A PHP Error was encountered

Severity: Warning

Message: Creating default object from empty value

Filename: libraries/lib_posts.php

Line Number: 40

مجلة الهدى - علماء ومثقفون يتحدثون عن: مؤتمر قادة الأديان وآفاق التكامل الحضاري

علماء ومثقفون يتحدثون عن: مؤتمر قادة الأديان وآفاق التكامل الحضاري
كتبه: هيأة التحرير
حرر في: 2015/01/29
القراءات: 2411

مؤتمر قادة الأديان والمذاهب الذي استضافته دولة الفاتيكان، لمناقشة موضوع «العبودية المعاصرة»، وربما يكون الأول من نوعه، يرعاه الفاتيكان وبشخص زعيم الكنيسة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، يتجاوز كونه حدثاً ينحصر في زمان ومكان وعنوان، ليمتد الى أبعاد فكرية وحضارية تهمّ حاضر ومستقبل الشعوب والعالم، فاذا كان همّ الكنيسة الكاثوليكية في هذا المؤتمر، إثارة موضوع «العبودية» في طابعها المعاصر، وتسليط بعض الضوء على مساحات من العالم، على أنها بؤر للمشكلة والازمة تسعى لمعالجتها، فانها تمثل بالنسبة الينا فرصة تاريخية لتحديد المعايير الصحيحة للمفاهيم والقيم في ضوء الأفق الرحب للفكر الاسلامي، وهذا تجسّد من خلال مشاركة المرجعية الدينية في هذا المؤتمر ممثلة بشخص السيد المرجع المدرسي، وبالمرجع الديني آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي نيابة.

من هنا؛ ارتأت «الهدى» تسليط الضوء على القدرات والامكانيات الحضارية الكامنة في الفكر الاسلامي، منها مسألة «التكامل» والتعاون مع الأمم الاخرى لايجاد الحلول الناجعة لمشاكل وأزمات العالم، بل وصياغة نظام متكامل يضمن سعادة الانسان ورقيّه وتقدمه في الحياة. فكان هذا الاستبيان الذي قصد عدداً من الباحثين وعلماء الدين، ممن تمكنا الوصول اليهم، وهو تحت عنوان: «مؤتمر قادة الأديان وآفاق التكامل الحضاري».

 

قمة قادة الأديان وتحولات الفكر الإنساني العالمي

* الدكتور راشد الراشد

في سابقة تاريخية شارك المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، في مؤتمر قمة الأديان الذي عقد في الفاتيكان في الثاني من كانون الاول ٢٠١٤، والذي نظمته الشبكة العالمية للحرية ومقاومة العبودية المعاصرة، حضرها عدد من قادة الأديان بينهم بابا الفاتيكان وممثلاً عن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وعدداً من قادة الأديان وممثليها حول العالم.

ولأول مرة تشارك شخصية شيعية بمقام المرجعية الدينية وخارج السياق المألوف في البيوتات المرجعية الشيعية، خاصة جهة المشاركة والحضور في محفل دولي وعلى مستوى قمة تجمع قادة الأديان، ويلقي سماحته في هذا الملتقى الهام كلمة أعتبرت ميثاقاً للمؤتمر.

وقد حازت مشاركة أحد مراجع الدين الشيعة في هذه القمة باهتمام بالغ وكبير من قبل المؤسسات الشيعية وعلى رأسها البيوت المرجعية والنخب العلمائية والمثقفة لدى الشيعة بشكل خاص والمهتمين بقضايا الساعة والتحولات الفكرية الكبرى في العالم. وقد رأى البعض أن قمة بهذا المستوى ويشارك فيها أحد كبار فقهاء الشيعة لها مدلولاتها وتأثيراتها ليس في الفكر الحضاري والسياسي لدى الشيعة وإنما إرهاصة لتحولات كبرى في المفاهيم المتصلة بالفكر الإنساني العالمي.

وثمة تساؤلات عديدة تطرح على هذه الحادثة التي تشكل منعطفاً مهماً في مدلولاتها الأخلاقية والإنسانية والحضارية. فقمة تجمع كبار قادة الأديان، و سفر مرجع شيعي الى الفاتيكان ومشاركته في هذه القمة، تمثل سابقة بكل المقاييس.

ويتطلع المهتمون بقضايا التحولات الكبرى في الفكر الإنساني، أن تحدث هذه القمة وحضور أحد كبار مراجع الدين الشيعة في الوقت الراهن، ومصافحته لبابا الفاتيكان ولعدد من كبار قادة الأديان الذين شاركوا في هذه القمة، تحولاً كبيراً في الفكر الإنساني بصفة عامة والفكر الإسلامي بشكل خاص، ويشكل منعطفاً مهماً في التاريخ الإنساني، والذي ستطوى من خلالها وبعدها صفحات عديدة كانت فيما سبق من التاريخ تتسم بالتصادم والمواجهة بين البشر في معظم فتراته، وكانت أكثر المواجهات تتخذ شكلاً دموياً مدمراً لكل مقومات التعايش الإنساني والرقي بعالم البشر إلى عالم تزخر فيه القيم الإنسانية الخلاقة كالعدل والمساواة والحرية، إذ بنيت العلاقات الإنسانية على قاعدة شديدة من الكراهية والشك.

وفي فترات أخرى من هذا التاريخ، ربما لم تتصدر الحروب الفيزيائية (المباشرة)، صدارة المشهد وكان الجمود حاكماً ومسيطراً فيها، ولكن ليس لأن تغييراً ما قد حدث في الفكر والرؤية ولكنه مجرد جمود ظاهري وسطحي في الحركة تستطيع أي حادثة بسيطة من أن تقلعه من وجوده ليتحول إلى فورة بركان ملتهب يمزق سكون الكون كله، وتنتقل المواجهة إلى منطقة الدمار الإنساني والأخلاقي لأن القواعد الأساسية للفكر مبنية على ذات القاعدة من الكراهية والخصومة والريبة والشك. وجاءت القمة لتفتح صفحة جديدة في العلاقات الإنسانية بين البشر خاصة ولتأثير قادة الأديان في حركة الفكر وصياغة السلوك الإنساني، ويتطلع الجميع بأن تتحول هذه القمة إلى خلق قاعدة جديدة في العقل الإنساني تقوم - كما طرح سماحة السيد المرجع المدرسي في القمة- على التكامل الحضاري والإنساني، وليس على قاعدة الصدام والمواجهة المستمرة والمبنية على قاعدة الكراهية والريبة والشك. وهي اطروحة تلقاها قادة الأديان في المؤتمر بترحيب وإعجاب كبيرين وحظيت باهتمام كبير من قبل النخب وأهل الفكر في العالم.

لقد كانت مشاركة سماحة المرجع المدرسي، ليست مجرد إطلالة في مؤتمر لواحد من كبار علماء وفقهاء الشيعة في العالم، بل كان لعمق الرؤية ورصانة الفكر الذي طرحه سماحته في كلمته الافتتاحية للقمة، وبعداً أكثر عمقاً في تطلعات البشر لعالم تسوده قيم الخير والفضيلة والتنافس الخلاق للارتقاء بالحضارة الإنسانية بحيث تغطي عليها قيم إنسانية عالمية حاكمة، وربما لهذا السبب أعدّت كلمة سماحته ميثاقاً للمؤتمر، وهناك أكثر من أفق وفي مساحات رحبة للتحليق في فضاءات جديدة حول القمة عموماً، وفيما طرحه سماحة السيد المدرسي خصوصا من رؤية جموحة لبناء عالم يحتاج إلى التكامل بين البشر، يؤسس على قاعدة التكامل بما تفرضه من بناء العقل الإنساني على أساس المحبة والتسامح والرحمة، وهو بدوره يحتاج لأكثر من وقفة للتأمل وقراءة متأنية لما يمكن أن تحدثه من إسقاط على الفكر الإنساني العالمي.

----------------

* باحث إسلامي من البحرين

 

طموحات لرسم واقع ديني وإنساني متميز في العالم

* د. الشيخ فيصل العوامي

بالرغم من الفوارق التي تظهر على الصور العامة لأتباع الديانات السماوية، إلا أن جميع هذه الديانات تحمل بين قيمها وتعاليمها الروح العليا للدين، كقيمة الانتماء إلى الله سبحانه، والدعوة للفضيلة في الحياة الفردية، والعدالة والمساواة في الحياة الاجتماعية، وثقافة الحق والحرية في الحياة السياسية، وما إلى ذلك.

لكن هذه الروح ستبقى ضبابية على الجميع مادام الانفصال الاجتماعي هو الخيار الحاكم في العلاقة بين الأتباع، خصوصاً القوى المفكرة منهم. ولا يمكن إزالة تلك الضبابية إلا بما دعا له القرآن الكريم في محكم آياته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...}. (سورة الحجرات -13)، فالتلاقي الجاد بين العقول المفكرة والمتصدية فعلاً، لمسؤولية التشريع، سيكشف بوضوح عن وجود تلك الروح، بل عن الكثير من المشتركات التي يمكن الانطلاق منها لرسم واقع ديني وإنساني متميز.

كما سيكون لذلك أبلغ الأثر على الأتباع أيضاً، ولعل أبرز تلك الآثار يمكن ملاحظتها في:

1- التقارب  النفسي والاجتماعي.

2- تخفيف التوترات.

3- التعرّف على الآخر عن قرب.

4- الانطلاق في العلاقة الاجتماعية والسياسية من روح الدين العليا، لا من الفوارق والمميزات.

لذلك ينبغي أن لا تكون هذه المبادرة يتيمة، بل يجب أن تتبعها مبادرات أكثر عمقاً، تتولّد عنها برامج عملية تركز على المشتركات. وتمنياتنا من أستاذنا الأجلّ، سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي - حفظه الله- الذي مثّل الصورة الحضارية الراقية للتشيّع في هذا الملتقى، أن يبادر بالخطوة الثانية عبر الدعوة لمؤتمر عالمي يجمع رجالات الديانات بلا استثناء، والقوى الفكرية المؤثرة عالمياً، بهدف الخروج بصيغ عملية تتكفل بتعميق الروح العليا للدين على المستوى الإنساني.

----------------

 * باحث قرآني وفقهي، القطيف – السعودية

توصيات نيّرة من صميم وثيقة المدينة المنورة

* د. نضير الخزرجي

عندما زرت دولة الفاتيكان في ربيع عام 2010م وتجولت في أروقة المبنى الرئيس وطفت على مقابر قادة المسيحية والبابوات ومراقدهم في الطابق السفلي، لم أجد من خلال الاحتكاك المباشر مع جموع المسيحيين وغيرهم من الزائرين ما ينزعني عن جلدتي كمسلم آمن بالله وبالرسول وبالقرآن الكريم المصدّق لما قبله من الرسل والكتب السماوية، فالأمر طبيعي للغاية، زرافات زرافات تستقبلهم دولة الفاتيكان القائمة وسط العاصمة الايطالية (روما) بلا تعقيدات، وبينا أنا شارد بنظري في التاريخ حدثت نفسي: لماذا يتقاتل أبناء البشر وهم يجمعهم رب واحد، وكل واحد منهم يدرك أن أباه واحد وأمّه واحدة؛ فآدم وحواء أبَوَا البشرية، إن كان المرء موحداً أو مشركاً أو ملحداً أو كافراً، أو إن كان عالماً أو متعلماً أو جاهلاً، فالكل يعودون لمصدر واحد، والأديان السماوية جاءت لطبابة الإنسان، وإنما أنزل الرب تعالى كتبه على جرعات بما يناسب واقع المجتمعات في كل حقبة من الزمن، ولم ينف القرآن الكريم ما قبله من الكتب، وإنما جاء مكملاً لها بما يتلاءم وعقلية المجتمعات الجديدة، داعياً البشرية الى عبادة رب و رفض عبادة المربوب، وهو الرب الذي خلق الإنسان حراً وطالبه بالاحتفاظ بحدود حريته لا يعتدي عليها أحد، لأن الاعتداء يحط من كرامة الإنسان وشخصيته، وكرامته عند خالقه مقدسة، بل إن تمام الحرية في تمام العبودية لله.

لم يكن سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، أول عمامة مسلمة تدخل محيط دولة الفاتيكان، وتحتك عن قرب مع قادة الدولة التي لها سفارات ومكاتب في دول كثيرة، وتتحاور مع قادة الأديان، ولم تكن هي العمامة الشيعية الإمامية الأولى، فقد سبقتها عمائم أخرى، ولكنها بالتأكيد هي أول عمامة مسلمة على قدر عال من العلم والمسؤولية، تتجاوز أعراف المؤسسة المرجعية الدينية، وتتصدى بنفسها لحضور مؤتمر عالمي تحت عنوان «مكافحة العبودية المعاصرة» عقد في دولة الفاتيكان في 2/12/2014م بحضور خمسة عشر قائداً من قادة وزعامات أديان سماوية وأرضية، لا لتسجل حضوراً فخرياً بقدر ما تسجل حضوراً فكرياً وعقائدياً اسلامياً وحضوراً قرآنياً، يضع النقاط على الحروف بما يجعل قادة الأديان الذين يمثلون غالبية سكان المعمورة أمام حقيقة الرسالة الإسلامية التي تنظر إلى الإنسان كإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض، ومن صفات الخليفة أن يسعى الى سيادة قيم الخير ومحاربة عوامل الشر، ولما كانت قيم الخير فطرية أصالة، فهي محل دعوة جميع الأديان، السماوية منها والأرضية، ولا يختلف عليها اثنان من حيث ايجابيتها ينشدها كل انسان مهما تمايزت الجنسيات واللغات والعقائد والأديان.

في الواقع ان الكلمة القيمة لسماحة الفقيه المدرسي، عكست حقيقة القيم الإسلامية الوثابة الى الخير، المتشربة بروح الشهادة الحسينية الرافضة للذل والخنوع والعبودية، فالمؤتمر الذي انعقد من أجل محاربة العبودية، يملك الواقع الاسلامي كل مفردات الحل لواقع البشرية المرير، من خلال استجلاء واقعة كربلاء واستحضار شخصية الإمام الحسين، عليه السلام، الذي قال فيه نبي الإسلام: «حسين مني وأنا من حسين»، هذه الشخصية العظيمة التي استحضرها سماحة الفقيه المدرسي امام قادة الأديان حتى يشعرهم أن الإسلام حارب العبودية بالفعل قبل القول.

أقدر روح التحدي التي يمتلكها الفقيه المدرسي والتي جسدها في التوصيات التي قدمها لقادة العالم الروحانيين، فهي توصيات ربما يجد معارضاً لها من داخل الإسلام نفسه بل ومن داخل المذهب، معارضة تستحضر الموت ونكد العيش بدلاً من الحياة وصفاء العيش، توصيات لا ترفض «صراع الحضارات» فحسب، ولا تراوح عند «حوار الحضارات»، بل تدعو وباصرار الى «تكامل الحضارات» والشعوب على أساس المحبة ونبذ الكراهية، فما الدين إلا الحب، وهذه التوصيات منسجمة تماما مع الروح التي سادت في بداية الدولة الاسلامية عندما وقع قادة الأديان على وثيقة المدينة المنورة.

إن البشرية بحاجة ماسّة الى ثقافة الحب وقبول الآخر، لا ثقافة الكراهية ورفض الآخر، والذي يسعى في الاتجاه الأول، لا يختلف عن أعداء الدين بشيء وإن رفع لواءه، والذي يتحرك في الاتجاه الثاني هو الدين بعينه وإن لم يرفع لواءه، فالدين هو الفطرة والفطرة هو الدين، والفطرة مساوقة للدين والإنسانية.

----------------

* كاتب عراقي مقيم في لندن، باحث مشارك في دائرة المعارف الحسينية واستاذ في الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية.

المسؤولية شاملة لإعادة الإنسان الى انسانيته

  * الشيخ معتصم سيد أحمد

وضع الإنسان في إطاره الطبيعي الذي أراده الله له والارتقاء به إلى درجة الكمال البشري مهمة في غاية الصعوبة، وتتعقد هذه المهمة اكثر إذا نظرنا للإنسان بوصفه كائناً يعيش ضمن محيط جغرافي وينتمي لواقع موضوعي يفرض عليه خيارات محددة، مضافاً إلى كونه متفاعلاً مع الظرف التاريخي الذي تتحكم فيه مجموعة من العوامل الخارجة عن إرادة الإنسان، فكل هذه الحقائق تشكل عقبات حقيقية أمام مسيرة الإنسان التكاملية، من ثم تحميل الإنسان منفرداً مسؤولية بعض الإخفاقات أو الظواهر السلبية بعيداً عن ملاحظة الواقع الحضاري الذي يعيش فيه قد تبعدنا كثيراً عن إيجاد حلول لهذه الظواهر، فالتوصيف الحقيقي لواقع الإنسان يجب أن لا يهمل كل هذه العوامل، كما لا يجب تصويرها كحتميات تشل إرادة الإنسان وتصادر خياراته، فإن النظرة الساذجة التي تصور الإنسان وكأنه يعيش في فراغ محايد لا يفرض عليه أي تقيّدات، أو النظرة التي تصوره كالريشة في مهب الرياح فتتلاعب به الاقدار، كلها تصورات خاطئة تبتعد عن الواقع الموضوعي للإنسان.

فأمام أي ظاهرة إنسانية سلبية، يُراد تقديم معالجات جذرية لها لابد أن تنطلق هذه المعالجة من تقييم حقيقي لواقع الإنسان وواقع الظرف الحضاري الذي يعيش فيه، فالمعالجات التي تنطلق من التركيز على نقاط الضعف في الإنسان، وإهمال مراكز القوة فيه، نجدها تبرر استسلام الإنسان أمام الظرف الحضاري الذي يفرض إملاءاته الخاصة، كما أن المعالجات التي تحفز إرادة الإنسان للمواجهة من غير أن تسهم في إيجاد حلول لإشكالات الواقع تنتهي في العادة بانكسار أرادة الإنسان أو هروبه من المواجهة.

من هنا يجب أن تتجه أي معالجات للظواهر السلبية في واقع الحياة الإنسانية إلى اتجاهين؛ اتجاه يعمل على معالجة نقاط الضعف في الإنسان، ومن ثم تحفيز نوازع الخير والكمال فيه، والاتجاه الآخر يعمل على إيجاد الحلول الشاملة للواقع الحضاري الذي يعيش فيه، ومن المؤكد فشل أي محاولة تحاول معالجة ظاهرة مع اهمال الظواهر الأخرى، فلا وجود لظاهرة سلبية منفصلة عن الظواهر الأخرى.

هذه المقدمة أرى أنها ضرورية ونحن نقف أمام المؤتمر الذي عقد في الفاتكان مؤخراً بحضور زعماء كل المذاهب والأديان للوقوف على ظاهرة العبودية بوصفها ظاهرة سلبية تهدد المجتمع الإنساني.

والعبودية في القرن الواحد والعشرين قد تختلف عن التي كانت في أوائل القرن التاسع عشر حيث كان يتم فيها نقل الناس من قارة إلى قارة، وكانت تجارة رائجة في حينها، وقد تطورت هذه الظاهرة مؤخراً واخذت اشكالاً مختلفة تؤدي في النهاية إلى استغلال الملايين من الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء العالم، وارغامهم للعيش كعبيد.

والعبودية بالمعنى المعاصر قد اتسعت لتشمل كل الاجناس والاعمار، فهناك نشاط محموم  لتجارة الأطفال و إرغام النساء على ممارسة البغاء أو التصوير الاباحي. ولو حاولنا توسيع الدائرة لتشمل نظام العمل في دول الخليج لملايين الأجانب الذين وفدوا للعمل هناك بعد الطفرة البترولية، نقف على استعباد ممنهج، يستغل حاجة العمال ليجعلهم في ظروف لا إنسانية، وقد أدانت كثير من المنظمات الإنسانية هذه الممارسات.

من هنا؛ فان ظاهرة العبودية، ظاهرة حقيقية، إلا أنه لا يمكن فصلها عن بقية الظواهر السلبية التي تعاني منها المجتمعات البشرية، وقد تكتسب هذه الظاهرة أهمية مضاعفة لكونها تشهد وبشكل واضح وصريح على المستوى الذي انزلقت إليه الإنسانية، ولذا من الضروري لعملية الإصلاح البشري أن تُرجع الإنسان إلى حيث يتمكن من استئناف المسير على أسس تقوم على الكرامة والحرية، وحيث لا يمكن الارتقاء بالإنسان وهو مازال يشعر بكونه سلعة تباع وتشترى.

ضمن هذه الزاوية نتفهم مؤتمر العبودية في الفاتكان لا لكي نتوقع منه تشكيل أداة تنفيذية لملاحقة هذه الظاهرة، وإنما فقط التركيز على قيمة الإنسان والتأكيد على كرامته وحريته، وهذه مهمة الأديان التي لم تأتِ إلا من اجل الإنسان وكرامته؛ {ولقد كرمنا بني آدم...}، ومن هنا يكتسب هذا المؤتمر أهميته عندما اجتمع فيه كل قادة الأديان والمذاهب بوصفهم ممثلين لتطلعات الإنسان وقيمه الكمالية، لأن الدين في محتواه الحضاري هو الجانب الروحي والمعنوي الذي يفتقده الإنسان في زحمة الحياة المادية، فالأديان هي النداء الداخلي للروح والوجدان والفطرة والضمير وهي التي تذكر الإنسان دائماً بقيم الحق والفضيلة ومن ثم هي المعبر الحقيقي عن فلسفة الإنسان وحِكمة وجوده وغاية خلقه، وبذلك لا يمكن أن نحمل هذا المؤتمر مسؤوليات يجب أن تقوم بها مؤسسات ومنظمات أخرى كما لا يمكن أن نحيد الحكومات والأنظمة السياسية، فالمسؤول امام هذه الظاهرة هو «الكل»، أو الإنسان بوصفه انساناً، فاجتماع زعماء المذاهب والأديان تحت عنوان محاربة العبودية، هو في واقع الأمر صرخة من داخل الضمير العالمي للإنسان لكي يعود الإنسان إلى إنسانيته ومن ثم يتحمل مسؤوليته.

ضمن هذا السياق كانت كلمة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، في هذا المؤتمر تعبيراً حقيقياً عن هذا الضمير الإنساني، فقد ذكّر بالفطرة التي يتجلى الله فيها بأسمائه الحسنى، فتجعل الإنسان يعشق الكمال؛ لأن الأسماء هي الدافع الفطري الذي يحرك الإنسان من الداخل فتنعكس في واقعه الحضاري قيم العلم والرحمة والكرامة والحرية والقدرة.

 ومن هنا، نجد أن سماحة السيد بدأ حديثه بقوله: «لقد خلق الله تعالى الخلق و أودع في ضمير كل واحد منهم عقلاً طبع فيه أسماءه الحسنى وكلماته المباركات، ليرسم له خارطة طريق الى تكامله وسعادته، فالله هو الرحمن الرحيم، وفي ضمير كل انسان بواعث الرحمة، والله هو العزيز الكريم، وفي ضمير كل انسان التطلع الى العزة والكرامة، والله عظيم متعال، وكل انسان يبحث عن التعالي والتكامل. ومن ابرز نعم ربنا الكرامة وهو الذي كرّم بني آدم ، ومن الكرامة تصدر الحرية ، ومن الحرية تنبعث كل صفات الخير».

 ضمن حدود هذه الكلمات، وما تستوعبه من آفاق واسعة تحلّق بالإنسان في رحاب معرفة الله واسمائه الحسنى، وما تحمله من قيم الكرامة والحرية وكل قيم الحق والفضيلة تنتهي مهمة هذا المؤتمر وهو تذكير الإنسان بواقع فطرته ومن ثم تجعله يتحمل كامل مسؤولياته كما كانت مهمة الأنبياء مذكرين ومنذرين.

----------------

* عالم دين وباحث اسلامي من السودان

الفكر الإسلامي والإسهام في بناء الأسرة البشرية الواحدة

 * السيد محسن القزويني

الحضور الاسلامي في المحافل الدولية مؤشر على تطور العمل الإسلامي الحضاري الذي يحمل مسؤولية عرض الاسلام في الألفية الثالثة من التاريخ البشري في عصر لامجال فيه للتقوقع والتحجربل في عصر فتح أبوابه أمام الحوار والتفاهم والتعايش. وربما أكثر من ذلك إلى التكامل والتعاون وهو ما ورد في كلمة المرجع الديني آية الله السيد محمد تقي المدرسي، حيث عدّت الأوساط الدينية والسياسية أن الفكرة التي أطلقها في المؤتمر أمام قادة الأديان، تمثل قفزة نوعية في مسار الفكر الاسلامي الذي بات فاتحاً ذراعيه بكل ثقة وعنفوان إلى جميع الأديان والمذاهب نحو التعاون والتكاملية متجاوزاً مرحلة الحوار الذي طرحته بعض الأطراف قبل عدة أعوام. فقد أغلقت الأبواب أمام نظرية صراع الحضارات التي أرادت أن تفتح أبواب جهنم أمام شعوب العالم باسم الصراع الأزلي وهي لاتدري أن الأديان السماوية جاءت من أجل سعادة الانسان ورفاهيته وليس من أجل تحطيمه.

لقد مد المسلمون وعبر ست الدقائق التي تحدث فيها السيد المدرسي أيديهم إلى العالم قائلين: باننا أصحاب مبدأ إنساني نحترم الانسان اينما كان ونحترم الأديان من أي مصدر كانت ونحترم الفكر من أي شخص كان حاملاً له. وفي عصر أصبح فيه العالم قرية صغيرة وأصبحت البشرية أسرة واحدة لابد من التعايش ولابد من التعاون والتكامل من أجل بناء كرتنا الأرضية ومن أجل إيقاف التداعيات والانهيار في أجزاء كثيرة من هذا العالم.

----------------

* مؤسس جامعة أهل البيت في كربلاء المقدسة

المرجع المدرسي ذكّر العالم بحاجته الى قيم النهضة الحسينية

* الشيخ علي قائد الدمني

كلمة سماحة المرجع المُدرسي في مؤتمر قمة الأديان في الفاتيكان، تدعونا للتأمل في نقطتين مهمتين:

الأولى: أن هذا الاجتماع بحد ذاته، يمثل منعطفاً تاريخياً لكل أتباع الأديان والمذاهب، ويصب في مصلحة الحق المتمثل في رسالة الاسلام المحمدي الأصيل. كما يغذي هذا الاجتماع تموجات فكرية عارمة لدى المفكرين والمنصفين من كل الأديان، ويبدو أن ثمرتها ستظهر في المستقبل.

الثانية: يمثل المؤتمر تحطيماً للحواجز المتراكمة عند أبناء الديانات الاخرى، وبين الرؤية الصحيحة والشفافة للإسلام.

و كانت للمرجعية الشيعية - رسالية، بكل ما تحمل من فكر رسالي وحضاري للبشرية جمعاء، وبكل ما تمثله من نهج الانبياء والأوصياء، عليهم السلام، كلمة جامعة - مانعة، لطرح منظومة القيم وتكاملها، وضرورة تعاون وتكامل الحضارات عبر تكريس تلك المبادئ والقيم الانسانية.

إن كلمة المرجع المدرسي، نبهت الى وحدة المنقذ ومخلّص البشرية من عوامل الضياع والشقاء، والتوجه الى الوعي الديني الصحيح لحل الازمات وتجاوز المشاكل والعقبات والشقاء الذي تعاني منه البشرية.

لقد نبّهت كلمة سماحته الى حاجة العالم الى أعظم شهيد في التاريخ البشري، وهو شهيد الاسلام وحفيد النبي المصطفى، صلى الله عليه وآله، ألا وهو الامام الحسين، عليه السلام، حيث تمكن، عليه السلام، عبر تضحياته ودمه الزكي، من تقويم الانحراف الكبير الذي كاد أن يطيح بالقيم الانسانية، وفي مقدمة هذه القيم التي حصّنها الامام بدمه الطاهر، هي قيمة الحرية والكرامة الانسانية التي تجسّدت في أرض الطف، وخلال المواجهة بين جبهة الحق المتمثلة بالإسلام المحمدي الأصيل، وبين جبهة الضلال والانحراف المتمثلة بأدعياء الإسلام.

----------------

* عالم دين من اليمن

هيأة التحرير
 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99


ارسل لصديق