A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - سورة العصر

سورة العصر
كتبه: السيد جواد الرضوي
حرر في: 2014/02/05
القراءات: 10275

(بسم الله الرحمن الرحيم)

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

هذه الأسئلة طرحناها، فوجدنا إجابتها في موسوعة تفسير «من هدى القرآن» لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدرّسي «دام ظله الشريف» وتعميماً للفائدة ننشر، في كل عدد، مجموعة من الأسئلة مع أجوبتها المستوحاة من الموسوعة المذكورة مباشرة

- أين نزلت سورة العصر المباركة؟ و متى؟ و كم هو عدد آياتها؟ و ما هو ترتيبها النزولي، و ترتيبها في القرآن الكريم؟

نزلت سورة العصر المباركة في مكة المكرمة بعد سورة الانشراح المباركة؛ عدد آياتها ( 3 ). ترتيبها النزولي ( 12 )، و ترتيبها في القرآن الكريم ( 103 ).

 

* فضل السورة

- ما فضل هذه السورة المباركة؟

• فضل هذه السورة المباركة كثير؛ فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق، عليه السلام، انه قال:

"من قرأ" ﴿و العصر في نوافله، بعثه الله يوم القيامة مشرقا وجهه، ضاحكا سنه، قريرا عينه، حتى يدخل الجنة «. (1)

 

* الاطار العام

- ما هو الاطار العام لهذه السورة المباركة؟

• لكي يتبصر الانسان واقع الزمن، و كيف يهدم عمره لحظة بلحظة؛ ثم لكي يعرف بماذا يقاوم خسرانه، جاءت سورة العصر المباركة عصارة لبصائر الذكر في هذا الموضوع الأساسي، الذي لو وعاه الانسان، وعى حقيقة عمره، و حقائق العالم المحيط به.

قَسَمَاً بالزمن، انك [ - أيها الانسان - ] لولا الايمان في خسران، و كل لحظة لا ايمان فيها ولا عمل صالح [ فيها ] جزء ضائع من كيانك؛ و لكن الانسان في غفلة عن هذا العدو الخطير؛ بيد ان المؤمنين يذكر بعضهم بعضاً، و يوصي بعضهم بعضا.

 

* عصر الرسالة و العدالة

- استهلّت السورة المباركة بالقَسَم بالعصر في قوله تعالى: ﴿و العصر؛ فما المراد بالعصر؛ هل هو الفترة المسائية؛ مثلاً؟

• يزعم الانسان انه كلما طال عمره، كبر و زاد؛ بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً؛ فكلما مضى من عمره شطر، اقترب منه أجله، و تناقص رأسمال حياته، و نقص ما تبقى منه؛ فزيادة المرء - إذاً - في دنياه نقصان، و هو كبائع الثلج في يوم قائض يفقد رأسماله كل لحظة. هكذا يحلف القرآن بالعصر و يقول : ﴿و العصر.

وحول المراد بالعصر؛ فقد قال ابن عباس: أنه قسم بالدهر، و يبدو لي - و الكلام للمرجع المدرسي، دام ظله - ان أقرب العصور هو عصر أنت فيه، و أشرفها عصر الرسالة حيث انبعث النبي، صلى الله عليه و آله، به، و عصر العدالة حين يقوم الامام الحجة القائم، عجل الله تعالى فرجه الشريف، به.

و قال بعضهم: انما سُمي الزمن بالعصر، لانه يعتصر الانسان كما يعصر المرء غسيله، و ان القَسَم بالدهر انما كان بلحاظ عصره للانسان. و أنى كان؛ فان الحلف به يتناسب و الموضوع التالي: أي خسارة الانسان لعمره، أوليس الزمن هو سبب الخسارة؟

 

* معنى الخسران

- في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، و هو جواب القَسَم، كيف نفهم معنى خسران الانسان؟

• لو عرف الانسان كيف تتبدل خلايا جسده، و كيف يستهلك كل يوم الآف الخلايا من مخه دون ان يستعيض عنها شيئا، و كيف تتسارع ما حوله من أشياء في سبيل الفناء، حتى البيت الذي يسكنه يستهلك بسرعة لا يتصورها؛  و لو عرف الانسان ان عمره - بالقياس الى عمر الارض التي يعيش اليوم عليها ثم ينام في رحمها - يكاد لا يكون شيئا مذكورا، و انه أقصر من نسيم يهب عليه في يوم قائض، و أسرع من سحابة في يوم عاصف؛ بل انه كالبرق الخاطف، او كخيال عابر؛ و لو عرف ان كل لحظة من عمره، تُعد مسؤولية كبيرة، فإما هي خطوة الى الجنة أو سقطة في النار؛ لو عرف ذلك كله لأصلح نفسه، ولما ضيع نفسه، ولما ضيع من عمره شيئا؛ لانه في خسارة لولا الايمان. والخسر يحيط بالانسان كما تحيط بالانسان الدار، و أية خسارة أعظم من ان يفقد كل يوم جزءاً من عمره و جزءاً من رأسماله، من ثم جزءاً من ذاته. أليست ذاته ممتدة على أيام حياته، فاذا مضى يوم فقد انقضى بعض ذاته ؟ يقول الامام علي، عليه السلام:

"من كانت مطيته الليل و النهار، يُسار به و ان كان واقفا" (2)

 

* سلاح العمل الصالح

- استثنى قوله تعالى: {الَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، المؤمنين و العاملين للصالحات، كيف تم استثناء هاتين الفئتين من الخسران العام للانسان؟

• حينما يعي المؤمن هذه الحقيقة التي ذكرناها، يبادر بالعمل الصالح حتى يستوعب كل لحظة و كل لمحة و كل سعرة حياتية من حياته بما يحول الخسارة فلاحاً و أملا؛ فان أتعبه الكفاح من أجل العيش، استراح الى الصلاة ليتزود منها الحيوية.. وإذا أرهق عضلاتَهُ الجُهدٌ البدَني، اشغل لسانه بالشكر، و قلبه بالفكر، و نفسه بالحب و الشوق الى لقاء ربه. و قد ترى أعضاءه غارقة في جهد بدني يفلح الارض، أو يسعى على مناكبها طلباً للرزق، أو يسخِّر ما فيها لتوفير العيش و في ذات الوقت تجد قلبه في ذكر الله و التدبر في آياته، و لسانه يلهج بحب الله.

إن الانسان متعدد الأبعاد، واسع النشاط، عريض الطموح، سامي الهمة؛ لأنه قد وعى حقيقة الزمن، و تزود بسلاح تحديه عبر العمل الصالح.

 

* التواصي.. و التواصي

- الدعوة إلى التواصي واضحة في قوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، فهل هذه الدعوة من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟

• إن تيار الزمن، و شهوات النفس، و عادات المجتمع تضغط على المؤمنين باتجاه الغفلة و الكسل، فكيف يعالجون هذه الظاهرة؟ انما بتكوين بيئة رشيدة تحيط بهم، و لا تدعهم يخلدون الى الراحة و الكسل. أوتدري كيف؟ بتطبيق التواصي.

ان الكبير يوصي الصغير، و الصغير - بدوره - يوصي الكبير، و العالم يوصي الجاهل و الجاهل - ايضا - يوصي العالم.. و هذا المبدأ يتسع لفريضة "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"، كما يتسع لواجب الدعوة الى الله، و تبليغ رسالاته، و إرشاد الجاهل.. و يتسع للمزيد.

ذلك ان التواصي: ومضة روح، و إشراقة أمل، و عتاب لطيف؛ إنه يصنع جواً ايمانياً يساعدك على ممارسة واجباتك.. أنه يوجه حس التوافق الاجتماعي في الإتجاه الصحيح.

 

* إرشاد العلماء

- في الآية المباركة، لماذا جاءت التوصية بالحق قبل التوصية بالصبر؟

• ان معرفة الحق بحاجة الى مساعدة الصالحين؛ فهم يرشدونك اليه، و يرفعون الغموض الذي تسببه دعايات الضالين. وإذا تناقضت المذاهب، و اختلفت الآراء، و تشابهت عليك الأفكار، هناك لابد من إرشاد العلماء الصالحين و المؤمنين الواعين و تواصيهم بالحق. فإذا عرفت الحق، كان الوقوف الى جانبه و الدفاع عنه و الاستقامة عليه بحاجة الى صبر عظيم، يتواصى به المؤمنون حتى لا ينهار بعضهم أمام شدائد الزمن.

------------------

(1) تفسير نور الثقلين، ج5، ص666.

(2) نهج البلاغة، الكلمة 31، ص400.


ارسل لصديق