A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - المال الحرام و دوره في صناعة الأزمات

المال الحرام و دوره في صناعة الأزمات
كتبه: حسين محمد علي
حرر في: 2016/08/10
القراءات: 1666

عندما يجري الحديث عن أخطاء في المجتمع ذات صبغة معنوية تترك آثاراً مادية ملموسة، ينبري السؤال عن كيفية حصول ذلك؟

فبالإمكان تصور أن أخطاء في النظام الاقتصادي مثل الاحتكار والتلاعب بقانون العرض والطلب، يؤدي الى ارتفاع الاسعار. أو الاعتماد الكبير على قطاع التجارة والمصارف وأسواق البورصة، على حساب الانتاج الوطني، وعدم تشجيع الورش الصناعية الصغيرة والمتوسطة، يخلق البطالة والفقر. وهكذا الحال في أخطاء تحصل في مجال الصحة والتعليم وغيرها.

ولكن؛ من الصعب على البعض، تصور أن يكون خطأ اجتماعياً مثل العلاقات الجنسية المحرمة (الزنا)، سبباً في «موت الفجأة»، حسب الحديث النبوي الشريف، فهذا السلوك اللاأخلاقي والمنحرف الذي يشترك فيه الرجل والمرأة، يمثل عملاً فردياً، بيد أنه يتسبب في انتشار حالة بعيدة عنه، ربما يكون عنوانها صحياً، مثل الموت المفاجئ الذي نلاحظه كثيراً باسماء: «الذبحة الصدرية»، أو «الجلطة الدماغية».

كذلك الحال فيما يتعلق بسلوك البعض في المجتمع، إذ ان طريق الكسب المادي غير المشروع، سواءً من خلال الدائرة الحكومية او منصبه، او من خلال اعماله التجارية، وحتى من خلال متجره الصغير، من شأنه ان يكون أحد عوامل صناعة الأزمات في المجتمع، والتي ربما تأخذ مديات اقتصادية وأمنية وحتى سياسية.

وقبل هذا وذاك، لابد ان نتذكر دائماً الحقيقة التي طالما حاول الغرب تغييبها، وهي أن الانسان ليس بوسعه يوماً العيش وحده، ولا التفكير وحده، القفزات الطويلة في علوم شتى، واتساع نطاق الاعمال والمهن، وازدياد حاجات الانسان المادية منها والمعنوية، هي نفسها أجبرت مفكري الغرب على إعادة النظر فيما قيل بان «الانسان وحده المسؤول عن أفعاله»، وعليه؛ فان عملية الكسب غير المشروع، لا يمكن تصورها محدودة في محيط صاحبها، حتى وإن اتسع نطاق هذه الظاهرة ليمثل شريحة واسعة في المجتمع، فلا يعني هذا انعدام آثارها السلبية، أو القول باستساغتها، لان ببساطة، يعود الأمر الى الفطرة الانسانية السليمة التي تجد في المال الحرام، انحرافاً عن الآداب والحقوق العامة.

 

لماذا الحرام وليس الحلال؟

انه سؤال بسيط يستبطن إجابات عديدة، فهنالك عوامل تدفع البعض الى اتباع هذا السلوك، علماً أن النظام الاسلامي قدم برنامجاً اقتصادياً متكاملاً يمكّن الجميع من الكسب الحلال والمشروع، بما يخدم صاحبه والآخرين، بل ويسهم في تقدم وتطور البلاد والعباد، ولمن يريد التفصيل مراجعة المؤلفات في هذا الجانب لكبار المفكرين والباحثين في هذا المجال، بيد أن عوامل عدّة تدفع البعض لأن ينزلقوا نحو هذا السلوك، نسلط الضوء على عاملين فقط:

الاول: عصر السرعة

حيث أن المعروف عن الكسب المشروع، انه يرتبط بالنظام الاجتماعي والاقتصادي العام، وهو مرتبط بدوره بمنظومة قيم وقوانين وشرائع؛ منها سماوية، ومنها وضعية، والالتزام بكل هذه الضوابط من شأنه تقييد حركة الكسب المادي، لاسيما أن المادة، أضحت في أعين الكثيرين، عصب الحياة. فالموظف - مثلاً- في دائرته او التاجر في السوق وهكذا... يريد المزيد من التملّك في العقارات والامتيازات، والارصدة المالية في البنوك، وايضاً، اصحاب المهن الحرّة، بل والباعة المتجولين، فان حبّ المال، نزعة انسانية لا تُحدّ، لذا نلاحظ السعي المحموم للحصول على الارباح بأسرع وقت ممكن، وهذا ربما يتمثل في «الرشوة» تارةً، أو في «الغش والتدليس» تارةً أخرى. وربما أعمال مبتكرة عديدة من شأنها تجاوز كل حدود القيم والالتزامات الاخلاقية والانسانية.

الثاني: مرجعية الذات

وهي عبارة مستعارة، كناية عن الحب المفرط للذات الانسانية، وهي ظاهرة طالما سلّط الضوء عليه العلماء والمفكرون، على أنها تشكل إحدى مناشئ الانحراف في السلوك والثقافة والاخلاق، تنتج صفات ذميمة مثل الأنانية والنفاق والكذب والظلم، كل ذلك يبدأ من محيط ضيق في المجتمع، مثل الأسرة، ثم يتوسع الى المجتمع، ثم الامة بأكملها. هذا الحب المفرط للذات، يكون حاضراً وبقوة في عملية الكسب المادي غير المشروع، لاسيما اذا كان صاحبه، في موقع معرض للاهتزاز بفعل التنافس غير الشريف بين من هو أدنى، ومن هو أعلى منه، على تحقيق الاكثر من الاموال والسيارات الحديثة والعقارات المميزة وحتى الامتيازات.        

فاذا كان التاجر في السوق والموظف في دوائر الدولة وحتى في المراكز الاكاديمية والتعليمية، ممن يحسبون على الطبقة المتوسطة، موغلين في حب الأنا وسباقين الى الكسب السريع غير المشروع، فهل نتوقع من اصحاب الطبقة الاقل وعياً وثقافة والتي تعاني الفقر والحرمان، أن ترعى القيم وتقف دون الحدود والضوابط؟

هذا المآل من شأنه أن يكون احد عوامل الفوضى الاجتماعية المنتجة للأزمات المتواصلة، فالجميع لا يفكر بالجميع، إنما بنفسه كفرد وحسب، وهذا تحديداً يفسر انتشار الجرائم في بعض المجتمعات واستسهال انتهاك القانون وحتى الاعراف والقيم الاجتماعية، لان الذي يسهل عليه أكل الحرام وانتهاك حقوق الآخرين، لا يخشى من ارتكاب أي جريمة او مخالفة قانونية كانت او اجتماعية وحتى سياسية، لأن ببساطة؛ الآخرون في نظره لا شيء.

 

من المستفيد؟

نقصد بهذا السؤال، أن الباحث عن الربح السريع وغير المشروع، لن يكون المستفيد دائماً، فهو ربما يحقق مكسباً في فترة معينة من الزمن، بيد أن المستفيد الحقيقي هو من بيده مقاليد السلطة، ومن يتحكم بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن خلالها يؤسس لمشاريعه ويمرر سياساته وبرامجه، ويطبق القاعدة الديكتاتورية «نفّذ ولا تناقش»، مستفيداً من حالة التمزق الحاصلة في المجتمع، وإلا اذا كان افراد المجتمع متقاربين قلباً وقالباً، وكل ينظر الى صاحبه على أنه المرآة، وأنه يشترك معه الحياة والمصير، بالقطع لن يتمكن أي حاكم مهما أوتي من قوة، من أن يجبر افراد هكذا مجتمع على الانصياع لأوامره وتنفيذ سياساته الفاشلة. بيد أنه بنفس السرعة التي يصل فيها البعض الى مبتغاهم من الاموال والامتيازات المغرية، فانه (الحاكم) يُسرع في تنفيذ مخططاته وما جاء من أجله الى الحكم، مستفيداً من حالة التمزق والتفكك في المجتمع، ومثالنا الأبرز والأقرب «صدام» وما قام به خلال سني حكمه.

من هنا؛ يكون بإمكان الحاكم - أي حاكم- من صناعة الأزمات بواسطة المجتمع المفكك، وبالاستفادة من افراد نفعيين ومصلحيين، كلٌ يفكر بنفسه، لا بغيره، وهذا يسهّل المهمة، ويجعل هؤلاء أدوات طيعة بيد الجهاز الحاكم ليكونوا عوامل لأزمات عديدة، مثل غلاء الاسعار او البطالة وحتى انعدام الخدمات، ومنها الكهرباء، بل وحتى الازمات الامنية والسياسية، فوجود هكذا ازمات تجعل المواطن يدور في دوامة مفرغة بحثاً عن حلول لمعالجة الاسعار المرتفعة او فرص العمل او كيفية توفير الكهرباء وحتى الماء الصالح للشرب، وكيف يؤمن على بيته وسيارته وأهله، باقتناء السلاح، وشبكة عنكبوتية واسعة من الازمات الشائكة. وتكون النتيجة؛ وجود شريحة من المنتفعين قادرين على إدارة حياتهم وتوفير مستلزمات الرفاهية لعوائلهم، فيما تبقى الشريحة الاخرى (الضحية) تتخبط في حر الصيف اللاهب، والحرمان من السكن اللائق وفرصة العمل والعيش الكريم.

وأرى من اللازم الاشارة الى أزمة أخرى لا تقل خطورة مما مرّ ذكره، وهي الازمة العقائدية في المجتمع، حيث باتت الشكوك تحوم حول كل شخص ملتزم بالاحكام والقيم في محيط عمله، بانه متهمٌ - بشكل او بآخر- بالتستر على ما يخفيه من نشاطات وأعمال غير مشروعة...! والمفارقة هنا؛ ان الدين والاخلاق، اللذين تعرضا للهجران والتنكّر، من البعض، يتحول الى أزمة بين افراد المجتمع، مع حصول بعض حالات التستّر بالظواهر الدينية لتحقيق المكاسب المادية، وهذه ظاهرة ليست وليدة اليوم، بقدر ما هي حالة انسانية نرى نماذج منها طيلة العهود الاسلامية. فهنالك حكّام، وليس اشخاص عاديين، تستروا برداء «الخلافة»، وآخرون تستروا بالظواهر الدينية والمسمّيات والالقاب، وفعلوا من الآثام والانحرافات ما عجزت عنه الكتب التاريخية، مع كل ذلك، بقيّت القيم والمبادئ والفضائل والمكارم في حصن حصين، وهذا لم يكن إلا بفضل وجود النوع الآخر من الناس الباحثين عن «اللقمة الحلال» والكسب المشروع الذي يحافظ على حقوق الآخرين، كما يضمن العيش الكريم بعيداً عن بذور الفتن والازمات.


ارسل لصديق