A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - من وحي عاشوراء ... الأمة تختبر قوتها في الجهاد والاصلاح

من وحي عاشوراء ... الأمة تختبر قوتها في الجهاد والاصلاح
كتبه: الشيخ عبد الحسن الفراتي
حرر في: 2015/11/19
القراءات: 3415

أشعلت (عاشوراء) أملاً كاد أن يموت في القلوب، وأصبحت مقاومة الظلم حتمية دينية تفرضها روح كربلاء.

ليست القضية؛ أن الحسين قتل، وإنما القضية: ان الحسين، عليه السلام، قام بثورة اختزلت في فصولها الاصلاح والجهاد معاً، وبين القتل والثورة مسافة طويلة.

كانت شعارات الثورة ثلاث كلمات: من اجل الاصلاح من اجل الحق من اجل التحرر والاصلاح يعني: إرجاع الاوضاع الشاذّة الى وضعها الطبيعي، من دون ان يكون للإمام مطمع مادي في ذلك، والحق يعني؛ سيادة القيم الانسانية، والتي تتكفل بتحقيق الخير والكرامة للإنسان، والحق هو هدف كل الاديان والرسالات، أما التحرر فهو الخروج من قيود المجتمع الفاسد، ومن ضغط الشهوات. فمن دون الحرية لا يمكن الوصول للحق، ومن دون الحق لا يمكن تحقيق الاصلاح. فلابد من جهاد مقدس يوصلنا اليه.(1)

لقد انعكست مبادئ الثورة الحسينية على جميع الثورات الاصلاحية التي تلت ثورته المباركة والتي قامت ضد انظمة الحكم الفاسدة، فأصبحت هذه المبادئ عرقاً نابضاً يجري في دم الثوار والمصلحين من المسلمين وغيرهم، فكانت شعارهم؛ طلب الاصلاح في الدين والدنيا، لذا اصبح اسم الحسين، رمزاً للثورة والجهاد ضد كل انواع التعسف والاضطهاد، وعنواناً للتضحية والفداء، كما اصبح اسمه الشريف مصدر قلق وخطر على كل دعاة الظلم من الطغاة والمستكبرين في كل زمان ومكان.(2)

لقد شهدت ارض كربلاء الطاهرة في يوم عاشوراء عام 61 للهجرة، أعظم و أخطر و أقدس حدث ميّز بين جبهتين متوازيتين لن تلتقيا أبداً مع امتداد الزمن، ألا وهما جبهة الحق وجبهة الباطل. جبهة الحرية، وجبهة العبودية. جبهة الارادة الصلبة، وجبهة الانهزامية والخضوع. جبهة الوعي، وجبهة الجهل. جبهة البصيرة، وجبهة العمى جبهة النصر الحقيقي، وجبهة النصر المزيف.

كما شهدت كربلاء في ذلك اليوم المهول نهاية مسيرة وبداية أخرى، جسدها قول الامام الشهيد السبط، عليه السلام: «مثلي لا يبايع مثله»، في اشارة الى الطاغية يزيد الذي انتهك أبوه معاوية عدة قيم ومبادئ عظيمة وثابتة شرعها الله تعالى وعلى رأسها؛ الحرية والشورى وحرية الاختيار، عندما أخذ البيعة له من المسلمين عنوة، كـ «خليفة»، ما كان ينبغي لأحد أن يسكت عن انتهاكها مهما كانت الظروف، ولذلك نهض الحسين السبط، عليه السلام، واصفاً الحال بقوله: «انا لله وانا اليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذا بليت الامة براع مثل يزيد».

 

 خذلان عن وعي!

إلا انه ينبغي ان نتساءل في سياق اختبار الأمة موقفها الاصلاحي والجهادي ازاء احداث الساحة آنذاك وإبان واقعة كربلاء وما بعدها؛ هل كان الناس يجهلون الحقائق عندما تولى يزيد بن معاوية الخلافة وقرر الحسين، عليه السلام، رفض البيعة؟ وهل كان المجتمعُ يجهل سبب نهضة سيّد الشهداء، عليه السلام، وخروجه ضد الطاغية الاموي المتجبّر؟ وهل كان الرأي العام، لا يعرف من هو الحسين السبط، عليه السلام؟ ومن هو يزيد بن معاوية بن هند آكلة كَبِدِ سيد الشهداء حمزة عمّ رسول الله، صلى الله عليه وآله؟! وهل نسي المسلمون، تحريم رسول الله، صلى الله عليه وآله، الخلافة على الطّلقاء وأبناء الطّلقاء؟ وأنّ الأمويّين هم المقصودون بالشجرة الملعونة التي ورد ذكرها في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً}،(سورة الاسراء/60)؟ وهل نسِيَت الأمّة آيات الشورى، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}؟!(سورة الشورى/38).

كلا أبداً، فالنّاسُ والمجتمع كانوا يعرفون كلّ شيء، خاصّة وأنّ فيهم عدداً لا يستهان به من الصحابة والتابعين الذين سمِعوا من رسول الله، صلى الله عليه وآله، إنْ بشكلٍ مباشر او غير مباشر، وما زال الكثير منهم يتذكّر كيف كان يتعامل رسول الله، صلى الله عليه وآله، مع سبطهِ الحسين بن علي، عليهما السلام؟ وماذا قال عَنْهُ وعن أخيه السبط الاكبر الامام الحسن بن علي، عليهما السلام؟ وما زالوا يتذكّرون ويتخيّلون صور حديث الكساء وحديث الطّير المشوي ومواقف بدرٍ وأحد والأحزاب والهجرة والغدير، والّتي تمتلئ بها كتب الخاصّة والعامّة وعلى رأسها الصّحاح الستّة، انّهم يعرفون كلّ شيء ويتذكّرون كل شيء فلم ينسوا شيئاً من كلّ هذا وأكثر، ولذلك عندما كان يُحاجج أمير المؤمنين، عليه السلام، القوم في كلّ المراحل التي مرّت على الأمّة والظّروف والتطوّرات التي شهدتها، منذُ لحظة رحلة الرّسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، الى الرفيق الاعلى، لم يجرؤ أحدٌ منهم على ان ينكرَ شيئاً من حججهِ، وفيهم ألدّ اعدائهِ واعداء الاسلام والرّسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام، لأنّ الحقيقة كانت ناصعة جداً لا مجال لنسيانِها او تناسيها او نكرانِها، كما لم يجرؤ أحدٌ منهم على ان يتناساها او ينكرها او يدّعي انّهُ لَمْ يسمع بها او عنها شيئاً! ولهذا السّبب كتبَ أمير المؤمنين، عليه السلام، الى أهل مصر في كتابٍ بعثهُ بيد مالك الأشتر لمّا ولّاه مصر، يصف شدّة يقينهِ بمعرفة الأمة بكلّ الحقائق، وعلى رأسها حقّه في الخلافة بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً، صلى الله عليه وآله، نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فلمَّا مَضى، صلى الله عليه وآله، تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، صلى الله عليه وآله، عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ»!

كما انّ القوم لم يجرؤوا على تكذيب الحسين السبط عليه السلام عندما كان يُحاججهم في الحقائق الدّامغة، كسؤالهِ منهم «وارجِعوا إلى أنفسِكم فانظُروا هلْ يصلح لكُم قتلي؟ أو يحلُّ لكم دمي؟ ألستُ إِبنُ بنتِ نبيّكم؟ وابنُ ابْنُ عمّهِ وابنُ أوّل المؤمنين إيماناً؟ أوليسَ حمزةَ والعبّاس وجعفر عمومتي؟ أولم يبلُغكم قولُ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فيّ وفي أخي: هذان سيّدا شبابِ أَهْلِ الجنّة»؟

إذن؛ المجتمع، كان يعرف كلّ شيء وكان يتذكّر جيداً كلّ شيء، خاصة مجتمع المدينة الذي كان يعجّ وقتها بآلاف من الصحابة والتابعين.

فلماذا، إذن، قبِل النّاس أن يغيّر معاوية ويبدّل في المنهج القرآني والسّنة النّبوية، لدرجة أنه جاء بكلّ بدعةٍ ليلصقها بالدين، سواء على صعيد العقيدة او على صعيد الحكم والسياسة والدولة والخلافة؟

 

 الالتفاف على الحقائق

لابد من القول؛ مهما حاولَ الانسانُ ان يتناسى او يتجاهل الأمور التي تشكّلت في وعيه الا انّهُ يبقى يعرف الحقيقة جيداً، فإذا كان بإمكانهِ خداع الآخرين بالتناسي والتجاهل، فهو لا يقدر على ذلك لنفسه أبداً، ولذلك قال تعالى في كتابه الكريم {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}،(سورة القيامة/14-15).

وعادةً ما يتناسى الانسان او يتغافل عما يُريد ان يتناساه او يتغافلهُ، ولأيّ سببٍ كان، وهو الامر الذي تدفعه اليه دفعاً عدّة أسباب سنأتي عليها بعد قليل، ولهذا السّبب يتمنّى الانسان عادةً ان لا يسمع الا الكلام الذي يريدهُ ويحبّهُ، وهو يكره عادةً ان يذكّره أحدٌ بِشَيْءٍ يكرهُهُ او لا تميل اليه نَفْسُه عندما تتحكم فيه أهواؤه ومصالحه.

وإذا تساءلنا الآن؛ لماذا لم يحرّك احدٌ ساكناً، إلا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، عندما نزا يزيد على الخلافة؟

ولماذا لم يرفض ذلك أحدٌ ولاذَ الجميعُ بالصّمت؟ بمن فيهم كبار الصّحابة الذين لم يشترك أحدٌ منهم في أيّة حربٍ من الحروب الثّلاثة التي شُنّت على أمير المؤمنين، عليه السلام، مثل؛ عبد الله بن عمر، وسعد بن ابي وقّاص، ومُحمد بن مسلمة؟

 

 عوامل السقوط في الاختبار

لو تتبّعنا تطوّرات الأوضاع السّياسية والاجتماعية التي مرّ بها المجتمع بعد وفاة رسول الله ،صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، في كربلاء في عاشوراء عام (٦١) للهجرة، لأمكننا ان نكتشف عدّة أسباب وراء هذا التّخاذُل المرعِب الذي جرَّ على المسلمين الويلات تلو الويلات، منها:

أولاً: الجــــهــــل بالسّــــنن الكــــــــونيّة وبالعواقب

فعندما يظنّ المرء بأنّ انعزالهُ ينجيه من المكاره، ويجنّبهُ الثمن الباهظ، فانه يرتكب خطأ فظيعاً، ثم يدفع الثمن فيما بعد مضاعفاً، ولعل هذا مصداق الحديث النبوي الشريف: «السّاكت عن الحق شيطانٌ أخرس».

من جانبٍ آخر، فإنّ هذا النّوع من الناس يظنّ انّ موقف الاعتزال يكفي كدليلٍ على رفضهِ للباطل او للفعل الخطأ، ناسياً او متناسياً انّهُ دليل خذلانه للحقّ حتى اذا لم ينصر الباطل، على حدّ قول أمير المؤمنين، عليه السلام، في الّذين اعتزلوا القتال معه: «خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ».

ثانياً: الجبن والخوف، وهو السّبب الأكثر شيوعاً في المجتمع الذي يدفع الناس للتهرّب من المسؤولية والتلفّع بالحجج والأعذار لتبرير جبنهم وخوفهم.

انّهم يظنّون ان اتخاذهم لأيّ موقف من الباطل، ربما يهدد حياتهم، ولذا يتهربون من المسؤولية مهما كان ثمنها تافهاً او بسيطاً، أما أمير المؤمنين، عليه السلام، فقد فنّد هذا الفهم الخاطئ بقوله: «وَإِنَّ الاْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنكَرِ، لَخُلُقَانَ مِنْ خُلُقِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَل، وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْق».

ثالثاً: تغليب المصالح الذاتيّة والدّعة على الصّالح العام.

فعندما خاطب معاوية، عمرو بن العاص، بعد ان هاجر اليه الى الشّام من فلسطين واضعاً حدّاً لاعتزالهِ الحياة العامَّة، بقولهِ «هلمّ فبايعني» قال: له عمرو «لا والله لا أُعطيك من ديني حتّى آخذَ من دُنياك» فقال معاوية: صدقت! سلْ تُعط، فقال عمرو؛ مصر طعمة! فغضبَ مروان بن الحكم، وقال؛ ما بالي لا أُشترى؟ فقال معاوية؛ أُسكت يابن العم، فانّما تُشترى لك الرِّجَال! فكتبَ معاوية لعمرو مصر طعمة.

ذات الشّيء ونفس الموقف مرّ به عمر بن سعد بن أبي وقّاص، عندما قَبِلَ بحكم الرّي طعمة لقتل سِبْط رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، سيّد شباب أهل الجنّة سيّد الشهداء الامام الحسين، عليه السلام،.

والى هذا المعنى أشار الامام الحسين عليه السلام بقوله «النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون».

رابعا: الحبُّ الأعمى والبُغض الأعمى. فبينما يدفع الأوّل بالمرء الى ان يبرّر كلّ شيء خطأ، سواء على الصعيد الشخصي او على صعيد المجتمع او على صعيد الدولة والنظام والمؤسسة الحاكمة، فان الثّاني يدفع صاحبه الى ان يتجاهل أيّ شيء صحيح ومفيد لدرجةٍ انّه يخسر تجربة حضارية، وقيمة انسانية عظيمة.

وهو الامر الذي يتعامل به البعض مع كربلاء، وعاشوراء، وسيد شباب أهل الجنة، الامام الحسين بن علي، عليهما السلام، فهؤلاء يتناسَونَ ويتجاهلون فضلها بسبب بغضهم الأعمى، والله تعالى أمرنا ان لا ننسى ذلك بقوله {وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}،(سورة البقرة/237).

 بينما يصف القرآن الكريم الحالة الاولى (الحبّ الأعمى)، والذي يُنتج ثقافة صناعة الطاغوت وعبادتهِ، وكذلك عبادة العجل، بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}،(سورة البقرة/93).

انّهُ توصيفٌ راقٍ بمعانٍ جوهرية عميقة، وكأنّ «عَبَدَة العِجل» لم يكتفوا بالظّاهر فقط وأنّما أثّرت عبادتهم للعجل في كيانهِم ومشاعرهِم وطريقة تفكيرهِم وأحاسيسهِم وممارستهِم اليومية ورؤيتهِم للامور وتعاملهم مع الآخرين، لدرجةٍ ان عبادتهم للعجل، وصلت حدّ الكفر بالله -تعالى- والتّناقض مع ما يقولون ويدّعون، فهم يقولون: «سمعنا»، ولكن في نفس الوقت يكفرون بما جاءهم من العلم والوحي، وكل ذلك بسبب ان نفوسهم تشرّبت عبادة العجل، كما تشرب قطعة الإسفنج الماء!

خامساً: تغليب قيم الجاهليّة على القيم الدينية، وكأنّ المجتمع انقلب على عقبيه، واذا بقيم العشيرة، وعلى رأسها روح الانتقام، تتغلّب على أيّة قيمةٍ أُخرى علّمها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لذاك المجتمع الجاهلي.

وإذا تتبّعنا كلّ الحوارات التي جرت بين مختلف الشخصيات في تلك المرحلة، لن نجد أحداً منهم يحاجِج بقيم الرّسالة مطلقاً، طبعاً؛ باستثناء أهل البيت عليهم السلام الذين صُقلت شخصيّتهم الرسالية بالكامل، ولهذا السبب، فعندما تساءل الامام الحسين، عليه السلام، عن سبب قتالهم له في يوم عاشوراء على الرغم من كلّ ما يعرفون جيداً من حقيقة مكانتهِ وعلاقته برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ، وما كانَت تُمثّلهُ شخصيّة يزيد، كان جوابهم: «بُغضاً لأبيك»! وكأنّهم جاؤوا لينتقِموا من إِسلامهم، ولم يخطُر ببالهم طرفةَ عينٍ أبداً ان يبحثوا عن الحقّ او حتى عن مصالح الأمة او دينهم!

سادسا: الغيرة والحسد، فالبعض يتناسى الأمور والفضل الذي يتعلّق بالآخرين اذا كان يحسدهُم على ما آتاهم الله من فضلهِ او تشرَّبت نَفْسَهُ الغيرة منهم، كما يصفُ - تعالى- ذلك بقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}،(سورة النساء/54)

لذلك يُمكن القول، وبضرسٍ قاطع، انّ عاشوراء لم تكن اكثر من تذكرة واختبار للمشروع الاصلاحي والجهادي في الامة، كونها نهضة الغاية منها تذكير الأمّة بما يجب عليها فعلهُ من أجل تكريس العدالة الاجتماعيّة والتي لا يُمكن ان نتصوّرها أبداً اذا نزا على السّلطة حاكمٌ ظالمٌ وفاسد، اذ تتجلّى مسؤولية الأمة في هذه الحالة بالتصدي لهُ وإِزاحتهِ، وإلا فستكون النتيجة كما قال سيد الشهداء، عليه السلام، عندما خاطب القوم بقوله:

إن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «من رأى منكم سُلطاناً جائِراً مستحِلاً لحرمِ الله، ناكثاً لعهدِ الله، مُخالفاً لسنّة رَسُولِ الله، صلى الله عليه، يعملُ في عبادِ الله بالإثمِ والعُدوان، فلم يغيّر عَلَيْهِ بفعلٍ ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يُدخلهُ مدخلهُ».

وهو الامرُ الذي نراهُ اليوم بأُمِّ أعينِنا ونلمسهُ لمسَ اليدِ في طول بلادِ المسلمين وعَرضها، لتأتي عاشوراء تذكرةً لنا لما يجب علينا فعلهُ من أجلِ تحقيق التغيير المرجو، اذ لا يُمكن ان نتصوّرهُ الا بقيمِ عاشوراء الانسانيّة العظيمة.

------------------

1/الامام الحسين، عليه السلام، الشهيد والثورة- آية الله السيد هادي المدرسي.

2/سيد الشهداء تجسيد لعناوين الحرية والثورة- شبكة النبأ.


ارسل لصديق