A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - صادق العبادي لـ (الهدى)

صادق العبادي لـ (الهدى)
لا خيار لنا سوى طرح كلمات و ثقافة أهل البيت [ع] للعالم
كتبه: السيد جواد الرضوي
حرر في: 2012/07/09
القراءات: 3563
* اذا فشل الإسلاميون علی المستوی السیاسي، سيرفضهم الناس ولا يرفضون الاسلام.
* الأولوية لخدمة الأمة والبناء الداخلي لها.
* نجاح الشيعة فی الماضی كان بسبب إلتزامهم خط الاجتهاد فی الفكر و الفقه.
* ما يحدث في «الربيع العربي» ليس حركة سياسية بحتة، بقدر ما هي حركة ثقافية - سیاسية.
* نحن أمام ثورات شعوب لا انقلابات عسكرية.
في زيارته الأخيرة لمدينة كربلاء المقدسة، وضمن سلسلة حوارات تعد لها المجلة، التقت أسرة التحریر،الأستاذ صادق العبادي،الكاتب والباحث في الشؤون التاريخية والاسلامية، وكان هذا الحدیث والحوار و تحلیل الرؤية حول مختلف الأحداث المعاصرة.

سألناه عن كيف ولماذا شهدت منطقتنا العربية والإسلامية هذا الحراك السياسي العارم الذي أسقط حكومات عاتية كانت راسخة في عالم السیاسة؟ كما سألناه عن سبب تزحزح العسكر والسياسيين عن كراسي الحكم، وعن العوامل التي تؤثر فياستمرارية الحراك الثقافي، و كذلك اسئلة عن امكانية نجاح الإسلاميين في الأداء السیاسي، وعن دور ابناء الأمة في نشر وحمل ثقافة أهل البیت عليهم السلام الى العالم، وعن مواضيع عديدة اخرى.

انه الكاتب والباحث في الشؤون التاريخية والاسلامية، والناشط الإسلامي الاستاذ صادق العبادي، الذي أجاب على اسئلتنا بإسهاب.
الهدی:منذ عام واكثر، والمنطقة العربية تشهد حراكاً سياسياً أثمر عن تغيير بعض الأنظمة في البلاد العربية، وقد أطلقوا عليها «الربيع العربي». بموازاة هذا الحراك السياسي، هل ترون أن هناك حراكاً ثقافياً جارياً في الساحة؟
** بدايةً؛ نبارك لمجلة «الهدى» عودتها الى الصدور، ونأمل ان تكون مجلة رائدة في مجال الثقافة والتغيير الثقافي.
بالنسبة الى سؤالكم عن العلاقة بين الحراك السياسي والحراك الثقافي، باعتقادي ان ما نشأ من تغيير بعض الأنظمة، هو نتيجة طبيعية للحراك الثقافي الذي شهدته البلاد العربية في العقود الماضية، وهذا أمر طبيعي، لأننا لسنا امام انقلاب عسكري كما كان یحدث سابقا أو احتلال عسكری كما حدث في العراق، وانما امام حركة و ثورة شعوب واعية، و شهدنا ذلك في شعب مصر وتونس وليبيا واليمن والبلاد الاخرى.
ولو نظرنا الی الوراء قليلاً؛ سوف نشاهد آثار حراكٍ ثقافي منذ بداية القرن العشرين، والذي تمحور في خطين متوازیین هما: الخط المؤيد للغرب ضمن الاطار العلماني او الوجودي او التحرري. والخط الآخر والذي تمحور حول الفكر الماركسي والاشتراكي، وكلاهما وصل الى السلطة بدعم خارجي. فكان انتصار الاتجاه العلماني والرأسمالي، بدعم من الدول الاوربية، سواء بانقلابات عسكرية او بـ «ثورات» حسب ما أطلق عليها حینها، فيما انتصرت الدول الاخرى التي سارت بالمنحى الاشتراكي تحت مسمى «الثورات الشعبية»، بدعم من الدول الاشتراكية. في ذلك التاریخ سيطرت تلك القوی طوال قرنٍ من الزمن على الحكم. فكانت بلادنا بعد سقوط الدولة العثمانية فی تركیا، وخلال حوالي ستة او سبعة عقود، تحت ظل الدول الموالية للغرب أو للشرق، لكن كلاهما لم یوصلنا الی ساحل الأمان و التقدم والرفاهية والاستقرار،وقد اثبتت فشلها في الواقع التطبيقي، أي لم يثبت نظام واحد على الاقل في البلاد الاسلامية او البلاد العربية التزامه بالمنهج الذي دعا اليه، أوطبّق الشعارات التي رفعها، سواء كانت شعارات ديمقراطية – غربية، او شعارات اشتراكية – ماركسية.
و منذ اواسط الأربعینیات والخمسينيات، بدأت الحركة الإسلامية بالنمو في البلاد العربية والاسلامية. واصطدمت بشدة مع تلك الحكومات وتم تطويقها بشدة، خصوصا فی العراق وسوریا ومصر وغیرها، لكن أول حصيلة لهذا النمو هي الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 بقیادة الامام الخمینی.بعدها بدأت الحركة مرحلة جدیدة من الحراك السیاسي والثقافي، خصوصا فی تركیا ومصر والعراق والخلیج وشمال افریقیا. مرة اخری بدأت السلطات المتسترة بشعارات العلمانية والدیمقراطية و الإشتراكية بضرب الحركة الاسلامية، ونحن نتذكر ماجری فی تركیا من انقلاب العسكر وما قام به نظام البعث فی العراق ونظام السادات فی مصر .
 نحن نعلم ان أية حركة وفي اي مجتمع ليست وليدة عامل واحد، وانما عوامل متعددة. وبعبارة اخرى، لم يكن انتصار الحركة الاسلامية في ايران وليدة الظروف الداخلية فحسب، انما للظروف والعوامل الخارجية ایضا دور فی دعم و استمرارية الحركات، ونقصد بالعوامل الخارجية ليس فقط دعم الدول بقدر ما هو الدعم المعنوي والمادي للشعوب والمنظمات والهیئات المدنية ايضا. مثلا وجود العلاقة بين الشعب الايراني وكلٍ من الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، وكذلك وجود العلاقة بين علماء الدين في ايران و نظرائهم في العراق (في النجف الاشرف و كربلاء المقدسة)، وكذلك العلاقة مع الشعب اللبناني والشعب المصري، كل تلكالروابط كانت لها تأثيراتها في إنجاح الحركة والثورة الاسلامية في ايران، اضافة الى تأثيرات وضغوطات الدول الغربية.
نحن نتذكر انه عندما نجحت الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، فإن اول طائرتين وصلتا طهران لدعم الثورة،جاءت من الكویت ولبنان، كانت الأولى من الكويت، وهي تُقل وفداً شعبياً كبيراً ارسله الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي «قدس سره»،للتهنئة بنجاح الثورة الاسلامية، والطائرة الثانية كانت لرئیس منظمة التحریر الفلسطینية الراحل ياسر عرفات، الذي جاء هو الآخر على رأس وفد كبير للتهنئة بنجاح الثورة. وهذا يعني ان الثورة الاسلامية في ايران كانت لها علاقات بالشعوب العربية والاسلامية، ولم تكن هناك قطيعة بينهما.
بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران، كانت الدول الغربية (أمثال فرنسا وامريكا وبريطانيا) تتصور ان بامكانها ان تحتوي هذه الثورة وتسیطر علی سیاساتها، كما احتوت الثورات الاخرى التي حدثت في مصر، واليمن، والعراق، والجزائر، والتي استطاعت، بأساليبها السياسية عبر حاجة تلك الدول الى الاموال والدعم او عدم صمود قادتها امام التحدیات، ان تحتوي تلك الثورات وتحرفها عن مسارها الواقعي والمعلن. علماً ان تلك الثورات لم تكن مجرد حركات مدعومة خارجیا،بل كانت ثورات مدعومة من الشعوب المتعطشة للتحرر و التقدم، انما دول الغرب كانت أذكى واكثر حنكة من قادةالثورات، فحرفت مسار تلكالحركات او اوجدت المشاكل امامها، وضغطت علیها الى درجة استسلام الحكومات التي انبثقت عن تلكم الثورات، و أتت بأناس ان لم نتهمهم بأنهم «عملاء» لها، علی الرغم من ظهور وثائق تشیر البعض منها الی حقائق خطیرة، فإنهم كانوا أكثر التصاقا بسیاسات وافكار الأجنبي.
وبذلك تمكنت الدول الغربية باجراء تغييرات لقادة الأنظمة السياسية في المنطقة عبر نفوذها، لكن الشعوب والحركات الاسلامية لم تبق مكتوفة الايدي، بل كانت دائما فی حالة حركة ونشاط. وما نشهده الیوم من تحرك فی معظم البلدان الاسلامية، انما هو استمرار لعقود من العمل الثقافي والسیاسي للحركات والشعوب و المفكرین .
 * حرية الاجتهاد الفكري والفقهي
الهدی: كيف ولماذا تزحزح العسكر والسياسيون عن كرسي الحكم في بلاد الربيع العربي؟ وماهي دلالات هذا التقهقر؟
**العبادي: باعتقادي؛ كان العالم الاسلامي يعيش ازمة فكرية حقيقية وواقعية، وهي ان الفكر الاسلامي كان يعيش في اطار التقليد بكل تفاصيله.لقد قمت قبل سنوات بترجمة كتاب صغیر الحجم ولكن بالغ الأهمية للشهيد آية الله الشيخ مرتضى المطهري تحت عنوان:»الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر»، يسلط الضوء على هذه النقطة وخلاصتها، ان قادة الحركة الاسلامية الشيعة انما نجحوا في ايران؛ لأنهم قادة التزموا بخط «الإجتهاد الفكري و الفقهي»، وخط التحرر الفكري، وعدم نجاح الحركات الاخری، كان بسبب الانغلاق الفكري فی تلك المرحلة اضافة الی العوامل السیاسية. یقول الشهيد المطهري:»نحن: عندنا اطار فكري هو الاسلام وعندنا القرآن الكريم، كما عندنا تفاصيل الشؤون السياسية والاجتماعية و الفقهية من خلال حرية الاجتهاد عند فقهاء الشیعة ومفكریهم بكل معناه. ان أخواننا في البلاد الاسلامية الاخرى، مثل لبنان و سورية ومصر، وبدرجة اقل في الخليج، كانوا اقل حظاً في التغيير، و نظراً لأزمة الفكر التقليدي الذي كانوا يعيشونه تأخر نجاح تجربتهم» .
 و في تصوري؛ان وجود شريحة من المناضلين والمثقفين والمفكرین الاحرار الذين هُجّروا ديارهم او هجروا قسرا واستقروا في اوروبا، بدأوا بحركة ثقافية جديدة اعتمدت اصول الانفتاح الثقافي والاجتهاد الفقهی، وهي الفكرة التي تمتد جذورها في الفكر الاسلامي،حیث ان البعض منهم اتخذ من الشيخ محمد عبده ومن السيد جمال الدين الافغاني نموذجاً فكرياً لهم، وقد شكل الحراك السياسي والثورة في ايران بقيادة الامام الخميني الراحل فی تلك الفترة، دافعاً قویا آخر لهم.
لكن یجب ان لا ننسى أن الحراك الثقافي لا يعطي ثماره خلال عام أو اكثر، إنما يحتاج الأمر لعقود من الزمن حتى يبلغ مرحلة النضج، وقد شهدنا مظاهر هذا الحراك، والذي اخذ اشكالاً متعددة،مثال ذلك تجربة تركيا..حیث انها كانت تحاول الإنضمام للإتحاد الاوربي، وكانت مطالبة بفتح اجواء الحرية السياسية، وجدنا ظهور الحراك السياسي – الاسلامي، متمثلاً بـ «حزب الرفاه الاسلامي» و «حزب العدالة والتنمية»، حیث شهدنا صعود الاسلاميين الى سدة الحكم من خلال الإنتخابات والتجربة الديمقراطية .أما بالنسبة الى البلاد الاخرى،مثل مصر، و سوريا، و العراق، فلم يكن هنالك مجال لنمو الحركة الاسلامية نظرا لقمعها، ولكنها لم تتوقف عن العمل والنشاط، بل نجد اليوم ثمار هذا النشاط.
لذلك،أحسب ان كل ما حدث في العام الماضي وما يحدث الان في البلاد العربية بما يسمى «الربيع العربي» ليست حركة سياسية فقط، بقدر ما هي حركة ذات جذور ثقافية، لكنها بالشكل سياسية. لقد شهدنا ثورة الجماهير في مصر، كما شهدنا توجههم نحو صناديق الاقتراع، السؤال هنا: من هم الذين انتخبهتم هذه الجماهير؟انهم انتخبوا ابناء الجيل الجديد، من تیارات الحركة الاسلامية متمثلاً بقیاداتها و بالمثقفين والمفكرین من ابنائها، سواءً في تونس او مصر او ليبيا، ولم یتوجه الشعب الی جيل العسكر ولا السياسيين المحترفين. والمثال الابرز الآخر، هو مصر، حيث يقود الاخوان المسلمون والتيارات الاسلامية الاخری الساحة السياسية.
 ومثال آخر على مكانة المثقفين والمفكرین المسلمین في ساحة التغيير، هو سوريا، حيث تم اختيار شخص مثل «برهان غليون»، وهوالمعروف بشخصيته الثقافية والفكرية، ليكون قائداً للحراك السياسي رغم انه يفتقد للخبرة والتجربة السياسية.
 * إنهم يختارون البدیل الاسلامي
الهدی: من وجهة نظركم.. ما هي العوامل التي تؤثر في هذا الحراك الثقافي، وتساعد على استمراريته؟ وما هي العوامل التي تثبط او تنشر بعض السلبيات في هذا الحراك؟
** العبادي: الجواب يكمن في معرفة خصائص هذا الحراك.ان الامة تبحث باستمرار عن حل لمشاكلها، ومعروفٌ ان حل الازمات والمشاكل لا يحدث بتعاطي المسكنات، تماماً كبعض الأمراض التي تصيب الانسان ولا تفيد معهاالأدوية المسكنة، بل تحتاج الى علاج ناجع وجذري. عندنا تجربة من تاریخ الامة الاسلامية بعد انتصار الاسلام في القرن الاول، بعد توسع رقعة الدولة الاسلامية الى الشرق والغرب، حدث خلل في واقع الامة الاسلامية، وهو ان حكومة الأمويين لم تتبن تطبیق مبادئ وجوهر النظام الاسلامي الذي جاء به النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، والدليل على ذلك، انهم حولوا الخلافة الاسلامية الى «ملك عضوض»، وحرفوها عن مسارها الشوروي، او حسب التعبير الحديث من»المسار الدیمقراطي» الی المسار «الدكتاتوري»، ولا يمكن تبرير التنازل عن مبادئ الشوری والعدالة والمساواة، بتوسع الفتوحات الاسلامية في ذلك العهد، لان الاولوية هي خدمة الامة والبناء الداخلي لها، ولیس التوسع السیاسي. وقد كانت ثورة الامام الحسین و العلویین وغیرهم فی هذا الاطار .
لقد ثار المسلمون بقيادة العلويين ضد النظام الاموي، وكان المفترض ان تكون ثمار الثورة لصالحهم، ولكن حصلت تغييرات وتطورات غيرت مسار الاحداث، - كما يعرف الجميع التفاصيل التاريخية- فوقع الحكم بيد العباسيين، لكن الحراك الثقافي لدى المسلمين لم يتوقف لوجود الأئمة المعصومين عليهم السلام، والاخيار من الفقهاء والعلماء. في بداية العصر العباسي، وفي القرن الثاني والثالث، كنا امام أمة و دولة كبيرة و شعوب، إلا اننا كنا نفتقد للنظام المتكامل للحياة، مثل نظام في الفقه، او في الاقتصاد، أو في السياسة وغيرها،لذا كان العباسيون، وهم في قمة هرم السلطة محتاجين للنظام والفكر الذي يمتلكه أئمة اهل البيت،عليهم السلام، وكانوا يستعينون بها بين فترة واخرى ويطبقونها، لكن من دون ان يعلنوا ذلك للناس.ان الدولة الاسلامية في ذلك اليوم، كانت تطبق المضمون الاسلامي، و عندما ندرس تلك التجربة نری ان المضمون الاسلامي كان فی حینه نظاما راقیا لا یقل عن المضمون العلماني الیوم . يفتخر العالم الیوم بالنظام العلماني ودعواته بحرية الانسان والدفاع عن حقوقه وكرامته، ويقصدون بان للانسان الحرية في ان يختار الدين او لا يختار.المشكلة ليست هنا.فالاسلام اول ما طرح و طبق حرية اختیار الانسان لدینه وعقیدته، بل المشكلة عند العلمانية في الدعوة القسرية الى فصل الدين عن السياسة، في حين ان الواقع يرفض فصل الدين عن السياسة،فهل ترك الغرب اليوم المسیحية؟ أم انه وضع للدین وللسیاسة حدوداً معینة؟.
لقد جاء الاسلام و ربط الدين بالسياسة، ولكن هذا الربط كان لخدمة الامة والفكر. وبعبارة اخرى، ان الدين والمؤسسات الدینية لم تكن محدِّدة بمعنى الغاء الحرية للامة،(باستثناء بعض التجارب الفردية والقصیرة)، وانما وضع الحدود أو الاطار العام لهذه الحرية، والعلمانية انما ظهرت في اوروبا بسبب ان الكنيسة وضعت حدوداً امام حرية العقل البشري باسم الدين،فقال الانسان الاوروبي: اذا كان الدين يحدد فكري وحريتي،فلا أريده. اما المسلمون فلم یواجهوا مثل هذا المأزق، بل العكس هو الذی حصل، عندما نادت القوی العلمانية عبر تجربة اتاتورك فی تركیا، و البهلوي فی ایران، و حزب البعث فی العراق وسوریا والناصرية فی مصر والیمن، بمحاربة عقائد الناس و فقهائهم و علمائهم. فقد رفض الناس الحكام، ولم يرفضوا الاسلام.
ان تاریخ الحكم الاسلامي، وبالرغم من تعدد الانظمة الحاكمة من الامويين الى العباسيين الى السلاجقة الى العثمانيين والصفويين،والذي دامثلاثة عشر قرناً، شكل علامة فارقة في تاريخ الحكم في ظل الدين. والسبب ان المنظومة الاسلامية في الحضارة وفي الحكم كانت أرقى مما طرحها دعاة العلمانية فی بلادنا،لانها لم تدعُ الى فصل الدين عن السياسة، بل مزجت الدين بالسياسة بخصيصة معينة.فالدين لا يقف امام حرية الانسان ولا حرية الفكر ولا تقدم البشر. ان الانسان يريد حرية في الفكر والحياة، لكنها حرية مؤطّرة بالقيم الاخلاقية، وأية حكومة لم تلتزم بمنح هذه الحريات، ثار ضدها الشعب، وجاء بحكومة اخرى.
واحسب الان ان الحراك الجماهیری لم يخرج عن ذلك الاطار بجوهره، انما اخذ مسميات وادوات جديدة. هذا الصراع بين الدين والعلم والسياسة، كان موجوداً منذ ذلك الوقت، وإنما اختلفت الادوات، كدخول الحاسوب والشبكة العنكبوتية مثل «الانترنت» والتی تُعد اليوم جزءاً من عوامل الحراك السیاسي والثقافي.
حالياً، لازالت هناك تیارات لاتزال تؤمن بالعلمانية، واخری تؤمن بالإسلام وثالثة لا تزال تؤمن بالماركسية، ورابعة تؤمن بالرأسمالية. هذه المدارس الفكرية مطروحة امام الشعوب لكي تختار ما ترید .واليوم نری ظاهرة ان الشعوب العربية والاسلامية اختارت المنهج الاسلامي في مصر،وفي تونس و في البلاد الاخرى، لقد اختار المجتمع مرشحين اسلاميين، ولم يختر علمانيين او ماركسيين او غربيين دعنا نفسح المجال لهذه التجربة وعدم الحكم عليها مسبقاً.
 * النجاح بشرطين
الهدی : مع وجود هذا الخيار الاسلامي واحتمال فرص نجاح الإسلاميين فی الانتخابات لوجود رؤیة لدی الشارع بانهم افضل الخيارات المطروحة، هل تعتقدون بأن الإسلاميين سينجحون في الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق اهداف وآمال الشعوب وتطبيق الشعارات المطروحةعلى ارض الواقع؟
** العبادي: هذه النظرة والأجواء الإیجابيةالسائدة في «بلاد الربيع العربي» تجاه الإسلامیین لن تستمر إلا بشرطين:
الأول: ان تلتزم القیادات والتيارات والأحزاب الاسلامية بالقیم والمنهج الاسلامي الصحيح وتقدیم اولوية مصالح الشعب علی منافعها ومصالحها، وان لا تجعل مصالح الأفراد والأحزاب الشخصية كأولوية علی حساب القيم وحرية الانسان، بل تضع حرية الانسان، وحقوقه وكرامته وعزته وتقدمه هي المحور.
الشرط الثاني: النجاح في التطبيق. ولا یكفي طرح الشعارات المغرية ولا التستر بالدین، انما المهم هو النجاح فی التطبیق والوصول الی الحد الأدنی من حاجات الشعب مادیا و معنویا.
ایضا هناك دروس هامة خلفها لنا التراث الاسلامي، فعندما نراجع تعاليم الامام علي، عليه السلام عندما يقول: «اذا دخل الفقر من باب خرج الإیمان من باب آخر»، وعندما نرى تعاليم اهل البيت عليهم السلام، في وصاياهم حول حقوق الجار، ومكافحة الفقر، واحترام حقوق الامة، وهذا كان واقع الامة. ان التاریخ نقل لنا ان الامام علياً، وبالرغم من انه واجه معارضة مسلحة من بعض الاشخاص، إلا ان الأمة لم تثُر ضده، لانه لم يجيّر حكمه لمصالحه الشخصية،فالناس يريدون عملاً. يريدون تطبيقاً، يريدون نظاماً یؤمن مصالحهم، فإذا فشل الإسلاميون في تطبيق القيم الإسلامية، فإن الناس سيرفضونهم. فالناس لا يرفضون الإسلام كدين، بل يرفضون التطبيق الخاطئ للاسلام.
الهدی: من الواضح، ان العالم يبحث عن الخلاص، والحراك في هذه الدول دليل على ذلك. الآن، كيف يمكن ان نركز على محورية ثقافة واخلاق وعلوم اهل البيت، حتى نستطيع ان نقدم تجربة مناسبة الى الشعوب الاسلامية؟
العبادي: كما يعرف الجميع، ان سیرة ومنهج اهل البيت،ولیس الحكم السیاسي للحكومات المتتالية،هو الذي حافظ على دیمومة الاسلام، فلولاهم، لكان الإسلام امام خطرٍ وتحدٍ كبیرين لحكام امثال یزید ومروان وغيرهما،الذين لم يكونوا يمثلون الوجه الحقیقي للاسلام .
ان وجود اهل البيت عليهم السلام، يتجسد في سیرتهم و فكرهم، ومنهجهم واخلاقهم. وعندما نقول:انهم انوار، بمعنى، نور العلم و نور الايمان و نور الأخلاق. ولي تجربة شخصية فی هذا المجال أود طرحها . عندما كنت مقیما في الولایات المتحدة الأمريكية في التسعینیات، دخلت مرة في مكتبة تابعة لمعهد اسلامي فی فیرجینیا، وكان مدير المكتبة مسلما أمریكیا،على غير مذهب اهل البيت، وقبل ان اطلب منه عنوان كتاب معین، كان مشغولاً بقراءة كتاب باللغة الانجليزية، فالقیت نظرة علی العنوان فكان «الصحيفة السجادية» للإمام علي ابن الحسین زين العابدين عليهما السلام.
 سألته: ماهذا الكتاب الذي تطالعه؟
أجابني: انه كتاب لعلي ابن الحسين، حفيد علي بن بي طالب، وهوكتاب قیم... وبدأ يمدح الكتاب أيما مدح. هذه القصة تدل علی ان المسلمین مازالوا ینظرون الی كلام وسیرة اهل البیت نظرة ایجابية خلافاً لما یتصوره البعض، لذا فان افضل الدفاع عنهم، لیس بذكر مساوئ مخالفیهم، وانما بعرض كلامهم وسیرتهم.
حدث لي موقف آخر وفي امريكا ايضاً، عندما ركبت مع صديق في سيارة، وكان السائق من المهاجرين العراقيين من اهل بغداد، ولم يكن علی مذهب اهل البیت عليهم السلام، وعرفت حینها انه مدير لأحدى مزارع الدواجن، فدار بيننا حديث فقهي حول حلّية اللحوم وطريقة الذبح وما أشبه.
فقال: «انا حنفي المذهب.. وعندما اردت معرفة افضل طریقة شرعية للذبح الحلال،درست المدارس الفقهية الخمس، وتوصلت الی ان أنسب طریقة شرعية وحتی من الناحية الصحيّة،ما طرحه الامام جعفر الصادق».
من كل ما تقدم، نستنتج ان أهل البيت، منهج وفكر،ولیس عاطفة وشعائر فقط، لكن مع الأسف الشديد ان البعض لایعرف اهل البيت الا من خلال بعض المراسيم الظاهرية.
لقد عاش الامام علي عليه السلام (63) سنة، وكل حياته وممارساته دروسٌ وعبر لنا، لكننا لا نذكر من سیرته ولا من تاریخه الا مظلومیته. كذلك الامام الحسين عاش (58) سنة، وكانت حياته وممارساته ايضاً دروسٌ وعبر، ولكننا لانعرف من هذا التاریخ الطویل، الا عشرة ایام أخیرة من حیاته فی كربلاء.ان علينا التوجه الى تاریخ و سيرة وكلام الأئمة واكتشاف ماذا فعلوا سیاسیا و اجتماعیا ودینیا وخلقیا،ماذا فعلوا طوال حياتهم مع اصدقائهم وموالیهم ومع اعدائهم ومنافسیهم، قبل تولیهم مقالید الإمامةوبعد ان تولوا مهام الامامة وابلاغ الرسالة. فالامام الحسين عليه السلام، رفع راية الاصلاح والتغيير في المجتمع منذ بدايات نهضته ضد الإنحراف والتضليل،وهتف: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً. وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي». إذن؛ عندنا نظام وفكر یمتد لأربعة عشر معصوماً، كل واحد منهم عنده تاريخ، وسنّة، وفكر، وعلم، وفقه واخلاق، فاذا اردنا ان ننجح، علينا ان نطبق هذا النظام والفكر السماوي، ولیس توجهاتنا الشخصية.
من هنا علينا تكثيف جهودنا على طرح نهج وسيرة أهل البيت عليهم السلام، وذلك من خلال عمل ممنهج ومنظم، مستلهمين بذلك من الحالة المنظمة التي علمنا إياها الاسلام، كما هي العبادات مثل الصلاة، والصوم، والحج.
 وهذا ما كان يقوم به الامام الراحل السيد محمد الشيرازي «قدس سره» لخدمة منهج اهل البیت فمن جملة نشاطاته، خلال فترة الستينيات والسبعینیات من القرن الماضي، تأليف ونشرالكتب او الكراسات الصغيرة،وعلى طول السنة، وهي تحمل نهج اهل البيت وشرحها للناس، ولیس التهجم علی الآخرین والانشغال بمثالبهم، وفي نفس الوقت كان سماحته «قدس سره» يعطي الشعائر الحسينية حقها. 
اذن؛ يجب علینا ان نتعلم من الامام علی بن ابی طالب والامام الحسين وباقي الائمة عليهم السلام، كيف كانوا يتعاملون مع اعدائهم، وكيف كانوا يتعاملون مع اصحابهم ايضاً. لكن للاسف هذه المعرفة قليلة في اوساطنا، بالمقابل هنالك معرفة ببعض الامور الظاهرية. في حين نجد ان اتباع المذاهب الاخرى ليست لديهم حساسية او موقف من حيث المبدأ إزاء أئمتنا، إذا ما طرحنا نهجهم وفكرهم بشكل صحيح، لاننا كأمة اسلامية لا خيار لدينا، سوى ان نطرح ثقافة وكلمات اهل البيت الى العالم، والتي هي امتدادا لسیرة الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله.
 * الاخلاص في النوايا
الهدی: سؤالنا الاخير ما هو دور القيادة المرجعية الآن في نشر ثقافة اهل البيت؟ وما هو دورنا نحن في نشر وحمل هذه الثقافة الى العالم المتعطش لها؟
** العبـــــــادي: في تصـــــــوري؛ سيبقى أئمة اهـــــــل البيت هــــــــــــــم القـــــــدوة والاســـــــوة، ولكن مع الأسف الشديد،وبالرغم من ادعاء البعض من انهم على منهج اهل البيت، إلا انهم فی الممارسة بعيدون عن ذلك المنهج . ولو ان أي مسلم شيعي، موالٍ يضع عشر خصال وصفات من احد الأئمة على ورقة، ويضع عشر خصال وصفات من بعض المدّعين بأنهم على نهج اهل البيت، ويقارنبین الإثنین، سيرى الفارق الكبیر وعدم وجود الالتزام بمنهج اهل البيت، الذي هو المنهج الواقعي. 
علينا ان نخلص نوايانا وان نلتزم الجانب العملي والسلوك القویم، ان تكون القیم الدينية وسیرة النبي والأئمة هو المقياس، وليس الولاء للافراد والرموز، يجب ان نلتزم بالمنهج الاسلامي الصحيح الذي يمثل خط الرسالة والرسول والامام. أما اذا لم تلتزم الفئة العاملة بالمنهج، فان الناس في قرارة انفسهم سوف لا يتركون الدين، إنما يتركون العاملین باسم الدین،وسوف یبحثون عن بدائل للوصول الى تعالیم الدين.
الهدی: هل من اضافة في نهاية هذا اللقاء الممتع معكم؟
** العبادي: نأمل لمجلة الهدی التوفيق والنجاح.
شكراً جزيلاً، على هذا اللقاء وعلى هذه الفرصة الطيبة.

ارسل لصديق