A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الرادود الحسيني السيد جواد الرضوي لـ (الهدى) :

الرادود الحسيني السيد جواد الرضوي لـ (الهدى) :
القصيدة الحسينية ليست (فتوى) و الشاعر الحسيني ليس (مفتياً)
كتبه: حسين محمد علي
حرر في: 2013/12/15
القراءات: 3499

-  السيد جواد نجل المرحوم العلامة الخطيب السيد سجاد الرضوي .

  ولد في مدينة كربلاء المقدسة عام (1952) .

-  درس الابتدائية و المتوسطة و الثانوية فيها، و واصل دراسته الجامعية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كل من لبنان و باكستان .

-  مارس التعليم في مدرسة "حفاظ القرآن الكريم" الأولى في كربلاء المقدسة عام (1971)؛ عندما كان سماحة العلامة الخطيب الشيخ ضياء الزبيدي مديراً لها، و في مدرسة "التنشئة اللبنانية" في بيروت عام (1972)، و لما يبلغ العشرين من عمره .

-  تعرض للاعتقال عندما اقتحمت قوات النظام المباد مبنى مدرسة الحفاظ، و هُجّر قسرياً، و أمضى في المهجر ثلاثة عقود و نصف .

-  بدأ بإلقاء القصائد الحسينية عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، و حمل معه تلك القصائد إلى الدول التي هاجر اليها، و نثر كلماتها على عشاق الامام الحسين و اهل البيت، عليهم السلام .

-  شديد التمسك بأصالة اطوار القصائد الحسينية .

-  كان من الرواديد الاوائل في حسينية الرسول الاعظم، صلى الله عليه و آله، الكربلائية في الكويت، منذ انشائها في عام (1975) و حتى عام (1985). كما كان الرادود الحسيني في حسينية الرسول الاعظم، صلى الله عليه و آله،  الكربلائية في دبي منذ انشائها عام (1987) و حتى عام (2008) .

-  عاد الى كربلاء المقدسة في 24 / 1 / 2008  بعد الهجرة القسرية عنها؛ مرافقاً جثمان اخيه الخطيب السيد عباس الرضوي الذي وافاه الاجل المحتوم ليلة 11 محرم من العام ( 1429 ) للهجرة في الكويت .

-  له مؤلفات، و مقالات، و استفتاءات، و ترجمات؛ بعضها مطبوع و معظمها مخطوط .

 

* حاورناه كرادود حسيني رغم أنه - أيضاً - قارئ و مقرئ للقرآن الكريم، و إعلامي، و محاضِر، و كاتب، و مترجم؛ و هو زميلنا في أسرة تحرير المجلة.

و في حواره معنا، حذر من أن تتحول القصيدة الحسينية إلى "فتوى"، و أن يتحول الشاعر الحسيني إلى "مفتٍ"؛ مشدداً على ان الصيغة الصحيحة للتعامل مع الشعائر الحسينية المباركة، من حيث جوازها و عدمه، هي فتاوى الفقهاء المراجع الذين لهم هذا الاختصاص؛ حصراً.

و نبه الى ان شهري محرم و صفر "دورة سنوية مكثفة" للخدمة الحسينية، و على الجميع ان يتخرجوا منها بامتياز.

و اشاد بالشعر الحسيني الذي يحاكي الاحداث الساخنة في المنطقة، و شجع على ان يكون الرادود الحسيني قارئاً جيداً للقرآن الكريم، و ان يكون مُلماً بقواعد اللغة العربية، و ان يضمن تواضعه التام اذا حصل على "النجومية".

إنه الاستاذ السيد جواد السيد سجاد الرضوي الذي أجاب، بإسهاب، عن اسئلتنا.

و في ما يلي، نص الحوار:

 

- الهدى: لقد دخلنا شهري محرم و صفر لعام، 1435، فماذا يعني هذان الشهران بالنسبة لكم كرادود حسيني؟

- اسمحوا لي ان أبدأ الحوار و الإجابة عن هذا السؤال بروايةٍ شريفة.

- الهـــدى: ونعــــــم البداية.

- إذن؛ فلنستمع إلى الامام جعفر الصادق، عليه السلام، الذي قال:

"من أراد الله به الخير، قذف في قلبه حب الحسين و حب زيارته. و من أراد الله به السوء، قذف في قلبه بغض الحسين و بغض زيارته". ( وسائل الشيعة، ج1-، ص3 )

بهذه الصراحة و بهذا الوضوح و بهذه القوة، يطرح الإمام الصادق، عليه السلام، قضية جده الإمام الحسين، عليه السلام؛ فالخير كله يتمثّل في حب الحسين و حب زيارته. إذن؛ نحن أمام عظمة هذا الامام العظيم؛ ليس في أيام محرم و صفر فحسب، بل في العام كله؛ و في الدهر كله؛ بل وفي العصور كلها.

 و بالنسبة لي؛ فإن شهري محرم وصفر بمثابة دورة سنوية مكثفة و متكاملة للخدمة الحسينية؛ وعلينا ان نستشعر باننا ملتحقون بهذه الدورة السنوية، وليس امامنا الا ان نتخرج منها بامتياز.

 

* في كل عام

 

- الهدى: تعرضتم للاعتقال و التهجير القسري من قبل السلطة الغاشمة قبل نحو أربعين عاماً، ماذا حملتم معكم من كربلاء المقدسة إلى بلاد المَهْجَر التي أقمتم فيها ؟

- حملت معي رسالة الإمام الحسين ، عليه السلام، و قضيته و مظلوميته الى الدول التي زرتها و تلك التي اقمت فيها خلال فترة ثلاثة عقود و نصف، وحاولت أن اطرح تلك المظلومية من خلال القصائد الحسينية التي تشرفتُ بإلقائها في المجالس الحسينية التي كانت تقام في تلك البلاد على مدار العام.

أقول: حاولت؛ أما مدى النجاح، فمتروكٌ لجمهور المؤمنين، و أما مدى القبول فبيد الله عز و جل، و بيد الإمام الحسين، عليه السلام، نفسه.

و بالمناسبة؛ أود أن أذكر - في هذا السياق - أنني عندما كنتُ في كربلاء المقدسة قبل اربعين عاماً، كنتُ أتصور - بتفكيري القاصر - أن الإمام الحسين، عليه السلام، منحصر في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تسمى كربلاء؛ و لكن عندما سافرت الى تلك البلاد و الأصقاع، وجدتُ أن الحسين، عليه السلام، موجود في جميع بقاع العالم؛ بل وجدنا أن بعض المؤمنين لا يعرفون من الاسلام الا الحسين، عليه السلام، و مصائبه؛ بل ان بعضاً من هذا البعض لا يعرف من الامام الحسين، عليه السلام، إلا الشعائر الحسينية؛ بل ان بعضاً من بعض هذا البعض لا يعرف من الشعائر الحسينية إلا "اللطم "أو "التطبير"؛ ليس إلا !!

 

* لهم الوفاء و الامتنان

 

- الهدى: كيف كانت بدايتكم مع الردات الحسينية ؟ و كيف استمرت ؟

- بحمد الله و منّه و فضله، و من بركات الامام الحسين، عليه السلام، نفسه، كانت البداية مبكرة إلى حدٍ ما و تعود إلى عام ( 1966 ) عندما كنتُ في الصف الثاني المتوسط. و أتذكر انني قرأتُ اول قصيدة لطمية حول أبي الفضل العباس، عليه السلام، و ذلك في"هيئة شبان السادات» في مسجد صغير كان يقع في زقاق قريب من الروضة الحسينية المقدسة، ثم في "الحسينية الشبيريّة "التي كانت تقع في اول شارع العلقمي بالقرب من الروضة العباسية المقدسة، و في مسيرات بعض المواكب.

ولابد أن أذكر بالوفاء و الامتنان، هنا، أولئك الذين شجعوني على سلوك هذا الطريق المبارك، و اخص بالذكر منهم: والدي المرحوم العلامة الخطيب السيد سجاد الرضوي، و أستاذي المرحوم الشاعر و الرادود الحاج محمد كاظم الحائري، و هو خالي، و أستاذي المرحوم الشاعر و الرادود الحاج علي ابراهيم الفراتي؛ و لازلت احتفظ ببعض القصائد التي كتبها هذان الشاعران بخط يديهما.

و في المَهْجَر، قرأت اللطميات في كل من سوريا، و لبنان، و الكويت، و دبي، و كراتشي، و لندن، و في مشهد و قم المقدستين.

و لعل أطول فترة متواصلة قرأت فيها "اللطميات "كانت خلال الاعوام 1975 و 1985 في حسينية الرسول الاعظم، صلى الله عليه و آله، الكربلائية في الكويت و ذلك بالاشتراك مع صديقنا العزيز الرادود الحسيني، السيد سعيد السيد علي الموسوي ( أبو سراج ).

 

* نجاح الرادود

 

- الهدى: مع كثرة وجود الرواديد الحسينيين، ما هي - باعتقادكم - السبل الكفيلة لنجاح الرادود الحسيني ؟

- السبل الكفيلة لنجاح الرادود الحسيني نوعان: نوع يتعلق بالنجاح في أي حقل، و نوع يتعلق بالنجاح في حقل الردات الحسينية.

بالنسبة للنوع الأول، يحتاج الرادود الحسيني، لنجاحه، إلى الصدق، و الحلم، و المثابرة، و عدم اليأس، و التعلم من الأخطاء و تجاوزها. أما في ما يتعلق بالنوع الثاني - و هو الأهم - يحتاج الرادود الحسيني إلى درجة عالية من التقوى و الاخلاص لله و للإمام الحسين، عليه السلام، نفسه، و الخُلُق الحَسَن، و التواضع، و القناعة، و احترام الغير؛ و هذه كلها من الثقافة الرسالية التي يجب ان يسعى كل واحد منا ان يتخلّق بها؛ و عليه أن يبتعد، كلياً، عن السمعة، و الشهرة، و طلب المادة و الامتيازات و التسهيلات إلا ما يُقدم له و يُوفّر. و ان لا ينتظر الأجر و الشكر من الناس، و ان لا ينفعل بلومهم و أذى السنتهم؛ و هذه كلها من الثقافات الجاهلية التي يزرعها الشيطان في روع الانسان من حيث يعلم او لا يعلم. و لعل اكثر ما يمكن ان يُبتلى به الرادود هو الرياء؛ و هو نوع من الشرك الخفي مقابل عبادة الطاغوت التي تعد شركاً ظاهراً.

إذا ضعف الرادود الحسيني - و كذا كل خادم للاسلام و لأهل البيت، عليهم السلام - أمام هوى النفس؛ فإنه سيسقط جماهيرياً. و حتى إذا لم يسقط، فإن خدمته للإمام الحسين، عليه السلام - من خلال تقديم القصائد اللطمية - ستكون قليلة الأجر و الثواب، او بدون الأجر و الثواب بالمرة؛ و العياذ بالله.

أما ما ذكرتم في مطلع سؤالكم حول كثرة الرواديد الحسينيين؛ فإن هذه ظاهرة صحيّة جداً و الحمد لله؛ و إنني أرى أنه مع كثرة الرواديد الحاليين إلا أن الساحة الحسينية - إذا صح هذا التعبير- بحاجة ماسة إلى المزيد منهم باستمرار.

 

إثارة العواطف و العقول

 

- الهدى: هل إن مهمة الرادود إثارة العواطف فقط دون العقول ؟

- العواطف من أصدق و أنبل المشاعر و الاحاسيس الانسانية، و إثارتها ليست بالامر الهين. و المذموم ليس مطلق إثارة العواطف؛ بل إثارتها "ضد "الهدف المنشود. فإذا كانت إثارة العواطف مقدّمة لإثارة العقول، أو تسير في خطٍ موازٍ مع إثارة العقول - و هو الدور الذي يقوم به العلماء و الخطباء - فإن مثل هذه المهمة مطلوبة من الرادود.

و حتى لو افترضنا بأن الرادود يثير العواطف فقط؛ ألم يقل الرسول الاعظم، صلى الله عليه و آله:

«إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا»، و هل الحرارة إلا عاطفة انسانية ؟ و الرادود يثير هذه العاطفة. ألم يقل الامام الحسين، عليه السلام، نفسه:"أنا قتيل العَبَرة؛ ما ذُكِرتُ عند مؤمن إلا و بكى"، و هل البكاء إلا عاطفة انسانية ؟ و الرادود يثير هذه العاطفة.

و اذا كان الرادود يثير العواطف فقط، فان الخطيب الحسيني هو الذي يثير العقول بمحاضراته، و أبحاثه، و توضيحاته، و تعليقاته. إذن؛ فكلٌ من الخطيب و الرادود يكمّل أحدهما الآخر.

 

* الرادود.. و "النجومية"

 

- الهدى: هل تتفقون مع من يقول: ان من الرواديد مَن يسعى إلى الشهرة و الانتشار ؟

- الإمام الحسين، عليه السلام، استثناء عالم الوجود، و هذا بحث طويل و مفصل و معمق متروك لاهله و وقته. و عليه؛ فإن التعامل مع قضية الإمام الحسين، عليه السلام، بشكل عام، يجب أن يكون استثنائياً؛ أيضاً.

قد يبحث لاعب كرة القدم عن النجومية؛ لا بأس. و قد يبحث فنانٌ ما عن النجومية ؛ لا بأس. اما أن يبحث المتعامل مع قضايا الإمام الحسين، عليه السلام - و من بينهم الرادود - عن النجومية؛ ففيه بأس شديد.

و من واقع تواجدي في الوسط الحسيني على مدى أربعة عقود، و التعامل المباشر مع الرواديد الكرام، و علاقاتي الشخصية مع الكثيرين منهم، لم أجد فيهم مَن "يسعى "إلى النجومية و الشهرة و الانتشار.

و هنا؛ لابد أن نفرّق بين مَن "يسعى» إلى النجومية، و بين من تأتيه النجومية. ففي الحالة الأولى، ربما يخسر أجره و ثوابه في الآخرة؛ و العياذ بالله، لأن هدفه في الدنيا كان النجومية و قد حصل عليها في الدنيا، فلا أجر له في الآخرة، فيكون مَثَله، كتلك المرأة في الجاهلية،"التي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا»، وهي: ريطة بنت عمرو القرشية. و قد أشار اليها القرآن الكريم في (سورة النحل/ آية 92).

 أما في الحالة الثانية، فإن أجره و ثوابه باقيَان في الآخرة، إن شاء الله، لأن هدفه في الدنيا كان الأجر و الثواب لا النجومية؛ و إن أتتهُ.

و لنضرب لذلك أمثلة من واقعنا في كربلاء المقدسة ...

فالخطيب المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي و الخطيب المرحوم الشيخ هادي الخفاجي، كانا نجمَين لامعين في سماء الخطابة الحسينية. و الشاعر المرحوم الحاج كاظم المنظور و الشاعر المرحوم الحاج علي ابراهيم الفراتي، كانا نجمَين لامعَين في سماء الشعر الحسيني. و الرادود المرحوم الحاج حمزة الصغير كان نجماً لامعاً في سماء الردات الحسينية. ولا يوجد من يقول بأن مثل هؤلاء كانوا "يسعَون "إلى النجومية؛ بل إنها أتتهم نتيجة إخلاصهم في الخدمة الحسينية.

و إذا حصل الرادود على النجومية من دون أن "يسعى "لها، فإن عليه أن يضمن تواضعه التام في كل الحالات، و ألا تصبح نجوميته حجاباً بينه و بين الله تعالى و بين صاحب العزاء، و هو الإمام الحسين، عليه السلام، نفسه؛ و العياذ بالله.

 

* علاقة الشاعر بالرادود

 

- الهدى: هذا الثنائي؛ أعني: الشاعر الحسيني، والرادود الحسيني، كيف يجب ان تكون العلاقة بينهما ؟

-  اذا افترضنا ان "المثالية "يمكن ان تتحقق في الواقع الخارجي، فإن العلاقة بين الشاعر الحسيني و الرادود الحسيني يجب ان تكون مثالية. أما اذا تعذّر ذلك، فإن العلاقة بينهما يجب ان تكون في قمة الامتياز، أو دونها بقليل.

و من مظاهر العلاقة الممتازة بين الشاعر الحسيني و الرادود الحسيني: الاحترام المتبادل، و التفاهم، و التنازل، و تقدير الظروف، و التماس الاعذار، و حسن الظن... و نحوها.

و لأن ما يحصل بين الشاعر و الرادود هو "تعامُل»، فإن الاختلاف بينهما قد يقع؛ كما في أي تعامل. و في هذه الحالة، فإن افضل طريقة لرفع هذا الاختلاف هو الحوار الودّي المباشر بينهما دون تدخل طرف ثالث، و ان يبقى هذا الاختلاف سراً بينهما؛ لا أن يخرج الى الجماهير، فيلعق بعضهم لسانه به.

و في كل الاحوال؛ يجب ان يبتعد الشاعر و الرادود عن الغيبة، و التهمة، و النميمة، و الضغينة، و القطيعة؛ كلٌ منهما تجاه الاخر.

 

* بين العامية و الفصحى

 

- الهدى: القصائد الحسينية منها ما هي باللغة الفصحى، و منها ما هي باللهجة العامية الدارجة، فأين تكمن عوامل النجاح فيهما ؟

- القصيدة الناجحة هي القصيدة التي تستطيع أن تشق طريقها إلى فكر و ضمير و وجدان المُتَلَقّي، و تدغدغ مشاعره و أحاسيسه؛ و لا فرق في ذلك أن تكون عامية أو فصحى.

فإذا استطاعت القصيدة العامية أن تحقق هذا الهدف؛ فهي قصيدة ناجحة؛ و كذا الامر بالنسبة لقصيدة الفصحى. و عليه؛ فإننا قد لا نستطيع أن نفرز و نقول: ان القصيدة العامية أكثر نجاحاً من الفصحى، أو نقول العكس.

نعم؛ قد تكون القصيدة العامية أكثر انتشاراً و أكثر تقبّلاً؛ ولكن تبقى قصيدة الفصحى محتفِظة بمكانتها. و هناك الكثير من قصائد الفصحى التي بقيَت خالدة حتى الآن، و يرددها الخطباء و الرواديد دائماً.

 

* ما يرتبط بالحسين منظورٌ منه

 

- الهدى: الحديث عن الرادود الحسيني يجرّنا إلى الحديث عن الشاعر الحسيني، أين يقف الشعر الحسيني في خضم الاحداث المحيطة بنا ؟

- الرادود هو الصوت الناطق للشاعر، و جماهير المؤمنين هم الصدى الأوسع لقريحة الشاعر، و صوت الرادود.

إن كل ما يرتبط بالامام الحسين، عليه السلام، و خدمة مآتمه، و تعظيم شعائره، يُكتب له النجاح و الخلود؛ لأنه منظورٌ من الإمام، عليه السلام، نفسه. و قد لُقّب شاعر كربلاء المعروف، المرحوم الحاج "كاظم بن حسون بن عبد عون الشمري» بـ"المنظور»؛ وهو اللقب الذي لقبه به المرحوم الشيخ حسين الفرّوخي، الذي سمع هاتفاً يقول بُعَيد صلاته: كاظم منظور؛ و كان ذلك عام 1344 للهجرة الموافق لعام 1924 للميلاد، و قد لازمه هذا اللقب حتى وفاته و بعد وفاته؛ كما جاء في ترجمة هذا الشاعر في مقدمة الجزء الاول من ديوانه الموسوم بـ"المنظورات الحسينية"

وقد أجاد الشعراء الحسينيون المعاصرون في نظم قصائدهم التي تُعد - بحق - من غرر الشعر الحسيني، و هي - بإذن الله - منظورة من قِبل الامام الحسين، عليه السلام؛ ايضاً.

و استطاع الشعر الحسيني المعاصر ان يُحاكي الاحداث الساخنة التي وقعت في العراق و في المنطقة، و منها، على سبيل المثال لا الحصر، جريمة تفجير مرقد الإمامين العسكريين، عليهما السلام، في سامراء، و ذكرى هدم قبور الأئمة، عليهم السلام، في البقيع الغرقد، و الأعمال الارهابية المستمرة؛ كما أجاد الرواديد الكرام في إلقاء هذه القصائد، و لم يقصّر جماهير المؤمنين بدورهم.

و استطاع هذا الثلاثي - الشاعر، و الرادود، و الجمهور - ان يوصل صوت مظلومية أهل البيت، عليهم السلام، و مظلومية شيعتهم إلى العالم بما لا يدع مجالاً للشك و الشبهة.

و الشعر - كما هو معروف - من أقوى الاسلحة الإعلامية في محاربة الظلم، و الانتصار للمظلوم. و قد مدح القرآن الكريم - في الآية الاخيرة من سورة الشعراء - الشعراء المؤمنين الذين ينتصرون للمظلومين، فقال - مستثنياً إياهم من الشعراء الذين في كل وادٍ يهيمون -: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}

 

* لا طاعة من حيث المعصية

 

- الهدى: ظاهرة التنوع و الابداع في أطوار قصائد اللطمية.. البعض يراها تطغى - أحياناً - على المضمون، فما رأيكم في ذلك ؟

-  هذا موضوع حساس؛ دعونا نَلِجُهُ برفق.

أتمنى - من أعماق قلبي - أن لا تتحول ظاهرة التنوع و الإبداع في أطوار القصائد الحسينية إلى إشكالية؛ فإنه يُخشى، قوياً، أن تتحول إلى إشكالية شرعية؛ فيصبح الهدف من الخدمة الحسينية ضد الهدف.

إذا طغى هذا الابداع في الأطوار على مضمون القصائد الحسينية؛ فتلك إشكالية. و أما إذا لامست تلك الأطوار ألحان و إيقاعات الغناء و الطرب، فإننا سنكون أمام إشكالية شرعية حقيقية.

إنني أخاطب نفسي أولاً ثم أعزائي الرواديد الحسينيين؛ فأقول: هناك خطوط حمراء في طريق الخدمة الحسينية يجب ألا نتجاوزها مهما كانت التبريرات.

إننا - جميعاً و بلا شك - ننشد طاعة الله عز و جل و طاعة رسوله، صلى الله عليه و آله، و طاعة أولي الأمر الذين فرض الله علينا طاعتهم، و هم الأئمة الأطهار، عليهم السلام، و من بينهم الإمام الحسين، عليه السلام؛ فكيف تتحقق طاعتهم مع معصيتهم و مخالفة أوامرهم ؟!!

كلا؛ ان ذلك يجب أن لا يكون.

 

* الأصل في الشعائر أصالتها

 

- الهدى: الحداثة و الأصالة حديث متداول في كل مكان، و الشعائر الحسينية - و منها اللطميات الحسينية - ليست بعيدة عنه، ما هي الصيغة الصحيحة - باعتقادكم - للتعامل مع هذه المسألة ؟

-  الشعائر الحسينية إعلامٌ ناطق، و كل شعيرة منها بمثابة "قناة فضائية"؛ بل اين منها القناة الفضائية.

و الشعائر الحسينية المباركة منظومة متكاملة، و حلقات في سلسلة واحدة؛ فكل شعيرة حسينية تُكَمّل شقيقتها الأخرى. فلبس السواد - مثلاً - يُكمّل اللطم، و التطبير، و الإطعام، و المشاية... و نحوها. و اللطم يُكمّل لبس السواد، و التطبير، و الإطعام، و المشاية... و هكذا.

و الأصالة - كما يعرّفها أهل اللغة - ما كان له أصل و ما كان أصله راسخاً، و الحداثة عكس القِدَم و القديم.

و بناءً على هذيْن التعريفين؛ فإن الأصل في الشعائر الحسينية كلها، هو الأصالة؛ أي ما كان له أصل و كان أصلها راسخاً.

شخصياً؛ لا أفهم كيف نطبّق مفهوم الحداثة على الشعائر الحسينية! هل نستبدل القاعة او الصالة بالحسينية؟! و هل نستبدل المنصة بالمنبر؟! و هل نستبدل المُحاضِر الجامعي الذي يرتدي البدلة بالخطيب الذي يرتدي الجبة و العمامة؟! و هل نستبدل التبرع بالدم بالتطبير؟!

إذا كان هناك شيء جديد أو متجدد أو مستحدث، يُراد به أن يُضاف إلى منظومة الشعائر الحسينية أو يُحذف منها، فإن الصيغة الصحيحة للتعامل مع هاتين الحالتين، من حيث الجواز و عدمه هي فتاوى الفقهاء المراجع.

و معلوم أن القول بأن هذه الشعيرة تجوز و تلك لا تجوز، تشريع، و الجواز بحاجة إلى شرعية الإذن، و عدم الجواز بحاجة إلى شرعية المنع؛ و من دونهما يُعد افتراءً على الله.

و قد قال الفقهاء المراجع - المتأخرون منهم و المتقدمون - قولهم الفصل في هذه الشعائر، و طُبعت في كتيّب يحمل عنوان "فتاوى العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية".

إن الفتوى الشرعية لا تصدر إلا من ذي الاختصاص و هو الفقيه المجتهد حصراً؛ فإذا حصل تشكيك في أية شعيرة حسينية؛ من حيث جوازها من عدمه، فإن المرجع لمعرفة الحكم الشرعي فيه هو مرجع التقليد؛ لا أن يتناول الشاعر الحسيني معالجة ذلك التشكيك بقصيدة، ثم يقرؤها الرادود على الجمهور الكريم.

و ليس من الصحيح - في أي حال من الأحوال - ان يتحول الشاعر الحسيني إلى"مفتٍ»، لأنه ليس مصدر فتوى ولا مرجع تقليد، كما أنه ليس من الصحيح أن تتحول القصيدة الحسينية إلى"فتوى».

 

* الإخلاص و الخدمة الحسينية

 

- الهدى: أنتم من جيل الرواديد الأوائل الذين عاصروا الشاعر الحسيني الكبير المرحوم الحاج كاظم المنظور، و الشاعر الحسيني المعروف المرحوم الحاج علي ابراهيم الفراتي، و الرادود الحسيني المعروف المرحوم الحاج حمزة الصغير، فماذا تقولون للجيل الجديد من الرواديد ؟

- أولاً؛ إنني من تلاميذ الرواديد الأوائل، و أفتخر بهذا التتلمُذ، و ليتني كنتُ من الرواديد الأوائل.

و بالنسبة للجيل الجديد من الرواديد الكرام، فإنني أشدّ على أيدي جميعهم، بمن فيهم الواعدين، بل وحتى من هم لايزالون في دور الصبا. و أشجع ان يكون الرادود الحسيني قارئاً جيداً للقرآن الكريم، و مُلماً بقواعد اللغة العربية لتكون قراءته للقصيدة الفصحى سليمة و صحيحة. و أتمنى أن يهتم الرواديد الكرام بقصائد الجلوس "الكعدة "لتعود و تأخذ موقعها من جديد كما كانت في سابق عهدها.

و أتمنى ألا يطيل الرادود في تقديم قصيدة نعي أو رثاء كاملة. ولا بأس بتقديم أبيات من "الأبوذية"، و"الموال»، و"الهوسة» قبل أو أثناء أو بعد اللطمية بشرط عدم الاطالة فيها.

إنني شخصياً لا أميل إلى برنامج اللطم الطويل الذي يستغرق ساعات طويلة من الليل و ينتهي مع تباشير السحر؛ الامر الذي يصعب بسببه الاستيقاظ النشط لصلاة الفجر، و ربما عدم الاستيقاظ حتى تشرق الشمس و تصبح صلاة الفجر قضاءً.

و أوصي نفسي أولاً و اخواني الراوديد الاعزاء بتقوى الله، و الاخلاص ثم الاخلاص في الخدمة الحسينية؛ فإن الامام الحسين، عليه السلام، ناظرٌ لكل صغيرة و كبيرة، و مطلعٌ على النوايا؛ بلا شك.

 

* غفران الذنب بالحسين

 

- الهدى: في نهاية حوارنا معكم، ماذا تريدون أن تضيفوا ؟ و ماذا تقولون لقرّاء مجلة "الهدى" ؟

- كما بدأتُ الحوار معكم بروايةٍ شريفة، أود ان أنهيه بروايةٍ شريفة؛ أيضاً. فقد روي عن الإمام موسى الكاظم، عليه السلام، أنه قال:

"أدنى ما يُثاب به زائر أبي عبد الله، عليه السلام، بشط الفرات، إذا عرف حقه و حرمته و ولاءه، أن يُغفر له ماتقدم من ذنبه و ماتأخر "( الوسائل، ج10، ح4 ).

نسأل الله أن يغفر ذنوبنا و أن يجعلنا من عتقائه من النار، و أن يدخلنا الجنة، بحق الإمام الحسين، و جده، و أبيه، و أمه، و أخيه، و الأئمة التسعة من ذريته و بنيه، صلوات الله عليهم أجمعين.

و أقول لقرّاء مجلة الهدى الكرام: إذا انتهيتُم من مطالعة العدد الحالي من مجلة الهدى الموجود بين أيديكم، ترقبوا صدور الاعداد الجديدة منها في كل شهر.

 

- الهدى: شكراً لكم على هذه المعلومات القيمة و هذ الحوار الممتع.

- أبادلكم الشكر و التقدير، و اسأل الله القبول و حسن العاقبة.


ارسل لصديق