Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان وأهتم به وشرّفه على المخلوقات وصوره بأحسن تصوير، وقوّمه فأحسن تقويمه، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، (سورة التين /4).
وحينما جعل الله - سبحانه وتعالى- الانسان خليفتهُ في الارض، زودهُ بأدوات المعارف من سمع وبصر وسائر الحواس، ليكون قادراً على تسخير الطبيعة والعيش بأفضل مايكون، {وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، (سورة النحل /78).
وقد عُني القرآن الكريم بالسمع، عناية خاصة، على باقي الحواس، و امتنّ به على الانسان، ليعي خلق الرحمن، اذ جعله الله أول حاسّة تعمل لديه وهو جنين بطن أمه، ويكون آخر جزء يموت في بدنه عند الوفاة. ثم جاءت الاكتشافات العلمية الحديثة لتؤكد الحقائق القرآنية بشأن السمع لدى الانسان؛ منها:
1- ان أول حاسّة تنشأ وتتكامل في الجنين هي السمع، حيث تكتمل في الشهر الخامس من حياة الجنين، ومن هنا الجنين في عالم صاخب، يسمع فيه دقات قلب أمه، وسريان الدم في عروقها، كما يتعرف على صوتها، بل يتعرف على الاصوات الخارجية، منها صوت قراءة القرآن الكريم، لذا حثّ أئمة الهُدى، عليهم السلام، على مداومة الأم لقراءة القرآن او الاستماع اليه خلال فترة الحمل. وعند تقدم العلم الحديث، تمكن العلماء من تسجيل اشارات عصبية وسمعية في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية، في مخ الجنين.
2- أول شيء حاسّة تعمل لدى الطفل، هي النطق بواسطة البكاء، حيث يمضي أيامه الاولى وهو مغمض العينين. وقد جاء العلم الحديث ليثبت لنا ان نمو المنطقة السمعية في المخ، تكتمل في وقت مبكر من حياة الطفل، لذلك يكون التعليم في المرحلة الاولى من حياة الطفل معتمداً على المعلومات المسموعة، فهو يفهم الكلام الذي يسمعهُ ويدركه ويعيده، ثم يحاكيه، فيتعلم الكلام في وقت مبكر جداً بالنسبة لتعلمهُ القراءة والكتابة.وما تجدر الاشارة اليه في مسالة السمع لدى الطفل، ما تدعوه اليه السنة الشريفة بتلاوة الأذان في الأذن اليمنى للطفل الوليد حديثاً، والاقامة في اليسرى، وذلك لكي يكون أول شيء يقرع سمع الطفل، الكلمات المتضمنة للتوحيد والنبوة، وان تكون دعوة الطفل الى الله والى الاسلام سابقة على دعوة الشيطان.
3- ان حاسة السمع تبقى تعمل اثناء نوم الانسان، تبقى ثمة مستويات وعي موجودة، حيث يتم تفسير الصوت، أو يستيقظ النائم او لا يستيقظ تبعاً لأهمية المعنى المسموع.
عندما تدعونا الآيات الكريمة والسنة الشريفة، الى ضرورة خفض الصوت، وعدم الحديث بصوت عال، فهنالك حكمة عظيمة وراء ذلك، أثبته العلم الحديث مؤخراً، قال الله - سبحانه وتعالى:
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، (سورة لقمان/19).
وقد أثبتت دراسات حديثة أن الضوضاء التي يتعرض لها الانسان باستمرار تؤثر سلباً على اداء القلب وتؤدي الى حدوث الذبحة الصدرية. كما ان الاصوات الصاخبة، في حال الاستمرار في سماعها، تسبب مشاكل في السمع واضطرابات في النوم وتؤثر سلباً على الحالة النفسية.
ثبت ان آخر حاسّة يفقدها الانسان بعد توقف قلبه او موته، هي السمع، فهي تبقى معه الى ساعات عديدة، وقد أثبت العلم الحديث بقاء السمع عند موت الانسان، كما يبقى عند تخدير المريض لبضع ساعات، وهذا ما يثبت الحكمة من تلقين الميت أكثر من مرة وتذكيره بالله -تعالى- وهو في ملحودة قبره.
ومن المهم ان نعرف أن الاصوات تصل الأذن الداخلية عن طريقين:
الاول: طريق الاذن الخارجية ثم الوسطى المملوءتين بالهواء في الانسان الطبيعي.
الثاني: طريق عظام الجمجمة، فالاهتزازات الصوتية تنتقل بالطريق الاولى بواسطة الهواء، وتنتقل بالطريق الثانية بواسطة عظام الجمجمة وهي ناقلة جيدة للأصوات.
وهذا ما اشاره اليه الامام علي، عليه السلام، حين قال: «أعجب لهذا الانسان ينظر بشحم، ويتكلم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفس من خرم».
وفي هذا العصر، حيث توصل فيه العلم الى كنه الاسلام المحمدي وعظمة وجوده، يتعزز الاعتقاد أكثر بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وما بقي علينا ألا ان نتفكر في آلاء الرحمن الذي خلق الانسان، وعلمهُ البيان، وجعل الدنيا له محل ابتلاء: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}،(سورة الانسان/2). فالابتلاء هنا؛ إما الشكر وإما الكفر. نسأل الله ان يجعلنا من الشاكرين الذاكرين لآلاء الله.