A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الدور الاستراتيجي للأجيال الشيعية الصاعدة ... حضارتنا إرتقاء وإسعاد

الدور الاستراتيجي للأجيال الشيعية الصاعدة ... حضارتنا إرتقاء وإسعاد
كتبه: الشيخ عبد المجيد فرج الله
حرر في: 2014/09/13
القراءات: 1749

هل إننا حقاً نملك (حضارة) ؟

نقول: نعم.

وسرعان ما تنهمر الأسئلة: ما هي؟ ما مقوماتها؟ ما سِماتها؟ ما نقاط القوة فيها؟ ما مدى السعادة التي تحققها.؟

وحتى يكون التحليل علمياً، والاستنتاج سليماً، لابد من أن نلمّ بمصطلح «الحضارة»، ونتابع التطور التاريخي لهذا المصطلح النابض الناهض.

المعنى اللغوي للحضارة لا يتجاوز معنى الإقامة في الحَضَر، وكلمة الحَضَر والحاضرة تعني خلاف البادية، ويكون المراد من التحضّر والحضارة، الاستقرار السكني في المدن والقرى. أما المعنى الاصطلاحي فهو أعمق من ذلك و أشمل، بل هو حتى أكثر عمقاً وشمولاً من توصيف «ابن خلدون» الذي كان لنتاجه العلمي توصيفات نهضت بعلم الاجتماع في معرض حديثه عن التاريخ والعمران، فهو يرى في عوائد الترف البالغة مبالغها، مدعاة للتأنّق»..في علاج القوت و استجادة المطابخ وانتقاء الملابس الفاخرة في أنواعها من الحرير والديباج وغير ذلك ومعالاة البيوت والصروح وإحكام وضعها في تنجيدها والانتهاء في الصنائع في الخروج من القوّة إلى الفعل إلى غايتها». فكلامه يدور حول المعنى اللغوي لكلمة الحضارة بشيء من التوسع والبسط. كما لم تختلف عن هذا المعنى كلمة «Civilization» الفرنسيّة التي بدأت تتلاقفها الألسن بعد سنة 1734م، والتي تشير إلى أهل المدن، لتفرّق بينهم وبين أهل الأرياف أو أهل الغابات أو البرابرة. لكن المعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة الفرنسية بدأ يتطور بالفعل بعد أن أراد به الأوربيون مجموعة الخطط والنظم الكفيلة بإشاعة النظام والسلام والسعادة.

وحتى لا يتشعب بنا الحديث أكتفي عند هذه الإلمامة بتطوّر المصطلح. لكنني أنبّه إلى الترابط الوثيق بين «الحضارة» و»المجتمع»، وكذا التداخل الكبير بين مصطلح «الحضارة» ومصطلح «المدَنيّة» من جهة، ومصطلح «الثقافة» من جهة ثانية. وبعيداً عن كل النقاشات في التفاصيل، نفهم أن المراد من الحضارة هو طراز العيش الذي يكون سائداً في مجتمع من المجتمعات بما يحقق هويته التي تتخطى به مرحلة التوحش والبربرية. فالحضارات إذن هي أعلى تجمُّع ثقافيّ للناس وأوسع مستوى لهويّتهم الثقافيّة.

 

* أسئلة تبحث عن إجابات

وعلى ضوء كل ما سلف نجيب عن الأسئلة السابقة: ما هي هذه الحضارة التي ننتمي إليها؟ ولا يتأخر الجواب الجميل: إنها الحضارة الإسلامية. فينطلق سؤال في غاية الروعة: وما هو قانونها ودستورها الذي يحدد مساراتها ويعطي لأفرادها حقيقة الانتماء لهذه الحضارة؟

ويأتي الجواب أسرع من سابقه متعطراً بالفخر والاعتزاز: إنه القرآن الكريم. فينبثق سؤال غضّ جديد كلمح البصر: ومن هو قائدها؟ وبأسرع منه يأتي جوابه الندي: إنه رسول الله محمد, صلى الله عليه وآله,. لكننا حينما نتلقى السؤال الذي يتلوه: ومَن بَعد وفاة محمد؟ نختلف في الجواب، ويقع التقاطع، بل ـ وللأسف ـ الاحتراب!!

وهكذا عندما نُسأل: ما هي مقومات حضارتكم الإسلامية؟

تأتي إجاباتنا الكثيرة المنيرة من لُباب القرآن، ومنها على سبيل المثال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة آل عمران /102-105)، لنأخذ بتفصيل هذه الآيات وشرحها، ونستخلص منها مادة لمقوّمات الحضارة الإسلامية الأشمل والأقدر على تحقيق عنصرَي الديمومة العلمية بصرحها الشامخ، والمنظومة الأخلاقية بإسعادها الباذخ. وبذا لا تكون الحضارة الإسلامية حضارة الجدران والبنيان والعمران، بل هي أولاً حضارة الإيمان والأمان واحترام الإنسان. ثم نتبجّح بسماحة الإسلام ونفتخر، ونقول عنه: إنه لا يُلغي الآخر، ولا يُحاول تحطيم أتباع الديانات الأُخرى، بل يخاطبهم بكل رفق، ويستثير عقولهم والضمائر، بالقول المبارك: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون} (سورة آل عمران /الآية:64). وهذا كله من أرقى ما يكون، لكننا ننكسر حين نُسأل: هل التزمتم أنتم بهذه الآيات أو القوانين بعد وفاة نبيّكم؟ نتلكّأ في الإجابات، ونختلف أشد الاختلاف في إلقاء التبعات والمسؤوليات على عواتق أفراد أو تحزبات أو جماعات.

والحال نفسه يتكرر حين يأتينا السؤال: ما هي سِمات حضارتكم؟ وما هي أوصاف الأفراد الحضاريين المتحضرين بها؟ إذ سرعان ما نأتي بالإجابات القرآنية من أمثال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * .. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (سورة الفرقان /الآية 63-76). وإذا سُئلنا عن كيفية حوار الآخر من أجل إقناعه بعقيدتنا، وعن كيفية تعاملنا مع المتجاوزين علينا، نبادر إلى الآيات الكريمة من سورة النحل {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون}. وهذه كلها منطلقات لبناء أحسن إنسان حضاري، وبناء مجتمع متحضر بأحكم بناء عقيدي أخوي متسامح متراحم يتواصى بالحق ويتواصى بالصبر. لكن.. وما أقسى لكن! حين نُجابَه بالقول: أين أنتم من الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن يوم غدر خالد بن الوليد وجيش الخليفة أبي بكر بمالك بن نويرة وقطعوا رأسه وجعلوه تحت قدر الطبخ يشوى بالنار الموقدة، حتى يتقوّى خالد بن الوليد على اغتصاب زوجة مالك بن نويرة بعد ساعة من مقتله؟! مع أنه كان مسلماً يصلي بصلاتكم ويدين بدينكم!

ويتواصل إحراجنا إذا سُئلنا عن نقاط القوة في حضارتنا الإسلامية، فرُحنا نجيب بالآيات الشريفة، وراح الآخرون يواجهوننا بسرد الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها خلفاء وأُمراء وقادة و وزراء تسنّموا مناصب الحكم من بعد وفاة رسول الله, صلى الله عليه وآله, عدا فترة حكم الإمام علي وولده الإمام الحسن,عليه السلام, إلى سقوط بغداد على أيدي المغول، بل إلى سقوط بغداد على أيدي الأمريكان، و راح ضحية تلك الجرائم والتجاوزات ملايين بعد ملايين من الأبرياء، وعلى رأسهم آل الرسول الذين قُطعت رؤوسهم وطِيفَ بها في بلدان الإسلام! ألم يقل القرآن عن رسول الله, صلى الله عليه وآله, ومن هم حقاً على منواله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (سورة الفتح، الآية: 29).

ولا يكون حالنا إذا سُئلنا: ما مدى السعادة التي تحققها الحضارة الإسلامية؟ بأحسن من حالنا في الإجابات السابقة، بعد اعتراضات المعترضين علينا!

 

* البحث عن الحل الجذري

إذن أين تكمن المشكلة؟

تكمن في الخلط..!

الخلط ما بين خطّين مختلفين تماماً عاشهما تاريخ الإسلام بعد وفاة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، هما خطّ إمامة أهل بيت رسول الله، ووجوب الولاء لهم قولاً وعملاً. وخط الخلفاء الذين أخذوا الخلافة من أئمة أهل البيت، والذين اتبعهم أغلب الناس إلى يومنا الحاضر. فالدماء لم يُرقها أئمة أهل البيت، ولا أتباعهم المخلصون الذين كانوا يدفعون عن أنفسهم القتل الشنيع بسلام التقية ورقي الأخلاق الفاضلة التي هي سجية جُبلت عليها قلوبهم الرحيمة إذ عمّرها ألق الولاء الحاني لأهل البيت الكرام عليهم السلام. خط أهل البيت ليس خط الدماء والتجاوزات، ولا هو خط انتهاك الحرمات، ولا هو خط القتل والنفي والإذلال والاستعباد.

بل هو خط الإيمان والأمان، والعِلم والحِلم، والسلام والوئام، والرحمة والحكمة، والرفق والصدق، والبناء والارتقاء، والكرامة والسلامة، والطاعة لا الخلاعة، والأخلاق لا الإحراق، والإقناع لا النزاع، والحوار لا الدمار، والنقاش لا الهراش.. فحتى نفهم الحضارة الإسلامية فهماً صحيحاً، علينا أن نأخذ بخط أهل البيت، وبهذا يمكننا أن نجيب ونحن مرفوعو الرؤوس عن أسئلة المعترضين؛ بأننا أتباع آل محمد, صلى الله عليه وآله, الذين لا يعترض عليهم معترض، ولا ينال منهم مُنتقد، ولا يدينهم مُدافع عن حقوق الإنسان، ولا حتى حقوق الحيوان. فالقاسم المشترك الذي يلتقي عليه المسلمون وغير المسلمين تقديساً واحتراماً وإجلالاً وإكراماً هو أهل البيت المعصومون, عليهم السلام، وإن لم يعترف بعضٌ بعصمتهم، إلاّ أن أحداً لم يُحصِ عليهم ذنباً أو تجاوزاً أو انتهاكاً أو تعصّباً!. ولذا نقول بكل ثقة: إنّ بنهج أهل البيت الصحيح والتزامهم الحق تُشاد الحضارة الأرقى والأسمى، والأروع والأنصع، والأسعد والأخلد.

 

* كل شيعي له دور ينتظره

من هنا تتعاظم مسؤوليات الأجيال الشيعية الصاعدة في أخذ زمام المبادرة للتواصل مع عقول مفكّري العالم، وعلمائه، وقادته، ومثقفيه، وطبقاته العاملة، ورجال دينه، وسائر أفراده. والعمل على استثارة ضمائر أحرار جميع الدول، بالتواصل معهم بلغاتهم، ونحن نبشّر بالحضارة الحقة التي من مصلحة أبناء البشر الأخذ بها للخلاص من الحروب والدمار والويلات والنكسات والمجاعات والإخفاقات. ويكون تواصلنا مع تلك العقول والضمائر بتوظيف كل وسائل الإعلام المؤثرة، من مرئية ومسموعة ومقروءة، توظيفاً إسلامياً خالصاً، وبكل لغات العالم، وكخطوة أُولى نأتي إلى أسهل وسيلة من وسائل الإعلام، وهي صناعة الكتاب، فنطبع بأنفس الطباعة الأنيقة الفاخرة مقتطفات من نهج البلاغة، ورسالة الحقوق، والصحيفة السجادية، وأقوال سادتنا الأئمة الطاهرين, عليهم السلام, ونهديها إلى كل مفكّر وعالم وشاعر و روائي وقاص وناقد وفنان تشكيلي أو مسرحي أو نجم سينمائي ، ولكل أُستاذ جامعي، ومدرّس، ومعلّم، وإلى كل سياسي يقود دولة أو حزباً أو منظمة سياسية أو مدنية، ولكل مثقف يمكن أن يؤثر في مجموعة من الأفراد، حتى نصل بفكر أئمتنا إلى كل طبقات مجتمعات الدول، وقد أشار بعضهم سلام الله عليهم إلى أن الناس «لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»

من هنا لا يقولنّ أحد: لا أستطيع أن أفعل شيئاً.

بل كل واحد يستطيع. فلنبدأ الترجمة إلى كل لغات العالم، ولنجمع الأموال منّا جميعاً أفراداً، وجمعيات، ومواكب، ومؤسسات، ومرجعيات، وعتبات مقدسة، وديوان وقف شيعي.. حتى نساهم جميعاً في إيصال صوت الإسلام العظيم الحضاري الحق بلسان أهل بيت العصمة والطهارة إلى كل أصقاع المعمورة.

على جيلنا الشيعي أن يتخلى عن الخدر ومحدودية التفكير الشخصي، وأن يعرف مكانته في قلب التغيير العالمي الذي حان أوان زراعته بأيدينا، وعما قريب يحين قطافه بأيدي إمام زماننا, عجّل الله تعالى فرجه, إن شاء الله القوي العزيز، لتكن حركة كل واحد منّا حركة سلام عالمية، في زمن حركات الخصوم النواصب التي هي حركات إرهابية دموية بشعة شنيعة، وحتى نأخذ دورنا الفاعل - تأسيساً على ما أكّدناه في المقال الأول- من أنّ الأجيال الشيعية السابقة ليست ضعيفة، ولا خائرة، ولا حائرة، ولا رقماً سهلاً، ولا وجوداً هشاً، بل شكّلت على امتداد التاريخ الإسلامي عماداً للرسوخ الديني، فلنكن مثلها، وكانت هي حجر الزاوية في بناء الصرح المجتمعي الإسلامي، فَلْنصِر على قدرها، واستطاعت أن تؤكّد في المسيرة التاريخية للإنسان بأن نبض الولاء هو قطب الجذب الأبرز في المنجَز العلمي والفكري والأدبي والثقافي المسلم، فلنسر على خُطاها في العلم والفكر والأدب والثقافة والفن والإعلام والترجمة والتواصل.. نعم، إن أهم أسباب التألق الشيعي المدهش هو الارتباط الوثيق بالمنظومة القيمية المنتمية لسيدنا رسول الله,صلى الله عليه وآله والأئمة الميامين عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام,.

 فلنسأل أنفسنا: كم عندنا من نسبة ارتباط راسخ بقناعات علمية بتلك المنظومة القيمية؟ لقد كان الشرف كل الشرف للشيعة وهم يرفضون حُكّام الظلم والجور والطغيان رفضاً مُطلقاً على الرغم من كل قسوة الذبح والعسف التي مارسها أُولئك الطغاة وأتباعهم المجرمون. وبذا كان لهذه التضحية الشيعية الكبرى ثمار مونقة تمثلت في ضخّ دم الحياة بديمومة شابّة في جسد الأُمة المسلمة المحتضر، كما أن هذه التضحية المذهلة قد دافعت عن الدين الإسلامي «كدين» دفاعاً «استراتيجياً» بتنزيهه من تهمة القمع والدكتاتورية وسفك الدماء، التي ألصقها به المتربصون والحاقدون والأعداء على اختلاف مشاربهم ومآربهم وانتماءاتهم واجتراءاتهم. ولولا هذه التضحية الشيعية الحضارية التي فرّقت بين الإسلام «ديناً وقِـيَماً» وبين غاصبي الحكومة الإسلامية وهم طغاة الظلم والجور والقتل والتنكيل، لاختلطت المسمّيات، وتشابهت التوصيفات، بين «الإسلام» و»الخلفاء الحاكمين باسم الإسلام» ، وبين «أئمة أهل البيت المعصومين» و»علماء البلاط الحاكم». فبالتضحية الشيعية حُفِظت «الأُمة الإسلامية» كأُمة حضارية دينية. فأين نحن الآن من روح التضحية هذه؟ وإذا كانت أعداد كثيرة تُضحي بسخاء في رد عدوان النواصب والتكفيريين، فإن أضعافاً مضاعفة مستسلمة للأحداث التي يصنعها أعداؤنا وخصومنا، حتى أصبحنا منفعلين بالأحداث، لا فاعلين لها، ولا صانعين. اليوم التحدي أكبر. لكن حركتنا فيه أسهل وأيسر، والذين لا يجاهدون في جبهات القتال بإمكانهم أن يأخذوا دورهم في جبهات هي أكثر راحة، وأنعم رفاهية. فحركتهم يمكن أن تنطلق وهم جالسون في بيوتهم، بإمكانهم أن يتواصلوا مع كل العالم بشبكات التواصل الاجتماعي، بإمكان الكاتب أن يكتب وهو على مكتبه، والمترجم أن يترجم وهو في بيته، والممثل أن يمثل وهو على خشبة مسرحه، أو أمام عدسة المخرج، وبإمكان المساهم في التبرع لأي وسيلة من وسائل الإعلام أن يودع في حسابها أي مبلغ بكبسة أزرار. لنكن بمستوى الأمانة الشرعية، والمكانة الحضارية، والمسؤولية التاريخية، من قبل أن نعض على الأصابع، حيث لا ينفع الندم!


ارسل لصديق