Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
ربما يتفق معي القارئ في المفارقة العجيبة التي تعيشها أمتنا في ظل الأنظمة السياسية الحاكمة؛ فالعالم الذي نعاصره، يستفيد من تجارب الحروب لصنع السلام، ومثال ذلك الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، التي علّمت الدول الاوربية، ومعها الدول المنضوية في المنظومة الغربية (اليابان – امريكا)، كيف تصنع السلام، ومنها تحرك عجلة الحياة بعد إيقاف عجلة الموت. بينما نرى بلادنا الاسلامية، كانت تعيش بالأساس أجواء السلام في ظل الإسلام، فليس هنالك، - في التاريخ القديم أو الحديث- ما يشبه الطموحات القومية المتطرفة كالتي كانت عند «هتلر»، ولا الطموحات الاستعمارية الغاشمة، كالتي لدى بريطانيا وفرنسا، إنما كانت بلاد وادعة آمنة، لا يصدر منها سوى العطاء والخير للآخرين. لكن على حين غرّة، واذا بها تصبح مصدراً ومنبعاً للحروب والأزمات. في البداية، كانت تشتبك فيما بينها، وتتقاتل لاسباب مختلفة – لا علينا بها- ، ثم تطور أمرها لتدير حروباً أهلية وأزمات سياسية وفتناً طائفية مريعة، نرى اليوم أنها تحصد أرواح الآلاف من الأبرياء وتؤدي بالبلاد والعباد الى التخلف والدمار، بشكل يفوق التصور.
اعتقد أن مشكلة بعض حكامنا – إن لم نقل جميعهم- أنهم قرأوا نظرية «كيسنجر» عن إدارة الحرب وصنع السلام، بطريقة خاطئة، أو ربما فهموها حسب مستوى تفكيرهم وخلفياتهم التاريخية والثقافية والنفسية، فقد برع هذا السياسي المخضرم، والمتشبث بالحياة حتى اللحظة..! في إدارة حروب ضروس ومدمرة، لتأخذ طريقها نحو ممرات دبلوماسية لصنع السلام، وعقد اتفاقيات هدنة أو سلام بين هذه الدولة وتلك. وكانت تجاربه المعروفة في فيتنام في نهاية الستينات، و «حرب تشرين» بين كل من سوريا ومصر، وبين الكيان الصهيوني عام 1973، وأيضاً الحرب بين أكراد العراق وحكومة البعث أواسط السبعينات. ففي تلك الفترة شغل منصب مستشار الأمن القومي، ثم وزيراً للخارجية، وكان يرى أن تلك الحروب، تحقق أهدافاً استراتيجية وحيوية للولايات المتحدة ولإسرائيل ايضاً، ثم تتمخض من تلك الحروب اتفاقيات السلام، كالتي حصلت مع فيتنام الشمالية (الشيوعية)، وكالذي حصل في «كامب ديفيد»، ودفع بالسادات للتوقيع مع الاسرائيليين معاهدة السلام، ليستعيد شبه جزيرة سيناء المصرية، وكالاتفاق التاريخي الذي حصل في - نهاية المطاف- بين قادة الأكراد وبين نظام صدام للحصول على «الأرض الآمنة» في ثلاث محافظات كردية، وانسحاب صدام منها، عام 1991، عندما تدنّى الاخير في أسفل مراحل ضعفه.
الملاحظ في هذه السيناريوهات، أن نهاية الحروب على طاولة المفاوضات، تعيد كل شيء على حاله، وكأن لم تسقط قطرة دم واحدة، ولم يتشرّد طفل أو إمرأة، ولم تتهدم الدور والمؤسسات المدنية والمنشآت الصناعية، ولم تتعطل الحياة.
هذه النظرية – اللعبة، يبدو أنها اجتذبت بعض العقول الديكتاتورية في بلادنا، فاستحسنوا فكرة المغامرة لكسب شيء من الشهرة داخلياً، والمكانة السياسية على الخارطة الاقليمية والدولية، على أن الحرب، «لغة الأقوياء»، وإن كانت بالنيابة، فهذا دلالة على القوة والحنكة السياسية للبلد الممول والمدير للحروب والفتن في هذا البلد وذاك، ثم تحاول لأن تكون عامل سلام وتحول نحو الأفضل، كما سعت السعودية لتحقيق ذلك، خلال المعارك والاقتتال على السلطة في افغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية عام 1989، فبعد أن كانت أحد أهم عوامل الحرب ودعم «المجاهدين»، أرادت ان تصنع السلام على طاولة المفاوضات بين قادة الاحزاب الافغانية آنذاك، لكن الفشل كان نصيبها، لذا فضلت العودة الى دور «راعي الحرب» الذي تتقنه جيداً، وما تزال.
لو لاحظنا سياسات ومواقف هذه الأنظمة، لوجدنا أنها تفتقد للهدف والغاية الحقيقية من وراء إشعال نار الحرب، والغاية ايضاً من وراء السلام.
والعكس نجده في بلاد الغرب. فما الذي يدفع بالحقيقة - وليس الشعار والوهم- بلداناً غنية وقوية في المنطقة مثل قطر والسعودية وتركيا، من أن تتقمص دور رعاة الحرب والاقتتال في سوريا؟ وما الذي يكسبونه، في حال تحقق سلام في سوريا يتضمن نصراً للمعارضة السورية؟ وبعبارة.. أين عقيدة الحرب؟، وما هي غايات السلام لدى حكامنا؟ وهل يمكن لهؤلاء أن يرتقوا الى مستوى كهذا من التفكير، وهم يفكرون بتحقيق سبل البقاء في الحكم مدة أطول؟
إن الغرب الذي نراه يرعى السلام لشعوبنا، بل يضمن استمراريتها، لأنه يحمل قبل هذا، نظرية متكاملة للحياة، وكيف يجب أن يعيش الإنسان. هذه النظرية والعقيدة، كانوا في سالف الزمان يفرضونها علينا بحروبهم المباشرة، أما اليوم، فانهم يفرضونها علينا من خلال استنزاف القدرات والثروات بسكاكين يحملها بعضنا على البعض الآخر.