Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
في واقعة (غديرخم)، وهو عيد الولاية، تتجسد المعاني الكاملة والناصعة لولاية أهل البيت، عليهم السلام، ومكانتهم عند النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، وايضاً عند ابناء الامة الاسلامية، لذا لابد لنا من الوعي الكامل لحقيقة الولاية.
فالولاية ليست كلمة تقال أو شعاراً يرفع أو انتماء لفظيا أو مذهباً قشرياً، وإنما هي أثقل ما يوضع في ميزان العدالة الإلهية، ولأنها كذلك؛ فلابد ان نفهم بصورة واضحة عملية تبادل التهاني في يوم الغدير والتمني بالانتماء إلى خط علي بن أبي طالب، كأن يقول الواحد منا: «جعلنا الله و إياكم من المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب»، لأن الإمام علياً قد يرفضك ويقول: ان سلوكك وفكرك وعملك ومنهجك في الحياة لا يتناسب مع ما تدعيه من ولايتي، وبعدئذ ماذا يفعل الإنسان؟!
ان مشكلة الإنسان الرئيسية انه محجوب عن الحقائق في هذه الدنيا، فإذا مات انتبه، وإذا انتبه بعد الموت لا ينفعه ذلك، لأن ذلك اليوم مخصص للحساب والجزاء والعاقبة وليس مخصصاً للعمل والتحرك.
ان الولاية الإلهية تعني الخضوع لله والتسليم لأوامره، وان يعرف الإنسان ربه، وما الذي يريده منه ثم كيف يعمل وفق مرضاة ربه.. معرفة الله من أصعب الأعمال، ثم تليها معرفة أحكام الله لتطبيقها وهذه صعبة أيضا.. ونحن في هذه الأيام ندّعي ولاية الامام علي/ عليه السلام، رغم ان الذي يوالي علياً يجب ان يكون هو ولي الله الذي يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه.
وبعد مرور الأيام نتساءل: هل عرفنا الله؟ وهل طبقنا ولايته على أنفسنا؟
إننا نكرر الأذكار الشريفة كثيرا مثل: «لا إله إلا الله»، ونعلم بأن من خُتِم له بـ «لا إله إلا الله»، دخل الجنة - يقول الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله- وان من قالها زرعت له شجرة وارفة الظلال في الجنة الواسعة، وهي أثقل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن، وأنها حصن الله الذين من دخله أمن من عذابه، - يقول الحديث القدسي المعروف بحديث سلسلة الذهب والمروي عن الإمام الرضا، عليه السلام- كل ذلك نعلمه ولكن الذي لا نعلمه هو معنى «لا إله إلا الله»، فنحن نركع ونسجد كل يوم مرات عديدة، و نكرر قول: «سبحان ربي العظيم وبحمده»، و «سبحان ربي الأعلى وبحمده»، إلا أننا لا نتوجه – على الأغلب - إلى عمق هذه الكلمة؟
هناك قصة تنقل عن الشيخ ابن فهد الحلي - رضوان الله تعالى عليه- حيث جاء إليه أحد القساوسة وقال له: كيف تثبتون سلامة طريقتكم ومنهجكم؟
فأخذه الشيخ وذهب معه إلى كنيسة من كنائسهم، ونادى بصوت عال: «الله أكبر»! واذا بالكنيسة تفطرت وكادت تهوي إلى السقوط. ان كلمة «الله أكبر» لها معنى عميق فهل وعيناه نحن؟
ان ولاية الله تعني الخروج من ولايتين شيطانيتين على الانسان أن يجهد نفسه للخروج منهما وهما:
* 1- الخروج من ولاية الذات:
كل واحد من البشر حين يولد ويصبح كبيرا، فإنه طبيعياً يدخل في ولاية الذات، ويرى ان لنفسه عليها ولاية، ويقول انا أملك نفسي..
وهذا الظهور الكلامي، تمهيد لوجود فكرة شيطانية غريبة، لأن الإنسان إذا عمل بمفهوم «الأنا» فهو يقصد انه هو، بما فيه من خير وشر.. وبما ان ولاية الإنسان هي ولاية الذات، فإن الخروج منها تكون عملية صعبة، وأكثر الناس يخرجون لفظياً من هذه الولاية، إلا أنهم متمسكون ومتشبثون في كوامن أنفسهم، ويعبدون ذواتهم، ولذلك تجد هؤلاء حينما يصلّون – مثلاً- لا يجدون صعوبة بالغة في الصلاة، فهم لا يخوضون المواجهة مع الشيطان، نظراً الى أن الصلاة تمثل، موقع مواجهة مع الشيطان الماكر، وما دام هؤلاء لم يخرجوا من ولاية ذواتهم، فإنهم لا يحاربون الشيطان، ومن لا يحارب في موقع الحرب والمواجهة لا يجد لذة الصلاة، فتصبح كلماته وأقواله مجرد لقلقة لسان.
إن المؤمنين حقا هم الذي يجدون لذّة في الصلاة والمناجاة، لأنهم يعرفون مغزى هذه الكلمات، فحين السجود يذلل نفسه ويقهرها ليخرج من طغيان نفسه ويصل إلى مقام عبادة الله.
وهذا يصدق على الشعوب الطامحة الى التغيير والإصلاح في بلادها، وتسعى لمكافحة اشكال الفساد والانحراف، فانها ما لم تُقهر «الأنا» وعبادة الذات، والخروج إلى ولاية الله الحقيقية، فإن احتجاجاتهم وكفاحهم وحتى تضحياتهم تكون كمن يريق الماء الزلال في الأرض السبخة، لأن الذي يعتبر نفسه فوق الجميع، ومصدراً للأوامر، ومقياساً للحق، فإنه لن يكون قادراً على تغيير الآخرين، لأن ببساطة سيرى نظراء له في التصور والتوهّم، يسيرون في نفس الاتجاه. والنتيجة؛ الجميع موالون لأنفسهم، وليست هنالك ولاية حقيقية للقيم والمبادئ التي تدعو اليها السماء. تقول الآية القرآنية: {ولَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}. (سورة المائدة /70)
من هنا؛ من يريد أن يكون موالياً لعلي ابن أبي طالب، لابد ان ينهج نهجه ويقتفي أثره. يمر الامام علي، عليه السلام، في معركة بدر، بأخيه عقيل، يجده مغلولاً مكبلاً بالحديد والقيود فيغضّ الطرف عنه، الإمام علي كان يحبّ عقيلاً، وهو أخوه الذي يكبره بعشر سنوات، ولكن لأنه أنضمّ إلى جيش الأعداء، انتهت القرابة، ولما رآه عقيل قال له: رأيتني وتعمدت الغضّ عنّي، فلم يلتفت إليه الإمام وأسرع إلى رسول الله، يخبره بما جرى، فقال الرسول: كفوا عن عقيل، وآنئذٍ أطاعه الإمام في ذلك، وفي حادثة أخرى، يأتي عقيل ليطلب من بيت مال المسلمين فلا يعطيه الإمام، لأنه كان متنمرا في ذات الله، خارجاً عن ولاية الذات إلى ولاية الرب، شجاعاً في سبيل الله، والقصة معروفة للجميع.
* 2 - الخروج من ولاية الطغاة:
ان كلمة «لا إله إلا الله» تعني سقوط كل الأنظمة الباغية والمحاور المزيفة والإنتماءات المنحرفة وسائر العلاقات التي لم يشرعها الإسلام، وبدلاً من ذلك، على الجميع الائتمار بأوامر الله والانزجار عن نواهيه.
البعض ينجح في اجتياز القضية الأولى، فيحارب الطغاة باعتبارهم وجودات غير شرعية لان الاعتراف بشرعية حكومات الطغاة، هو عين الشرك بالله عبر الدلالة التطابقية التي يقول بها المناطقةـ ولكنه لا يستطيع الخروج من ولاية الإقليم والقوم والجماعة التي تعود في النهاية إلى ولاية الشيطان.
ان ولاية الله الحقيقية، تعني ان لا ولاية غير ولاية الله، عز وجل، وحادثة غدير خم هي تجسيد لهذه الحقيقة، فرسول الله، صلى الله عليه وآله،حين نصب علياً كان يعلم بما سيجري بعده، لأن العاقل في ذلك اليوم الذي يعي طبيعة القوى السياسية الموجودة في المجتمع الإسلامي، يعرف أن رياح السلطة سوف تجري إلى غير ما تشتهيها سفن الحكمة والعقل، لوجود مجموعة من ضعاف الإيمان.. ولكن الرسول الأكرم، كان يهدف أساساً إلى رسم خارطة اليوم، بوضعه مقياساً للحكم الإسلامي، ولكي يُنشئ في الأمة الإسلامية خطاً رسالياً واضحا، ويجعله المسلمون أبداً و دوماً، نبراساً لأنظمتهم وحكوماتهم.
إن «عيد الغدير»، هو أعظم عيد إسلامي، وهذا يؤكد أهميته من جانب أنه مقياس ومنهاج لمدى قرب أو بعد أي نظام حكم في البلاد الاسلامية، عن النظام الصحيح ومعرفة اتصالنا بالإسلام الحق أو انفصالنا عنه.
وبعد أربعة عشر قرنا من بزوغ الإسلام، لا تزال حقيقة الولاية غامضة، رغم ان بعض الحقائق تعرف بسرعة، ولكن بعض الحقائق لا تعرف وتصبح غامضة.
جاء رجل إلى الإمام علي، عليه السلام، سائلاً إياه: ما هو الحق الذي يشبه الباطل؟
فقال، عليه السلام: انه الموت.
ورغم وضوح حقيقة الموت، إلا ان الناس لا يصدقونه، لأن ذواتهم اشتملت على حجاب ضد هذه الحقيقة، هذا المثل، يجسّد ولاية علي، ومنهاج يوم الغدير، فالروايات تؤكد والقرآن يشير إلى مثل هذه الحقيقة، إلا ان نفس الإنسان تأبى ذلك.
وبعد ألف وأربعمائة عام لا تزال البشرية تبحث عن نور ومصباح يضيئه يوم الغدير، لان هذا العصر هو أحوج ما يكون إلى حاكم كالإمام علي بن أبي طالب (ع)، لان نظام الحكم الذي يسير على هدي الغدير يضع حداً لكل الانحرافات والتجاوزات التي يشهدها العالم باستمرار، اذ يعيش العالم في العصرالحاضر الطبقية المقيتة وسيادة منطق القوة والهيمنة وانعدام القيم الاخلاقية، ومواجهة كل ذلك بالمستحيل او من قبيل اطلاق الشعارات، لاننا لو اكتشفنا حقيقة الولاية واجرينا عملية مطابقة مع واقعنا وبدأنا باصلاح الأخطاء والثغرات عندها تتبلور امامنا البدائل الحقيقية والعملية للواقع الفاسد.