Severity: Warning
Message: Creating default object from empty value
Filename: libraries/lib_posts.php
Line Number: 40
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
- ان وعي النعم في الدنيا يسمو بالمؤمن الى عدم الاستسلام لإغراء شراب الدنيا الحرام، والترفع عن ملذاتها المحدودة، انتظارا لما هو أشهى وأطيب مذاقا و أعظم.
- إن أعظم لذات البشر مجالس المؤانسة مع خلان الصفا بتبادل المحبة، والود، والكلمات السامية، والمعارف الجديدة.
ويبدو ان السياق يحدثنا عن جانب من هذه المجالس؛ فإضافة الى الشراب الذي يدار بينهم، يصور لنا السرر المرفوعة التي يتقابلون فيها؛ فيقول: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ}.
- لقد أغناهم تعب الدنيا والكدح فيها عن التعب هناك؛ فاشتغلوا بمجالس الأنس عن النصب الذي يشتغل به أهل النار؛ فتراهم يتنازعون كؤوس الشراب الطهور الموضوعة أمامهم بلا عناء ولا نصب ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ مليئة بالشراب الطهور وهم يتكئون على وسائد لطيفة، ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾، والنمرق: الوسادة.
وفي كل جهة تجد البسط التي لا خمل لها كالسجاد، أنى شئتها وجدتها وأخذتها لبساطك، {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}، وهي الطنافس التي لها خمل رقيق.
- ليس بين الانسان وبين فهم الحقائق إلا حجاب الغفلة؛ فاذا ما كُشف عنه هذا الحجاب، إذا به يجدها ظاهرة أمامه، والقرآن يساعده على ذلك.
ألا ترى كيف يرغبه في النظر الى تلك الحقائق المألوفة حوله والتي يغفل - عادة - عن غيبها ودلالاتها البعيدة ؛ فيقول: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}.
- هـــــذه الإبل التي يمـــتطون ظهـــورها، ويشـــربون لبنها، ويأكلون لحمها، ويتداوون ببولها، ويصنعون من أشعارها وأوبارها بيوتا خفيفة وثيابا وزينة؛ أفلا ينظرون إليها ليعرفوا كيف خلقت لتكمل حياتهم خصوصا في تلك الصحارى القاحلة؟!
وانها من أصعب الحيوانات مراسا وقدرة على تحمل المشاق. إنها تحمل أثقالا عظيمة، وتخوض غمار البراري القفر، وتصبر أياما عديدة ربما بلغت أسبوعا او عشرة أيام بلا زاد ولا شراب، وتتحدى الأعاصير الرملية بما خلق الله فيها من قدرة ومن أهداب لمقاومتها!
فمن الذي خلقها بهذه الطريقة العجيبة؟
فسبحان الله الذي خلق الإبل، وتبا لمن نظر اليها ولم يعتبر.
- حين نقرأ آيات الذكر، يخيل الينا أنها ترسم لوحة فنية. فاذا ذكرت الإبل تذكر بعدها السماء، ثم الجبال؛ فالأرض حتى تكتمل الصورة.
بلى؛ هكذا كتاب ربنا يصف الحقائق الواقعية كما هي، ويجعلنا نعتبر بها؛ ولذا قال: ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾.
وعندما ينبلج الفجر من الأفق، وينتشر الضياء فوق الروابي، وتسرع أسراب الطيور بالتحليق بحثا عن رزقها، وتستيقظ الطبيعة لتسبّح ربها، هنالك انظر الى السماء كيف جعلها الله سقفا محفوظا، وزرقة وادعة، وروعة وجمالا.
- تنساب العين من السماء الى الجبال ليجد الكتل الصخرية الهائلة قد نصبت في مراكزها لتقي الارض شر الهزات والعواصف، ولتُكَوّن خزائن المياه، والمعادن، ويتساءل: ما هذه الدقة المتناهية في وضع هذه الصخور في مواضعها؟ لو تقدمت عنها أو تأخرت سببت مشاكل عظيمة !ولو فكرت كيف تكونت الجبال لازددت عجبا.
- إن الأرض وطريقة انبساطها وتذليلها وكيف مهدها الله للانسان بفعل الأمطار الغزيرة التي غسلت أطراف الجبال وسوت الأرض لتكون صالحة للسكنى والزراعة؛ تحتاج إلى أن ينظر إليها الإنسان نظر اعتبار؛ ولذا قال: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}؛ أي: أفلا ينظرون إلى الأرض، نظر اعتبار، كيف سطحت؟
وهكذا يحرضنا كتاب ربنا على البحث والتنقيب؛ سواء على صعيد العلماء والخبراء ام على مستوى كل فرد منّا.
علينا، جميعا، ان نتفكر ونعقل، ولا نكون غافلين عما يجري حولنا؛ ان ذلك هو السبيل الى معرفة الخالق اكثر فاكثر؛ ومعرفة الخالق هي أصل كل خير وفلاح.
- إن الأدلة مبثوثة في أرجاء الخليقة، وعقل الانسان تكفيه حجة، ويأتي النبي، صلى الله عليه وآله، ومن يتبع نهجه، ليقوم بدور المذكر. انه ليس مكلفا عنهم ولا مكرها لهم، ولا يتحمل مسؤولية أفكارهم، وإنما هم المسؤولون {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}؛ فما على الرسول، صلى الله عليه وآله، إلا البلاغ المبين، حتى معرفة الله لا تتم إلا بعقل الانسان الذي يستثيره النبي بتذكرته.
وليس الرسول، صلى الله عليه وآله، عليهم بجبار، انما يذكر بالقرآن من يخاف وعيد، ولذا قال: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾. والسيطرة هي التسلط ومعناها الجبر والإكراه.
- إن الكفار الذين يقاومون الرسالة، إنما يتعرضون لسخط الله وعذاب عباده المؤمنين؛ لانهم يسيؤون التصرف في الحرية الممنوحة لهم.
وقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ}؛ ولكن يبدو ان سائر آيات القرآن تفسر هذه الآية؛ إذ إن من تولى عن الحق وكفر به، وخالف الرسول، صلى اله عليه وآله، وناصبه العداء، يجاهَد حتى يعود الى رشده، وهذا ما نقرؤه بتفصيل في آيات الجهاد وفي سورة الممتحنة بالذات.
وقد روي عن الإمام علي، عليه السلام، أنه جيء إليه برجل ارتد؛ فاستتابة ثلاثة أيام؛ فلم يعاود الإسلام؛ فضرب عنقه، وقرأ: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} (1).
- أولئك الكفار المنابذون العداء للرسالة يجاهدهم المسلمون؛ فيعذبهم الله في الدنيا بأيديهم، وهو العذاب الأصغر؛ ثم يعذبهم في الآخرة العذاب الأكبر؛ وذلك قوله تعالى: {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ}.
- في نهاية السورة، يذكرنا ربنا بالمصير اليه، وكيف لا يستطيع ان يهرب أحد من مسؤولية أعماله؛ فيقول: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}؛ أي: عودتهم.
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾؛ يحاسبهم جميعا كما رزقهم في الدنيا على كثرتهم.
فطوبى لمن حاسب نفسه هنا قبل ان يحاسب هناك، وتاب الى الله من ذنوبه قبل ان يجازى بها.
﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ بالماء، ﴿و فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ عن الأرض؛ يتقابلون فيها، ﴿وَ﴾ فيها ﴿أَكْوَابٌ﴾ مليئة بالشراب الطهور ﴿مَّوْضُوعَةٌ﴾ أمامهم بلا عناء ولا نصب ﴿وَ﴾ فيها ﴿نَمَارِقُ﴾: وسائد ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بعضها جنب بعض ﴿وَ﴾ فيها ﴿زَرَابِيُّ﴾: بُسُط ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾: مفروشة.
﴿أَفَلا يَنظُرُونَ﴾ نظر الاعتبار ﴿إِلَى الإِبِلِ﴾ التي دمجت بحياتهم ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ لتكمل حياتهم؟! ﴿وَ﴾ ألا ينظرون نظر الاعتبار ﴿إِلَى السَّمَاء﴾ فوقهم ﴿كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ بلا عمد؟! ﴿وَ﴾ ألا ينظرون نظر الاعتبار ﴿إِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ في مراكزها؟! ﴿وَ﴾ ألا ينظرون نظر الاعتبار {َإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} لتكون صالحة للسكنى والزراعة؟! ﴿فَذَكِّرْ﴾ - يا محمد، صلى الله عليه وآله - الناس بالله وآياته ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ ومُبَلِّغ، وهم الذين يتحملون مسؤولية أفكارهم، وأقوالهم، وأعمالهم؛ فأنت ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ ولا بجبار ﴿إِلاَّ مَن تَوَلَّى﴾ منهم عن الحق ﴿وَكَفَرَ﴾ به؛ فما عليك منه {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ} في الآخرة.
{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} وعودتهم {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} جميعا؛ كما رزقناهم في الدنيا على كثرتهم.
-------------------