Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
عن الامام الصادق عليه السلام قال: "احمل صبيّك حتى يأتي عليه ستّ سنين، ثمّ أدّبه في الكتاب ستّ سنين، ثم ضمّه اليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصَلُح وإلاّ فخلّ عنه".
الطفل وديعة والديه، و أمانة الجيل إلى جيله القادم، و حق الطفل غريزي تحفظه الفطرة و تفرضه الغريزة، و تؤمنه طبيعة الوجود، و تحميه التعاليم السماوية.
هذه الفطرة السليمة والطفولة الجميلة والرقيقة، تتعرض اليوم الى تصدّعات خطيرة من ظواهر اجتماعية شاذّة، منها "عمالة الاطفال" ، حيث يتحول الطفل الصغير- في معظم الاحيان - الى وسيلة بشعة لاستدرار المال بدوافع عديدة.
يمثل سوء الأوضاع المعيشية لدى شريحة من المجتمع من أهم أسباب إجبار الأطفال على العمل، كما هنالك التفكك الأسرى بسبب الطلاق وغيرها، و حالة البطالة بين الآباء، وانخفاض نسبة الدخل مما يدفع الكبار لسحب أطفالهم من المدرسة والزج بهم الى سوق العمل. بيد أن الجامع لكل هذه العوامل وغيرها، انخفاض المستوى العلمي والثقافي لدى شريحة من المجتمع، بحيث تفضّل مصالحها المادية والشخصية وحب الأنا والذات على مستقبل الطفل وصحته وسلامته.
ويمكن تسليط الضوء على سببين أساسين في انتشار واستفحال هذه الظاهرة؛ الاول اقتصادي، يتعلق بالمال، والآخر اجتماعي يتعلق بوضع الأسرة والعلاقة بين الزوجين.
هنا يجدر بنا الإشارة الى سبب ودافع آخر لعمل الاطفال يختلف كلياً عن الاسباب الاخرى، وهو ما يعده الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الاجتماعي، بانه مبرر الى حدٍ ما، ويتعلق بعمل الاطفال الذين يُعيلون أمهاتهم واخواتهم بسبب فقدان الأب أو لمرضه وعوقه. وهذا له بحث طويل في قضية تأمين دخل الأسرة الفاقدة للمعيل والذي يدفع ليس فقط الطفل الى ساحة العمل، وإنما المرأة ايضاً.
بيد أننا نناقش الظاهرة السلبية التي تغلب على الساحة الاجتماعية، على أمل التقليل من ظاهرة عمل الاطفال اساساً.
بالنسبة للسبب الاول: نلاحظ هنالك نوعاً من الطمع والجشع يستولي على بعض الآباء وأولياء الامور لاستحصال المزيد من المال وبطريقة سهلة، فتحمل الأب او الاخ الكبير كامل المسؤولية عن الأسرة والالتزام بمواعيد العمل من الصباح الباكر وحتى المساء او فترة العصر - مثلاً- يكلفهم العناء والجهد وعدم الاسترخاء...! بينما نقرأ في الاحاديث الشريفة التأكيد على العمل من اجل توفير لقمة العيش، فجاء في الحديث الشريف: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله". بمعنى ان التعب والجهد البدني والذهني وغيره، من اجل توفير القدر البسيط من الراحة والاستقرار للمرأة والاطفال، يعادل الجهاد في سبيل الله، وهي مقارنة مدعاة للتوقف والتأمّل، حيث ان الجهاد ليس بالأمر الهيّن والسهل، فهو من الفرائض ذات الابعاد السياسية والحضارية في الاسلام.
وإذن؛ فإن إجبار الطفل الى العمل نيابة عن الكبار او لمسايرتهم في الاعمال المختلفة وحتى الصعبة دونما وجه حق، يساوي تضييع الدور الأبوي الذي حدده الاسلام، ثم تضييع مستقبل الطفل في وقت واحد.
أما السبب الثاني المتعلق بأجواء الحياة الزوجية والأسرية، فليس لنا إلا القول: إن إلقاء تبعات فشل الحياة الزوجية على الطفل، يمثل بالحقيقة ظلماً عظيماً بحق الطفل الذي يفترض ان يعيش بين أبوين انجباه بناءً على علاقة مقدسة وعقد زواج بكامل شروطها المتوافق عليها من الطرفين، وأي إخلال في العقد او تصدّع في العلاقة، فان الطرفين هما اللذان يتحملان المسؤولية وليس شخصاً آخر.
تشير معظم المصادر والاحصائيات الى أن نسبة "عمالة الاطفال" تزداد في الدول الاكثر تخلفاً وحرماناً من العلم والمعرفة والثقافة العامة.
وقد أشارت بعض التقارير الدولية الى وجود هذه الظاهرة بكثافة في قارة آسيا، تليها قارة افريقيا وامريكا اللاتينية، بينما تشير هذه التقارير الى ان بعض المناطق تكاد تخلو من هذه الظاهرة مثل اوروبا و امريكا الشمالية واستراليا، كما لا يوجد لها وجود على الاطلاق في مناطق اخرى من العالم مثل اليابان والصين.
وحسب تقديرات منظمة العمل الدولية للسنوات الأخيرة فإن عدد الأطفال العاملين في العالم يقدر بـ (300) مليون طفل، منهم (250) مليوناً في دول العالم الثالث، و(50) بالمائة منهم يعملون بصورة دائمة، والباقي يعمل أثناء العطل المدرسية، أما الأطفال العاملون في المنطقة العربية، فيقدر عددهم بحوالي تسعة ملايين طفل عربي، تسربوا من المدارس واندرجوا في سوق العمل، وتتزايد هذه الأعداد بشكل مخيف في دول الخليج، حيث تتميز عمالة الأطفال باعتمادها على الوافدين من أطفال دول أخرى، إذ يعد كثير من الوافدين وجودهم في تلك الدول، فرصة ثمينة ينبغي استغلالها إلى أقصى حد، ولو اقتضى ذلك حرمان أطفالهم من التعليم ودفعهم إلى سوق العمل.
هذا الاستغلال البشع للاطفال، هو الذي يكرّس حالة التخلف والأمية، عندما يعيق تعليم الطفل وتنمية مهاراته وبناء قواه الذهنية والفكرية بما يخدم حياته ومستقبله، لذا تعد ظاهرة عمالة الصغار من الظواهر الخطيرة التي تهدد مجتمعنا الاسلامي، لتصبح مشكلة تضاف الى مشاكلنا المستعصية التي تحتاج الى حل حاسم وسريع، فالمشكلة تتفاقم يوما بعد يوم بلا ضابط ولا رابط، وتدل على ذلك الإحصاءات الرسمية للعمالة والتي توضح ارتفاع نسبة اعداد الأطفال العاملين ولاسيما في المرحلة العمرية من 6 الى 12 سنة.
بما أن الطفل يمثل الحلقة الاضعف في المجتمع، فانه يكون دائماً معرضاً للمخاطر من كل الاتجاهات، فهو غير قادر على الدفاع عن نفسه او اتخاذ الموقف الصحيح، كما هو الحال مع الكبار والمتمرسين في الحياة. لذا نجد من السهل ان تنتهي عمالة الأطفال - في بعض الاحيان- إلى اتساع نطاق الجريمة، بمعنى أن الطفل سيضاف على عوامل الجريمة، وارتكاب الاعمال الخطيرة مثل تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالأعضاء البشرية.
ورب سائل يستفهم السبب في الحذر الشديد من عمالة الاطفال والسرعة في الاستنتاج واصدار الاحكام، فليس كل الاطفال العاملين يتعرضون كهذه لمخاطر، بيد أن الشواهد الدالة تؤكد أن التعويل على عمل الطفل وجعله مصدر المال، يجلب المخاطر مع مرور الايام، اذ ليس بالضرورة ان يتحول الطفل الى مهرب مخدرات او سارق او محتال- مثلاً- خلال ايام معدودة.
من الامثلة الحيّة ما حصل لجاري "ابو احمد"، وهو صديق لي ايضاً، ومن الشريحة المؤمنة والملتزمة بالقيم والتعاليم. حصل أن بدأ ابنه يمارس العمل الحر مع احد الجيران خلال العطلة الصيفية في محل بيع المواد الغذائية، وفي نهاية أول اسبوع عاد الولد الى بيته يحمل مبلغاً لا بأس به من المال، فكان أول رد فعل الأب، هو الابتهاج والفرح الشديد، بل أخذ يتحدث ويتباهى به امام الجيران، وكيف ان له ابناً يعمل وينتج ويجمع المال...
ذات يوم فوجئ الجميع بقرار صاحب محل المواد الغذائية بطرد الطفل وفصله عن العمل، وعند السؤال عن السبب، تبين أن الاخير جنح الى السرقة....! فبدأت النصائح تترى على الأب بضرورة مراقبة ابنه ومحاسبته لئلا ينزلق اكثر في مهاوي الجريمة. إلا أن الاخير أبى الاخذ بالنصائح بدعوى أنه قد ربّى ابنه بما يكفي، إنما المشكلة في صاحب المحل.
وبعد سنتين من هذا الحادث، جاء الخبر الصاعقة، وهو اعتقال الولد مع مجموعة من اصحاب السوابق وقد حكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة بتهمة السرقة.
عرفنا أن عمالة الاطفال يمكن ان تنتج آثاراً خطيرة على المجتمع، بيد أنها ليست بالداء او الفيروس الخطير الذي لا علاج له، إنما تعد بالحقيقة ظاهرة سطحية قابلة للعلاج بشرط تضافر الجهود من الاطراف المعنية، لاسيما في الاوساط المثقفة والواعية في المجتمع، ومن بيدهم الحل والعقد في هذا الجانب، مما يوفر الغطاء الآمن للطفل في وسطه الاجتماعي والتعليمي.
أما البداية فتكون من سن قوانين خاصة لحماية الطفل وحقوقه في الاسرة والمجتمع والتعليم، ومتابعة تنفيذ هذه القوانين، ثم التشييد والاهتمام بالمؤسسات التربوية والتعليمية التي ترعى الاطفال وتهتم بمواهبهم وقدراتهم في مرحلة لاحقة يكون تضافر الجهود بين مختلف الهيئات الرسمية والأهلية للتعامل مع هذه الظاهرة وإصلاح الوضع المعيشي لإزالة أي حجة او مبرر لخروج الاطفال الى سوق العمل، وربما تكون المؤسسات الخيرية في مقدمة الداعمين لهذا المشروع.