A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - سورة الهمزة

سورة الهمزة
كتبه: السيد جواد الرضوي
حرر في: 2013/09/04
القراءات: 8637

(بسم الله الرحمن الرحيم)

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

 

هذه الأسئلة طرحناها، فوجدنا إجابتها في موسوعة تفسير "من هدى القرآن" لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدرّسي "دام ظله الشريف" وتعميماً للفائدة ننشر، في كل عدد، مجموعة من الأسئلة مع أجوبتها المستوحاة من الموسوعة المذكورة مباشرة

• أين نزلت سورة الهمزة؟ و متى؟ و ما هو ترتيبها النزولي؟ و ما هو ترتيبها في القرآن الكريم ؟

- نزلت سورة الهمزة المباركة في مكة المكرمة بعد نزول سورة القيامة. عدد آياتها (9). ترتيبها النزولي (31)، و ترتيبها في القرآن الكريم (104 ).

 

* فضل السورة

• ما فضل هذه السورة المباركة ؟

- وردت في فضل هذه السورة المباركة روايات كثيرة؛ نذكر – هنا – إحدى تلك الروايات. فعن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: مَن قرأ «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» في فريضة من فرائض الله، بَعُدَ عنه الفقر، و جُلِبَ عليه الرزق، و يُدفَع عنه ميتة السوء.» (1)

 

* الإطار العام للسورة

• ما هو الإطار العام لهذه السورة المباركة ؟

- في تسع آيات مباركات، تُبيّن «سورة الهُمزة» المباركة حالة المتكبر الخاسر التي تخالف المؤمن المتواصي بالحق و الصبر؛ حيث تتجلى صفة الخسارة.

فمن يزعم أنه قد ربح الدنيا بجمع مالها و تعدادها، و الاستكبار على الناس بهمزهم و لمزهم، (يكون قد خسر خسارة كبيرة)؛ و أية خسارة أعظم من نبذه في النار تحطم عظامه. أوليست تتقد و تطلع على الأفئدة ؟

إنها – حقا – سجن مغلق في صورة أعمدة ممدة.

 

* السلوك المُجمَل

• لماذا يذكر القرآن الكريم صفات الخير مع صفات الشر ؟

- كما صفات الخير، تتداعى صفات السوء في أصحابها؛ لأنها تنبعث من جذر واحد، و هكذا ترى القرآن الكريم يذكرها معا؛ لكي نَعرِفَ الناس و نقيّمهم على مجمل سلوكهم و ليس ببعض ما تبدر منهم من صفات شاردة و شاذة. انه الويل واللعنة لكل أولئك الذين يهمزون الناس في وجوههم علواً في الأرض و استكباراً، و يلمزونهم - إذا غابوا عنهم - إفساداً في الارض و فتنة؛ لا فرق بين من يتجاهر منهم بالكفر أو يدعي الايمان، فليست هذه صفات المؤمنين، و ليست بين الله و بين أحد من خلقه صلة قرابة أو رحم يمنعه عن عقابه بمثل هذه الأفعال الاجرامية.

 

* الهمّاز و اللمّاز 

• في قوله تعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ»، ما المراد بالويل، و الهُمزة، و اللُمزة؟

- قالوا: معنى الويل؛ الخزي و العار، و قالوا: انه وادٍ في جهنم، و لا تناقض بينهما.

وقالوا: أصل الهمز؛ الدفع أو الكسر، يُقال: همزت الجوز بكفي؛ أي: كسرته.

وقال بعضهم: أن الهمز هو الاغتياب بالقول، بينما اللمز، هو الاغتياب بالإشارة، وأنهما معاً، بالنتيجة، نوع الحديث عن غائب.

أما اللمز فقال بعضهم: إنه الاغتياب، أو ذكر معايب الناس و المشيء بالنميمة.

 

* بين «الهمز» و «اللمز»

• أيهما أشد: الهمز أم اللمز ؟ و ما الفرق بينهما ؟

- يبدو أن الهمز أشد من اللمز. فإذا كان الهمز بالوجه، فاللمز بالغيبة. و إن كان الهمز بالنطق، فاللمز بالإشارة. وإذا كان الهمز يهدف العلو في الارض، فإن اللمز يبقي الفساد فيها. الأول سمة التكبر و التجبر، و الثاني علامة المكر و الاحتيال، و قطع الأرحام، و إثارة الفتن.

و جاء في الحديث المأثور عن النبي، صلى الله عليه و آله: « شرار عباد الله: المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الاحبة، الباغون للبراء العيب». (2)

و هذا الإحساس يجعلهم يستكبرون على الناس، و يبحثون عما يجبر نقص أنفسهم بجمع المال و تعداده، و الافتخار به، و التعالي على الناس بسببه.

 

* جبر النقص

• الهمازون و اللمازون، هم الذين يجمعون المال كما في صريح قوله تعالى: «الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ»، فلماذا يزيدون في رصيدهم المالي ؟

- الهمازون و اللمازون يشعرون بنقص في نفوسهم؛ حيث جاء في الحديث المأثور عن النبي، صلى الله عليه و آله: «أذل الناس من أهان الناس». (3)

و هذا الاحساس يجعلهم يستكبرون على الناس، و يبحثون عما يجبر نقص أنفسهم بجمع المال و تعداده، و الافتخار به، و التعالي على الناس بسببه.

و يبدو ان معنى «عَدَّدَهُ»، أحصاه و عدده المرة بعد الأخرى؛ مباهاة به، و اعتماداً عليه، ولكي يرى هل بلغ مستوى طموحه أم لا؟ أرأيت الاطفال كيف يحسبون دراهمهم باستمرار فرحاً و فخرا.

 

* «كلا» وربما العكس

• لماذا بدأت الآية الكريمة بـ (كلا...) ؟

- كلا؛ لا يخلد المال أحدا، بل قد يعجل في وفاته، وإننا نسمع كل يوم عن بعض المعمرين الذين تجاوزوا المائة عام، فلا نجد فيهم إلا عادة البسطاء من الناس، ولو كانت الثروة سبباً للخلود، لكانت أعمار الناس تقاس بقدر أموالهم؛ بينما قد نجد العكس؛ ثم ان جمع المال بكمية كبيرة لا يكون إلا بالحرام مما يجعل صاحبه أكبر خسارة؛ يجمع المال بكدح بالغ ثم يكون وبالا عليه.

جاء في الحديث المأثور عن الإمام علي بن موسى الرضا، عليه السلام: «لا يجتمع المال إلا بخمس خصال: بخل شديد، و أمل طويل، و حرص غالب، و قطيعة رحم، وايثار الدنيا على الآخرة». (4)

 

* تنفجر و تُفجّر

• نعرف أن التحطيم من شأن ارتطام شيء خشن بمثله؛ بينما النار سيالة، فكيف تحطّم، كما ورد في قوله تعالى: «كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ»؟

- هؤلاء الهمّازون و اللمّازون، أهانوا الناس بهمزهم، و سخروا منهم بلمزهم؛ فاليوم يلقون نبذاً في نار جهنم التي تحطمهم.

و النار ذات طبيعة سيالة في الدنيا لانها – هنا - مخففة سبعين مرة عنها هناك. أما نار الله التي أوقدها جبار السماوات و الارض تجلياً لغضبه، فانها – حسب ما يبدو - تتفجر و تفجر مما تجعل كل شيء فيها عظيماً.

 

* التعجّب للتعظيم

• ما المراد بقوله تعالى: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ» ؟

- قوله تعالى: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ»  أي: هل تدري ما هي الحطمة؟ أتى بالتعجب تعظيماً لها و تهويلا لامرها.

إن علم البشر بحقائق الآخرة محدود جداً، و عليه ان يتزود بمقاييس جديدة ليعرف أبعاد الحقائق فيها.

 

* الإلهاب و التشديد

• في قوله تعالى: «نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ»، لماذا نُسبت النار إلى الله ؟ و ما الفرق بين الموقدة و المشتعلة ؟

- كفى بك أن تعرف أنها نار الله بعظمته و جلاله  و شديد سطواته  و عريض كبريائه، و نسبتها الى الله بسبب أن ربها هو الذي أوقدها. و لعل إيقاد النار غير إشعالها، بل الهابها و تشديدها. قالوا: ان الله - عز اسمه - قد أوقد عليها ألف عام  و ألف عام،  و ألف عام حتى اسودت؛ انتظاراً لاعداء الله؛ أعاذنا الله منها.

 

* العذاب يتجدد

• النار – بطبيعتها – تحرق الجسم و أعضاءه، بما فيها الفؤاد – و هو القلب على ما فسروه – فما الفائدة من وصف نار جهنم بأنها «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ»؟

- لشدة نار جهنم، تراها تطلع على الافئدة أن تحرق الجلود و اللحم و العظام. قالوا: فإذا بلغت الفؤاد، عاد اليهم جلودهم و اللحم و العظام؛ فيعذبون من جديد.

و قال بعضهم: إن نار جهنم تتجه رأساً الى لب الانسان؛ فتحرقه. و قال بعضهم: بل أنها شاعرة، تعرف ماذا في قلوب المجرمين؛ فتعذبهم بقدر ما فيها من كفر و نكد.

 

* .. و تغلق أبواب النار

• هل للنار ابواب حتى توصد عليهم كما في قوله تعالى: «إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ»؟

- بعد ان يُنبذ الهمازون و اللمازون في نار جهنم، تطبق عليهم، و توصد أبوابها؛ فلا روح، ولا نسيم، ولا شكوى، ولا كلام؛ انما هي شهيق، و زفير، و آهات، و أنات، و عذاب شديد فـ «إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ»؛ أي: مطبقة عليهم مغلقة أبوابها. و جاء في الحديث المأثور عن رسول الله، صلى الله عليه وآله: «ثم إن الله يبعث اليهم ملائكة بأطباق من نار، و مسامير من نار، و عمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق، و تشد عليهم بتلك المسامير، و تمد بتلك العمد، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح، و لا يخرج منه غم، و ينساهم الرحمن على عرشه، و يتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، و لا يستغيثون بعدها أبدا، و ينقطع الكلام، فيكون كلامهم زفيرا و شهيقا، فذلك قوله تعالى: «إنها عليهم مؤصدة». (5)

 

* النهاية الفظيعة

• في قوله تعالى: «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ»، ما هي صفة تلك الاعمدة في النار؟ و ماذا تكون؟

- اختلفوا في هذه العمد الممدة؛ هل هي أغلال في أعناقهم؟ أم قيود في أرجلهم؟ أم هي الأوتاد التي تشدّ الأطباق بها؟ أم ماذا ؟

قال بعضهم: انها كناية عن الدهر؛ فهي في دهور متطاولة.

و قال أبو عبيدة: العمود كل مستطيل من خشب او حديد، و هو أصل للبناء مثل العماد.

و يحتمل أن تكون في النار اسطوانات يدخل أهلها فيها، فهم في هذه العمد أي: وسطها؛ و الله العالم.

و أنّى كان؛ فإن نهاية فظيعة تنتظر كل مستكبر في الارض. هماز لمّاز؛

و لكي لا يغرنا الشيطان بما نملك من أموال و بنين، نقرأ – معاً – حديثاً مفصلاً عن الامام الباقر، عليه السلام، يُحذرنا بما في النار من عذاب رهيب. و نكتفي بذكر بعض مقاطع الحديث اختصاراً:  «... و يغضب الحي القيوم فيقول: يا مالك..! قل لهم: ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً، يا مالك..! سعر، سعر.. فقد اشتد غضبي على من شتمني على عرشي، و استخف بحقي، و أنا الملك الجبار.

 فينادي مالك: يا أهل الضلال و الاستكبار و النعمة في دار الدنيا..! كيف تجدون مس سقر؟!

فيقولون: قد أنضجت قلوبنا، و أكلت لحومنا، و حطمت عظامنا، فليس لنا مستغيث، و لا لنا معين.

 فيقول مالك: و عزة ربي لا أزيدكم إلا عذاباً.

 فيقولون: ان عذبنا ربنا لم يظلمنا شيئاً.

 فيقول مالك: «فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير». يعني بعداً لأصحاب السعير.

 ثم يغضب الجبار فيقول: يا مالك..! سعر سعر، فيغضب مالك، فيبعث عليهم سحابة سوداء تظلل أهل النار كلهم، ثم يناديهم - فيسمعها أولهم و آخرهم، و أفضلهم و أدناهم – .

فيقول: ماذا تريدون أن أمطركم ؟

فيقولون: الماء البارد، واعطشاه..! و اطول هواناه..! فيمطرهم حجارة، و كلاليباً، و خطاطيفاً، و غسليناً، و ديداناً من نار، فينضج وجوههم و جباههم، و يغضّ أبصارهم، و يحطم عظامهم، فعند ذلك ينادون: واثبوراه.. فاذا بقيت العظام عواري من اللحوم اشتد غضب الله، فيقول: يا مالك..! اسجرها عليهم كالحطب في النار، ثم يضرب أمواجها أرواحهم سبعين خريفاً في النار، ثم يطبق عليهم أبوابها من الباب الى الباب مسيرة خمسمائة عام، و غلظ الباب مسيرة خمسمائة عام، ثم يجعل كل رجل منهم في ثلاث توابيت من حديد من نار بعضها في بعض، فلا يسمع لهم كلام أبداً، إلا أن لهم شهيقاً كشهيق البغل، و زفيراً مثل نهيق الحمير، و عواء كعواء الكلاب، صُمّ بكمٌ عميّ فليس لهم فيها كلام إلا أنين، فيطبق عليهم أبوابها، و يسد عليهم عمدها، فلا يدخل عليهم روح أبدا، ولا يخرج منهم الغم أبدا، فهي «عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ» يعني مطبقة، ليس لهم من الملائكة شافعون، ولا من أهل الجنة صديق حميم، و ينساهم الرب، و يمحو ذكرهم من قلوب العباد، فلا يُذكَرون أبدا». (6)

-----------------

(1) تفسير نور الثقلين، ج5، ص667

(2) تفسير القرطبي، ج20، ص181

(3) تفسير (نمونه) نقلا عن موسوعة البحار، ج7، ص142

(4) تفسير نور الثقلين، ج5، ص668

(5) تفسير القرطبي، ج20، ص186

(6) موسوعة بحار الانوار، ج8، ص323


ارسل لصديق