A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - هل يلبي الزواج المبكّر حاجات الانسان العصرية؟

هل يلبي الزواج المبكّر حاجات الانسان العصرية؟
كتبه: الشيخ فارس الجبوري
حرر في: 2018/01/03
القراءات: 1471

الزواج حاجة فطرية، و رباط مقدس في القوانين السماوية والوضعية على حد سواء، وقد نالت هذه الرابطة من التشريعات السماوية الشيء الكثير؛ مما يدلل على أهميتها البالغة، كذلك الحال مع التشريعات الوضعية؛ فالزواج سَكنٌ، و مودة، ورحمة كما يصفه ربنا العظيم، إذ قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وجعل لكم من انفسكم}، (سورة الروم، 21)، والى هذا أشار الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله، بقوله: «الزواج سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني».

والزواج حاجة فطرية، ترتبط بطبيعة الانسان وتكوينه، يشعر الانسان بالحاجة الى إشباعها في سن معينة عندما يصل مرحلة البلوغ الجنسي، وهي مرحلة البلوغ الشرعي أيضا، وعادة ما يصل الانسان هذه المرحلة في سن مبكرة، وهكذا فان إشباعها يجب ان يكون وفق ضوابط الشرع، ولا يتم ذلك إلا بالزواج المبكّر؛ ولهذا رغّب الشرع الناس بالزواج المبكر، كوسيلة للعفة، وتحصين الانسان نفسه، وإشباع لهذه الحاجة الفطرية، وغيرها من الفوائد، إلا ان الانسان وكعادته كثيرا ما يتجاوز الشرع المقدس، الذي خلقه ومنحه القليل من العلم، ألا وهو العالم المطلق بمصلحته، معطياً الانسان نفسه الحق بان يكون هو مقياس الخطأ والصواب، حتى في أمور أوضحها الله -تعالى- للإنسان بصريح العبارة، وعلى هذا انقسم الانسان على نفسه فيما يخصّ الزواج المبكر بين رافض ومؤيد.

 

 الزواج المبكر  بين القبول والرفض

انقسمت الاراء ونتائج الدراسات بين الايجابية والسلبية في نظرتها للزواج المبكر، قياساً الى ظواهر اجتماعية أُتخِذَت أساساً للتقييم، أهمها:

١- الطلاق وعدم التفاهم:

يعزو الرافضون للزواج المبكر، اغلب حالات الطلاق اليه؛ معللين ذلك بعدم نضج الزوجين، مما يؤدي الى عدم التفاهم؛ وحدوث المشاكل، ومن ثم الطلاق كنتيجة نهائية، ومستدلين بإحصائيات الطلاق المرتفعة في عديد البلاد الاسلامية.

ولكن؛ ثمة ملاحظتان موضوعيتان من المهم جدا الالتفات إليهما؛

الاولى: ان الغالبية المطلقة، -ان لم نقل جميعها- من حالات الزواج في بلداننا إنما تتم في سن تُعد مبكرة في مقياس هذا الفريق، وبالنتيجة فان أيّ حالة طلاق ستكون لزواج مبكّر؛ لانه ليس لدينا نسبة معتد بها للزواج المتأخر حتى نعزو نسب الطلاق الى المبكر أو المتأخر، وكان المفروض ان نعزو الغالبية الساحقة لحالات الزواج الناجح الى الزواج المبكر أيضا.

والثانية: أن معيار المبكر عند هؤلاء (الرافضين) إنما هو ما يقع حتى دون سن الخامسة والعشرين، على بعض الاّراء وهذا قد لا يكون مبكراً في عرف ومقياس غيرهم حتى يتحمل الزواج المبكر مسؤولية هذا الطلاق، بل هو زواج متأخر الى حد معتد به، فالمبكر المقصود هو ما يرافق النضج والبلوغ الجنسي، وهو يتحقق في سن أصغر من ذلك بكثير؛ وعليه فالمفروض ان لا نعزو هذه النسب الى الزواج المبكر.

ومن جانب آخر فان الزواج المبكر يجعل كل من الرجل المرأة يتعودان وجود الطرف الاخر في حياتهما، ويشعران بضرورة وجوده رغم المشاكل؛ مما يدفعهما الى تسوية مشاكلها، وحل عقد الخلاف بدرجة اكبر بكثير من أولئك الذين لم يتزوجوا مبكّراً؛ حيث ان تعودهم على حياة العزوبية بعد فترة النضج الجنسي  من حياتهم ولسنين عديدة؛ يجعلهم يتخذون قرار الطلاق بسهولة اكبر من المتزوجين مبكراً عند حصول بعض المشاكل.

 ٢- عدم النضج :

قد لا يختلف اثنان في ان النضج في مجتمعاتنا الاسلامية قبل عقدين  من الزمن وأكثر كان يحدث في سن أبكر مما هو عليه الْيَوْمَ الى حد بعيد، رغم تطور الحياة وحيازتنا على وسائل التعليم، بينما نسبة إثارة الغرائز الجنسية كانت أقل بكثير مما هي الْيَوْمَ، إذن؛ فليس من المنطقي ان نرفض حاجة حياتية ضرورية تفرضها طبيعة الانسان، وتشعل جذوتها مظاهر وثقافة التعرّي القادمة من خلف الحدود التي فرضتها علينا الثورة المعلوماتية عبر الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، نرفضها لا لشيء إلا لأننا قصرنا في القيام بواجباتنا في غرس الوعي والثقافة في أولادنا، وبدلاً من معالجة تقصيرنا في وضع مناهج تأهيل فكري تسد حاجاتهم العقلية والثقافية، ترانا نعالج التقصير بالخطأ، و نقرر حرمانهم حاجة فطرية أصبحت ملحة بحكم الثقافة السائدة، وذلك بمنع الزواج المبكر.

٣- الحمل المبكر وآثاره

ومن أسباب  الرفض أيضا؛ ان الزواج المبكر يؤدي الى الحمل المبكر، وما لذلك من اثر كبير على صحة الزوجة ومسيرتها التعليمية، وهذا التعليل لو وضعناه على طاولة التشريح فانه لن يصمد امام ايجابيات الزواج المبكر، بل هو منتفي أصلا، حيث ان الزواج المبكر لا يعني بالضرورة الحمل والإنجاب؛ فإجراء تنظيم الاسرة، وتحديد أفضل أوقات الحمل والإنجاب، بما يتناسب مع وضع الاسرة الاقتصادي والاجتماعي والدراسي وغيرها، اصبح الْيَوْمَ من الأمور البديهية لدى الجميع، وايضاً؛ موضوع تأثير الحمل على صحة المرأة، فهو أيضا من الأمور التي حلتها الرعاية الصحية الحديثة، فلا يتم الإيذان بالحمل إلا بعد التأكد التام من ضمان صحة الأم والجنين، وللأم الصغيرة والكبيرة على حد سواء، فلم يبق لهذا السبب مقبولية.

٤- تأثيره على تعليم الزوجين

اما على صعيد تأثير الزواج المبكر على تعليم الزوجين، فهو الآخر يصطدم بصخرة عدم المقبولية، ففي المجتمعات الاسلامية التي تخضع فيها الحياة الجنسية الى قيود شرعية، بل وعرفية اجتماعية؛ فان الزواج المبكر له تأثيره الكبير في تحسين المستوى العلمي والتعليمي الى حد كبير، فبلداننا لا تعيش حياة الانفلات الجنسي، كما هو الحال في بعض البلدان، ولما كانت هذه الرغبات طبيعة تكوينية وفطرية؛ فلا بد من إشباعها بأوانها وإلا تسببت بآثار وخيمة وخاصة فيما يتعلق بالتعليم؛ فقد اشارت دراسة اجريت في احدى البلدان الاسلامية المحافظة، شملت عيّنة لطلاب تراوحت أعمارهم بين ١٢-١٧سنة، تبين فيها ان إشباع الحاجة الجنسية كان يشغل تفكير نسبة ٨٨بالمئة من هذه العينة، وان نسبة خمسة بالمئة، من هذه العينة شعرت بحاجة إشباعها في سن العاشرة، رغم أن هذه تعد فترة طفولة تكون الحاجات فيها للألعاب فقط، وقد علل الباحث ذلك الى تأثير وسائل الاعلام والاتصالات بنقل مشاهد الميوعة من خلف الحدود.

 فوائد الزواج المبكر

بالاضافة الى الفوائد المذكورة سابقا، في معرض الرد على الرافضين للزواج المبكر من حيث مساعدته على التطابق والتفاهم بين الزوجين، وتقليل نسبة الطلاق كنتيجة نهائية، وكذلك دوره في دفع عجلة التعلم؛ فان له فوائد اخرى كثيرة منها:

١- تكوين الشعور بالمسؤولية

يُعد الزواج نقطة تحول في حياة الانسان، فمع دخول عِش الزوجية يشعر الازواج ذاتيا بالمسؤولية امام هذا الوضع الجديد الاختياري، وهذا التحمل للمسؤولية هو تحمل إيجابي لانه ذاتي واختياري غير مفروض، فهو شعور ذاتي تسبب به الزواج؛ فترى الانسان يتحول من حالة اللامبالاة والعبث واللاهدفية التي لا تنسجم مع الفطرة، الى حالة الهدفية والمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية.

٢- استخراج الطاقات الإيجابية

ان عصر الميوعة الذي نعيشه الْيَوْمَ، والوافد إلينا عبر وسائل الاتصال الحديثة، والذي لا نملك وسيلة لمنع تدفقه على اجيالنا الناشئة من جهة، وقيود الحياة الجنسية في مجتمعاتنا الاسلامية والتي يفرضها علينا العقل والمنطق قبل الشرع من جهة اخرى؛ جعلت اجيالنا الصاعدة تعيش في أزمة حقيقية، وحالة بددت كل طاقاتها الخيرة، وجعلتها أسيرة التفكير في كيفية إيجاد السبل لإشباع غريزتها الجنسية، بدلاً من البحث عن السبل لاستخراج وصقل المواهب والكفاءات، فضاعت على امتنا طاقات أجيالها الصاعدة في كل مجالات الحياة؛ كما خسرت الاسرة طاقات ابنائها وخسرت آمالها وأحلامها في ان تراهم وقد ارتقوا اعلى درجات البناء الذاتي لأنفسهم.

٣- تحقيق التنمية الذاتية والاقتصادية

ولما كان الزواج يجعل الانسان يشعر بالمسؤولية تجاه أسرته الناشئة؛ فان ذلك سيدفعه الى التحفز للعمل، والقيام بواجبات هذه المسؤولية، ولما كانت الاعمال تحتاج الى متطلبات خاصة ومتغيرة ومتطورة ومتسارعة؛ فان ذلك سيدفعه الى اعتماد عملية بناء ذاتي مستمرة ليواكب التطورات ويضمن تحقيقه لمتطلبات العمل المقررة والمسؤوليات الجديدة، كما تحفزه على العمل وتحوله الى إنسان منتج بعد ان كان مستهلكاً، وكلما كان الزواج مبكّر ا تحققت التنمية الذاتية والشاملة بوق ابكر.

4- ارتفاع مستوى الخصوبة

تعاني بعض دول العالم الْيَوْمَ من مشكلة حقيقية تتمثل في شيوع ظاهرة العقم، أو صعوبة الإنجاب بعد دخول العقد الثالث، ولهذا أسباب كثيرة لسنا بصدد نقاشها، وإذا كانت هذه المشكلة ظاهرة الْيَوْمَ بوضوح في بعض البلدان، فإنها في طريقها للظهور في كل البلدان في المستقبل، وهذا سيعرض النوع البشري للتناقص في القرون القادمة من جهة، ومن جهة اخرى فان نسبة الخصوبة عند بدء النضج الجنسي هي أفضل بكثير مما هي عليه في العقد الثالث من العمر، ولهذا فان الزواج المبكر  يقضي لنا على هذه المشكلة المتنامية بشكل مخيف.

5- الحدّ من تفشي العلاقات غير المشروعة

ولعل واحدة من اهم غايات الزواج المبكر هو العفة، والحد من العلاقات غير المشروعة، ومن ثم، حفظ الأنساب، وتحقيق الصحة الجسدية، ومنع الإصابة بالامراض المعدية، وخاصة مرض الإيدز القاتل الذي انتشر في البلدان التي تعيش حياة الشهوة الحيوانية. اننا الْيَوْمَ مطالبون؛ ونحن امام هذا الوضع الخاص، ان نعمل على وقاية ابنائنا من العلاقات غير المشروعة، ولا يتم ذلك إلا بالزواج المبكر، وقد يقول قائل ان هذه العلاقات يقيمها حتى المتزوجون، وأقول: لو ان هذا المتزوج لم يقمها قبل زواجه، لما استمر عليها بعد زواجه، ولو تحقق زواجه مبكراً؛ لما أقامها قبلاً ولما استمر عليها بعداً.

 

 لنستفد من إيجابياته ونعالج سلبياته .. رسالة الى الوالدين

وهكذا؛ فان الزواج المبكر الْيَوْمَ يلبي حاجات الانسان المعاصرة؛ فهو يحقق كل الفوائد من التعليم والبناء الذاتي، ومن اكتشاف واستخراج طاقاته الإيجابية، وتحقيق المستوى التعليمي الأفضل، وتحقيق العفّة و…غيرها كثير من المكاسب، من جهة، وهو أداة في مواجهة المخاطر المترتبة على تركه من جهة ثانية، وفي ظل الوضع الخطير الذي تواجهه اجيالنا من جهة ثالثة؛ ولهذا فإننا الْيَوْمَ مطالبون بان نأخذ الزواج المبكر على محمل الجدّ، وان لا نرفضه لأسباب لا تمت اليه بصلة، إنما نحن أوجدناها بسبب تقصيرنا.

فالحاجات الفطرية التكوينية لا تتغير وإنما تقصيرنا هو القابل للتغيير والتعديل والتصويب.

وعليه فإننا كوالدين ينبغي ان نعتمد الزواج المبكر كوسيلة لتحقيق أهدافه، ومواجهة المخاطر المترتبة على تركه في هذا الظرف الخاص، وان نعالج الأمور السلبية المرافقة له والتي تسببنا بها نحن وليس الزواج المبكر، وخاصة فيما يخص وعي اولادنا، وذلك بالنصح والمشورة، وإنجاح الزواج، ومساعدتهم في تربية اولادهم بالشكل الذي يحقق حالة الوعي الكامل لأحفادنا، ذلك الوعي الذي يجعلهم قادرين على تحقيق متطلبات الزواج في سن مبكرة، بغرس الثقافة السليمة فيهم، التي تتناسب مع كوّن الزواج المبكر اصبح ضرورة حياتية، ويلبي ويخدم حاجات الانسان العصرية في التعلم والتنمية.

إن الزواج المبكر يحتاج الى مستوى من الوعي يجب ان نصل بأحفادنا اليه عند نضجهم الجنسي بعد ان قصرنا في تحقيقه في ابنائنا في الوقت المناسب، وبهذا نكون قد تحملنا مسؤليتنا وصححنا بعضاً من اخطائنا، ومن ثمّ نحقق كل فوائد الزواج المبكر الذي اصبح ضرورة حياتية لا بديل عنها في المجتمعات المحافظة.


ارسل لصديق