A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الثقافة الشيعية .. والمعرفة الحقيقية بأهل البيت (عليهم السلام)

الثقافة الشيعية .. والمعرفة الحقيقية بأهل البيت (عليهم السلام)
كتبه: علي ضميري
حرر في: 2013/07/15
القراءات: 6228

يُكثر الشيعة، وعلى مر العصور، من ذكر اهل البيت سلام الله عليهم اجمعين، و يلهجون بأسمائهم الشريفة، حتى إن لم يكونوا جميعاً، فالغالبية العظمى منهم ينادون ويندبون هذا الاسم او ذاك من أسماء الأئمة الطاهرين حينما يقومون او يقعدون او لدى ادائهم عملاً ما.

فيا ترى؛ ما هي المميزات التي تؤهل اهل البيت سلام الله عليهم، ليلهج الشيعة بذكرهم خلفاً عن سلف؟ وهل ثمة مبررات لان ينفرد الشيعة بهذا المنحى عن غيرهم ممن هم مسلمون في الظاهر وينطقون بالشهادتين ؟

و أمر آخر لا يقل اهمية عما سبقه من امور؛ وهو: هل يعرف الشيعة ممن يقول بحب اهل البيت سلام الله عليهم، حقيقة اشخاص هؤلاء المقدسين المطهرين ؟

علماً ان المعرفة بآفاق شخصيات ومقامات كل واحد من المعصومين سلام الله عليهم، يُعد الشرط الاول والميزة الاشد اهمية في حقيقة صلة الانسان الشيعي بإمامه المعصوم. وقد تواتر بين المسلمين جميعاً - فضلاً عن اجماع الشيعة بعلمائهم وعوامهم- على صدق صدور القول عن نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله :

«من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية»، وبطبيعة الحال فان تواتر هذا الحديث النبوي الشريف، والمرويات الحديثية الاخرى التي تحاكيه في المعنى وتحاذيه في النص وكذلك الاجماع المتوفر بصدده يغني الباحث والمتتبع الحريص على سلامة القلب و المعتقد، عن ذكر المصادر التي أوردته لما فيه من مصداقية دينية وعقائدية وشرعية وحتى عقلية و انسانية.

ولا ريب ان هذه المعرفة المذكورة في الحديث الشريف لا تقتصر على معرفة الهوية الشخصية لكل امام من ائمة العصور والاجيال المتعاقبة؛ اذ الاقتصار على هذا المستوى من المعرفة يمكن ان يَحظى به المشركون والنواصب، كما المنافقون والمحايدون ايضاً .

ان المعرفة التي اختزلها القول النبوي الشريف في هذا الحديث الفاصل والحاسم - كما يبدو والله اعلم- هي المعرفة الواعية بشخص الامام و دوره ورسالته التي جعله الله يؤديها مضافاً الى طبيعة مقامه وقربه من الله تعالى.

وهذا يعني – في ما يعني- ان نسبة التخلّص من «ميتة الجاهلية»، ومن ثم نيل السعادة الدنيوية والخلاص الأخروي و العبور الى جنان الخلد والرضوان الالهي، هيّنة بنسبة المعرفة بالإمام المعصوم، وتجذرها في وجود الانسان.. وهنا يكمن الفيصل الحقيقي والفاعل في تمايز الافراد .

ان هذه المعرفة يشار بها ويراد منها الاعتراف والاقرار بحقيقة الامام المعصوم وما يراد من المعترف المُقر ان يتخذه من مواقف ويمارسه من سلوكيات تجاه امام زمانه.

وفي اشارة مضيئة لنا، يتبين أنه لما كان نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله، هو نبي آخر الزمان كصفحة من صفحات وجوده المبارك الحكيم، فان مجمل الأئمة المعصومين الأثني عشر، سلام الله عليهم اجمعين، الذين كان خاتم الانبياء والمرسلين قد بشر و أوصى بهم أمته، و أكد على وجوب التمسك بهم، كما هو واجب التمسك بالقرآن الحكيم.. فان هؤلاء الائمة هم الائمة الحق لهذه الحقبة المسماة بآخر الزمان، التي بدأت من النبوة المحمدية الشريفة وتنتهي لدى الامامة المهدوية الكريمة.

وعليه، فان المقصود بإمام الزمان الذي ينبغي ان يُعرف ويُقر له ويطاع، ويؤخذ عنه، هو كل امام من الائمة الاثني عشر سلام الله عليهم اجمعين، ولطالما استفاضت الاحاديث والروايات الصحيحة عن كل واحد من أهل البيت عليهم السلام، بأن الايمان والمعرفة بحقيقة الدين - وهي القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة والمتجسدة في الاثني عشر اماماً- لابد ان تكون معرفةً وايماناً وتصديقاً وطاعة واقراراً واحداً غير قابلة للتجزئة، إذ التجزئة في هذا الأفق، أمر محظور ومذموم، حيث لا يمكن الايمان ببعض الكتاب والعترة، والكفر ببعضهما.

 وهذا ما دعا النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، الى تبليغ القرآن الكريم كله الى الناس، فلم يَترك منه آية واحدة إلا وقرأها على مسامع الناس وبينها بما ينتاسب ومستوى عقولهم، وايضاً، ما يناسب الظروف الموضوعية لتلك الحقبة الزمنية، وطالما وجدناه صلوات الله عليه وآله، في نصوص شريفة كثيرة يذكر اسماء الائمة المعصومين، خلفاءه الشرعيين لأمته التي كانت تعيش في عصره، ثم للأجيال المسلمة التي ستعقب عصره ليكون افراد امته وجماعتها على بينة من امرهم، ويعرفوا كيف يتعاملون مع أئمتهم الأبرار الهداة.

إلا ان يد التزوير و التحريف، الى جانبها سياسات القمع والترويع والتنكيل، وتوريج اللامسؤولية، هي التي كرست ونشرت حالة الجهل بالائمة الكرام .. اللهم الا ثلة مؤمنة تكررت باعداد افرادها القلائل عبر الاجيال ممن آمنوا بأمير المؤمنين والصديقة الزهراء سلام الله عليهما، باعتبارهما سيدي المعصومين بعد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله.

من هنا يمكن القول: ان المعرفة في المفهوم الاسلامي والاصطلاح العقدي، تختلف اختلافاً جذرياً عن المفهوم اللفظي والاصطلاح اللغوي لها.. وقد اشار القرآن المجيد الى هذه الحقيقة حيث قال عزّ من قائل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة الحجرات /13).

إذ لا يراد من التعارف هنا، التعرّف الى الهويات الشخصية والجذور الاجتماعية، والقبلية فحسب، بل الحكمة القرآنية وعمق الوحي المعهود يقضيان بإلزام الافراد بالاعتراف بالتعددية، كعامل تكامل في الحركة الانسانية ..

وانما استهدفنا موضوع معرفة الامام، واهميته في خلاص الفرد من شقاء الدنيا وضنكها وظلام الجهل المنتشر فيها، ومن ثم شقاء الآخرة وعذابها، لان الامام المعصوم هو الذي يعطي كلمة التوحيد مفهومها الحقيقي، وأفُقها الذي يحصن الانسان من التيه والضلال. ومعلوم ان البشرية تنسلخ عن حقيقتها اذا ما لم تقر لربها بالوحدانية بعد رفض الالهة المزيفة ونبذها. و أنّى لإنسان ان يعي حقائق وحي الله دون التمسك بمرشد معصوم يهديه الى تلكم الحقائق، وهو المحتاج في حياته الى دليل يهديه الى أبسط الأمور من السير في الطرقات والانتباه من مكامن الاوبئة وحتى وجود الزائر عند باب داره.

ولابد من القول: إن الهدف الحقيقي من طرح هذا الموضوع ليس البحث في مسألة عقدية، او للتحقيق في عمق شخصية الامام المعصوم.. حيث هذا مما لا يدرك كنهه.. بل المؤمل والمرجو، هو التعرف الى خلاصة لطبيعية المنهج السلوكي والاخلاقي الذي رسمه لنا الامام المعصوم عليه السلام، لحياة المؤمن بمقامه: العارف نوعاً ما لفضله.. ومن خلال التعرف الى طبيعة هذا المنهج يتجلّى المبرر للصدح بأولوية الامام المعصوم والمناداة باسمه دون غيره ممن يدعي المقام والفضل زوراً وبهتاناً، ولتبقى مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الكيان الوحيد الذي ينبغي الانتماء اليه والتعلق به.

وبهذا الصدد وجدنا ان المعصومين سلام الله عليهم، وقد رسموا لنا حدوداً يمكن تسميتها تارة بالموجبة و أخرى بالسالبة ليتعرف المؤمن على ما ينبغي وما لا ينبغي له، وهو يتعامل مع مسائل العقيدة والفكر والرأي، بل مع مجمل شؤون الحياة.

فقد قالوا مرة : «انما شيعتنا من...».

وفي اخرى قالوا: «ليس منا...» أو: «ليس من شيعتنا من..». لادخال الصادق في حصنهم، وطرد الكاذب عنهم، ليعي كل امرئ قيمته الحقيقية، وليعرف طبيعة علاقته مع سادته المعصومين الذين جعلهم الله تعالى بداية الانطلاق اليه والعبودية له دون سواه. وهذا ما سنستعرضه معاً - ايها القارئ الكريم- في الحلقة القادمة ان شاء الله.


ارسل لصديق