A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - العلامة الشيخ محمد سعيد المخزومي لـ (الهدى)

العلامة الشيخ محمد سعيد المخزومي لـ (الهدى)
النجاح في نشر ثقافة أهل البيت، عليهم السلام، في العالم مرهون بتجردنا عن مصالحنا الشخصية
كتبه: محمد علي جواد تقي
حرر في: 2013/12/14
القراءات: 2976

- ولد الشيخ محمد سعيد المخزومي في مدينة النجف الأشرف عام 1952 في كنف عائلة متدينة، محافظة، عانت وناهضت اضطهاد و وحشية النظام البائد، ودفعت الثمن باهضاً.

- أتم دراسته الجامعية في جامعة الموصل - علوم الكيمياء عام 74/1975م، وفي عام 1978م، تقدم إلى جامعة مانشستر لغرض إتمام دراساته العليا في بريطانيا، وما أن راسلته الجامعة، حتى بدأ التصعيد الارهابي والقمعي من قبل النظام الصدامي ضد المعارضة، الأمر الذي أضطره لاختيار طريق المعارضة للنظام الفاسد، ويتفرغ للعمل التنظيمي، وتربية الشباب الناهض في صفوف الحركة الرسالية، لتعبئتهم في مواجهة النظام.

- في عام 1988 اضطر للهجرة إلى كندا، لمواصلة جهاده ضد نظام البعث، متفرغاً للبحوث والدراسات الاسلامية والإستراتيجية، فكتب العديد من الكتب والدراسات والمقالات.  بعث منها إلى الجمعية الوطنية اطروحة الدستور العراقي بعد أن طبع ونشر في العراق قبل تأسيس الجمعية الوطنية.

- تفرغ لمناقشة ازمات الوقع السياسي للعراق ونشر على صفحات الانترنت. مازال متفرغا للبحث والكتابة والتأليف في ميدان التنمية الاجتماعية وتطوير الشخصية وبناء الإنسان، اضافة إلى مناقشة الأمور العقائدية بمنهجية جديدة غير تقليدية، فضلاً عن ممارسة دوره الديني في الوسط الاجتماعي في بلاد المهجر.

* تمهيد

الشيخ محمد سعيد المخزومي، أحد أبرز علماء الدين الرساليين المقيمين في كندا، وهو أحد الاساتذة المربين لجيل من الخطباء والكتاب والمثقفين خلال العقود الماضية.  اضطرته ظروف المهجر لأن يحطّ الرحال في كندا، ليواصل من هناك دوره الرسالي، والعمل في سبيل الله، بنشر قيم وثقافة أهل البيت، عليهم السلام. خلال تواجده في أرض المقدسات زائراً لمرقد الامام الحسين، عليه السلام، استثمرت «الهدى» الفرصة للقاء به والتحدث اليه عن مختلف القضايا الثقافية والدينية، وما يتعلق بالشعائر الحسينية وانعكاسها على الانسان الغربي. تحدث لنا بدايةً عن الانفتاح على الأديان والثقافات، والتعايش الاجتماعي واحترام التنوع الديني الذي تتميز به كندا عن سائر البلاد الغربية.  وقد أشار غير مرة الى وجود القصور في التبليغ والعمل الرسالي، وعدم الاستفادة الكاملة والصحيحة من أجواء الانفتاح والفرص الجيدة المتاحة في كندا، حيث القانون الكندي يحترم ويحمي الديانات وعقائد الانسان.  كما تحدث لنا عن دوره الاجتماعي في كندا، والمساعدة على فضّ بعض الخلافات العائلية بسبب تقاطع العادات والتقاليد الاجتماعية الخاصة بالمهاجرين العراقيين، مع العادات والاجواء العامة في كندا. وهو يشعر بالارتياح لأن وفقه الله تعالى لأداء هذا الدور الرسالي - التبليغي لما فيه خدمة المسلمين في البلاد البعيدة عن أجواء الاسلام.

أما الجهد الحقيقي والأكثر يصبّه سماحة الشيخ المخزومي للبحث والكتابة والتأليف في المجالات الفكرية والثقافية. علماً إنه رفد «الهدى» بسلسلة مقالات مميزة ورائعة تحت عنوان «المؤمن المتحضّر»، نشرت في إثني عشر عدداً.

 

* واليكم نصّ الحوار:

- الحسين، عليه السلام، معروفٌ في الغرب.. - إلى حد ما - الى أين وصلت قضيته ونهضته هناك؟ وما مستوى الادراك والتفهّم في الغرب؟ وهل هو في تصاعد؟

- الامام الحسين، عليه السلام، أكبر من أن نستوعبه، لذلك نحن كمسلمين وموالين، مقصرون في نشر الإسلام أولاً؛ وإيصال منهج الامام الحسين، عليه السلام، ثانياً؛ فاذا استطعت في تلك البلاد ان تبين الى الناس بعض وجوه من كلام الامام الحسين، أو كلام اهل البيت، عليهم السلام، ستجد الاقبال الشديد، لأن الإمام الحسين، عليه السلام، كبير في عطائه، وكبير في تمثيله للسماء. وهنا؛ لا أبخس الناس أشياءهم، فهنالك الكثير في البلاد الغربية، يؤدي دوره بمقدار امكاناته وقدراته، وهذا موجود و لله الحمد، لكن نقول: مهما كان من عمل ونشاط وجهد، فهو دون المطلوب لايصال صوت الامام الحسين، عليه السلام، الى العالم. 

إن الغربيين يعرفون الإمام الحسين، عليه السلام، لكن لم تصلهم أحاديثه وكلماته ومواقفه بالتفصيل، وذلك بفضل الانفتاح على الديانات والثقافات، كما عرف الناس في الغرب بشكل قاطع ونهائي، إن مذهب اهل البيت، عليهم السلام، هو مذهب السلم والتعايش والقيم الانسانية والاخلاقية، وليس التطرف والعنف والتكفير.

ومن عادة الانسان الغربي، حبّه وولعه بالجديد وللحقيقة، فاذا حدثته بكلام عن أهل البيت، عليهم السلام، يتأثر ويستفهم عن مصدر الحديث ومن أين..؟ ثم يشكرك لأنك علمته شيئاً جديداً في الحياة. إنهم جربوا الحياة من كل نواحيها، لذا يسعون دائماً للجديد والأصيل للحياة. وكما جاء في الزيارة: «كلامكم نور و أمركم رشد ووصيتكم التقوى»، فاذا تعطي كلام ونهج أهل البيت، عليهم السلام، الى الانسان الغربي تجده يستأنس ويتفاعل، بمعنى أن الناس هناك متعطشون الى الجديد والى كلام أهل البيت المطابق للفطرة الانسانية. لكن أكرر القول: أننا بشكل عام مقصرون، بخلاف بعض الاخوة القادمين من بلاد الغرب ويتحدثون عن نشاطاتهم وأعمالهم، وأنا أقول: كلا.. لأن مهما عملنا وفعلنا فالرسالة عظيمة والمهمة كبيرة جداً، لأن الامام الحسين، عليه السلام، كبير ورسالته عظيمة، فلو أدينا ما يلزم علينا - حقاً- في بلاد الغرب فان هذه البلاد تتجه كاملةً صوب الإسلام.. يقول الامام الصادق، عليه السلام: « تعلموا علومنا وعلموا الناس، فاذا عرف الناس محاسن كلامنا اتبعونا».

 

- مع وجود هذا القصور في نشاطنا التبليغي والثقافي بشكل عام، في البلاد الاسلامية، وفي بلاد الغرب.. ماهي برأيكم عوامل النجاح أمام علماء الدين والخطباء والكتاب ليحققوا النجاح في مسيرة إيصال صوت أهل البيت، عليهم السلام الى العالم؟

 

- لتحقيق ذلك؛ في بلاد الغرب وايضاً في بلادنا، علينا أن نرتقي روحياً ومعنوياً، ونتجرد من كل ما يشدنا الى الارض ويهبط بنا الى الحضيض، لان كلام اهل البيت، سلام الله عليهم، كلام رفيع و رسالتهم إلهية كبيرة، فاذا بلغنا ذلك المستوى الرفيع وتجردنا من كل شيء - ولو بمقدار معين-، نستطيع ان نفهم ونستوعب كلام أهل البيت، سلام الله عليهم، وحينئذ نتمكن من نشره في العالم.

إذن؛ لدينا مشكلة نفسية.. فهنالك كوابح و أهواء ومصالح تحول بيننا وبين مستوى ثقافة وسيرة أهل البيت، سلام الله عليهم، وايضاً نهج الحسين، عليه السلام، ونهضته العظيمة. وهذه مشكلة عامة يعاني منها المسلمون في كل مكان، وهم مسؤولون الى جانب العلماء والمبلغين، في نشر الإسلام وقيمه وثقافته. فالاهواء والمصالح الشخصية، تضع غشاوة على عين الانسان، تمنعه من الارتقاء والسمو والتطلع الى الأفق لاكتشاف الحقائق، لذا علينا أن نشحذ الهمم ونقوي العزيمة على الإصلاح الذاتي، وأن نطهر النفس، وهذا بحاجة الى جهد كبير، وهو يستحق العناء والتعب، لأن في هذه الحالة يمكننا القيام بما لم يقدر عليه أحد.

 

- لنتحول الى المنبر الحسيني، وباللغة الانجليزية.. يا حبذا لو تحدثونا عن هذا الإبداع في بلاد الغرب، ومدى تأثيره؟ وهل هناك مشروع تعليمي لتشجيع الشباب و توسيع هذا المشروع في بلاد الغرب؟

 

- لله الحمد، هذا ما نشهده في بلاد الغرب، فهنالك جيل من الشباب الطامح والمتحفّز في هذا الاتجاه، ليس في الوقت الحاضر، إنما منذ سنوات. ومنذ اليوم الاول لوصولي كندا، دعوت الى هذه المبادرة، وأكدت على هذه القضية، بأن نحثّ الشباب على المحافظة على اللغة العربية، الى جانب اللغة الانجليزية التي يتلقونها بالأساس خلال تواجدهم في المدارس والجامعات، ثم يتوجهون الى دراسة العلوم الاسلامية، وعلوم أهل البيت، سلام الله عليهم، ومن ثم يتقن فن الخطابة وإلقاء المحاضرات الدينية والثقافية، وبذلك نكون قد زودنا الانسان الغربي بثقافة اسلامية حيّة نابضة وبلغته الخاصة، بدلاً من أن نعطيه كتاباً مترجماً قادماً من البلاد الاسلامية، ربما يواجه مشاكل النقل والوصول، فضلاً عن بعض المشاكل الفنية في النشر والطباعة، بينما الخطيب الشاب عندما يتحدث باللغة الانجليزية، فانه يضخ الوعي والثقافة مباشرة الى المستمع الكندي والامريكي وغيره في بلاد الغرب.

طبعاً؛ عندما نقول هنالك شباب متحفزون في هذا الاتجاه، ليس بمعنى جميعهم، إنما هنالك شريحة من الشباب المؤمن الذي يرى في نفسه القدرة على تحمل هذه المسؤولية، فنراه يتوجه لتعلّم علوم أهل البيت، عليهم السلام، وعلوم القرآن الكريم والحديث واللغة العربية، ثم يستوعب كلام أهل البيت، عليهم السلام، وسيرتهم ونهجهم، ليكون قادراً على إيصال الفكرة والرسالة الى الآخرين. وأعداد الخطباء في تزايد سنة بعد أخرى، ولله الحمد، حيث تشهد الحسينيات والمساجد في كندا محاضرين وخطباء شباباً باللغة الانجليزية. وقد حصل أن الآباء العراقيين هناك، تفاعلوا مع هذه المجالس، وطلبوا أن يرافقوا الخطباء ليستمعوا هم ايضاً المحاضرات باللغة الانجليزية لكسب الفائدة.

مع كل ذلك؛ أؤكد على القول: بأن ما موجود ليس بمستوى الطموح، إذ علينا العمل بشكل مضاعف في هذا الاتجاه، نظراً الى أن الشاب له قدرات كبيرة في التأثير على الاجواء الاجتماعية وايضاً السياسية في بلاد الغرب، وأخص بالذكر الدوائر الرسمية هناك، وايضاً المدارس والجامعات وغيرها، فالشاب ربما يكون في المستقبل مهندساً او عالماً في الأحياء أو الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها، أو حتى يشغل منصباً سياسياً في البلد الذي يقيم فيه، مما يجعله أمام فرصة كبيرة للتأثير والتغيير، وهذا ميدان مهم علينا الاهتمام به.

أما عن مدى تأثير هذا المنبر على الجو الاجتماعي في الغرب وفي كندا، فان الانسان الكندي، - كما اسلفت- محب ومتطلع لكل جديد من الثقافة والفكر، لما يفيده في حياته، لذا أجد البعض يتواجد بين الحضور في المجالس الحسينية والمحاضرات الدينية. وحصل أن ذات يوم، وبينما كنت أحاضر باللغة العربية في أحد المراكز الدينية في كندا أمام حشد من الاخوة المؤمنين، واذا أسمع تحت المنبر أحد المستمعين من العراقيين، وهو يترجم محاضرتي الى اللغة الانجليزية لأحد الجالسين من المواطنين الكنديين.

هذا الحضور، بالحقيقة؛ ثمرة جهود الشباب المؤمن الجامعي والمتعلم الذي يدعو أصدقاءه من الكنديين الى حضور المجالس الدينية في الحسينيات والمساجد لسماع ما يلقى من أفكار جديدة ومثيرة، لم يسمعها الانسان الغربي من قبل، وهي افكار تدعو الى التسامح والتعاون والمحبة، ومجمل القيم الاخلاقية والانسانية.

 

- هنالك حديث يُشاع في أيام إحياء ذكرى الإمام الحسين، عليه السلام، عن الاستغراق في الجانب العاطفي فيما يتعلق بذكرى عاشوراء والأربعين الحسيني. في مقابل غياب لجانب العقل والفكر في القضية الحسينية. ما ردكم على ذلك؟

 

- بدايةً نقول: إن إظهار العواطف إزاء القضية الحسينية ليس بعيب أساساً، إنما هو جزء من الواجب، ثم إن العاطفة حالة طبيعية في الانسان، وعدم وجودها يمثل حالة شاذة، لان القسوة ضد العاطفة، فالانسان القاسي هو انسان شاذ وغير طبيعي، فالانسان الذي يحمل المشاعر والعواطف ويتحسس بآلام ومشاعر الآخرين، فهو انسان طبيعي في المجتمع، أما اذا كان عديم الاحساس والعاطفة، فانه يكون بعيداً عن الانسانية. وهذه مسألة مفروغ منها.

أما هل هنالك استغراق في قضية إبداء المشاعر العاطفية إزاء القضية الحسينية؟ الإجابة؛ كلا.

هنالك حقائق هامة علينا معرفتها وادراكها فيما يتعلق بالنهضة الحسينية:

أولاً: ما نستلهمه من حديث أمير المؤمنين، عليه السلام، يقول: « الناس اعداء ما جهلوا..». بمعنى إن الذي يعرف الامام الحسين، عليه السلام، حق معرفته، ويدرك بالذي جرى عليه وعلى عياله وأهل بيته في صحراء كربلاء سنة 61 للهجرة، سيجد أنه مقصّر جداً، وليس فقط يشعر بالقليل مما يفعله للقضية الحسينية.

من هو الامام الحسين..؟! ولماذا البكاء عليه، عليه السلام؟

إن التعزية والمصيبة المقامة في كل مكان على الإمام الحسين، عليه السلام، إنما هي تجسيد لعزاء رسول الله، صلى الله عليه وآله، لولده وفلذة كبده، و في سبطه القتيل، الذي مثّل الرسالة المحمدية عندما وقف أمام القوم وهم مصرون على قتاله ونكث البيعة له. كما هي مصيبة أمير المؤمنين والصديقة الزهراء والحسن، وايضاً هي مصيبة الامام الحجة المنتظر، سلام الله عليهم أجمعين.

ثانياً: يبدو أننا صغار جداً بحيث نعد البعد الزمني الفاصل بيننا وبين واقعة كربلاء، تدعونا لأن لا نستكثر من التفاعل والتأثر والبكاء على الإمام الحسين، عليه السلام، وما جرى عليه.. هنا تبدو مفارقة عجيبة حقاً.. فنحن نعيش في أرض صغيرة، و في عالم صغير، وعلى كوكب صغير، هو ينتمي الى مجرة في حد ذاتها هي صغيرة بالنسبة الى الكون الفسيح، بمعنى نحن صغار بالنسبة الى البعد الزمني الحقيقي الذي يفصلنا عن واقعة كربلاء. ربما يتصور البعض أن الرقم (1374) سنة كبير وفاصلة زمنية طويلة بيننا وبين واقعة كربلاء التي حصلت سنة 61 للهجرة. لكن لنرى من خلال عملية حسابية بسيطة حقيقة أنفسنا، وكم نحن صغار..!!

يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن يوم القيامة: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (سورة المعارج /4)، فاليوم الواحد في القيامة، يعادل (50 ألف) سنة مما يعد الانسان في حياته الدنيا، فكم عاش البشر منذ خلق آدم حتى اليوم؟ حسب بعض الاحصائيات يُقال أن المدة استغرقت حتى الآن، عشرين ألف سنة فقط، بمعنى أقل من يوم واحد عند الله تعالى، بل ربما ساعات معدودة، ثم لنلاحظ البعض كيف يستكثر انقضاء فترة ألف سنة ونيف على مصاب الإمام الحسين، عليه السلام..؟

من هنا نعرف، أن المصيبة طرية وحيّة ونابضة، والرسول الأكرم و أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين، والأئمة المعصومون جميعهم، عليهم السلام، يتوجعون لهذا المصاب الجلل، كما لو أنه حدث بالأمس..

وإذن؛ لا استغراق في العواطف والبكاء على مصاب الامام الحسين، عليه السلام، بالمرة، لأن هذا الشعور يعني وجود شعور بالضعة والصغر أمام هذه القضية الكبيرة والعظيمة. ثم لا ننسى حديث الرسول، صلى الله عليه وآله: "الحسين اكبر في السماء منه في الارض".

بمعنى أن أهل السماء يفهمون الامام الحسين، ويستوعبونه، أكثر من أهل الارض، بمن فيهم من علماء وفقهاء ومفكرين وعباقرة وفلاسفة، و سمهم ما شئت.. تبقى مسألة الغاية والهدف من البكاء على الامام الحسين، عليه السلام، فنن نتألم ونحزن على الامام، سلام الله عليه، لانه خليفة الله، وهو المؤتمن على رسالة السماء، من بعد جده الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو خليفة الله في الارض و حجته، على عباده. ثم إن للإمام الحسين، عليه السلام، مشروعاً سماوياً جاء لكي يؤديه للناس، لكنهم لم يكونوا بالمستوى المطلوب فعمدوا على قتله، لذا فهو «قتيل الله» و «ثأر الله». وهذا ما نذكره في زيارتنا للإمام، عليه السلام، حيث نقول: «السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا حجة الله..».

ومن أبرز ملامح المشروع السماوي والإلهي الذي حمله الامام الحسين، سلام الله عليه، هو منهج الحق لحياة الانسان، بما يؤمن له الخير والسعادة والأمان، لذا نحن نبكي فقدان الأمة تلك القيم والمثل والمبادئ التي ضحى من أجلها، عليه السلام، وبذل من أجل إحيائها دمه الطاهر، وتحمّل مع أهل بيته كل الأذى والآلام والمصائب.

ثالثاً: لقد جسّد الإمام الحسين، عليه السلام قيم الحياة برمتها.. بمعنى أن الانسان يجد كل ما يحتاجه في حياته في الحسين، عليه السلام.

ربما يقول البعض أن قيم الحياة موجودة لدى هذا المفكر أو ذاك الفيلسوف، أو ذاك المتغرّب.. بينما الحقيقة هي أن قيم الحياة متجسدة في الإمام الحسين، عليه السلام، فقط، بدليل إن قيم الحياة نجدها عند صانع الحياة، و صانع الحياة، وهو الله تعالى، أنزل هذه القيم الى رسله وانبيائه و أوصيائهم الى الارض، ومن ثم فان الامام الحسين، هو وارث قوانين الحياة الطيبة، وإذن؛ علينا أن نتعلم هذه القوانين والأسس منه، سلام الله عليه، والذي ضحى من أجلها وأبقاها حيّة طرية على مر الزمان. فاذا اردنا قيم الحياة الحقيقية عن المزيفة، علينا الالتزام بتلك القيم التي صبغها الامام الحسين، سلام الله عليه، بلون دمه الاحمر، لذا لا نجد منظومة قيم متكاملة ومصبوغة بالدم والتضحيات الجسام، مثل القيم التي تجسدت في واقعة الطف.  نعم؛ ربما يحصل انسجام وتلاقي بين هذه القيم السماوية السامية، وبين قيم انسانية صاغها البشر، نقول إن مصدرها هي النهضة الحسينية، لأن هذه القيم لم تأت بالمجان أو من بنات أفكار انسان جلس في مكان آمن ومريح، وفكر وتدبّر، ثم كتب ونشر افكاره، إنماجاءت بالمواجهة الدامية والتحدي والصبر والصمود والتضحيات. بالحقيقة؛ ومن منطلق تجربتي الشخصية في التبليغ لثقافة أهل البيت، عليهم السلام، أسأل نفسي احياناً عن السبيل والطريق الأقرب لإيصال صوت الامام الحسين، عليه السلام، الى الانسان الغربي..؟

ربما يفترض أن أكتب شيئاً أو أتحدث عن النهضة الحسينية بالشكل والصيغة التي تقع في نفس الانسان الغربي ويثير مشاعره وأحاسيسه، بما يدفعه للتضامن والتفاعل.

مثلاً؛ لو أتينا الى أحدهم و سألناه عن إنسان يسكن بالقرب منك، وهو معروف بصلاحه وأخلاقه وطيبة قلبه، وبيده البيضاء الممدوة الى الآخرين، وتحليه بكل القيم والفضائل، وبشكل عام، له دور حيوي وفاعل في صناعة الحياة الطيبة والآمنة لجميع ساكني تلك المنطقة، ثم ترى هذا الانسان المتجسدة فيه كل تلك الخصال والمواصفات العظيمة، وهو مطروح أرضاً ويذبح مثل الكبش. ما يكون موقفك..؟!

هذا السؤال والمشهد يهزّ الانسان الغربي من الأعماق، فالانسان هناك لا يقبل بأي حال، ان يتعرض إنسان الى القتل ذبحاً، لذا أقول: اذا استوعب الانسان الغربي حقيقة الامام الحسين، عليه السلام، وحقيقة نهضته وأهدافها ومراميها، فانه بالقطع واليقين سيتأثر ويتضامن مع القضية الحسينية، وربما تكون فرصة له للاستبصار.

 

- اذا كان البكاء والتألم على القيم والمبادئ التي ضحى من أجلها الحسين، عليه السلام، فان أمير المؤمنين وقبله الرسول الأكرم، صلوات الله عليهما، ضحى ايضاً من قبل، لأجل نفس هذه القيم السماوية، فلماذا البكاء والنحيب على الحسين فقط؟

 

- إن رسول الله، هو أمين الوحي، وقد نزلت عليه كل علوم وقيم ومبادئ السماء، ثم أودعها عند أمير المؤمنين، ثم أودعت عند الحسن، ثم عند الحسين، بمعنى ان الحسين، عليه السلام، اصبح وريثاً لقيم وعلوم السماء، وعلى حين غفلة من الأمة تعرضت القيم والمبادئ السماوية التي جاء بها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، الى التصدّع والمحاربة على يد الانقلابيين الامويين الذين جاءوا من بعده، لذا فان الامام الحسين، تصدّى لهؤلاء الانقلابيين، وكشف زيفهم و أطاح بمشروعهم الانقلابي، وكان الثمن هو تضحياته بدمه الطاهر. وإذن؛ فان البكاء على الحسين، هو بكاء وحزن على ذلك الإرث العظيم الذي تعرض للانتهاك والاعتداء من قبل أعداء الله والاسلام.

من الأمثلة على هذه الاعتداءات والانتهاكات، ما روج له الحكام الطغاة من أحاديث كاذبة ونسبوها للرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، منها: «اذا أخطأ الحاكم فله أجر، واذا اصاب فله اجران»! بينما نرى أن الامام الحسين، ضحى للإبقاء على كلمات الوحي الحقيقية والناصعة بين الأمة، وصون الدين عن الانحراف والزيغ الذي قاده الأمويون.

 

- هنالك سعي واضح في الغرب، لربط الاسلام بالعنف والارهاب. ما هو السبيل باعتقادكم لتقديم قيم النهضة الحسينية، التي تمثل الدين الاسلامي الصحيح، بدلاً عن الاسلام المشوّه الذي يروجون له في الغرب؟

 

- بدايةً، أؤكد أن هنالك واقعاً في الغرب، بفضل الله سبحانه وتعالى وببركة فكر وثقافة أهل البيت، يجعل التشيع بعيداً عن تهمة الارهاب والعنف، حتى أن الغربيين، باتوا يميزون بين الارهابي وغيره، فاذا كان الانسان شيعياً ومن أتباع أهل البيت، عليهم السلام، لن يتعرض للاتهام والضغوط مثل غيره، ولن تحوم حوله الشكوك.

حصل أن احد الاخوة كان يروم عبور الحدود الكندية الى امريكا، وفي الحدود، حقق معه ضابط الجوازات بشكل مركّز وأطال معه الحديث، فقال له الاخ العراقي، لماذا تتعب نفسك، فأنا شيعي..! وما أن عرف الضابط الامريكي هوية هذا الاخ، سمح له بالدخول فوراً.

وهذا نابع من معرفة الغربيين بفكر أهل البيت، عليهم السلام، الذي لا يدعو الى العنف والكراهية. فلم يسمعوا مرة أن انساناً شيعياً فجر نفسه وسط الناس، او قتل المصلين او النساء والاطفال. وهذا بفعل المتابعة للمشهد السياسي في المنطقة، فقد بات معروفاً الجهة والمدرسة التي تدعو الى الدمار والارهاب، وهذا بحد ذاته فضلٌ من الله سبحانه وتعالى، وليس بفضل الناس، وبفضل أهل البيت، سلام الله عليهم، الذين جعلوا اتباعهم محترمين، مكرمين في كل مكان. وهذا ما ألمسه خلال اقامتي في كندا، وكذلك الحال في امريكا، فالمنطقة التي اسكنها وتدعى «سكارلبورو» بمدينة تورنتو، معروفة لدى الكنديين بالجريمة، لكن الحي الذي نسكنه يتميز عن سائر الأحياء بالهدوء والاستقرار، وهذا لمسناه وعرفناه من تقارير الشرطة الكندية، بان الحي الذي يسكنه الشيعة، أكثر المناطق أمناً واستقراراً بين سائر المناطق، وهذا بفضل الحالة الدينية الموجودة بين أوساطنا الاجتماعية، مثل الحسينيات والمساجد والمراكز الدينية.

وهناك قضية اخرى مهمة، يجدر بنا الاشارة اليها في هذا السياق؛ وهي أن المسؤولين الكنديين يوصون الآباء بحفظ الهوية الدينية والثقافية للطفل المسلم، فهم يرغبون أن يكون الطفل في المدرسة، يتقن اللغة العربية، ويحمل الالتزام بالدين الاسلامي، لأن هنالك معادلة لديهم؛ أن الذي يلتزم بقيمه وهويته سيلتزم بقيم الدولة التي يعيش فيها. أما الانسان المتجرّد من القيم والالتزامات، فان طريق الجريمة والمخالفات سيكون مفتوحاً امامه. وتشير احصائيات الجريمة في بلاد الغرب، بأن معظم المجرمين من لصوص وقتلة وارهابيين، هم من اللادينيين، فهم لا يدينون بدين، ولا يعتقدون بالالتزامات الدينية والاخلاقية. كما ان الجيل الحاضر في الغرب نراه يغلب عليه الحالة اللادينية، لذا نرى انتشار حالات السطو على البنوك والقتل ومختلف الاعتداءات.

هذا الفراغ الروحي والمعنوي في الغرب، يُعد فرصة كبيرة أمام اتباع أهل البيت، عليهم السلام، لأن يحملوا مشعل الفكر والثقافة الوهاج والأصيل الى العالم، واستثمار الظروف والاجواء المتاحة هناك لمزيد من الانتشار للاسلام المحمدي الأصيل.


ارسل لصديق