A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - نافذة على ميراث عاشوراء..

نافذة على ميراث عاشوراء..
المنبر والخطيب الحسيني .. مخاضات متجددة
كتبه: الشيخ عبد الحسن الفراتي
حرر في: 2013/12/15
القراءات: 2056

مع ولادة هلال شهر محرم الحرام من كل عام يبرز «المنبر الحسيني»، كواحد من أقدس الأدوات التي تحمل رسالة خالدة على مرّ العصور، منذ ان ارتقى الامام علي بن الحسين زين العابدين السجاد، عليه السلام، أعواده في المسجد الجامع في مدينة دمشق عاصمة بلاد الشام، وذلك بعيد استشهاد أبيه الامام السبط الحسين بن علي، عليهما السلام، مع ثلة من اهل بيته واصحابه الكرام، على يد جيش البغي الذي حشد له بنو امية وخليفتهم آنئذ الطاغية يزيد بن معاوية، في محاولة منهم للقضاء على الدين وأئمته.

ولقد ظل المنبر الحسيني محافظاً على أصالته واستقلاله واستقامته على مرّ التاريخ، على الرغم من كل الظروف القاسية التي مرت عليه، والتي حاول الحكام والطغاة شراءه وتجييره، تارة، أو حرف مساره وتغيير نهجه لينتهي الى غايات غير سليمة تارة اخرى، او قولبته في أطر ضيقة، او ما الى ذلك من المحاولات، إلا ان انتماء المنبر الى الحسين السبط، عليه السلام، والى رسالته الخالدة والمقدسة، حالت دون ذلك كله، فبقي هذا المنبر عصيا على الانحراف والتهميش والفئوية الضيقة وكل ما لا يمتّ الى الاسلام والى رسالة الحسين السبط بِصِلَة.

كما ظل يرتقي هذا المنبر، خطباء في غاية النبل والانسانية، مليئين علماً ومعرفة وأخلاقاً وفناً، نجحوا في ايصال الرسالة الى المتلقي على أحسن وجه، فتربى تحت منابرهم أجيال و أجيال من الخطباء، فيهم العلماء، وفيهم الفقهاء والمثقفون، وفيهم المجاهدون والشهداء والصديقون. (1)

بالتأكيد، لا يتعاطى المنبر الحسيني مع الحسين، عليه السلام، وقضية استشهاده في كربلاء على اساس عاطفي بحت، أو على أنها معركة حصلت بين ظالم ومظلوم، رغم جدارتها بالعطف والنصرة، او مجرّد حادثة تاريخية - مأساوية حصلت في صحراء العراق، جرت بين معسكر الإمام الحسين، وبين المعسكر الاموي، بقدر ما هو تعاطٍ، أسهم بصورة جذرية في بلورة شخصية الفرد المسلم وفقاً لقيم الرسالة في الثورة الحسينية واهدافها النبيلة، حسب معطيات اجتماعية شاملة مؤسسة على نقطتين أساس و جديرتين بالملاحظة والمراجعة والاهتمام.

 

* عقيدة أمة ومصيرها

الجانب الاول: العقيدي

ينطلق التعاطي الاول لاتباع اهل البيت، عليهم السلام، وتجاوبهم مع الحسين، عليه السلام، وبالدرجة الاولى، مع مرتكز اعتقادهم المطلق به، كإمام معصوم مفترض الطاعة على عموم المجتمع الاسلامي، وليس على عموم الشيعة وحدهم فقط. وعلى هذا الاساس، فان انتهاك حرمة وقدسية الامام، عليه السلام، والتنكيل به وسفك دمه ودم إخوته واصحابه، وسبي عياله، يعد انتهاكاً لحرمة الاسلام والمسلمين جميعاً، فضلاَ عن كونها جريمة كبرى ترتكب بحق الانسانية، لم يشهد لها التاريخ او يسجل اكثر منها بشاعة على الاطلاق.

الجانب الثاني: المصيري

تعامل المجتمع الاسلامي المُنصف مع قضية الحسين، عليه السلام، وثورته، كقضية شرعية وانعطافة حددت مصيره في الأمد البعيد، وايضاً مصير الأمة بكل جوانبها السياسي والاجتماعي والثقافي والتربوي وغيره.. بدءاً من قضية حقوق مسلوبة ومغتصبة، وقضية دينية مقدسة تعرضت للانتهاك والانحراف، وانتهاء بمآسٍ و ويلات مرت على الامة. انها قضية أمر بمعروف ونهي عن منكر، بكل ما تحمل هذه الكلمة وتختزله من معانٍ سامية.

لذلك يُعد المنبر الحسيني، المنصّة الجماهيرية الحرة، والنافذة الوحيدة التي تناقش من خلالها كل مسارات الإصلاح في الامة، وتناقش سلوكيات المجتمع، ومنظومته الثقافية، لهذا حَظي المنبر الحسيني باهتمام كبير من قبل أهل البيت، عليهم السلام، فكان للخطيب والقارئ والمحاضر الحظ الوافر في التربية والتهيئة الخطابية، وفيما بعد وُضعت له المناهج التعــــليمية والتدريسية في العصور اللاحقة. (2)

ونظراً للاهداف الاستراتيجية والايجابية التي شكلها وحققها المنبر الحسيني على أرض الواقع على طول تأريخه ومنذ تأسيسه، فقد تم تأليف الكتب التي تهتم بتاريخ أحداث كربلاء من جهة، كونها ثورة صالحة وناجحة، ومنهاجاً اصلاحياً تحاكي بمبادئها واسبابها مسرح حياة الامة، وأعدت اخرى للمجالس والمحاضرات، صيغت على شكل خاص تنتهي بذكر المصائب العاشورائية على الحسين وعياله، عليهم السلام، من جهة اخرى.

و أورد الشيعة الامامية الكثير من الروايات والاخبار والممارسات عن الأئمة، عليهم الصلاة والسلام، التي تدعو شيعتهم الى اقامة مجالس العزاء على الامام الحسين، عليه السلام، ويعتقدون أن الأخبار في هذا الامر قد بلغت عن أهل البيت، عليهم السلام، حد التواتر، ويستدلون في حث الأئمة عليهم السلام الناس على البكاء على الحسين، على الروايات والاحاديث الواردة عنهم، عليهم السلام، منها: ما ورد عن الامام السجاد عليه السلام، يقول: «أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خَدّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها احقاباً».

وعن الامام الباقر، عليه السلام، فيما ينبغي عمله يوم العاشر من المحرم: «ثم لَيُندب الحسين، عليه السلام، ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاَ بمصاب الحسين، عليه السلام.

وعن الامام الصادق، عليه السلام: «كُلُّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين».

وعن الامام الرضا عليه السلام: «ان يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل عيوننا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء، فعلى الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام».

 

* المنبر الحسيني.. عمق تاريخي

لقد أجمع علماء التاريخ الاسلامي الى ان تاريخ نشوء المنبر الحسيني يعود الى ما بُعَيدَ واقعة كربلاء مباشرة عندما أخذت نساء اهل البيت، عليهم السلام، مع الامام زين العابدين، عليه السلام، سبايا الى الكوفة والشام، وكان لهم دور محدد في كل مدينة حطوا فيها. فكانوا يخطبون على رؤوس الأشهاد، وفي أماكن تجمع الناس لبيان حقائق الواقعة الأليمة، وما مرّ عليهم من مصائب لفضح النظام الاموي الحاكم.

والمطلع على التاريخ يجد ان لخطب الامام زين العابدين، وخطب العقيلة زينب، عليهما السلام، بشكل خاص، في الحواضر الاسلامية الكبرى مثل الكوفة والشام، الأثر البالغ على الناس، وينقل لنا التاريخ مدى تأثر الجماهير بالكلمات التي تلقى على مسامعهم في هذه الخطب، فما إن يبدأ الامام السجاد، عليه السلام، بالحديث، او توجّه لهم العقيلة زينب، عليهم السلام، الخطاب حتى يضجّ الناس بالبكاء.

واستمر الأئمة، عليهم السلام، على هذه النهج، فكانوا يستغلون المواسم الدينية كالحج، وغيره من المواسم لايصال رسالتهم الى العالم، فهذا الامام الباقر، عليه السلام، يدخل عليه «الكميت» فيأمره بالانشاد في رثاء الحسين عليه السلام، ويدخل «ابو هارون» المكفوف على الامام الصادق، عليه السلام، فيسأله أن ينشده، فأنشد القصيدة المشهورة:

 

أمرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكية

 

كذلك الامام الرضا، عليه السلام، يدخل عليه «دعبل الخزاعي» وينشد في محضره:

 

أفاطم لو خِلْتِ الحسين مجدلاً

وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمتِ الخدّ فاطم عنده

وأجْرَيْتِ دمعَ العين في الوجناتِ

وكذلك بقية الأئمة، عليهم السلام، حيث كانوا يستغلون هذه المواسم والمواقف لبث مظلومية الامام الحسين، عليه السلام، و رسالته وأهداف نهضته في صفوف الامة من خلال هذه المنابر.

وقد مرّ على المنبر الحسيني منذ ذلك الحين عدة تطورات ومخاضات على مرّ الازمنة وتعاقب الدول، وبدأت تبرز ظاهرة المنبر الحسيني بشكل أوضح في العصور اللاحقة.

ويمكن تقسيم مدارس المنبر الحسيني الى مدرستين:

الاولى؛ ما اصطلح عليه بالمدرسة التاريخية، والتي تعد إحدى مراحل تطور المنبر من مجلس لرثاء ابي عبد الله الحسين، عليه السلام، فقط، الى مجالس وعظ و إرشاد وتوعية، الى جانب المراثي والتعزية.

الثانية؛ ما سميت بالمدرسة العلمية، والتي برزت في منتصف القرن الماضي، حيث نهضت بالمنبر الحسيني من شكله التقليدي، والسعي لتطويره الى شكل يوافق حاجات العصر في تلك الفترة، وقد تأثر بهذه المدرسة العديد من الخطباء والوعاظ وسلكوا هذا المسلك، لما له من تأثير على الواقع المعاش وتغيير النفوس وتفاعلها مع الحدث التاريخي الذي يمكن اسقاطه على مجريات المخاض الاجتماعي والثقافي والسياسي المعاش.

حقاً.. أن المنبر الحسيني بحاجة الى نقلة تطويرية لعرض الملحمة الحسينية بطريقة واسلوب يتلاءمان مع التقدم الاعلامي، والتوسع الثقافي والانفتاح العالمي، وعرض مبادئ الثورة الحسينية بطريقة تساعد على مجاراة التطورات اليومية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاصالة والقداسة التي يتميز بها المنبر الحسيني.

 

* مزاج مجتمع ورسالة خطيب

من أجل ان يكون لدينا منبر حسيني ناجح، ينبغي الموازنة بين بعدين في الطرح المنبري: البعد العاطفي والبعد العقلي، وبعبارة أخرى، كما قال سماحة آية الله السيد هادي المدرسي: «للحسين قضيتان؛ قضية جسد مقطّع وحق مضيّع». بمعنى؛ تناول معركة الطف وواقعة عاشوراء برمتها باسلوب عاطفي واستخدام الإثارات لاستدرار الدموع، دون الالتفات الى الجانب العقلي والذهني لدى المستمعين، ربما يؤدي الى نتائج عكسية، وهذا يتطلب من الخطيب الاستزادة من المعارف والعلوم المختلفة التي يحتاجها المجتمع، حيث يشكل الحاضرون للمجالس الحسينية شرائح عديدة من المجتمع، فهنالك الشاب المتعلم والاكاديمي والكاسب والعامل وحتى الطفل الصغير، وايضاً المرأة.

ومن الفقرات المهمة في المجلس الحسيني، ما يمكن التعبير عنه بـ «تحت المنبر»، وهي الجلسات الثنائية التي تتشكل بعد نزول الخطيب من المنبر، حيث يكون الخطيب الناجح منبرياً واجتماعياً، منفتحاً على الأسئلة والحوارات التي تتعلق بموضوع المنبر المطروح للتو، أو مواضيع دينية وثقافية وتاريخية اخرى. وهذا من شأنه أن يشيّد جسور العلاقة المتينة بين المنبر الحسيني وبين الجمهور، ويزيد من التفاعل بين الجانبين، لما فيه خدمة النهضة الحسينية والقضية المقدسة التي من أجلها ضحّى الإمام الحسين، عليه السلام.

 

* استاذ في الحوزة العلمية

----------------------

1- رسالة المنبر الحسيني (1)/ العروة الوثقى (موقع)/ نزار حيدر.

2- كتابات في الميزان/ موقع/ صفاء الهندي.


ارسل لصديق