A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - الجهاد الكفائي ليس آخر ما لدى مراجع الدين للدفاع عن البلاد والعباد

الجهاد الكفائي ليس آخر ما لدى مراجع الدين للدفاع عن البلاد والعباد
كتبه: بشير عباس
حرر في: 2016/08/08
القراءات: 1481

لماذا المسلمون اليوم اصبحوا في القاع بينما كانوا في يوم من الايام في القمة؟ ولماذا نجد في البلاد الاسلامية، الصراعات الطائفية والعرقية والاثنية، علاوة على ما لديهم من التخلف والدكتاتورية والظلم والبغي؟

والسؤال الآخر الذي يقفز بقوة على مسرح الاحداث الدامية التي تحصد شيعة اهل البيت، عليهم السلام، في افغانستان واليمن والعراق وغيرها على يد الجماعات التكفيرية؛ لماذا لا يستشعر المسلمون ألم هذا النزيف الحاد في كيان الامة؟ وهل نفهم أن ثمة حالة «استمراء» المأساة والمعاناة قد اصاب الامة، فلا تكاد تهتم بمقتل النساء والاطفال بين مدة واخرى، في هذا البلد او ذاك؟!

 

 لماذا الصمت إزاء سفك الدماء؟

هناك سبب يتعلق بظرف الزمان، ومتربط بأوضاع الأمة الراهنة، والسبب الآخر، وهو رئيسي وجدي، يتعلق بما تمر به بلداننا وامتنا من أوضاع ومآلات.

السبب الاول: بعدما انطلقت الشريحة الواعية من المسلمين في مشروع النهضة وبدأوا يطالبون بحقوقهم، سارع الاعداء وخططوا لإسكاتهم واستعادة السيطرة عليهم، ليس بتدخلهم المباشر، وإنما عبر جماعات تدّعي الاسلام والدفاع عن قضايا المسلمين، وإلا فان البلاد الاسلامية كانت تشهد المظالم على يد  الحكام، بيد أننا لم نكن نسمع بـ «القاعدة» أو «النصرة»، او «داعش» و امثال هذه الزُمر، وإذن؛ فهذه الجماعات تمثل أدوات خبيثة تم اعدادها في الخارج وصدروها لنا بهدف ضرب الامة من الداخل، مع ذلك؛ يبقى هذا السبب طارئاً، وليس هو السبب الحقيقي.

أما السبب الثاني الحقيقي، فهو يعود الى تخلي العلماء عن دورهم ومسؤوليتهم الحقيقية، وتحولهم الى أتباع للحكام، وهذا الخطأ حذر منه شخص النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، بكلمة واضحة، هي من خلاصة القرآن الكريم، حين قال في الحديث المأثور: «إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الملوك».

إن القضية في مَن يقود مَن في الأمة؟

هل الحكمة والاخلاق والقرآن والتاريخ المشرّف في حياة الامة والعلم والقيم الرسالية؟ أم مجموعة أناس يحكمون بلدان الأمة، ويتحكمون بمصائرها لأنهم يملكون القوة والإعلام والمال؟

صحيح أن هناك اليوم علماء في السجون ويواجهون تحديات ومصاعب، ولكن؛ بصفة عامة، نجد علماء المسلمين على ابواب الملوك والحكام، وقد تخلوا عن مواقعهم القيادية ومسؤولياتهم واصبحوا ذيولاً و أدوات، يفترون على الله ويستصدرون لهذا الملك وذاك الحاكم الفتاوى والتبريرات للحروب والظلم والتسلّط، فمن المسؤول عن الويلات والمآسي التي نعيشها؟ هل الحاكم الذي قيد العلماء وقمعهم ولم يدعهم يقومون بدورهم؟ أم العالم الذي ترك موقعه و اطلق يد السراق والمحتالين والطغاة ليعيثوا فسادا في الأمة؟

 

 الامام الحسين ومسؤولية العلماء

الامام الحسين، عليه السلام، يحدد المسؤول في رسالة وجهها الى علماء الأمة في زمانه، قبل سنة من شهادته، وتحديداً في أواخر عهد معاوية، هذه الرسالة من شأنها أن تكون أعظم الوثائق التاريخية المتعلقة بالنهضة الحسينية، وفيه يبين الامام، عليه السلام، أن المسؤول؛ هم العلماء، عندما لم يقوموا بدورهم في قيادة و ارشاد الامة وتوانوا وتراجعوا و باعوا دينهم بدنيا غيرهم، كما باعوا آيات القرآن بثمن بخس دراهم معدودة، فأصبح وضع الامة هكذا عبر الزمان واليوم أيضا، حيث جاء في جانب من كلمته، عليه السلام:»...ثم أنتم، أيها العصابة، بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة، وباللّه فى أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف، و يؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يَدَ لكم عنده، تشفعون فى الحوائج، إذا امتنعت من طلابها، وتمشون فى الطريق بهيئة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق اللّه، وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون، فاستخففتم بحق الائمة، فأما حق الضعفاء، فضيعتم وأما حقكم بزعمكم طلبتم، فلا مالاً بذلتموه، ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها فى ذات اللّه، أنتم تتمنون على اللّه جنته ومجاورة رسله وأماناً من عذابه، لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على اللّه، أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها، ومن يعرف باللّه لا تكرمون، وأنتم فى عباده تكرمون، وقد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وما أمركم اللّه به من النهي والتناهي، أنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء، لو كنتم تسعون، ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا لتفرقكم عن الحق واختلافكم فى السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة فى ذات اللّه، كانت أمور اللّه عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع، ولكنكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور اللّه فى أيديهم، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هى مفارقتكم، يتقلبون فى الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداءً بالاشرار، وجرأة على الجبار، فى كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعيف شديد مطاع لا يعرف المبدأ المعيد».

إذن نسأل مجدداً: أين مكمن الضعف عند مؤسسة العلم والعلماء في الدين؟

نحن نقرأ الآيات القرآنية الكريمة، والروايات المأثورة عن النبي و أهل البيت، عليهم السلام، وهي تبين دوراً أساسيا للعلم والعالِم وفضله ومنزلته، فالدين أراد للعلماء أن يكونوا قادة وقدوة في الأمة، وهم أساس، ومؤسسة رئيسية في صياغة وقيادة وبناء الأمة؛ فلماذا -إذن- وصل بهم الأمر لهذه الحال، بأن يكونوا على ابواب الملوك والحكام؟ وكيف يمكن ان يعودوا لدورهم الحقيقي، ويوجهوا ويضبطوا الحكام، لا أن  يوجههم ويسخّرهم الحكام والملوك لمصالحهم؟

هذا بحث عميق وأساس يجب أن لا يغيب عنّا، ونوجه هذا الكلام، للتنبيه لعامة علماء بلاد المسلمين.

أما نحن الموالين و أتباع مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، فلدينا تاريخ مشرّف، فعلماؤنا تمسكوا باستقلالهم وقيادتهم للساحة، وعدم السماح لأنفسهم بالذوبان في التيار العالم، وعدم الاعتراف بسلطة ظالم، حتى لو ادى هذا الموقف لاستشهادهم، او اعتقالهم وتعذيبهم. فشعار علمائنا وفقهائنا عبر التاريخ ولغاية الآن، كان و سيبقى: «اللهم احينا حياة محمد وآل محمد وأمتنا ممات محمد وآل محمد»، بفضل علماء كهؤلاء، و ثقافة و روح استشهادية كهذه، لا يزال علماء مدرسة اهل البيت، عليهم السلام، يتمتعون بالاستقلال وعدم التبعية للحكام، وحتى من لم يستشهد منهم، فسلوكه ومواقفه و أمنيته الشهادة، {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا}.

من هنا، ينبغي علينا ان نواصل هذا الخط، ولا تغرنا المناصب، ولا نهاب الابواق الاعلامية، والضغوط النفسية، ولا تخيفنا التهديدات والانتقادات والاشاعات وحملات التسقيط، علينا أن نعرف صفة العلم ودور العلماء بالمحافظة على الاسلام وأخلاق الأمة وقيمها، وليس التصفيق وحب الشهرة والاعلام.

وأن نعرف قيمة العلم ودور العالم حين يكون مستقلاً، وكيف أن موقفاً و كلمة منه قد تغير التأريخ، وهو جالس في بيته الصغير، وفي منطقة نائية، وهو ما ثبت لعلمائنا الاجلاء بالتجربة والدليل في تاريخنا البعيد والقريب.

ولذا  يجب أن نبحث ونتبع علماء يتخذون الموقف البطولي، و يقولون كلمتهم لله - تعالى- ولا يخشون أحداً إلا الله، عندها تكون في هذه الكلمة الفائدة والعلاج لأوضاع الأمة.

يجب ان لا نجلس بلا عمل، أن نبحث عن أي فرصة متاحة  لخدمة الاسلام، وبسط حاكمية الدين الصحيح، فهناك فرص كثيرة جدا في العالم، ووسائل متاحة لإبلاغ الرسالة والكلمة والقيم والموقف الحق، فهنالك امام العلماء والخطباء والعاملين في الحوزات؛ الانترنت وتكنلوجيا الاتصال والفضائيات وغيرها الكثير من الطرق وسائل النشر السريعة، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان الحكام اليوم، أضعف مما كانوا، والعالم بات اشبه بقرية كونية واحدة.

فهذه فرصة تاريخية لابد من الاستفادة منها، فيجب أن لا يقتصر العالِم على مسجده، ومن يصلي وراءه، بل يجب أن يكون ملماً ومطلعاً ومواكباً للعصر وما يجري في العالم، ولا يجلس حبيس مكانه ونطاقه الضيق.

وبذلك ننمي ونطور ونقوي الحوزة العلمية، حتى تكون مؤثرة في الساحة اكثر فاكثر، فيمكنها ان تأمر وتغير في الواقع، فحينما نفكر ونخطط ونعمل، كعلماء و كحوزات علمية، على تقوية البنية الاساسية للأمة، فإن الحكام لايجرؤون على التمادي في الظلم والانحراف والطغيان.

وهنا ننوه وننبه لكل من يعنيهم الأمر؛ أن العلماء والمراجع والفقهاء، وبخصوص ما نواجهه من تحديات، هم الى الآن لا يزالون في اطار الواجب الكفائي، والدور القيادي والمؤثر لعلماء الدين والمراجع.

واضح وجليّ في مجتمعنا الموالي، وكل من يحاول المساس ببلدنا وشعبنا عليه ان يعرف أن علماءنا، وبكل حكمة، يعرفون كيف ومتى يطلقون موقفهم وكلمتهم الحاسمة، فهم حتى الآن لم يأمروا بعد سوى بـ»الواجب الكفائي»، فعلماؤنا ــوبحسب التعبير الشائع ـ يملكون أوراقا لم يستخدموها بعد فلا تعتقدوا أن الجهاد الكفائي هو آخر مالدينا، و على من يتربصون ببلدنا وشعبنا أن يعوا أننا حين تحين الساعة و نرى الخطر محدقا ببلدنا العراق، والبلاد الاسلامية، وليس من وسيلة لدفعه ومنعه، فإنه يمكن للعلماء الفقهاء أن يتخذوا موقفهم القاطع والحاسم بواجب الجهاد العيني او النفير العام ولنا في تأريخنا البعيد والقريب تجارب و امثلة مؤثرة دالة على ذلك.

ولابد أن نؤكد هنا، ومرة تلو اخرى على أن كل ما تجدونه من تماسك ووحدة وشجاعة لهذا الشعب، فهو نتيجة ولايته لأهل البيت (ع) فهي ولاية وطاعة عظيمة وتتجسد بقبولنا بقيادة دينية ربانية من قبل احد المراجع والعلماء الربانيين، فعلاج الامة الاسلامية ان ترجع لما أمر الدين وهو قيادة العلماء بالله.


ارسل لصديق