A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - سُبل قرآنية لمعرفة الإنسان ربه

سُبل قرآنية لمعرفة الإنسان ربه
كتبه: زكي الناصر
حرر في: 2014/02/05
القراءات: 1848

ليس الله تعالى، في تذكرة القرآن وتوجيهه، وجوداً ولا موجوداً، وانما هو حق قيوم، فالوجود رغم انه اسم مقدس من أسماء الله الحسنى، و رغم انه نور يظهر حقائق الكون، ورغم انه يختلف عن الموجودات، رغم ذلك كله، فهو ليس بإله.

ولا الله سبحانه بوجود، انما الوجود خلق من خلقه، يتصرف فيه كيفما يشاء يعطيه لشيء فينقلب ظاهرا مخلوقاً.

إن اقرب الوسائل لمعرفة ان الوجود مخلوق، انما هو التصرف فيه وإعطاؤه مرة لشيء ثم سحبه منه، فهو إذن؛ حقيقة يديرها مالكها الله القدير، والموجودات ليست بإله هي الأخرى، بل النجم والشجر يسجدان لله، والشمس والقمر يجريان بتدبير الله والارض خاشعة بأمره، وأبسط الادلة على ذلك أن معالم الضعف بارزة في الاشياء، ولا ولن تكون هي الله القدير سبحانه.

 

* الفلسفة.. مشكلة وليست حل

ان المبدأ الفلسفي الذي يقسم الوجود الى ممكن وواجب، ويتصور أن القسم الاول هو الخليقة، والقسم الثاني هو الخالق، مرفوض في القرآن الكريم، إذ ان الله ليس بوجود ولا الخليقة بوجود، إنما الوجود نور مملوك لله وموهوب للخليقة، فكيف يمكن ان يشترك الخلق مع الله في قائمة واحدة نسميها الوجود، بينما هي ثلاث قوائم: الله، الوجود، الخلق؟!

فالمبدأ الصوفي الذي يزعم أن الله هو ذات الموجودات، وكذلك المبدأ المادي الذي يحسب الخلائق هي ذات السيطرة الذاتية على نفسها، فهي الرب ولا إله سواها، إن هذين المبدأين مرفوضان أيضاً، ذلك أن الله أسمى من مخلوقاته، وأجل وأعلى من ملكوته، فهو خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وبينه وبين خلقه تباين من الصفات ولا اشتراك إلا في الألفاظ التي لم توضع الا في حدود إمكانيات الخلق انفسهم.

إن الحد الفاصل بين الله وبين الخلق التباين المطلق بينهما، فكلما يجوز في الخلق يستحيل في الخالق وهكذا العكس.

وبهذا التباين نكشف أننا لا نقدر على تحديد الله ولا على اكتشاف صفاته، لأننا نعيش في مناخ المخلوقين ولا نعهد صفة إلا بقدر ما هي ظاهرة في مخلوق ما، فصفة القدرة مثلاً نعرفها في الإنسان وفي التيار وفي العاصفة والكهرباء والذرة، صحيح أنها صفة قدرة إلا أنها مثبتة حسب معرفتنا في المخلوق، فلا يمكننا ـ بطبيعة التباين بين الخلق والخالق ـ قياسها على الله، وهكذا صفة العلم والملك وغيرها.

ولكننا مع ذلك نستطيع أن نعرف ثبوت ما هو أسمى من صفات القدرة والعلم والملك المتوافرة في المخلوقات بثبوت ماهو أسمى منها وأكبر في الخالق الذي غرز في خلقه هذه الصفات المثلى، وقد نسمي ذلك الامر الاسمى والاكبر من صفات المخلوقين بـ «القدرة اللامحدودة» و «العلم التام» و «الملك الدائم»، إلا أنها لا تعني بهذه التسمية ايجاد علاقة بين قدرة الخلق وقدرة الخالق حتى تكــونا ســـواء، أو بين علـــم الخلق وعلم الخالق، أو مشيئة الخلق ومشيئة الخالق، وهكذا.. إذ لا علاقة بينهما إلا علاقة المقابلة الشديدة الانعكاس، بل انما نريد بهذه التسمية ايجاد علاقة بين لفظ ولفظ، حتى نعرف اشارة ما الى ذلك الأمر الأسمى الثابت للخالق.

من هنا كان اثبات أية صفة لله لا يعدو أن يكون اشارة في أطار الفهم الذي نملكه الى صفاته وأسمائه دون أن يكون تحديداً لله أو جعله في اطار المخلوقين وسحب صفاتهم عليه سبحانه.

 

* التسبيح يجعلنا أمام الله تعالى

وأفضل صفة نطلقها على الله هي صفة محورية، تدور بين النفي والاثبات، النفي لقطع أية صلة تشابه بينه وبين خلقه، والاثبات للايمان بأنه أسمى من خلقه و أكبر، فهو القادر غير مقدور، والمالك غير مملوك، والعليم ولا معلوم، ولترسيخ هاتين الحقيقتين؛ حقيقة ثبوت الله وصفاته المثلى من جهة، ونفي الصفات المعروفة في المخلوقين عنه، لترسيخ ذلك في نفوس البشر التي تعودت على معرفة الخلق، كان لابد من التقديس والتسبيح والتنزية بكلمة «سبحان الله»، التي كثرت في القرآن و عُدت ركيزة الاذكار في الصلاة.

إن التسبيح يجعلنا فجأة أمام الله، فهو ينفي عن أذهاننا المخلوقين فيظهر الخالق، ولأنه من جهة ثانية يحل عقدة مستعصية من نفس البشر، وهي العادة على تحديد الاشياء، لأن النفس البشرية مخلوقة، فمن طبيعتها التحديد، فعندما تقف أمام الله وتعجز عن التحديد، تتورط في الشبهات العقيمة وتريد أن تخضع الله لمقاييس الخلق فتضل ضلالاً بعيداً، وهنا تأتي كلمة «سبحان الله»، لتنقذ البشر مرة واحدة من ورطته الكبيرة، وتقول له: إنك أمام خالق المخلوقات حيث تعجز الالفاظ وتنهار الحدود وتنحسر المعارف البشرية الساذجة.

من هنا لا نجد صفة عجز او ذل او صغار في المخلوق إلا وتهدينا الفطرة الى تعالي الله عنها علواً كبيراً، ولا نرى فعلاً محدوداً منظماً بتدبير حكيم إلا ونهتدي به الى الله، وكلما وجدنا الفعل من الدقة والحكمة والفائدة اهتدينا الى نوع من صفات الله وأسمائه الحسنى، فلو وجدنا مثلا وردة بديعة المنظر زاكية العرف، قلنا: «سبحان الله اللطيف»، أو ليس يتصف باللطف ودقة الصنع! أما لو لاحظنا الاهداف العديدة التي صنعت من اجلها الوردة من تنظيف الجو واشاعة العبق لاهتدينا الى حكمة بارئها، اما إذا تصورنا الفوائد الصحية التي تصيب الانسان من الوردة عرفنا ان خالقها رحيم بعباده.

إن آيــــــات القــــــرآن الكــــــريم تذكرنا مرة بعد اخرى بنوع الافعال التي  تشهد على صفات الله تعالى، وقد تسبق التذكرة بالفعل التذكرة بالصفة التي نهتدي بسببها اليها، وها نحن نستمع الى القرآن يذكرنا بصفات الله في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، (سورة الحج /61)، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ، (سورة لقمان /30)، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (سورة الحج /63).

فالمنهــــــج القــــــرآني يكــــــرس بيانه لمعرفة المخلوق والنظر اليه وملاحظة جوانب الحاجة فيه، على أن ذلك معبر الى الله تعالى، وهذا هو الطابع الذي يميز الحضارة القرآنية عن جاهليات الفلسفة الاغريقية التي تعمقت في ذات الله بعيداً عن النظر الى آياته فضلّت ضلالاً بعيداً.

يقول تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } (سورة  الانعام /103).

ومن حكمة الله التامة تنبثق نظرة القــــرآن الى هدفية حياة الانسان، فليست الحياة عبثاً ولهواً اراد بها الله سبحانه اللعب او اراد بها تنكيلاً، انما خلق الانسان وقدره، وبين له السبل ويسرها لكي يخضع للتقدير فيفلح، اما اذا اختار العكس فانه سيهوي الى مكان سحيق، ففي الدنيا سيشتري ضنكاً في العيش وقارعة وراء قارعة، اما في الآخرة فسيجزي الله الذين آمنوا جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً.

ان هدفية الحياة تهدينا الى ضرورة الحســــاب، فإن لــــم نجد في الدنــــيا حسابا دقيقاً وحاسماً للانسان، نتطلع الى الآخرة التي سيحاسب فيها الكافر حسابا عسيراً، ويلقى جــــزاءه موفوراً، فمعرفة اليوم الآخر نابعة من معرفة الله وبالذات من معرفة صفتي الحكمة والقدرة فيه، اذ الحكمة هي التي تهدينا الى ضرورة الآخرة والقدرة الى امكانها.

ومعالجة القرآن للقيامة آتية من هاتين الزاويتين، وكلما كملت فيه معرفة صفتي الحكمة والقدرة كلما زادت معرفته بالساعة ودقة حسابها.

ويمكــــــن ان نجــــــد تجســــــيداً لهذه الفكرة في الآيات المباركات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} (سورة الذاريات/ 56) وقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (سورة المؤمنون/ 115)، فهناك غاية من الخلق هي العبادة والتسليم لسنن الكون وشرائع الحياة التي جعلها الله سبحانه، وليست الغاية اللعب الذي يختلف جذرياً عما نلاحظه في الكون من آثار الحكمة وآيات الهدف، ان مسيرة الحياة تدل على انها الحق، وان الباطل لا حول له فيه، فليس هناك ما يدعو الى تصور ان اللعب هو غاية الحق، لأن اللعب هو غاية الحياة، إذ اللعب نوع من الباطل الذي يدمغه الله ويدعه زاهقاً.


ارسل لصديق