A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - مواكب الاربعين و مهمّة الإرشاد الحسيني

مواكب الاربعين و مهمّة الإرشاد الحسيني
كتبه: الشيخ عبد الحسن الفراتي
حرر في: 2012/12/20
القراءات: 2616

أضحى المسلمون اليوم أحوج الى النور من أي يوم آخر، لأنهم أصبحوا وسط زوابع هادرة تلفّهم من كل جانب في ليل مظلم، وفي قفر لا يملكون هادياً أو رائداً، قد ضلّت بهم السبل واختلفت في وجههم التيارات وهم لا يدرون ما يعملون.

إنهم اليوم أحوج ما يكونون الى النور في حين أنهم كانوا بعيدين عنه, لأنهم - كما نراهم - مجردون عن الوعي الكافي الذي يجب ان يكفل غذاءهم الفكري الذهني في خضمّ الأفكار الموّاجة والمتلاطمة، فلا يميزون تعاليم دينهم ومعالمه الوضيئة، التي دلّت تجارب السنين العديدة على أنها الوحيدة من نوعها التي تستطيع أن تنتشل الأمة من قعرها العميق الى قمتها المأمولة.(1)

فلا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الأمة التي يصعب عليها أو تعجز أن تتوصل إلى قراءة مجردة واضحة المعالم، تجاه أحداث الخلافة بعد وفاة منقذها العظيم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله, وتحليل وتقويم ما جرى على حال المسلمين من مدّعين للخلافة وإمامة المسلمين، وما لحق بذلك من وقائع واحداث سياسية كان لها تأثير واضح على ضمير الأمة بل حتى على معتقداتها ومتبنياتها الثقافية والفكرية، فالأمة التي لا تتمكن من رؤية كهذه من الصعب عليها – بالتأكيد- رسم خارطة طريق لمشروع الخلافة الإسلامية وعرض مشروع نهضوي لفقه المعارضة والدولة في الوقت الحاضر، وما يحدث اليوم من  تساقط الحكومات تباعاً كأوراق الخريف خير دليل على ذلك.

 

بين مكة وكربلاء ..

 لقد منّ الله تعالى على أتباع أهل البيت عليهم السلام، وبفضل رموزهم وقادتهم المعصومين عليهم السلام، بقراءة واعية ومستوفية المعالم للأحداث التي تلت وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله وسلم، وذلك بتبنيهم نظرية "الإمامة" التي تعتمد التسليم للنص الإلهي، واعتماد الاختيار الإلهي للأوصياء الذين يأتون بعد خاتم الرسل صلى الله عليه وآله، وهؤلاء عليهم السلام، لهم حق التشريع والحكم كما لصاحب الرسالة، لأنهم معصومون من الزلل والخطأ كما هو الحال في لرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

من هنا انبرى واندفع أتباع أهل البيت عليهم السلام، الذين شايعوا عليا عليه السلام، وابنه الحسن المجتبى عليه السلام، في الالتفاف حول مشروع النهضة الحسينية ورايته الاستشهادية والتحررية، حيث قال الإمام الحسين عليه السلام: "من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح"، وكذلك انخرطوا وآمنوا باطروحته التغييرية لما أصاب الجيل الثالث من المسلمين بعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله، والداعية الى ضرورة إصلاح ما فسد، وطرأ على الأمة خلال تعاقب هذه الأجيال الثلاثة، بقوله عليه السلام، "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".

إن القربان الإلهي الذي قدمه أهل البيت عليهم السلام، كان ضماناً وحصناً منيعاً لعدم دخول "الأغيار" على الأمة، من هنا كانت الدعوة صريحة في ضرورة رفع راية القربان الإلهي العظيم "السبط الشهيد عليه السلام" عالياً والذي جاء على لسان الأئمة المعصومين, وتأتي زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، من أهم السنن التي أكدت عليها الروايات الشريفة, ومن خلال هذه القراءة لا يتعجب أحد من مقارنة ومنافسة "كربلاء" لـ "مكة" في الشرف والعلو والسمو, وكذلك الكعبة المشرفة وقبر الحسين عليه السلام، باعتبار إن مكة هي بيت المؤسس وهو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وكربلاء هي بيت المصلح وهو الإمام الحسين عليه السلام, ولا يكتب النجاح والدوام لبناء او بيت من دون ترميم واصلاح من هنا كانت زيارة الحسين عليه السلام، تعادل ألف حجة وعمرة.

فعن الثقة الجليل (معاوية بن وهب البجلي الكوفي) قال: دخلت على الصادق صلوات الله وسلامه عليه، وهو في مصلّاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: (يا من خصنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصّنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما, الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاءً لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا وغيظًاً ادخلوه على عدونا ارادوا بذلك رضوانك, فكافئهم عنّا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار, واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك أو شديد وشر شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم, اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافا عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلب على قبر أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويها من الحوض يوم العطش).. فما زال صلوات الله عليه،يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد فلما انصرف قلت له: جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئاً أبداً والله لقد تمنيت اني كنــــت زرته ولم أحج فقال لي عليه السلام: ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته يا معاوية لا تدع ذلك.(2)

 

الحوزة العلمية ومهمة الإرشاد الحسيني

في هذا السياق انبرت الحوزة العلمية بوصفها الامتداد الطبيعي للرسالة المحمدية وامتداداً لمسيرة الإصلاح الحسيني، بل لولا السبط الشهيد عليه الصلاة والسلام، لما كان مداد وقرطاس من لدن الحوزات العلمية، ولا سيما أنه عليه السلام، مشروع إصلاحي تغييري للأمة, فكان لزاماً على رموز الحوزة أن تضع البرامج المتعددة التي تكفل تربية الخطباء والمرشدين والموجهين الذين يصدحون باسم الحسين عليه السلام، وحمل رايته الى كل أصقاع العالم.

ومن أهم هذه الزيارات الحسينية الكبرى وأعظمها شأناً وشهرة هي زيارة الأربعين، بحيث أصبحت من علامات المؤمن في مسرته ورحلته الى الله سبحانه فالرواية المعروفة عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، تقول: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين – أي الفرائض اليومية وهي سبع عشرة ركعة والنوافل اليومية وهي اربع وثلاثون ركعة- وزيارة الاربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).(3) من هنا تقع على كاهل رجال الحوزات العلمية في كل مكان في العالم الى التعاطي مع هذه المليونية الكبرى وبشكل آخر لما لها من ثمار ومعطيات على واقع الأمة ووعيها ومستقبلها، ونشير ذيلاً الى أبرز المهام الجسام التي ينبغي ان يتحملها رجال الحوزات إزاء مواكب إحياء الأربعين الحسيني:

1/ إن مليونية الأربعين الحسينية، تتميز بزحف المواكب والزوار من كافة مناطق العراق وأصقاع العالم صوب منطقة محددة ألا وهي مدينة كربلاء المقدسة, وهذا يعني ان ثقافات مختلفة ولغات متباينة تجتمع في مكان محدد, وهذا له مدلول خاص أشبه بتجمهر أكثر من مليوني حاج سنوياً في مكة المكرمة.

ان التجمع في مكان معين وفي بقعة مقدسة تفتح آفاقاً للتعارف والتحاور والتعاون المشترك بين أحباب الحسين عليه السلام، وهذا يحمّل رجل الدين ومرشد الحوزة العلمية أن يكون الجسر الآمن لهذا المشروع التحاوري والتعاوني بين المؤمنين لان المرشد الديني أعرف من أي شخص آخر بالهدف الحقيقي من التجمع في هذه البقعة المقدسة "كربلاء".

2/ من أهم العقبات الكبرى التي تواجه زوّار الأربعين هو معاناة الزائر اذا كان من خارج العراق، فعقبات التأشيرة والطيران وحصول الموافقات الأمنية، وإذا كان من داخل العراق فموضوع تأمين سير الزوار والخدمات في طريق الزائرين وقضية التزامات الزائرين  وارتباطاتهم الرسمية وغير الرسمية، وهنا يقع على عاتق المرشدين الدينيين مهمة جسيمة في قضية توضيح وتبيين أهمية وبركات هذه الزيارة على المواطن والزائر وعلى ثقافة الأمة بحيث يمكن توجيه المسؤولين المعنيين في دوائر الإقامة والسفر بالعمل على تخفيف الضغوط وتسهيل عملية دخول وخروج الزائرين، بل تشجّعه للسفر الى كربلاء متى شاء و انّى شاء وكذلك مدّ جسور العلاقة مع الدول التي ينطلق منها الزوار من خارج العراق.

و الداخل العراقي أصبح تشكيل وزارة للزيارات الدينية  إستحقاقاً ملحاً علة الصعيد الديني  والثقافي والسياحي، تساعد وتقدم الخدمات المتعددة الأغراض للزائر ولكل زوار الأماكن المقدسة في العراق، وأيضاً تتكفل عملية الزيارة برمتها بما فيها الجانب الخدمي والنظافة،  بحيث لا يبقى مجالاً لمن تسول له نفسه النيل من ضيوف الحسين عليه السلام.

3/ ينبغي على المرشد الديني ممن تشرف بلبس تاج الإسلام وعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله، أن يسير مع الركب الحسيني بهذه الهيئة الإرشادية، لآثاره ومنافعه الجمّة بحيث يرسل رسالة المواساة مع المشاة وكما ان وجوده معهم يذكرهم بالأبعاد المعنوية والروحية، كذلك أن هناك توقفات في طريق المشي والمبيت فيمكن أن يستثمرها المرشد في تبيين حقائق الدين ومقومات الإيمان وأهداف النهضة الحسينية.

4/ من المآخذ التي تؤخذ على الكثيرين من الاخوة المشاة الى مدينة الحسين عليه السلام، هو عدم الاصطفاف جماعة للصلاة في أوقاتها فطالما شاهدنا زائراً يمشي والمؤذن يؤذن للصلاة الواجبة، وآخر يصلي فرادى, وهنا ينبغي على المرشد الديني أن يتعاون مع كافة المواكب الخدمية في طريق الزائرين وعبر مكبرات الصوت، بأن تتوقف الجموع الحسينية وقت الصلاة في الشوارع العامة وكذلك لا توزع الاطعمة والاشربة. الابعد الانتهاء من الاذان واداء الصلاة جماعة  وهذا يعطي زخماً معنوياً عظيما ويذكّر الجموع الحسينية بصلاة الإمام الحسين عليه السلام، يوم عاشوراء وسط المعركة مع أعدائه.

5/ إن الكثيرين يتساءلون: لماذا يخصّص لكل قافلة للحج والعمرة الى بيت الله الحرام مرشد ديني اومساعد مرشد ديني ومرشدة دينية من الأخوات, فيما لا نرى هذا بوضوح في قوافل مواكب المشاة الى أرض الحسين عليه السلام، أو حين استقرارهم ؟

إن المرشد الديني في الحج والعمرة: يقوم بدور تبيين طقوس الحج والمناسك كافةً، فضلاً عن أنها فرصة للتفقه في الدين وتعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم  والصلاة الواجبة والمستحبة، وإدخال الحاج والمعتمر في دورة دينية سريعة على كافة الصعد, كذلك الحال في زيارة الأربعين ينبغي  للزائر، وهو يتواجد في كربلاء مع أيام سيره في الطريق أن يستفيد من هذه الفترة الزمنية التي تخللت وصوله إلى كربلاء. وهذه الايام والساعات هي من عمر الانسان, وهي هدية من الأئمة المعصومين عليهم السلام، الى المؤمنين جميعاً, فلابد من أن يستثمرها المرشد الديني بحيث يلتحق باحد المواكب فيصلي بهم الصلوات الخمس جماعة ويلقي بهم المحاضرات بعد كل فريضة ويحثهم على البر والتقوى وتصحيح المعتقد.

وكما ينبغي على مرشد الحجيج أن يراعي تعددية التقليد لدى الحجاج كافة وآراء مراجع التقليد, بحيث يعطي جواباً لكل حاج او معتمر وفق من يقلد, كذلك على "مرشد الزيارة" أن يراعي هذه المسألة لدى الزائرين، ويجيب على أسئلتهم المختلفة.

6/ ضرورة الاهتمام بالمواكب الخدمية وتوجيهها وإلحاقها بالخدمات الثقافية كإقامة المجالس ونشر الأقراص الدينية والمنشورات التربوية الى جانب تقديم الخدمات العامة المتعلقة  بالأطعمة والأشربة والكسوة .

وكذلك توجيه النصائح لكافة المواكب الخدمية بعدم الإسراف في الأكل وتبذيره، ووضع جداول لتوزيع الأطعمة حسب ساعات مختلفة بحيث يصل الطعام للجميع، وكذلك توجيه كافة الخيام المختصة للمواكب لنشر أحاديث الأئمة عليهم السلام، من خارج وداخل الخيام والأبنية بحيث يستفيد منها الزائر وهو في حالة الاستراحة أو تناول الطعام.

7/ إن مدينة كربلاء المقدسة حسب الروايات هي ترعة من ترع الجنة ، وفي روايات أخرى إن كربلاء تزف مع أهلها وموتاها الى الجنة, فهذا يتطلب الاهتمام بنظافة المدينة وعدم التجاوز على خدماتها ومرافقها ، لأن هذه المدينة هي ملك الحسين عليه السلام، من الناحية الشرعية, فلا يمكن لزائر الحسين عليه السلام، أن يتعدى – وان كان سهواً – لا سمح الله على موطن قائده وملاذه, وهنا يقع على المرشد الحسيني أن يوجه الزوار الكرام عبر مكبرات الصوت أو بين الصلوات الواجبة وفي محاضراته إلى هذا الأمر.

---------------

1- النبي وأهل بيته عليهم السلام/ المرجع المدرّسي/ ص204.

2- مفاتيح الجنان/ الشيخ عباس القمي/ فضل زيارة الحسين عليه السلام.

3- مفاتيح الجنان/ فضل زيارة الأربعين.


ارسل لصديق