A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الدور الاستراتيجي للأجيال الشيعية الصاعدة

الدور الاستراتيجي للأجيال الشيعية الصاعدة
كتبه: الشيخ عبد المجيد فرج الله
حرر في: 2014/07/17
القراءات: 1968

شكّلت الأجيال الشيعية على امتداد التاريخ الإسلامي عماداً للرسوخ الديني، وحجر زاوية في بناء الصرح المجتمعي الإسلامي، ومركز الجذب الأبرز في المنجَز العلمي والفكري والأدبي والثقافي المسلم، وأهم أسباب هذا التألق المدهش هو الارتباط الوثيق بالمنظومة القيمية المنتمية للرسول الأكرم، وآله الكرام، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، مع الحب العميق المتوهّج بالولاء الوثيق والعاطفة الجيّاشة، يضاف إليهما نهج الرفض المطلق لحُكّام الظلم والجور والطغيان.

ومع ضخامة التضحيات الجسام، و غزارة الدماء التي شخبت من الأوداج الشيعية الصابرة، إلاّ أن التاريخ الساكت اقترف جنايات إضافية حين ساهم في تغييب هذا العطاء الذي ضخّ ديمومة الحياة في جسد الأُمة المسلمة المحتضرة، من جهة، ومن جهة ثانية فقد دافع هذا العطاء الشيعي عن الدين الإسلامي دفاعاً «استراتيجياً»، حين رفع عن الإسلام (ديناً)، تهمة القمع والدكتاتورية وسفك الدماء، التي وصمه بها المتربصون، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم. فاتضح - بفضل هذا العطاء الشيعي- الفرق الكبير والبون الشاسع بين الإسلام (ديناً وقِـيَماً)، وبين رموز الظلم والطغيان والقتل، كونهم الغاصبين للخلافة الدينية الشرعية من أصحابها الحقيقيين، وخارجين عن ملّة الإسلام، وإن لقبوا أنفسهم بألقاب مسروقة ليست لهم، مثل «خليفة المسلمين» أو «أمير المؤمنين»! ولولا هذه التضحيات، ولولا عطاء الولاء، ولولا الصبر والثبات، لاختلطت المسمّيات، وتشاكلت التوصيفات، ولبات مسمّى الإسلام هو نفسه مسمّى خلفاء السوء الذين حكموا باسم الإسلام لكنهم فتكوا أوّل ما فتكوا بقيم الإسلام، وتعاليمه وتشريعاته.

من هنا يمكن لكل مُنصِف أن يقول: لولا الشيعة لما بقيت أمّة اسمها «الأُمة الإسلامية»، ولولا أئمة أهل البيت لما تشكلت هذه الثلّة الواعية التي سُمّيت «الشيعة»، ويُضاف إلى هذا أن القرآن الكريم حُفِظ بأئمة أهل البيت، عليهم السلام، بوجودهم، وجهودهم، وبجهادهم، واستشهادهم، وكان شيعتهم الموالون لهم يسيرون على آثارهم، ويستنيرون بأنوارهم.

 

* إبداع و انتاج وتطور

إن من الأهمية بمكان، تسليط الضوء على الدور الاستراتيجي للأجيال الشيعية الصاعدة في بناء الحاضر وإنمائه، وفي التخطيط للمستقبل وبنائه. وهذا يتطلب دقة في «الرصد» و»التقويم»، مع شجاعة في الاعتراف بالأخطاء والعثرات.

ومن أهم ما يُرصَد؛ تنامي الأجيال الشيعية باضطراد كبير ومدهش، وهذا التنامي يتركّز في منحيين أساسين؛ في العدد السكّاني، وفي العطاء الحضاري. فعلى امتداد قرون طويلة كان الشيعة يُقتلون ويُسجنون ويُضطهَدون، ولم يكن لهم ملجأ إلاّ العمل بالتقية للتخلص من هذا الجور الشديد والعسف الإجرامي، الذي اقترفه ملوك السوء وسلاطين المنكر. ومع كل هذا فأعداد الشيعة تتكاثر وتزداد، وتبقى ناصية تطوّر العلم والفكر والأدب والثقافة، - في الأعم الأغلب- بأيادي شيعية. ويكفي للتدليل على ذلك مراجعة ملايين الأسماء لمخطوطات ومطبوعات ألّفها الشيعة ملأت مكتبات العالم بأسره، وهي جزء مما تبقى من ملايين الكتب الشيعية التي أُحرقت، أو سُرقت، أو أُغرقت، أو أُتلفت، وليس أولها «مكتبة سابور»، ولا آخرها مكتبات العراق والبحرين والمنطقة الشرقية في بلاد الحجاز.

وللأمانة العلمية والتاريخية، يمكن القول بكل يقين إن أغلب المُنجَز العلمي الرصين والنتاج الإبداعي الجميل للفكر الإسلامي (كفكر)، وللفقه الإسلامي (كفقه)، وللأدب الإسلامي (كأدب)، قد كان بأنامل شيعية! ولا يمكن تعداد الأسماء العلمية اللامعة لكثرتها، لكن نذكر واحداً على سبيل المثال لا الحصر هو العالم الشيعي جابر بن حيان الذي يُعرّفه علماء الغرب بأنه «أبو الكيمياء». أما ما تبقّى من ذلك المنجَز العلمي الرصين والنتاج الإبداعي اللطيف، إن يكن شيعياً، فهو بأنامل متأثرة بهذا المدّ الشيعي العلمي والأدبي والثقافي، ويمكن أن يؤخَذ «ابن أبي الحديد المعتزلي» كعينة دراسة ناضجة.

هذا على صعيد الرصد، وأما على صعيد التقويم فسأكتفي بنقطة واحدة أيضاً، وهي أنه مع الظروف السياسية الصعبة، والأساليب القمعية القاسية، ومع استمرار محدّدات التقية الشديدة، لم يمت الحماس الشيعي أو يتلاشى، ولا حتى ليفتر أبداً، بل خطّ الموالون رغماً على مزوّري التاريخ أسماء لثورات شيعية كبرى، وصَولات ولائية مُزلزِلة، كما انتزع المارد الشيعي أراضي مهمّة في قلب الرقعة الإسلامية ليؤسس عليها دولاً شيعية مستقلة، كالدولة الحمدانية الممتدة من حلب، فحمص، فالموصل، والتي شكّلت رأس الحربة، بل كل الحربة المدافعة عن الإسلام وبلاد الإسلام ووجود المسلمين، والتي خاضت أشرس حروب الدفاع عن المقدسات بوجه الروم الغزاة.. أو ليؤسس هذا المارد دولاً شيعية شبه مستقلة كالدولة البويهية تحت ظل الحكم العباسي. أو دولاً بين الاستقلال التام وشبه الاستقلال كالدولة المزيدية الأسدية في الحلة الفيحاء، والتي انتقلت إليها الحوزة العلمية ونشأ على أرضها مئات المجتهدين، ومنهم العلامة الحلي، والمحقق الحلي، وآلاف من أقرانهم وطلاّبهم.

 

* أخطاء من داخل الكيان الاسلامي

بقي - في هذه العجالة، ضمن حدود المقالة- أن نتحدث عن الشجاعة في الاعتراف بالأخطاء والعثرات، فأقول: إن الأجيال الشيعية تعاني في المرحلة الراهنة من تداعيات ممارسات الأجيال المسلمة غير الشيعية، التي تعيش حالة التخدير، وسلب الإرادة، وإشاعة الميوعة والترف، والدلال والسرف، فأصبح العرب والمسلمون مستوردين مستهلكين في سوق مفتوحة، الرابح الوحيد فيها أصحاب الرساميل الضخمة التي تستحوذ على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، حتى باتت أغلب واردات النفط العربي والموارد الطبيعية والثروات المعدنية تنزل مباشرة في حسابات الدول الأجنبية، التي تصدّر لدولنا آخر صيحات أجهزة الاتصال، وآخر موضات قصّات الشعر والملابس، بأثمان تستولي على أغلب دخل الفرد اللاهث وراء هذا السحر الخلاّب..! أما ما تبقّى من نقود فيصرفها شباب دول المنطقة ورجالها على بائعات الهوى الحرام في المنتجعات والجزر الخضراء التي يجني أرباح سياحتها خصومنا وأعداؤنا أوّلاً بأوّل.

ومن لا ينساق وراء هذه الميوعة والترف فأمامه صنائع الأعداء النازلون إلى الواقع المسلم بأذقان يهودية طويلة، وأفكار ماسونية شديدة، تدعي تقديس السلف، وتنادي بالجهاد العالمي، وهم يكفّرون الشيعة وكل من لا يعترف بهم سادةً وقادةً، فينشرون القتل والدمار، والإرهاب والخراب، والذبح والخطف، والتفجير والتهجير، في كل مكان. حتى تتشوّه صورة الإسلام من جهة، وحتى يُلقوا شباب المسلمين في أتون حرب شعاراتها برّاقة، ونيرانها حرّاقة، القصد منها إلهاء المسلمين، وتشويه الدين، والحد من انتشار الفكر الإسلامي الذي بدأ يناغم العقول المنفتحة في دول العالم بأسرها بعد انتشار الكتاب الشيعي، وارتفاع الصوت الشيعي في كل بقاع العالم.

نعم، ليس من المستغرب أن لا نسمع بأسماء عصابات صهيونية لها تاريخها الطويل الموغل في الجريمة، أو أن يختفي الحديث عن المافيات الماسونية ومحافلها المشبوهة، فقد تبدّلت الأسماء فقط، وتغيّرت الأدوات المنفّذة وحسب، وكل ذلك بتأثير الهجمة الشرسة لخصوم الإسلام من جهة، وتواطؤ وإذعان حكّام بلدان الإسلام من جهة ثانية، وبتلك الفتاوى التكفيرية التي يُطلقها مُفتو الفتنة، والمتلبسون بلبوس الفقه الوهابي الضالّ.

وبالتالي فإن هذه الهجمة الشرسة قد أخذت لها مسارات جديدة إضافة إلى مساراتها الأُولى المتمثلة بإشعال حروب كبرى بين دول شيعية كإيران والعراق لتحصد الشباب الشيعي حصراً، والمدنيين الشيعة غالباً. أو بإشعال معارك دامية بين جماعات شيعية كما حصل في لبنان في ثمانينيات القرن العشرين، وكذا ما جرى في العراق إبّان الاحتلال الأمريكي بعد (2003). فعمد أعداؤنا والخصوم إلى العمل على مسارات جديدة، أرست لها قواعد منذ نصف قرن من الزمان، وأهم مسارين من تلك المسارات هما: مسار التجهيل، ومسار التمييع. ولتحقيق هذين الهدفين، حاول خصوم الشيعة تسطيح الوعي لدى الجماهير الشيعية أولاً، والعمل على إفشال التحصيل الدراسي لدى التلميذ والطالب الشيعي، ومنعهما من الحصول على الشهادات العلمية العالية، حتى يُحرَم العقل الشيعي من النمو الدراسي والعلمي، بدءاً من المدارس الابتدائية، مروراً بالثانوية، ووصولاً إلى الجامعة، وانتهاءً بالدراسات العليا والبعثات والزَمالات في الجامعات العالمية. وكان الإفشال المتعمّد للتحصيل الدراسي يتمحور حول ثنائية المنهج المشوّش المعقّد، والمعلم والمدرس المُنهَك والمقيَّد والمهدَّد. فإذا مرّت على هذه الحال عشر سنين أو عشرون سنة، سيكون جيل المعلمين والمدرسين جيلاً مأزوماً مهزوماً يخاف من الجهر بصوته، لئلا يُقذَف في جبهات الحرب، أو يُقذَف في زنازين السجون وأحواض التيزاب، ثم سيتولى التعليم والتدريس أُولئك الطلبة الفاشلون والضعفاء، خاصة وأن معاهد المعلمين تقبل أقل الدرجات، وأضعف المستويات.

وبعد كل هذا تأتي مرحلة التجويع والحصار، إلى أن يُضطرّ بُناة الأجيال (المعلمون والمدرسون) للعمل في مهن مهينة -عُرفاً- كصبغ الأحذية أو جر عربات الحمل، إذا لم يرضَخوا لبيع الأسئلة للطلاب، وأخذ الرُشى من التلاميذ!

 

* فصل الحوزة عن المجتمع

وفي هذا الوقت بالذات عمل خصوم الشيعة المتسلطون على ضرب الحوزة العلمية باعتقال العلماء الأعلام وإعدامهم والتنكيل بأُسرهم، وملاحقة من يعينهم أو يحاول مساعدتهم. ومن تبقّى منهم لم يجد ملجأً إلا الهجرة بالدين خارج الحدود. هذا كله مع صمت عالمي مُطبِق، ورعاية استكبارية من الدول الكبرى المتسلطة على مقدرات الشعوب والأُمم للطواغيت القتَلة المجرمين. وكان هؤلاء الأعداء يعوّلون على انقطاع القواعد الشعبية والجماهيرية عن حوزتها العلمية ومراجعها وعلمائها وخطبائها. وحتى لا ننسى معاناة خطباء المنبر الحسيني، نذكّر بحملات التصفية الشنيعة، إذ تتبّع الأعداء الحاقدون خُدّام الإمام الحسين، عليه السلام، وخطباء منبره الشريف سجناً وإعداماً ودهساً بالسيارات، وسقياً للسمّ، أو حقناً بالإبر المميتة، لذا نشأ جيل جديد مقطوع أو شبه مقطوع عن ذلك التراث الثرّ العظيم الواصل من سادتنا أهل البيت، عليهم السلام، وهكذا فقدنا علية العلماء والأساتذة، كما فقدنا نفائس المطبوعات والمخطوطات الدينية والأخلاقية الإسلامية بعد أن نُهِبت المكتبات وأُحرقت الكتب، وضُيّق على الكُتّاب والمؤلفين والأُدباء والمثقفين والقرّاء والمتعلمين بأشد المضايقات وأبشع التجاوزات، حتى أصبح العلماء على ندرتهم غرباء في أوطانهم.

هذا قليل من كثير، وقد ذكرتُ بعض الشواهد استطراداً للتدليل أو التذكير، وهو نزر يسير، وإلاّ فالخطر أكبر بكثير، والطامّة الكبرى أكبر من الشرح والتفسير.

لكن هل نستسلم؟!

كلا، وألف كلا.

إن دماً يتوهّج بحب الحسين وآل الحسين، لا يمكن أن يجمد ويخمد ويركد.

وإن روحاً مفعمة بالقيم التي أشاعتها روح الإمام الحسين، و أرواح آله وأصحابه لن تُهزَم وتحطّم وتستسلم.

إذن ماذا نفعل؟ وما هي خطواتنا العملية للخروج من هذا المأزق الخطير؟ وما هي خططنا للتواصل مع انتمائنا لدم الإمام الحسين، ولروح الإمام الحسين، والطاهرين من آله، والشهداء من أصحابه؟ وفي الوقت نفسه، كيف نجعل حاضرنا عامراً بقيَمنا التي تقدم التطور الأرقى والتغيّر الأسمى؟ مع الحذر، كل الحذر من دعوات التغيير المشبوه والتطوّر المزعوم الذي يشيع ثقافة الانحلال والاضمحلال التي يروّج لها أعداؤنا وهم يستهدفون محو وجودنا بمسمّيات خادعة مثل «الحضارة»، و»ثورة الاتصالات»، و»الديمقراطية»، و»التمرد على سلطة الآباء التقليديين والمعممين المعقّدين»..!

هل نملك نحن (حضارة) ؟

نعم ؟

ما هي؟ ما مقوماتها؟ ما سِماتها؟ ما نقاط القوة فيها؟ ما مدى السعادة التي تحققها؟

هل عندنا ديمقراطية؟

بل عنـــــــدنا نظام هــــــــــــو أرقــــــى من الديمقراطية.

ما هي؟ ما مقوماته؟ ما سِماته؟ وبماذا يختلف عن غيره؟ وما نقاط قوته؟ كيف يتحقق؟ وما مدى السعادة التي يحققها لنا ولأجيالنا؟

كيف نستفيد من ثورة الاتصالات.. الاستفادة التي تجعلنا محافظين على قيمنا النبيلة وعلى الفضيلة في الوقت الذي نتواصل فيه بسلاسة مع كل العالم من حولنا، وقد أصبح قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات؟

ثم كيف يكون تعاطينا مع آبائنا؟ ومع علمائنا؟ وما هو شكل العلاقة الصحيحة مع الأُسرة؟ ومع الحوزة؟

هذا بعض ما سنتناوله إن شاء الله في المقالات القادمة. فانتظرونا .


ارسل لصديق