A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الشورى .. سبيل الوصول إلى الهدى

الشورى .. سبيل الوصول إلى الهدى
كتبه: السيد سجاد المدرسي
حرر في: 2014/10/23
القراءات: 1848

في اطار الحديث عن ركائز المجتمع الإيماني، مرّ بنا الحديث- في العدد السابق- عن الإحسان، و التعاون على البر والتقوى. وها نحن نسلط الضوء على ركيزة اخرى من تلك الركائز المقومة للمجتمع الرباني، وهي ركيزة الشورى بين المؤمنين، فما هو الشورى وما هي مكانته في بناء صرح المجتمع الايماني؟

 

* معنى الشورى

كلمة الشورى مأخوذة من المشورة والتشاور؛ جاء في كتاب مفردات الفاظ القرآن: « و التَّشَاوُرُ و الْمُشَاوَرَةُ و الْمَشُورَةُ: استخراج الرّأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شِرْتُ‏ العسل: إذا اتّخذته من موضعه، و استخرجته منه‏» (1). وبعبارة اوضح، فان المشورة تعني جمع الافكار الى بعضها البعض.

 

* مكانة الشورى

لقد أكرم الله الانسان وخلقه في أحسن تقويم، وهداه سبيلي الخير والشر، ثم أمره باتخاذ سبيل الخير والقيام بالاعمال الصالحة في الدنيا من اجل الوصول الى الهدف السامي من الخلقة وهو ان يكون جليس الرب في مقعد صدق، ولكن لم يفرض عليه ذلك، بل ابتلاه بحرية الاختيار، ليكون هو صاحب الارادة في اختيار طريق الخير والعمل به.

ومن أجل الوصول الى افضل السبل كان الانسان بحاجــــــبة الى اكتساب الخبرة، عــــــــبر خوض التجارب تلو الآخرى، او الاستعانة بتجارب الآخرين وخبراتهم.

واستحصال تجارب الاخرين وخبراتهم يتم عبراستشارتهم في الامــــــور المختلفة، وعلى الاخص المصيرية منها.

وان كانت المشــــــــورة هامــــــة بالنسبة الى القرارات الفردية للانسان ، فهي أهم في القرارات المتصلة بالمجتمع، فالمجتمع القائم على الشورى وتراكم الخبرات والآراء، يكون مجتمعاً متقدماً في جميع النواحي، وكما قال امير المؤمنين، عليه السلام:»أَعْقَلُ‏ النَّاسِ‏ مَنْ أَطَاعَ الْعُقَلَاء  وقال,عليه السلام : مَا مِنْ رَجُلٍ يُشَاوِرُ أَحَداً إِلَّا هُدِيَ إِلىَ الرُّشْد»

 قال الله سبحانه :{وَ الَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُون‏}. (سورة الشورى/ 38)

ولأهمية الاستشارة خصّ الله تعالى سورةً في كتابه واسماها بـ «الشورى» وفي معرض الحديث عن صفات المجتمع الايماني، يذكر الله صفة الشورى، فاجتناب كبائر الاثم والفواحش والصفح ساعة الغضب و الاستجابة للرب واقامة الصلاة والمشورة في جميع الامور والانفاق في سبيل الله والانتصار لبعضهم البعض، كلها صفاتٌ تذكرها هذه الآيات في معرض الحديث عن المجتمع المؤمن.

وفي هذه الآية بصيرتان :

الاولى: لا يمكــــــن ان يكــــــون الشورى نافعاً الا اذا كان الخط العام للمجتمع يسير باتجاه واحد، وبعبارة اخــــــرى: ان الاستجابــــــة لله سبحانه وتعالى شرط اساس للشورى و الا فلا يســــــمى اجتماع خليط مــــــن المذاهب المختلفــــــة بمجلس شورى، إذ كيف يشترك من يكفر بإله الكون أو يشرك به مع من يؤمن بالتوحيد وبالإسلام؟!.

الثانية: لأن الشورى انعكاس لروح الإيمان فهي تتسع لسائر مرافق حياة الجماعة المؤمنة، ابتداء من الأسرة، وانتهاء بالدولة، ومرورا بالمرافق الاجتماعية والاقتصادية، والشؤون البلدية والقروية. إنها أكثر من مجرد نظام سياسي، بل تشكل جوهر العلاقة بين المؤمن وأخيه المؤمن، لأنها نابعة من احترام المؤمن ورأيه ثم التسليم للحق، والبحث عنه أنى وجد.

ومــــــــــــن خلال النصــــــوص الإسلامية التي تأمر بالاستشارة نتبيَّن أن أفضــــــل الأنظــــــمة الاقتصادية في الإسلام هي التي تجمع أكبر قدر من صفة الشورى، ولعلها التعاونيات الاقتصادية التي نستوحي أهميتها أيضا من مجمل القيم الإيمانية كالتعاون والإحسان والإيثار وحرمة الترف وحرمة سيطرة الأغنياء على مقاليد السلطة.

 

* فوائد الشورى

اولاً: تلاحم المجتمع :

حين يأمر الرسول، صلى الله عليه وآله، «بالشورى» يقدم حكمتها في انها تزيد المجتمع تلاحما فيقول سبحانه:

{فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلين}. (سورة آل عمران/ 159)

السياق يتحدث عن صفات النبي الاعظــــــم، صلى الله عليه واله، التي بها جمع شتات المجتمع الجاهلي المتفرق، ومن تلك الصفات كانت صفة اشراكهم في اتخاذ القرار المشاركة في القرار.

ثانياً: عدم الوقوع في الخطأ

من الطبيعي ان يقع الانسان في الاخطاء، ولكن حين يجمع الانسان عقول الرجال الى عقله وعلومهم الى علمهم فستقل احتماليات الخطأ بشكل كبير، فقد ورد في النصوص ان المستشير لا يندم، وهل يندم من ينجح في اموره، ويصل الى مراده ومبتغاه؟

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, عليه السلام، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ, صلى الله عليه وآله، إلى الْيَمَنِ فَقَالَ وَ هُوَ يُوصِينِي يَا عَلِيُّ مَا حَارَ مَنِ اسْتَخَارَ وَ لَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَار».

وقال الامام الصادق، عليه السلام: «وَ فِي الْمُشَاوَرَةِ اكْتِسَابُ الْعِلْمِ وَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا عِلْماً جَدِيداً وَ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْمَحْصُولِ مِنَ الْمُرَادِ..»

وقال,عليه السلام ايضاً: «لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَنْ مَشُورَة».

ثالثاً: المنع مــــــن الاســــــتبداد بالرأي

المجتمع القائم على الشورى لا يستبد فيه امرؤ برأيه، لأنه يتعرف من خلال المشورة على أفضل الآراء، وقد أمر الله سبحانه نبيه الاكرم بأن يشاور الناس في امره، والحال ان النبي معصومٌ عن الخطأ عالم بمآلات الامور ، فهو لا يحتاج الى المشورة. ولكن بالرغم من ذلك كان يقوم النبي، صلى الله عليه وآله، باستشارة المؤمنين في الامور المصيرية، كالحــــــرب والســــــلم. كل ذلك ليلقن المجتمع درساً في ضرورة الاستشارة، حتى لو كان المستشير اعلم من المشير، وقد روي «عَنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: اسْتَشَارَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ, عليه السلام، مَرَّةً فِي أَمْرٍ فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ مِثْلِي يُشِيرُ عَلَى مِثْلِكَ؟

قَالَ:» نَعَمْ إِذَا اسْتُشِيرَ بِكَ» (2).

رابــــــعاً: الاســــــراع في تنفيذ القرارات

المشاركة في اتخاذ القرار تساعد على تنفيذه، وبالذات حينما يدخل المجتمع في حلبة التنافس الايجابي الذي قام على اساسه العالم، اذ ان التنافس يمتص طاقة الصراع السلبي، ويوظفها في العمل الايجابي مما يدفع عجلة المجتمع الى الامام دفعا عظيماً، ويجعل منه مجتمعاً متلاحماً بأروع صورة.

خامساً: ضمان حرية الرأي

وحين تكون الشورى صبغة المجتمع المسلم تضمن حرية الرأي، وحق الانتخاب، وواجب المساهمة في صنع القرار السياسي، بل وتكون كل هذه المفاهيم ذات هدف مقدس.

 

* الشورى في المجتمع

لقد حددت النصوص معالم الشــــــورى في الحياة الاجتماعية، نذكر بعضاً منها فيما يلي :

فقد روي عن رسول الله، صلى الله عليه وآله: «اسْتَرْشِدُوا العَاقِلَ ولَا تَعْصُوهُ فَتَنْدَمُوا».

و روي عن الإمام الصادق، عليه السلام: «اسْتَشِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ‏» (3).

 وقال رسول الله، وهو يوصي أمير المؤمنين، عليه السلام: «يَا عَلِيُّ لَا تُشَاوِرْ جَبَاناً فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْكَ المَخْرَجَ وَلَا تُشَاوِرِ البَخِيلَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بِكَ عَنْ غَايَتِكَ وَلَا تُشَاوِرْ حَرِيصاً فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ شَرَّهُمَا وَاعْلَمْ يَا عَلِيُّ أَنَّ الجُبْنَ وَالبُخْلَ وَالحِرْصَ غَرِيزَةٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِ‏» (4).

ومثلما أمر الإسلام بالمشورة أمر المستشار بالنصح، فحرام أن يمحضك أخوك المؤمن ثقته ثم تخونه بالرأي الباطل والرأي الفطير.. قال الإمام الصادق، عليه السلام، فيما روي عنه: «مَنِ اسْتَشَارَ أَخَاهُ فَلَمْ يَنْصَحْهُ مَحْضَ الرَّأْيِ سَلَبَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ رَأْيَهُ» (5). وقد بين الإسلام كيف ينبغي أن يشير من يطلب منه الرأي، فقد روي عن الإمام الصادق, عليه السلام:

«لَا تَكُونَنَّ أَوَّلَ مُشِيرٍ وَإِيَّاكَ وَالرَّأْيَ الفَطِيرَ, وَتَجَنَّبِ ارْتِجَالَ الكَلَامِ وَلَا تُشِرْ عَلَى مُسْتَبِدٍّ بِرَأْيِهِ وَلَا عَلَى وَغْدٍ , وَلَا عَلَى مُتَلَوِّنٍ وَلَا عَلَى لَجُوجٍ وَخَفِ الله فِي مُوَافَقَةِ هَوَى المُسْتَشِيرِ فَإِنَّ التِمَاسَ مُوَافَقَتِهِ لُؤْمٌ وَ سُوءَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُ خِيَانَةٌ».

----------------

(1) مفردات ألفاظ القرآن : ص 470

(2) المحاسن: 601.

(3) المصدر السابق: ص 41.

(4) بحار الأنوار: ج 72، ص 99.

(5) وسائل الشيعة: ج 12، ص 44


ارسل لصديق