكنية في المناطق الزراعية، فقد تحولت الى واقع حال بحاجة الى الخدمات، أسوة بالأحياء الأخرى، مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي، وتعبيد الطرق و المدارس والمستوصفات وغيرها، وهو ما أخذ يستنزف الجهد الخدمي للدوائر الحكومية، كون تخصيصات وزارة البلديات والأشغال، تخصص للمناطق والاحياء التي هي داخل التصميم الأساسي للمدن.
ويرى السيد حميد مرشد، رئيس لجنة المشاريع في المسيب، ان المدينة توسعت عقب سقوط النظام البائد، حيث تحولت الأراضي الزراعية والبساتين الى مناطق سكنية، وأصبحت أشبه بالعشوائيات كونها تفتقد للتصاميم القطاعية المعتمدة لدى الدوائر البلدية، وأضاف مرشد ان هذا التوسع ستظهر آثاره السلبية في السنين القادمة، حيث سيخلق مناطق سكنية لا تتلاءم والقيم الدينية والعشائرية التي تحكم مجتمعاتنا.. وتابع مرشد: تم اعداد تصميم أساسي جديد لمدينة المسيب حتى عام 2033 حيث وضع هذا التصميم مقدار التوسع السكاني الذي تشهده المدينة خلال السنوات القادمة.
وعن أبرز ما يميز التصميم الجديد يقول مرشد: سوف يتم انشاء طريقين حوليين باتجاه كربلاء المقدسة بعرض 100م مربع للطريق الواحد، الاول من الجهة الغربية للمدينة والآخر من شرقها لغرض تخفيف الزخم عن المدينة في أوقات الزيارات وخاصة الزيارة الأربعينية.
أما عن توفير أجواء الأمن لقضاء المسيب من الاعتداءات الإرهابية المتكررة، يقول السيد سهيل حسن ارحيم، نائب رئيس مجلس قضاء المسيب: ان مجلس محافظة بابل خصص مبلغاً قدره (30) مليار دينار لغرض عمل سياج أمني اسمنتي على طول الحدود الإدارية لمركز مدينة المسيب من جهة ناحية جرف الصخر، خاصة بعد الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت زائري أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، في الحي العسكري وتقاطع المسيب – جرف الصخر, كما خصص المجلس مبالغ لنصب كاميرات مراقبة للشوارع المؤدية الى ناحية جرف الصخر ومناطق شمال بابل التي تعد مناطق ساخنة أمنياً.
ومهما يكن من أمر فان أهالي المسيب قلقون من تدهور الأوضاع الأمنية والتي تنعكس سلباً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمدينة، فعند كل انفجار تغلق المداخل الرئيسة المؤدية للمدينة والسوق الكبير فيها، فيضطر أطفال المدارس والموظفون للسير على الأقدام مسافة تصل الى (2) كيلومتر حتى يصلوا إلى أماكن الدراسة والعمل، وحيث يتعطل النشاط التجاري، وتغلق المحلات لأوقات مختلفة. ويأمل أبناء المدينة من أعضاء مجلس محافظة بابل الجديد ان يضعوا المسيب ووضعها الأمني كأولوية من أولويات المجلس، ولا تبقى المسيب على الهامش. وقد أكد معظم ممن استطلعنا آراءهم، على الإسراع بإيجاد الحلول المناسبة، إن وجدت الإمكانية ضمن محافظة بابل التي تتبعها المسيب إدارياً، أما كون المحافظة مزحومة بالأزمات الأمنية والسياسية ومشاكل الخدمات، فمن الأفضل الحاقها بمحافظة كربلاء المقدسة.